أزمة الكاريكاتور في مصر، بين تهميش الشباب وسلطة "الرجل العجوز"

قيم هذا الموضوع: 
Average: 5 (2 votes)
المصدر: 
جريدة البلد - لبنان
الكاتب: 
يحيى السيد

 

مع مصطفى حسين وجمعة وجورج بهجوري، وصل فن الكاريكاتور في مصر إلى ذروته، لكنه يعاني راهناً أزمة ظاهرة. في هذا الصدد يقول عنها فنان الكاريكاتور المصري محسن عبد الحفيظ ": بدأت العمل في مهمة الصحافة منذ ما يزيد على 12 عاما. كنت حينذاك لا ازال تلميذاً، الى ان احترفت العمل الصحافي ورسم الكاريكاتور السياسي في الجامعة وتفرغت بعد تخرجي مباشرة للعمل في صحف المعارضة وانضممت الى عضوية نقابة الصحافيين المصريين عام 2000 بعد 12 عاما من الممارسة الفعلية لمهنة الكاريكاتور، علماً انني لم أعمل آنذاك في صحف كثيرة أو معروفة نظراً لقلة الأماكن المتاحة للشباب".

وجوه

ويضيف ان فن الكاريكاتور أصبح سجين وجوه عدة تخطت حاجز السن، أي أن معظمها تجاوز الستين وحتى السبعين. ورغم ذلك ما زال الفنانون هؤلاء يحتلون مواقعهم في الصحف التي يعملون فيها وهي في معظمها صحف معروفة وتحقق نسبة مبيعات عالية جداً. ويكفي أن تحصل على نسخة من هذه الجرائد يعود تاريخها مثلاً إلى 20 أو 30 سنة، لتكتشف أن الفنان نفسه ما زال يعبر رسماً عن الأفكار نفسها في المكان نفسه إلى اليوم. بل إنه يلجأ احياناً إلى إعادة نشر رسم كاريكاتوري كان نشره منذ أكثر من عشرين عاما لأن لا أفكار جديدة لديه.

يبقى ان الفنانين الشباب لا يجدون مساحة لنشر أعمالهم وبالتالي لا يتقاضون أجرا مقابل هذا العمل الذي يعد من اكثر الأعمال صعوبة وأكثرها إرهاقا للذهن والحواس. وأكثر ما يحصلون عليه مساحة في جريدة غير مقروءة تصدر كل شهر أو شهرين، وهو ما دفع الكثير من الفنانين الشباب إلى هجر الكاريكاتور وطلاقه.

وأذكر على سبيل المثال الفنانين الشباب الذين هربوا من مجال الكاريكاتور رغم روعة خطوطهم وجودة أفكارهم ومنهم ياسر نور و إبراهيم سيد. فمن الصعب أن ترسم فكرة معينة تعبر عن قضية مهمة اثيرت على الساحة السياسية او الاجتماعية او غير ذلك، ثمّ تكتشف أنك غير قادر على نشرها لأن الجيل السابق ما زال يتربع على عروش الصحف المقروءة.

أجيال

ويوضح عبد الحفيظ أنه لا يقصد مهاجمة الجيل السابق، الا انه يشدد على مسألتين، أولاهما رداءة ما يقدمه هؤلاء من ناحيتي الفكرة والرسم كأن يتبين لنا مثلاً ان رسام الكاريكاتور العجوز في احدى كبريات الصحف، والذي أفردت له صفحة مهمة لا يعرف ان يرسم يد الإنسان أو لا يعرف كيف يرسم وجه الرئيس الأميركي جورج بوش! ارى في ذلك فضيحة بكل المقاييس، بالإضافة إلى الأفكار الهزيلة أو المسروقة عن كاريكاتور أجنبي، في الوقت الذي من يفترض أن تكون هذه الرسوم الصوت المعبّر عن رأي محليّ، اذ ان القارئ الأجنبي حين يطلع على صحيفة عربية، انما يعنى اولاً بقراءة وفهم الكاريكاتور لأن المقالات تنشر بلغة غير لغته.

وثاني تلك المسائل حسب الفنان، هي أن "جيل كبار السن" كان تبناه الجيل السابق له وفقاً لاعترافات بعض الرسامين، اذ رعى رواد الكاريكاتور ومنهم عم زهدي ورخا مواهب هذا الجيل لإتاحة الفرصة امامه للتقدم في هذا المجال ومساعدته في بلوغ كبريات الصحف الوطنية. وسأل: لماذا لا يرد هؤلاء الجميل إلى الأجيال الجديدة من رسامي الكاريكاتور ويؤدون تجاههم دور اسلافهم؟

صراع

ومن ناحية أخرى، يرى عبد الحفيظ أن الصراع بين الجيل القديم والجيل الجديد لرسامي الكاريكاتور يأخذ بعدا آخر، معتبراً ان بعض الفنانين الشباب يشكون من تعرض أعمالهم للسرقة أو الاقتباس من الجيل القديم، ما يمثل عكس القاعدة لأن "الصغار" هم من يسرقون اعمال "الكبار" أو يقتبسون عنها. ويروي رسام الكاريكاتور عن احد زملائه انه في كلّ مرة كان يذهب فيها الى فنان كاريكاتير عجوز، من الجيل القديم، ليعرض عليه أعماله ويستشيره، كان يتعرض إلى سيل من التوبيخ، اذ يقول له الفنان العجوز خطوطك ضعيفة وأفكارك مستهلكة، الى ان يطلب اليه في نهاية اللقاء، أن يزوره ثانية محملاً بأفكار جديدة. وذات مرة، يتابع عبد الحفيظ، اطلع زميلنا الفنان على إحدى المجلات التي تنشر فيها رسوم صديقه "الكبير" ليكتشف أن ذلك العجوز كان يسرق رسومه وأفكاره بشكل اسبوعي ويعيد رسمها ويوقعها باسمه!!

ويرى عبد الحفيظ نفسه مضطرا لاستخدام كلمة "العجوز" في وصف أحد رسامي الكاريكاتور الكبار الذي اعتاد أن يلتقي الشباب الذين يترددون على "الجمعية المصرية للكاريكاتور" لعرض أعمالهم على "الأساتذة الكبار" أو البحث عن فرصة للنشر. وما إن يدخلوا مقر الجمعية، حتى يقعوا فريسة للرسام العجوز الذي يبتسم في بداية الأمر ويسأل بهدوء هل لديكم كاريكاتور سياسي؟ وما ان يتلقى رداً ايجابياً، حتى تبدأ ملامح وجه العجوز بالتحول ليصرخ عالياً: "لماذا تقدمون على رسم الكاريكاتور السياسي؟ وماذا أرسم أنا؟ هذا مرفوض، فعليكم أن ترسموا كاريكاتوراً عن الشباب ومشاكله فقط". ويلفت عبد الحفيظ الى ان "الشيخ" تناسى أن معظم الثورات والقيادات المؤثرة في تاريخ العالم الحديث والقديم كانت من الشباب وأن الشباب هم اكثر قدرة على الاطلاع ومتابعة الأحداث من الجيل القديم.

تهريج

ويأسف الرسام لإبدائه هذا الرأي بالرسام العجوز، وهو النموذج المطبق في الصحف المصرية، اذ تطلق على بعض المساحات المتاحة للشباب تسمية "ركن الهواة" مثلاً، حيث تنشر رسوم هي اقرب الى النكات منها إلى الكاريكاتور لأن المطلوب هو البعد عن السياسة والاقتصاد، اي ان المطلوب باختصار بعض التهريج وإلا تم حرمان الرسامين الشباب من "نعم" هذا الركن. مأساة حقيقية تلك التي يعيشها فن الكاريكاتور ورساموه في مصر.

 

Nike Hypervenom Phantom II FG

معرض الصور