لمحة موجزة عن تاريخ الكاريكاتير في تونس

قيم هذا الموضوع: 
Average: 1.7 (3 votes)

لا يمكن الحديث عن حركة الكاريكاتير بتونس دون الرجوع إلى تاريخ الصحافة الهزيلة بهذا البلد، والتي انطلقت منذ دخول الاستعمار الفرنسي سنة 1881. كانت البداية مع فرنسيين قاموا بنشر جرائد هزلية باللغة الفرنسية، وبعد ذلك دخل تونسيون على الخط وبدأوا بنشر جرائد متعددة تتناول المشاكل الإجتماعية والسياسية بطريقة هزلية. وكانت هذه الصحافة إحدى وسائل المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وقد برزت عدة جرائد وشخصيات ثقافية نذكر منها خصوصا :

- جريدة "النمس" لصاحبها محمد بلحاج محمود التونسي

- جريدة "جحا" لصاحبها أحمد بن الشيخ البنعيسي

- جريدة "النديم" لصاحبها حسين الجزيري، وهي أشهرها، واستمدّت شهرتها من مؤسسها سابق الذكر وهو صحافي هزلي ومثقف ذائع الصّيت.

- جريدة "السرور" لصاحبها علي الدوعاجي.

- جريدة "النسناس" لصاحبها محمد مختار سعادة.

- جريدة "الفرززّو" لصاحبها الهادي العبيدي الذي يلقّبه الصحفيون بأب الصحافة التونسية.

من خلال نشر الجرائد المذكورة زمن الإستعمار، لم نستطع أن نلحظ بروز رسامي كاريكاتر بها، وذلك لتغليبها النكتة المكتوبة والنص الهزلي على الرسم... ولم تتشكل حركة الكاريكاتير بتونس إلاّ بعد الإستقلال عند ظهور صحافة وطنية ومستقلّة.

ويمكن تقسيم هذه الحركة إلى ثلاثة  مراحل :

• مرحلة ما بعد الإستقلال / النظام البورقيبي (1955 – 1987) :

تميّزت بداية هذه المرحلة، أي زمن الإستقلال المبكّر، بالإحتشام حيث برزت أسماء قليلة جدّا أمثال علي عبيد (ويعتبر عميد الكاريكاتيريين التونسيين)، محمود الرباعي وحسن المشيشي... وقد بدأت أعمال هؤلاء في النضج مع بداية السبعينات غير أنهم لم يجدوا مجالا رحبا للتعبير إذ اقتصر عملهم على الصحافة الموجودة بالسوق وقتها وهي صحافة تملكها الدولة أو الحزب الحاكم (الحزب الاشتراكي الدستوري)، حزب برقيبة. أما الصحافة المستقلة والحرّة فكانت منعدمة تماما. ويعتبر هذا الثلاثي مجموعة "الجيل الأول".

وفي تلك الفترة (السبعينات) بدأ جيل جديد يتبلور في عالم الصحافة... هذا الجيل الذي كان قد هاجر إلى فرنسا وانفتح على الثقافة الغربية فتشبع بثقافة الحرية والديمقراطيـــة. وعند عودته إلى أرض الوطن بدأت تتشكل حركة فكرية جديدة في ميادين شتّى... بداية بالصحافة والكاريكاتير ووصولا إلى السينما والمسرح والفن التشكيلي والموسيقى والأدب رواية وشعرا... وفي أواخر السبعينات / بداية الثمانينات بدأت تظهر إلى الوجود الصحافة الحرّة وصحافة الرأي والمعارضة...

من بين هذه الجرائد نذكر "الرأي"، "Le Phare" كصحافة مستقلّة و"المستقبل" و"الوحدة" و"الموقف" كصحافة حزبية، إلخ...

وأطلقت هذه الجرائد العنان لرسامي الكاريكاتير، فظهرت موجة جديدة تتسم بعمق التفكير والجرأة وجمال الرسم، فكانت بعض الأسماء علامة بارزة في ذلك الوقت كالحبيب بوحــــوّال والشاذلي بلخامسة ومصطفى المرشاوي... ويعتبر هذا الثلاثي مجموعة "الجيل الثاني".

أمّا "الجيل الثالث" الذي بدأ بالبــــــروز في بداية الثمانينات فكان أكثر ما يميـــــزه هو الكم... بدأ عدد رسامي الكاريكاتير في التكاثر فتعددت الأساليب واشتدّ التنافس، هذا الجيل بدأ يتحسّس الطريق بمساعدة "الجيل الثاني" إذ كان الجيلان يشتغلان جنبا إلى جنب، ونذكر منهم خصوصا لطفي بن ساسي، عماد بن حميدة، عادل أمبيّة، توفيق عمران، رشيد الرحموني، حاتم بلحاج، توفيق الكوكي، منير الهادفي، عبد الوهاب المجدوب، ليليا هلول، إلخ...

• المرحلة النوفمبرية / نظام بن علي (1987 – 2011) :

كانت مرحلة الثمانينات منتعشة فكريا وثقافيا وسياسيّا وكان هناك هامش من الحرية سمح لعديد رسامي الكاريكاتير بالبروز.

أما عند صعود بن علي إلى سدّة الحكم فقد بدأ يغلق شيئا فشيئا منافذ حرية التعبير وكانت الضحية الأولى الصحافة، ومعها طبعا رسامو الكاريكاتير فغابت عدة أسماء (البعض هاجر والبعض الآخر اشتغل بالتعليم أو بالإعلانات) ولم تبق إلا بعض الأسماء القليلة ببعض الجرائد التي حافظت على بقاءها وعلى عادة الكاريكاتير، وهي تذكر لتشكر لأنها ساعدت بعض الأسمـــاء على البقاء. نذكر خاصة : الشاذلي بلخامسة ولطفي بن ساسي بجريــــــدة La Presse، حاتم بلحاج بجريدة Le Temps، عماد بن حميدة بجريدة Tunis Hebdo، المجدوب والهادفي بجريدة الأخبار، عادل أمبية بجريدة الصريح... في حين انسحب كلّ من الحبيب بوحوال ومصطفى المرشاوي وتوفيق عمران ...

• مرحلة ما بعد الثورة :

مع سقوط بن علي تفجرت مواهب المبدعين التونسيين عموما ورسامي الكاريكاتير خصوصا. لقد تغيّر الخط التحريري للصحافة، وأطلق الصاحفيون والكاريكاتوريون العنان لأفكارهم فأفرزت حركة تتسم بالجدية والعمق حينا وبالانفلات حينا آخر. فبرزت أسماء، وعادت أسماء أخرى... ويمكن أن نصنّف رسامي هذه المرحلة إلى ثلاثة أصناف.

- الصنف الأول : عودة الرسامين المنسحبين زمن بن علي، مثل الحبيب بوحوّال، توفيق عمران ...

- الصنف الثاني : الوجه الجديد الذي ظهر به الرسامون الذين صمدوا تحت نظام بن علي برسوم أكثر جرأة وذات عمق فكري وسياسي وذلك لتوفّر الأرضية الملائمـــة إذ كان النقد زمن بن علي، مرفوضا بصفة قطعية... مثل الشادلي بلخامسة ولطفي بن ساسي.

- الصنف الثالث : وهو الأهم في نظري وأسمّيه "الجيل الرابع" أو جيل الثـــــــورة، إنه جيل الشباب الذي أفرزته شبكات التواصل (فيس بوك وتويتر). وتتسم أعمالهم بالطرافة والظرافة حينا والمشاكسة والجرأة حينا آخر. وبرزت مجموعات وأسماء عديدة، وأطرف ما كان يميّز هؤلاء أن أغلبهم يستعمل أسماء مستعارة لأنهم بدأوا بنشر رسومهم قبل سقوط بن علي والظروف الأمنية تحتم الحيطة... نذكر مثلا :

o مجموعة Bande de BD

o E-revolution، ولّيس (Willis)، أدينوف، سلمان أرت، عم الطاهر، Z،

وغيرهم ...

هذا الجيل هو الذي سيرفع مشعل التحدي، إذ أن الأرضية الخصبة المتوفرة اليوم تسمح بولادة جيل متنوّع، مختلف، متمكّن من التقنيات العصرية... إنّه جيل الحرية.

خلاصة القول، يعتبر حضور الكاريكاتير بالصحافة المكتوبة المحرار الذي يقاس به درجة حرية التعبير... فالديمقراطية تفتح ذراعيها للكاريكاتير، أما الدكتاتورية فتلفظها لفظا.

Nike Zoom Shift Shoe

معرض الصور

أدينوف
الشادلي بلخامسة
لطفي بن ساسي
الحبيب بوحوال
مصطفى المرشاوي
جريدة النسناس
توفيق عمران
Z