كٌسّميات* في الفن والمجتمع، حنظلة 2007 آه ونص

• في البدء كان ناجي العلي ثم بقية الأشياء، وفي اليوم السابع كان كاتم الصوت.

• متى سيفهم الجلاد أن كاتم الصوت يكتم صوت الرصاصة لا صوت الضحية؟

• ما رأيكم بمعرض بعنوان "حنظلة 2007" قال صديقي الذي لا أعرف من اسمه سوى عنوان بريده الالكتروني، معرض لذكرى ناجي العلي، عشرون عاما على اغتياله، مجموعة كاريكاتيرات لناجي ولفنانين من حول العالم، معرض متنقل على باص، نثبت اللوحات على جوانب الباص وننطلق من لندن عائدين الى فلسطين مروراً بالدول الاوروبية فتركيا فسوريا فالأردن ففلسطين... ما رأيكم؟؟! قالها واختفى.

• صوت الضحية صوت، وللصوت صدى.

• حنظلة 2007 لن يبدأ من لندن هذا العام، والعودة الرمزية لناجي قد تكون العام القادم، حنظلة 2007 سيبدأ من رام الله وينتهي في غزة، فغزة اليوم هي الأبعد، ومدينة الضباب لهذا العام.

• ارسلنا دعوة برسالة من البريد الإلكتروني بعنوان " حنظلة 2007  معرض كاريكاتيرات ضد الاحتلال لذكرى ناجي العلي" وبدأنا البحث عن الرسامين المتضامنين مع فلسطين، خلال شهر تجمع لدينا رسامين من كل انحاء العالم الا استراليا وفلسطين.

• "وبلادنا، في ليلها الدمويّ جوهرة تشعّ على البعيد على البعيد تضيء خارجها...وأمّا نحن، داخلها، فنزداد اختناقا!" محمود درويش

• خالد العلي أرسل لنا بعض من رسومات والده عن فترة حرب المخيمات في لبنان، معظم الأسماء لم تتغير، والخطاب السياسي أيضاً وكأنها رسمت اليوم...

• " أنا الشرعي! أنا الشرعي!"

• "أمريكا عم بتحضرلنا بمؤتمر دولي وشكلها ناوية تخوزقنا"

• "يعيد التاريخ نفسه مرة بشكل مأساة و مرة بشكل مهزلة" كارل ماركس

• تاريخنا يعيد نفسه مأساة تلو مأساة لدرجة المهزلة.

• خلال شهرين أرسل لنا كل من كارلوس لطوف من البرازيل، محمد أبو عفيفة من الأردن، أسامة حجاج من الأردن، عبد طميش من فلسطين،  بن هاين من بلجيكا، ديفد بلنجر من أمريكا، عصام عودة من فلسطين، جون كينيدي من أيرلندا، ماهر فارس من فلسطين، كيتي ميراندا من أمريكا، خالد الهاشمي من البحرين، خليل أبو عرفة من فلسطين، مايك فلوغن أيك من أمريكا، خليل بن ديب من الجزائر، ناصر الجعفري من الأردن، محمد النمنم من فلسطين، وستيف بل من بريطانيا...و قبل العرض باسبوع أرسل جونثان شابيرو من جنوب أفريقيا وكله خجل ومعتذرا لتأخره في الرد...لم اخبره أن بعض من هم في رام الله لم يرسلوا حتى رداً بسيطا بأنهم غير معنيين بالمشاركة وأن عرضا عن فلسطين ولو في الصين سيكون أجمل على سيرتهم الذاتية.

• كلما ابتعد الفلسطينيون عن فلسطين ازدادوا فلسطينيةً.

• أثناء البحث عن الرسامين وعناوينهم جاء الممولون..

• "نحب ناجي،  ونحب فلسطين و سندفع ما تحتاجون لتمويل العرض."

• ولأن ناجي خط أحمر ولا نريد لدمه أن يكون براءة ذمة لأحد فلا أحد بريء من دمه حتى نحن فاعتذرنا..

• "نريد أن يكون العرض  بإسم حنظلة 2007 عشرون عاما على اغتيال ناجي العلي، فقط ولا شيء أكثر، لا أسماء ولا ممولين، فما رأيكم؟ ألو!! ألو؟ انقطع الاتصال.

• لا بحر في رام الله لكن ركوب الامواج ممكن دوما.

• هل كنا سنكون اكثر صدقاً لو كان اسم المعرض حنظلة 2007 عشرون عاما على اغتيال ناجي العلي بدعم من جمعية رجال الأعمال... مثلاً؟

• "ما رأيكم دام عزكم يا أنتيكات؟ يا غرقانين في المأكولات والملبوسات، يا دفيانين ومولعين الدفايات، يا محفلطين يا ملمعين يا جيم سينات، يا بتوع نضال آخر زمن في العوامات." أحمد فؤاد نجم

• قبل العرض بيوم  وأثناء تجميع اللوحات وكل شيء في تمامه إتصلت بمحمد النمنم في غزة حيث تأخرت رسوماته..

• "محمد ماوصلتنيش الكاركاتيرات منك."

• "أسف... قاطعة الكهرباء."

• وبعد ساعتين..

• "محمد ماوصلتنيش الكاركاتيرات يا محمد... المعرض بوكرا!"

• "أسف... بس الكهربا لسا قاطعه... من يوم ما قطعوا البنزين عن غزة طفت محطة توليد الكهربا... صرلها تلات ايام قاطعة زي ما انت عارف."

• خجلت أن اخبره أني "مش عارف" وكل ما أعرفه أن الحكومة الأردنية منعت الشاورما في عمّان.

• غزة مدينة بمليون ونصف كائن حي ناطق قادرة على الحياة لثلاثة أيام بلا كهرباء وماء و بالتأكيد بلا شاورما.

• قمنا بتجميع الكاريكاتيرات المئة والخمسين على لوحات ضخمة وطبعناها لتكون غطاء للباص، ثمانية عشر رساما قاموا بتغطية الباص تماما.

• الباص باص لنقل طلاب مدرسة المستقبل، تبرعت المدرسة به للمعرض، وطلبت المديرة من سائق الباص أن يتنازل عن أجره، فوافق متململاً.

• مع بدايات طرح فكرة المعرض لم نفكر بالعرض في قاعة فنحن نؤمن أن الفن يجب أن يكون طبقا شعبياً كالفلافل، قيمته في قربه من الشارع وفقدانه لقيمته الطبقية، لكننا ترددنا بخصوص الباص، فالباص سيجعل اللوحات متقاربة، مما سيسبب أزمة بين المتفرجين وسيمنع البعض من الاقتراب من اللوحات.

• في مقر محافظة رام الله كان الحديث أيضا عن أزمة السير التي سيسببها المعرض و الارباك الذي سيسببه الماره المتفرجين... وافقت المحافظة في النهاية بشرط أن تنظم الشرطة محيط المعرض.

• أوقفنا الباص في المنارة، مركز مدينة رام الله، وجلسنا نراقب الباص، ثمانية عشر رساما رسموا لفلسطين، تغطي رسوماتهم المئة والخمسين باصاً أصفراً فاقع اللون، في مركز مدينة رام الله ونقطة عبور اجبارية لمئتي ألف من المواطنين"مع التحفظ"... والجمهور كنا نحن وسائق الباص و الشرطة فقط.

• "كم كنت وحدك، يا ابن أمي، يا ابن أكثر من أب، كم كنت وحدك." محمود درويش

• بعد تسع ساعات من الاحباط لم يتجاوز الحضور الأربعين متفرج.

• "إذا لم تنطبق النظرية على الواقع...غيّر الواقع." ألبرت أينشتاين

• في اليوم التالي ذهبنا بالباص الى بيت لحم، توقف الباص في ساحة المهد، وكما في رام الله كنا نحن الجمهور! لم لا يتوقف المارة؟ هل الفن حقيقة قطّ منزلي يجب أن يبقى بعيدا عن الشارع، مدللاً في قاعات العرض؟ أم أنهم رأوا حنظلة فأشاحوا خجلا؟

• لا أحد بريء من دمه

• في دمشق، مخيم اليرموك، كنا نصيد الحمام، نكشّ حمامنا فيطير ويطير وحين يحطّ، يحطّ مع من طار معه من الحمام المارّ ويصير حمامنا أيضا.

• وقفنا نحن كمن يشاهد المعرض ومثّلنا أننا نقرأ الكاريكاتيرات، بعد قليل توقف أحدهم بدافع الفضول...ثم آخر...ثم آخر. حتى مغيب الشمس كان هنالك حشد حقيقي أمام الباص.

• "يطير الحمام، يحط الحمام، أعدي لي الأرض كي أستريح فإني أحبك حتى التعب." محمود درويش

• الباص في طريقه الى حيفا وما بعد حيفا...الى غزة، ولغزة سنرسل اللوحات بالبريد ولترين من البنزين للباص هنالك، وقليل من الحب ولا شيء أكثر، لا أكثر لدينا.

• •بينما أكتب هذا أرست لكارلوس لطوف صور المعرض...فاتصل..

” I love you Palestinians, unbreakable…so amazing! “

• فعدت ونظرت الى الصور، ابتسمت... ربما.

• سائق الباص وبعد أن خرجنا من مكتب المديرة قال: "أنا بشتغلش ببلاش، وبقدرش أحكيلها لأ... فشوفوا شو بدكم تعملوا...أنا عندي ولاد."

• من الواضح أن خللاً أخو شليتة قد أصابنا نحن الفلسطينيين.

• كم نحتاج من البرازيليين كي يحب الفلسطينيون فلسطين مرةً اخرى؟!

• هل كان ناجي عبءً علينا؟ هل كان حنظلة ضمير يجب أن يصمت لتسّليك الأعمال؟

• في البدء كان ناجي العلي ثم بقية الأشياء، وفي اليوم السابع كان كاتم الصوت فاستراحوا.

عامر شوملي عن المجموعة " باسل نصر، ميسرة عبد الحق، سارة سمارة، محمد مراغة، ضرار كلش، محمد أبو اسحق، مجدي النجار، وأخيرا صديقي الذي لا أعرف من اسمه سوى عنوان بريده الالكتروني "

* لا يوجد خطأ إملائي في كتابة العنوان - كما يحدث في هذا الموقع بعض الأحيان - و للاستفسار عن المعنى يرجى مراسلة الكاتب على العنوان التالي: jadalshomali@gmail.com