لقاء مع فنان الكاريكاتير التونسي الشاذلي بلخامسة

قيم هذا الموضوع: 
Average: 4.6 (8 votes)
هو من الفنانين التونسيين القلائل الذين استطاعوا البقاء في الساحة في سنوات التصحر التي تعرّض لها فن الكاريكاتير، في هذا الحوار الخاص بموقع "بيت الكرتون العربي" نعرف كيف تمكن الشاذلي بلخامسة من تحقيق ذلك، ونتطرق معه لمواضيع أخرى في عالم الكاريكاتير.
 
- كيف تقدم تجربتك في فن الكاريكاتير، خصوصا أنك تعدّ واحدا من أهم وجوه هذا الفن في تونس وبالذات لدى المواطن العادي؟
كان لي الحظ أنني درست فن الرسم أكاديميا، علما أن الكاريكاتير لا يدرس في تونس، وقبل ممارسة الكاريكاتير مررت بالفنون الأخرى مثل التصميم والرسم الزيتي، أنا لم أسطر لنفسي مشروعا، ذهبت في اتجاهات عديدة في المسرح والسينما والتلفزيون وغادرت تونس عدة مرات، وفي كل مرة أعود إلى الكاريكاتير، هذا الفن يحتاج إلى ثقافة ثرية واطلاع على مشاكل البلاد على المستويات الفكرية والاقتصادية والسياسية وهذا ما أتاحه لي كوني صحفيا، أنا اشتغلت 40 سنة في الصحافة والكاريكاتير، وجئت من جيل استفاد من الجيل الذي سبقه وعلى رأسهم علي عبيد.
 
- كيف كانت البداية بالضبط؟
لم يكن قرارا اتخذته، درست في كلية الفنون الجميلة ثم اشتغلت بالتدريس قبل أن أفضّل العمل الحر عبر الإشهار (الإعلانات)، كانت المجموعة التي أخالطها من الأصدقاء في معظمهم صحافيين، وهكذا دخلت عالم الصحافة، أول رسم كاريكاتيري لي كان في حرب أكتوبر 1973 وقتها طُلب مني تصوير غولدا مائير، واحتجت الكثير من الوقت في البداية، حتى وجدت شكلي الخاص، اكتشفت مع الوقت أن الكاريكاتير ليس فنا فحسب، هو فن له أبعاد أخرى، في كل عمل تجد نفسك متورطا سياسيا واجتماعيا.
 
- عشت في زمن كان فيه فن الكاريكاتير هامشيا، وكنت من القلة التي نجحت في الاستمرار، هل حاولت تمرير بعض المواقف المناهضة للأوضاع السياسية؟
لنتصوّر أنك أنجزت أعمالا تنتقد النظام فمن سينشرها؟ وفي حالة النشر ستكون العواقب وخيمة للغاية، بداية من مدير الجريدة وصولا إليّ، ثم بعد كل ذلك ستذهب الجريدة إلى عدد محدود من القراء، عندي رسومات أنجزتها في السابق وقررت أن لا أنشرها اليوم، فهي حسب رأيي حركة بلا جدوى اليوم، الكاريكاتير الذي لا يراه أحد في وقته لا معنى له.
- لكنك لم تتوقف
لم أتوقف لأنني ذهبت نحو الاختيارات و المواضيع الاجتماعية، وفي المرّات التي تطرقت فيها للسياسة لم أسقط في فخ مدح النظام، كنت أتملص من المهام التي يكلفونني بها وأجد فيها تزيينا للنظام، كنت أتذرّع بأسباب مختلقة مثل ادعاء المرض أو عدم كفاية الوقت، هناك طرفة أذكرها مع عبد الوهاب عبد الله* حين كان مديرا في جريدة  La presse  في أواخر عهد بورقيبة وبداية عهد بن علي، في سنة 1989 جاءني وطلب مني أن أرسم شيئا حول الاحتفال بعيد الاستقلال يوم 20 مارس، سلمته رسما لشارع فارغ بالكامل وليس فيه سوى لافتات الاحتفال لا غير، غضب وقال: "ما هذا؟"، فقلت له: "افتح النافذة وسترى"، وبالفعل فإن عيد الاستقلال من فرط ما أصبح عليه من المناسباتية واستغلاله لتلميع صورة النظام فإن التونسيين أصبحوا لا يحتفلون به في الأماكن العمومية، أي أنه أصبح مجرد يوم عطلة، منذ ذلك الوقت لم يحدثني عبد الوهاب عبد الله عن الكاريكاتير.
 
- حتى الجانب الاجتماعي كان مراقبا، كيف نجحت في الإفلات من قبضة الرقيب؟
سعيت على أن ألعب على بعدي الظاهر والخفي، وهي تقنية فنية استعملت خاصة في المسرح من قبل توفيق الجبالي وفاضل الجعايبي لتمرير مواقفهم في زمن القمع، وأغلب الكاريكاتيريين كانوا يستخدمون ذلك. في معظم الأحيان يجد المتابعون صعوبة من فرط رمزية الرسومات فيأتونني يسألون عن سر الرسومات، يقولون: "أين هي الفعلة التي لا بد وأنك قد دسستها؟"،  بمثل هذه المراوغات نجحت في البقاء، ولكن لا تتصوّر أنني نجوت من المضايقات، مثلا بقيت 10 سنوات لم تنشر لي رسومات في الجريدة، وكانت جرايتي الشهرية تصرف لي بصفة عادية، وكلما اتجهت للإدارة لأشكو بطالتي كانوا يقولون لي "راتبك يصرف لك، فماذا تريد؟"، خرجت من هذه البطالة القسرية عبر فسحة المجلة الأسبوعية التي تصدرها جريدة La presse  كل يوم أحد، وكان يعهد لي بتصميم الغلاف والذي حولته إلى موقع لنشر رسوماتي الكاريكاتيرية.
 
- عدد رسامي الكاريكاتير في تونس يعد قليلا نسبيا، بماذا تفسر ذلك؟
 قبل الثورة كان عدد الجرائد قليلا، أي أن فضاءات التعبير قليلة للغاية، وعدد قليل من بين هذه الجرائد من كانت تفسح المجال للكاريكاتير، ففيما عدا علي عبيد، الحبيب بو حوال، وحسن مشيشي وأنا وقلة آخرين، فالبقية كانوا عابرين، وإذا اختنقت الصحافة فالكاريكاتير بالضرورة يختنق، ولم يتبدل الوضع الا بصعود التقنيات الحديثة، كما أشير أن الجانب المادي والحوافز ظل عائقا أمام تطور الكاريكاتير في تونس.
 
-  بعد الثورة ظهر جيل جديد ولكنه لم يفرض نفسه بعد، لماذا؟
 
من المستحيل أن يكون رسام الكاريكاتير جاهزا منذ البداية، وفي تونس أجد أن الجرائد لا تصبر على الرسامين، ليس من السهل أن يتأقلم الرسام مع إطار مثل الجريدة التي لها أهداف وميول وعلاقات، ألم تتساءل لماذا لا يوجد كاريكاتير في الجرائد التابعة لتيار الإسلام السياسي؟ ببساطة لأنها لا تفسح لها المجال. وحين جاء الرسام الفرنسي بلانتو تساءل نفس السؤال وبحثنا ولم نجد رسام كاريكاتير واحد يدافع عن هذا التيار السياسي.
 
- سأعطيك عددا من أسماء رسامي الكاريكاتير المشهورين في تونس، وتجيبني عن رأيك وعلاقتك بهم?
علي عبيد: أحترمه كثيرا، خرج من الصفر تقريبا وأصبح فنان كبيرا، قصة هذا الرجل عجيبة، فقد كانت حارسا شخصيا للرئيس الحبيب بورقيبة، وبعد حادث مرور لم يعد قادرا على أداء هذه المهنة فتم وضعه في مكتب في دار الحزب، ثم أصبح بوابا في جريدة الحزب، ولملء أوقات فراغه كان يقوم برسومات، وذات مرة وقعت إحداها بين يدي مدير الجريدة فقام بتكليفه بعمل وكانت تلك بدايته، حظي بحرية خاصة فقد كان الوحيد الذي يخوّل له النظام رسم الوزراء، أعتبره فنانا لم يأت في الزمن المناسب، ولم يلق أي معاملة حسنة من المسؤولين.
توفيق الكوكي: له شكل خاص به
حبيب بوحوال: كان رساما رائعا ولم يعد بعد الكتاب الذي أنجزه لتلميع صورة النظام.
لطفي بن ساسي: يعجبني ككاتب قول ساخر ولكن بالنسبة للكاريكاتير لا أدري، الكاريكاتير حسب رأيي كلّ متكامل، هناك من يحسن إلقاء نص ولكنه لا يجيد التمثيل، فهل يمكن أن يكون هذا مسرحا، نفس الشيء أقوله عن نادية الخياري.
توفيق عمران: رسام كاريكاتير جيد وله آراء خاصة و أسلوب خاص.
 رشيد الرحموني: لديه أفكار جيدة ولكن رسوماته مثقلة بالكلام، هناك تفسير أكثر من اللازم وهذا عكس فلسفة الكاريكاتير الذي يعتمد على الاختصار.
 
- كيف تقيم تجارب الجيل الجديد؟
هو جيل مختلف، جيل وجد أمامه الانترنيت والفيسبوك و التويتر، كان كامنا في السابق، ولكن لا يذهب في ظن أحد بأنهم بدأوا بمناسبة الثورة، كانت أعمالهم تتداول، ولكن بصفة شخصية، ومع الثورة خرجت الأعمال للضوء، أثناء الثورة نشطت عدة أسماء، مثلا "زاد" كان نشطا للغاية في ذلك الشهر ونادية الخياري.
 
- على ذكر "زاد"، ماذا تعرف عن هذا الرسام الكاريكاتيري الذي لا يعرف أحد من هو؟
هو مهندس معماري يقيم في باريس، وهذا كل ما يريد أن يصرّح به، كان ناشطا في آخر سنوات بن علي على مدوّنته في الانترنيت، لازال "زاد" يرد البقاء مختبئا ولا يريد الظهور، وهذا الاختباء يمكنه من مهاجمة من يريد وما يريد بكامل حريته، درجة الوقاحة التي يستطيع استعمالها عالية للغاية.
 
- لماذا يعرف ذلك النجاح الكبير؟
 كونه مختفيا أفاد أعماله من ناحية الشهرة، ذات مرة شاكسني فقلت له أنت تشاكسني لأنك تعرفني، وأنا لا أستطيع أن أشاكسك لأنني لا أعرفك (كان ذلك في عهد بن علي) وكان يرسل لي رسوماته، هو إنسان له كل الحرية و اختار أن يكون كذلك.
 
- لو أنه في تونس هل يستطيع انجاز ما يقوم به؟
 صدقني لو كان في تونس ومعروفا فإن أكثر من نصف رسوماته ما كانت لتظهر، بل أنه لم يكن ليفكر فيها أصلا.
 
- بعد الثورة تخلصنا من قيود الرقابة السياسية، ولكن  تبيّن أن هناك قيودا أخرى مجتمعية وعقائدية، كيف ترى ذلك؟
من قبل كانت هناك قيود سياسية، ولكن المشهد كان في عمومه محكوما بقواعد واضحة للجميع، حتى أصبحنا نعرف أن هناك أشياء لا يمكن الحديث عنها وهي واضحة، وهناك الهامش الذي يمكن الحديث عنه وكان واضحا، الآن ما حدث هو أن القواعد انهارت وأصبح جارك يمكنه أن يكون سلطة عليك، وربما أحد لا تعرفه لم يعجبه شيء فيك أو في أقوالك ومواقفك، وهذا النوع من الحرية ثمنها العودة للأدغال.
 
- لماذا يتقدم المغاربة والجزائريون على التونسيين في فن الكاريكاتير؟
 بدأ الجزائريون قبلنا بكثير، في الثمانينات شاركتُ في معرض في الجزائر، ووجدت أن لديهم قرابة الـ 20 كاريكاتيريست وقرابة 40 جريدة، وكانت الجرأة موجودة منذ فترة حكم الرئيس الهواري بومدين ولا وجود لمضايقات ضد الكاريكاتيريين، وساهم استعمالهم الكثيف للفرنسية في انفتاحهم، كما أن لهم خصائص على مستوى التصميم، في المغرب لهم مساحة حرية جيدة ولكنها محدودة بعدم المساس بالملك ولازال هذا الأمر حاصلا.
 
- كيف جاءتك فكرة إصدار كتابك الأخير « Toubib or not toubib »؟
هو حوصلة لأعمال أنجزتها لمجلة صحية تونسية، عادة ما أتناول كاريكاتيريا المواضيع الصحية سواء البدنية أو النفسية أو العقلية أو الجنسية، أنجزت 300 كاريكاتير فطرحت عليّ رئيسة التحرير سندة بكار فكرة أن نجمع عددا منها في كتاب.
 
- هل لديك كتب أخرى؟
لدي عمل "موش نرمال" تحدثت فيه عن المجتمع التونسي من خلال البضائع الموسمية التي تغزو الأسواق، كما كنت من مؤسسي مجلة الأطفال "قوس قزح" مع حبيب بوحوال، منصف الكاتب وعبد القادر سالم.
 
- التعليقات والمداخلات التي تظهر في رسوماتك تكون غالبا مكتوبة باللغة الفرنسية، لماذا هذا الاختيار؟
لسبب بسيط هو أنني اشتغلت 40 سنة في جريدة ناطقة باللغة الفرنسية، لكنني اشتغلت أيضا باللغة العربية وأنجزت أشرطة مصوّرة، ويبقى الأهم في الكاريكاتير هو الصورة أما الكلام فهو تكميلي.
 
- هل هناك فرق بين رسامي الكاريكاتير الذين يستعملون اللغة العربية ومن يستعملون اللغة الفرنسية؟
لا وجود لاختلاف كبير.
 
- لماذا تضامن عدد من رسامي الكاريكاتير مع المدون جابر الماجري؟
كان ذلك أساسا من أجل الدفاع على قضية حرية التعبير، لنتفق أولا أن جابر لم يكن صاحب الصورة، هو مجرد ناقل، العقوبة كانت قاسية، ولماذا هو بالذات؟ حاولوا جعله مثالا فاختاروا شخصا ليس له قوة لكي يخاف الآخرونن وكانت كذلك ضربة ضد العلمانيين في صراع مجتمعي تعرفه تونس.
 
- لماذا لم يلتئم بعد إلى اتحاد رسامي الكاريكاتير التونسي؟
 في حياتي عرفت قرابة 10 اتحادات (في الكاريكاتير 3) و أعرف أن هذه الهياكل لا توصل إلى شيء، أرى أنها أدوات يصل بها بعض الأشخاص لأهدافهم، من الصعب أن يستفيد الجميع منها.
 
- هل تهتم بالمسابقات العربية؟
في الحقيقة، لا أحب المسابقات كثيرا، صحيح أنني شاركت وتحصلت على جوائز، ولكن الجوائز التي تحصلت عليها لم تكن غالبا نتيجة لمسابقة وإنما هي جوائز على مجمل أعمالي مثل آخر جائزة تحصلت عليها "جائزة حرية الصحافة" من طرف جامعة منوبة، الفن ليس مثل الرياضة عليك أن تثبت في كل مرة مقدرتك.
 
- هل تتابع أعمال رسامي الكاريكاتير العرب؟
يعجبني كثيرا الفنان السوري علي فرزات، تعرض للعنف من قبل نظام بشار الأسد  واعتدت عليه المعارضة أيضا مما يثبت أنه رسام حرّ بالفعل، أسماء كثيرة تلفت انتباهي في مصر ولبنان كما يعجبني بالخصوص الفنان الليبي محمد الزواوي الذي توفي قبل سنتين.
 
بعض رسوم الشاذلي بلخامسة في المعرض التالي
* كان له سطوة كبيرة على الإعلام التونسي، خاصة منذ توليه منصب مستشار الرئيس زين العبدين بن علي في المجال الإعلامي
 
Boys Shoes

معرض الصور