يوميات رسام كاريكاتير

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات

حصار الثلج

كانت أياماً سوداء رغم البياض الكثيف الذي لفّ الحياة في العاصمة الأردنية عمان، أيامها كنت قد طلبت اللجوء الإنساني في مكتب صديقي الصحافي المغامر رائد صالحة للإعلان والتوزيع، والذي منحني إياه عن طيب خاطر في ذلك الزمن الأغبر الذي كانت فيه الدول العربية ترفض حتى مجرد العبور في مطاراتها.

كان الاتفاق أن أتسلل كل يوم قبل نهاية الدوام بساعة ويغلق عليّ الباب سرا بعيدا عن أنظار حارس البوابة الصعيدي الذي بدوره يقوم بإغلاق بوابة العمارة والذهاب للمبيت في منزله.

في تلك الليلة شديدة البرودة سقطت كميات كبيرة من الثلوج تسببت بتوقف الحياة في عمان، ولمدة ثلاثة أيام متواصلة توقف فيها كل شيء حتى الماء فضل البقاء في الأنابيب خوفا من برودة الجو وطمعاً ببعض الدفء الذي لم يكن له أية حضور في البناية المهجورة تماماً من حارسها الهمام ومن قاطنيها المنكمشين في منازلهم،

لم أكن محتاطاً لهذه الأجواء قاسية البرودة، وأنا القادم من أقصى جنوب الحريق العراقي ابن الصحراء الذي لم يشاهد الثلج إلا من خلال التلفاز.

المصيبة الأكبر في هذا الموضوع أني لم أكن محتاطاً في موضوع الأكل والشرب، فلم يكن في حقيبة ملابسي اليتيمة غير خبزة لبنانية الأصل رشيقة جدا وتعاني من فقر الدم، وعلبة جبن من نوع المثلثات بقي فيها أربع قطع فقط، كنت قد ادخرتهما لليوم التالي للفطور.. لكن اليوم التالي لم يكن متوقعا منه أن يكون كما كان.

ذهبت للحنفية لغسل وجهي المندهش من نصاعة البياض المنتشر في كل مكان، لكني فوجئت بأن الماء كان قد توقف عن النزول في هذا اليوم شديد البرودة والبياض... بحثت في كل مكان عن الماء فلم أجد غير السيفون الموجود في المراحيض فيه ما لا يزيد على ثماني لترات من الماء، كما هو مسجل على الجانب الأيسر لحوض السيفون.. ولأن استخدامي للسيفون لم يكن المرة الأولى لأني كنت أستخدم حوض السيفون والماء الموجود فيه للاستحمام بعد تسخين القليل منه في دلة القهوة الصغيرة في الأيام الاعتيادية، «يعني متعودة دايما بس هالمرة على أثقل».. يعني بالأول كنت أستخدم السيفون للاستحمام فقط لكن هذه المرّة تطورت المسألة كثيرا، وصرت مضطرا لاستخدامه للشرب فقط.

شاهدت الثلج كثيرا في التلفزيون وكنت أستمتع بمشاهدته كغيري من أبناء الصحراء، لكني لم أكن أتخيل أن الثلج بهذا القدر من الشر.. لا أحد في الشارع والبناية فارغة بطبقاتها الخمس، والباب مغلق عليّ والماء توقف عن النزول والتدفئة مقطوعة عن المبنى لعدم وجود حارس العمارة.. لاشيء غير البياض والبرد القارس، أما المكتب الذي أعيش فيه فهو مكون من طاولة مكتب وبعض الكراسي وستارة كبيرة على النافذة وهذه الأخيرة أنقذتني من التجمد لأني استخدمتها كبطانية تحميني من التجمد أثناء الليل.

أفقت في اليوم الثاني وحمدت الله كثيرا لأنني مازلت على قيد الحياة، لكني فوجئت بعد أن أزحت الستارة عن جسدي بأني مغطى هذه المرة بطبقة أخرى لكن من الغبار الكئيب.. غبار على رأسي والثلج يغطي شوارع العاصمة عمان بالكامل!!

استمر الحال على ما هو عليه ثلاثة أيام متواصلة، والبرنامج يحوي وجبة أكل واحدة مكونة من ربع قطعة خبز ومثلث جبن يطالعني كل يوم ببقرته الضاحكة، وكوب من الشاي المصنوع من مياه السيفون الزرقاء، وانتظار طويل لبقية اليوم مصحوب بالتأمل والكثير من أحلام اليقظة البائسة.

في صباح اليوم الرابع بدأت جرافات الجيش تفتح الطرق المغلقة، وبدأت بعض الحركة في الشارع، وبعض هذه الحركة وصل إلى باب المكتب المغلق منذ ثلاثة أيام، وأخيرا.. إنه صديقي رائد يحمل على أكتافه وجهه المبتسم وفي يده طنجرة فيها بعض الرز وقطعة من اللحم.

قمت بالهجوم الفوري ومن دون مقدمات على الأكل فيما ظل صاحبي مندهشا من كوني لا أزال على قيد الحياة، قال لي: توقعنا أنك مت، وكنت قد هيأت معدتي لأكل ما هو موجود في الطنجرة على روحك البائسة... كيف حصل هذا..؟!

بدأ رائد بالتفكير بمكان آخر لإقامتي.. وفي المساء كنت ممددا على مكتب مدير تحرير صحيفة الأهالي الأسبوعية، كان شابا في بداية حياته الصحافية يدعى أسامة الرنتيسي الذي رافقني طوال فترة إقامتي الصحافية في الأردن، وها نحن الآن تجمعنا الأقدار للعمل معاً في صحيفة «أوان» بعد أن غادرت الأردن إلى هولندا التي بقيت فيها أكثر من ثلاثة عشر عاما.

الفصل الأول من مغامرتي استمر لمدة ثلاثة أيام، بينما الفصل الثاني امتد لثلاث سنوات متواصلة من النوم والعيش في مكاتب الصحف التي عملت ونمت فيها، والحديث عن هذه المرحلة الجميلة من حياتي يطول لأن فيها الكثير من المفارقات الكاريكاتيرية

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

مقتطفات كاريكاتيرية

- بداية الفن التشكيلي تاريخيا كانت على جدران الكهوف، أما بدايتي مع الكاريكاتير فقد كانت على جدران المنزل، وكنت أستخدم آنذاك الفحم الأسود الذي كنت أسرقه من تنور أمي.

- هربت من الوطن ومن رؤية الدكتاتور على شاشات التلفزيون.. لكن الوطن ظل يلاحقني حتى في أحلامي.

- أرسم الكاريكاتير كل يوم حتى لا أنفجر من الغيظ.

- أكره رسم البورترية الكاريكاتيري لأنه لا يفرحني وإن كان يسعد الآخرين.

- في أغلب الصحف العربية مطلوب رسام الكاريكاتير الذي لايفكر .. لكي يصبح أداة لتنفيذ أفكار الآخرين.

- رسام الكاريكاتير العربي يرى المشهد الكاريكاتيري بعين واحدة .. أما الأخرى فيغلقها مضطرا حفاظا على سلامته.

- مع أني لم أدخل مركز شرطة في حياتي .. إلا أن السجان كان يلاحقني كل يوم في مناماتي وكوابيسي.. وفي الوقت الذي أكون فيه مستيقظا ينام هو في سريري.

- لدينا أمية تشكيلية.. ولذلك تعود القارئ على قراءة التعليق المصاحب للكاريكاتير ليتمكن من فهم المعنى الكامن خلف هذا الكاريكاتير الذي يجهل قراءة رموزه التشكيلية.

- عندما أريد أن أشاهد كاريكاتيرا يتحدث عن القضية الفلسطينية أضطر للرجوع إلى أعمال فنان الكاريكاتير الشهيد ناجي العلي .. لأن في أعماله كمية من الصدق لا يمكن أن يمحوها الزمن، أما ما يقدمه رسامو اليوم فهو كالزبد يذهب جفاء بعد ثوان معدودات من لحظة المشاهدة.

- عقول الغالبية العظمى من العرب عبارة عن قوالب .. وهي شبيهة بقوالب النحاتين المصنوعة من الجص .. وأية مادة منصهرة عندما توضع في هذه القوالب تتشكل حسب النموذج المنحوت فيه، ولو افترضنا أن القالب منحوت على شكل حذاء فإن أية مادة جميلة توضع فيه تتحول إلى حذاء.. فما بالك بالأفكار الجميلة!!

- أوطاننا العربية عبارة عن وطنين، وطن مادي ووطن روحي، المادي للحاكم، والروحي بكل ما يحمله من شعارات وهتافات وجوع وقهر هو للمحكوم..!

- تعودنا ونحن أطفال أن نأكل شعارات الحزب بالوحدة والحرية والاشتراكية، وبنفس الوقت كنا نقرأ عن التفاح والموز بكتاب القراءة للصف الأول الابتدائي فقط. كبرنا ولم نحصل لا على الشعارات ولا على الموز ولا على التفاح و«صار طشارنا ماله والي».

- لا يستطيع المواطن العربي، وبالأخص المثقف، إلا أن يعيش ضمن حدود شلة ترعاه ويرعاها.. وخارج حدود هذه الشلة يصبح لا شيء.. أو شيئاً مهمشا ليس له تأثير في المجتمع.

- أنتزع سعادتي من فرح الآخرين.

- الفن الجيد هو الفن الذي يثير التفكير.. الخلاف.. الجدل.

- فن الكاريكاتير عصفور لا يطيق القفص، والرقابة هي القفص.

- فن الكاريكاتير وجهة نظر تختلف من شخص إلى آخر.. إذاً فهو لا يقدم حلولا.

- إذا رأى المتلقي أن العمل الفني عمل سيئ فهو كذلك..

ولا يستطيع أي فنان الحجر على رأي الجمهور.

- عندما تعيش داخل بلاعة.. عليك أن تصادق الصراصير.

- أرسم الكاريكاتير لأرضي نفسي.. وعندما يرضي ما أرسم الآخرين فهذا شيء رائع.

- لا أحب أن أكون خروفاً ضمن القطيع.. وأرفض كذلك أن أكون قائدا لهذا القطيع.. أصارع لأمتلك نفسي.

- هناك حالة ترويض مستمرة للإنسان العربي منذ اليوم الأول لولادته وحتى اللحظات الأخيرة من حياته.

- يجب ألا يكون الفنان ردة فعل للأحداث.. بل يجب أن يكون المبادر لاستقراء الواقع.

- الإبداع ليس نقيضا للدين.. الإبداع نوع من أنواع العبادة.. شيء من التأمل في ملكوت الله.. رحلة في أعماق النفس البشرية.

- الإحساس بالمصيبة.. الشعور الدائم بقدوم الكارثة.. التنبؤ بالمشكلة قبل وقوعها.. يجعلنا أصدقاء دائمين للحزن حتى ونحن في أعلى حالات الفرح والسعادة المفترضة أو المزعومة.

- الغالبية منا يحبون أن يسمعوا صدى صوتهم في الآخر.. ولا يحبون أن يسمعوا الآخر نفسه.. يتمنون أن يكون الآخر عبارة عن جدار يسمعون صدى صوتهم من خلاله.. نحن نخاف من الآخر عندما يكون مختلفا عنا.

- ينبغي أن يتحول المتلقي من السلبي إلى الإيجابي.. ويجب أن يفكر ويتعب.

- الدهشة بداية المعرفة.

- الإبداع مضنٍ جدا لأنه يحتاج إلى الوقت والتفرغ.

- السياسي يتناول ما هو ممكن، أما الفنان فيتناول في عمله الفني ما هو غير ممكن.

- الأفكار ملقاة على قارعة الطريق.. ولكن المشكلة في كيفية معالجة هذه الأفكار.

- الوطن ليس حذاء يباع ويشترى، وما دام كذلك فأعطني وطناً.. وخذ كل ما أملك..

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

ثرم البصل

ثقافتنا كانت ولقرون ثقافة كلمة ولم تكن ثقافة صورة أو ثقافة شكل، والكلمة فيها مساحة واسعة من الخيال والمبالغة وأحيانا الكذب أكبر من الصورة، ونحن أصحاب لغة الضاد أساتذة في المبالغة الكلامية، وكلنا يتذكر شاعرنا الكبير أبا الطيب المتنبي حين قال:

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

بربكم هل بالإمكان رسم صورة واحدة تحمل كل هذه المبالغات والكذب الذي يقترب أحيانا من ثرم البصل، أكيد لا بل ومستحيل.

الكلمة تعطي صورة محددة وواضحة، بينما الرمز الفني يعطي احتمالات لا حصر لها، وهذه الميزة تجعل الآخر أي المتلقي مرتبكا ومرعوبا لأن عقله لم يتعود على وضع الاحتمالات تلو الاحتمالات، ولذلك فهو يستسلم منذ الجولة الأولى ليعلن بأن هذه اللغة غير مفهومة بل ودخيلة عليه، إذن فهي غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها، أي هذه اللغة الجديدة التي إما أن تشاهدها بشكلها المشوه والتقليدي والبشع كما هو حاصل اليوم، وإما أن تبحث عنها فلا تجد لها من أثر.

نحن أيضا متخلفون تشكيلياً فالفن التشكيلي فن طارئ على مجتمعاتنا إلا إذا استثنينا بعض أنواع البسط والقليل من الأواني الفخارية التي يستعملها البسطاء في منازلهم، وهذي الأخرى أيضا تخلو حتى من الاشكال الهندسية البسيطة.

المصيبة الأكبر أن النقد في مجتمعاتنا يعتبر نوعا من أنواع الشتيمة، وهو يستخدم كذلك، وليس لتقويم المجتمعات وإصلاح الخطأ فيها، ولو راقبنا الكاريكاتير العربي اليوم لوجدنا أن الخمسة والتسعين بالمئة منه شتيمة لإسرائيل وأميركا، أما أوضاعنا الداخلية فهي خط أحمر، وكأن الإنسان العربي يعيش في المدينة الفاضلة لا سمح الله.

الناس أيضا لا تتقبل مشاكسات فنان الكاريكاتير لأنه فن يكشف ويعري ويبرز الوجه البشع لمجتمع تعود أن يضع الرتوش على صورته الشخصية التي يلتقطها له المصور في الإستديو، وهذه البدعة الغريبة لم أشاهدها في محال التصوير الفوتوغرافي في أوروبا لأنهم يعتبرون ذلك تزويرا للواقع وتغييرا لملامح الإنسان الحقيقية.

فن الكاريكاتير يسبب الصداع للناشر، والابتعاد عنه فضيلة، أو يتم تحجيمه عن طريق الابتعاد عن القضايا المهمة والخطيرة التي يعاني منها الناس، وبذلك يفرغ من محتواه ويصبح وجوده كعدمه، ولذلك فالقارئ ينسى اللوحة المرسومة حالما يتم قلب الصفحة، فهي زبد والزبد دائما يذهب جفاء.

الكاريكاتير الجيد يسحب البساط من تحت أقدام أساتذة الحرف واللغة واللغو وأساتذة الكلام، ولذلك يحاول البعض أن يسحب البساط من تحت أقدامه، وربما يقلبون البساط على رأسه «وراس اللي خلّفوه»، وينتهي هذا المشهد المأساوي بالاستغناء عن البساط وعن الذي تحته، ويرتاح الجميع من كل دوخة الرأس.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

فصلوني قبل أن أتعيّن

في إحدى المرات، وعندما كنت أعمل في الصحافة الأردنية، فصلت من جريدة لم أنشر فيها كاريكاتيرا واحدا، والغريب أن هذه الصحيفة لم تظهر للعيان حتى الآن، القصة بدأت عندما اتصل بي أحدهم وكان صحافياً نكرة يطلب مني التعاون معهم في الصحيفة التي ينوون إصدارها، وللمجاملة قلت له إن شاء الله .. وأغلقت سماعة التلفون ونسيت الموضوع لأني أيامها كنت أعمل في أكثر من صحيفة ومجلة ومكتب صحافي .. وبعد أسبوع اتصل بي هذا المدعو قائلا:

- لقد قررنا الاستغناء عن خدماتك، لأننا، وبعد الاتصال بالسفارة العراقية في عمان، اتضح بأنك شخص غير مرغوب فيه، لأنك معارض للنظام في بلدك، وتعمل ضد العراق وحكومته، وأنت عميل للاستعمار والامبريالية

ولا تستحق العمل لدينا.. وأغلق سماعة الهاتف بكل صلافة ووقاحة وبقيت أنا، وحتى هذه اللحظة ورغم مرور سنوات طويلة على هذه الحادثة، في دهشة مستمرة غير منقطعة النظير.

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

إدمان

لقد أدمن المواطن العربي الشعارات .. وأصبح الشعار ضرورة حتمية لا مفرّ منها، وصار الإنسان العربي كمدمن المخدرات وتحديدا الهيرويين، فإبرة الهيرويين تنقل الإنسان المدمن من عالم إلى آخر مختلف يشعر فيه بالتفوق والقوة.. كذلك الشعار.. هناك أجيال من المواطنين العرب الذين أدمنوا شعار إسقاط الاستعمار والإمبريالية والصهيونية العالمية بالهتافات والتظاهرات والمسيرات التي لا تنفع ولا تضر، وقد يدرك المواطن العربي سلبية هذه الحالة التي يعيشها.. لكنه لا يمكنه التخلص منها لأنه تربى عليها ولأنه أدمنها...!

ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

العقل الباطن

بعض اللوحات التي أقوم برسمها لا أجد لها تفسيرا من الوهلة الأولى، لأني، وفي أحيان كثيرة، أطلق العنان لعقلي الباطن وأترك يدي تلعب بحرية كبيرة على الورق، ولذلك فعقلي الباطن في أحيان كثيرة يسبق عقلي الواعي في إنتاج لوحات لم أفكر فيها بشكل مباشر، بعض هذه المواضيع تتحقّقَ فعلاً بعد خمس أو ست سنوات، وعلى سبيل المثال وتحديدا في العام 1997 رسمت أكثر من ستين لوحة كاريكاتورية عن تمثال الدكتاتور.. فهو تارة مدمَّر وأخرى مسحوب أرضا وثالثة مربوط بجحش... بعدها بست سنوات، سقط تمثال الدكتاتور، كاريكاتير آخر رسمت فيه دكتاتورا يفجر إنسانا مسكينا بالديناميت عن بعد، ولم أكن أعلم بأن هذا يحصل فعلا لكني رسمته من باب المبالغة الكاريكاتورية فقط، ويومها رفضت الجريدة نشره لأنها رأت أن فيه الشيء الكثير من المبالغة.. وبعد سقوط النظام شاهد العالم أجمع كيف يفجر نظام الدكتاتور المقبور شعبه المسكين، وحادثة أخرى رسمت فيها مواطنا عراقيا يعيش في قبر تحت الأرض سعيدا مع بعض أدواته البسيطة التي تساعده على الاستمرار في الحياة.. وهذا الآخر لم ينشر واتهمت بالسوداوية والتخريف لأني أرسم أشياء ليس لها أساس من الصحة في الواقع، وحصل بعد سقوط النظام أن فجع العراقيون والعالم.. أو قد أكون أنا الوحيد الذي فجع بقصة المواطن العراقي (جواد) الذي بنى له غرفة صغيرة بحجم القبر طولها متر ونصف تحت مطبخ المنزل وأغلقها من جميع الاتجاهات إلا من فتحة صغيرة جدا.. كانت أمه العجوز تدخل له الطعام والماء كل يوم وتعيد إغلاق الفتحة من جديد، واستمر على هذا الحال اثنين وعشرين عاما حتى سقوط الصنم في بغداد، ولوحات أخرى لم أجد لها تفسيرا في وقتها.. ووضعتها في خانة الكوميديا السوداء والمبالغة الكاريكاتورية فوق المحتملة وغير المعهودة لكن الواقع كان دائما يسبقني ويحول المبالغة الكاريكاتورية إلى صورة من صور الواقع.

nike free run 5.0 purple

معرض الصور