أمية جحا: الاستخبارات الإسرائيلية تعتبرني إرهابية وعدوة للسامية وأخيراً.. امرأة تقاوم الاحتلال بالكاريكاتير

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الشرق الأوسط - لندن
الكاتب: 
عبد المنعم زين العابدين

 

فنانة من طراز خاص، صنعتها الشدائد والمحن وويلات الاحتلال. وبرغم ذلك تصر على مواصلة تحدي كل ما يقابلها من مصاعب بريشتها التي جعلتها واحدة من أشهر رسامي الكاريكاتير في العالم العربي، في وقت احتكر فيه الرجال تلك المهنة. امرأة في غابة من رجال أو امرأة بين رجال تلك هي أمية جحا.

ولدت رسامة الكاريكاتير الفلسطينية أمية جحا في مدينة غزة عام 1972، وأدركت معنى المقاومة منذ طفولتها الأولى، حيث كانت ترى دبابات الاحتلال وذخيرته تغتال أرواح الأبرياء، وتحصد معها أحلام الصغار الذين فقدوا أقرب المقربين لهم أمام أعينهم. كانت أمية واحدة من بين هؤلاء الاطفال، الا أنها تميزت عنهم بروح الدعابة والقدرة على انتزاع البسمات من قلب أشد الأحداث سخونة من خلال الريشة والألوان. فمنذ طفولتها برز اهتمامها بالرسم والفن التشكيلي، خاصة فن الكاريكاتير الذي كانت مولعة به من خلال تأثرها بأعمال بعض الفنانين مثل الراحلين ناجي العلي ومحمود كحيل، حتى صار لها شعبية كبيرة بين المدرسين والطلبة في جامعة الأزهر، حيث كانت تدرس الرياضيات. وشجعها إعجاب المحيطين بها بما كانت تبدعه في مجال الكاريكاتير على التعمق في هذا الفن إلا أنها لم تتفرغ له إلا بعد تخرجها من الجامعة بنحو ثلاث سنوات. وفي عام 1998 كان قرارها بالتفرغ لهذا الفن، الذي استحوذ على حواسها، ونجحت في أن تحتل رسوماتها صفحات أشهر المجلات والجرائد العربية اليومية والاسبوعية، وذاع صيتها بعد أن بدأت في تجسيد حال الأمة العربية والواقع الفلسطيني من خلال رسوماتها. وفي عام 2001 حصلت أمية جحا على جائزة الصحافة العربية لأفضل رسم كاريكاتيري لذلك العام. أما عن حياتها الخاصة فقد تزوجت أمية من المهندس الفلسطيني رامي سعد الذي استشهد عام 2003 بعد أن رزقت منه بابنتها نور. وفي عام 2005 تزوجت أمية من المهندس وائل عقيلان، ومؤخراً حلت ضيفة على القاهرة بمناسبة تنظيم معرض فني لها، في مقر نقابة الاطباء المصريين، حيث عرضت مجموعة من أشهر رسوماتها الكاريكاتيرية التي نشرتها في الصحف والمجلات العربية في السنوات الاخيرة.

"الشرق الأوسط " زارت معرضها والتقتها في حوار تحدثت فيه عن ريشتها التي تقاوم الاحتلال، وعن تأثرها بأسلوب ناجي العلي في فن الكاريكاتير، مشيرة إلى وضعها من قبل قوات الاحتلال على قائمة الارهابيين المعادين للسامية وعدم مبالاتها بذلك... وفيما يلي نص الحوار.

 

> البعض يرى في أعمالك امتدادا لفن محمود كحيل وناجي العلي. ما مدى صحة ذلك من وجهة نظرك؟

- أعترف بوجود خط يربط بيني وبينهما. فقضيتنا واحدة وهي كيفية استعادة الأرض. كما أن أسلوبنا في المقاومة واحد أيضاً وهو الريشة والألوان ولهذا فلا بد من أن أكون قد تأثرت بهما، خاصة أنهما في اعتقادي من أبرز رسامي الكاريكاتير السياسي في العالم العربي.

> ما مدى تأثرك باغتيال الفنان ناجي العلي؟

- عند وقوع حادث اغتيال العلي كنت صغيرة لم يتجاوز عمري الخامسة عشرة، ولم أكن أدرك حتى معنى أو مفهوم كلمة الاغتيال. إلا انني تأثرت بشدة بالخبر، لأن هذا الرجل كان صاحب رسالة عظيمة وصادقة، وكثيراً ما عبر عن القضية الفلسطينية بريشته التي زادت من المتربصين به، وهو ما عجل بنهايته، كما رأينا. والحقيقة أن البعض لا يشعر بوجود أسلحة اخرى للمقاومة الفلسطينية، قد تفوق قوة المدفع أو القنبلة، ومن بينها المقاومة بالرسم كمحور مهم. والدليل هو مدى تأثر قوات الاحتلال ورموزه بما يصدر عنا في هذا المجال، حتى أن الاستخبارات الإسرائيلية تعتبرني إرهابية وعدوة للسامية بسبب رسوماتي. وهم لا يخجلون من الإعلان عن ذلك في مواقعهم على الإنترنت، رغم ادعائهم الحرية والديمقراطية التي يتندرون بوجودها في مجتمعهم، ويظنون أنهم بممارساتهم ضدي سينجحون في توقيفي عن رسم الكاريكاتير. فقد أجبروني على ترك عملي عندما كنت في جريدة القدس، والآن أنا ممنوعة أمنيا من دخول الضفة أو حتى فلسطين عبر معبر العوجة. وسمعت انهم يدبرون لاعتقالي، ولكن كل هذه الأمور لا تزيدني إلا قوة وصلابة.

> ما أشهر كاريكاتير قدمك إلى الناس؟

- تقاس شهرة الكاريكاتير بما يحدثه من أصداء، بالإضافة الى مدى إقبال الجمهور على قراءته والحديث عنه. ولهذا أعتقد أن أكثر كاريكاتير عرّف الناس بي وقدمني لهم، ما نشر عندما اجتاح العدو الإسرائيلي حي الزيتون بمدينة غزة في 11 مايو 2005 ، وتمكنت المقاومة يومها من قطع رؤوس ستة من جنود العدو، وهو ما أثار حفيظة الاحتلال ضد الفلسطينيين العزل. يومها رسمت شارون وهو يتحدث في مؤتمر صحافي بجوار هؤلاء الجنود الستة من دون رؤوس، وهو يشير اليهم قائلا "ها هم جنودنا البواسل قد عادوا من غزة مرفوعي الرؤوس". ونشر هذا الكاريكاتير في صحيفة "الرسالة" الاسبوعية، وكان من تبعاته قصف مقر الجريدة في اليوم التالي لنشره.

> في اعتقادك هل يستطيع الفن أن يفعل ما لا تقدر عليه السياسة؟

- بالطبع، خاصة إذا كان الفن هادفا ويتم توظيفه لخدمة قضايا الوطن. وبرغم أن اليأس يسيطر علي في بعض الأوقات، فكثيرا ما أجلس إلى نفسي وأقول ماذا ستفعل هذه الخطوط التي أرسمها، هل ستغير سياسات عجزت عنها أجيال متعاقبة من الحكومات العربية ؟ ولكني أعود وأقول لنفسي ان كل فرد له دور في الحياة عليه أن يؤديه على أكمل وجه. وكل يوم يمر علي في مهنتي، يزيد يقيني بالرسالة التي أقوم بها وأنها ستؤثر في إحداث التغيير أيا كان حجمه.

> ولكن البعض يرى أن هناك انفصاما بين الفن والسياسة.. ما رأيك؟

-الخصومة بين الفن والسياسة مفتعلة، وكلنا نرى كيف يستغل أعداء الإسلام مواهبهم الفنية في مهاجمتنا وطمس هويتنا والتأثير على ثقافتنا، كما حدث مع أزمة الرسوم المسيئة للرسول في الدانمارك وغيرها من دول اوروبا. ولذلك فمن باب أولى ان نستغل طاقاتنا وفنوننا في الدفاع عن ديننا وهويتنا، خاصة أن العدو يسعى لمسخ الذاكرة العربية وتزييف التاريخ، ويركز على الأطفال لأنهم يمثلون الأجيال القادمة. ولذلك قمت بعمل فيلم كرتوني اسمه "حكاية مفتاح"، لنزرع في الطفل الفلسطيني المفاهيم الوطنية الأصيلة، وليكون على دراية بحقوقه وقضيته. لأن الاحتلال يزرع في أطفاله كراهية العرب والمسلمين، ويؤكد لهم أن هذه أرضهم فمن الأجدر أن نقوم نحن المهجرين بزرع الفكر المضاد لذلك في أطفالنا وبنفس الأسلوب.

>لماذا ينصب تركيزك على الكاريكاتير السياسي؟

- لأن السياسة هي العامل المسيطر على كل الأوضاع في حياتنا. كما أنه من أهم معايير نجاح فنان الكاريكاتير، أن يدور مع الأحداث حيث تدور. فعندما يكون هناك حدث اجتماعي يسيطر على الأحداث فعليه ألا يتخلف عن التعبير عنه، كما حدث عندما قمت برسم كاريكاتير عن غرق العبارة المصرية "السلام 98".

> لماذا تأخر العرب في إيجاد شخصية كرتونية تعبر عن هويتهم واهتماماتهم وقضاياهم حتى الآن؟

- لأننا لا تحكمنا خطط استراتيجية مثل الغرب. ففي الوقت الذي ننفق فيه مليارات الدولارات على إنشاء فضائيات لا تمت لواقعنا بصلة، ولا تساهم في دفع عجلة التنمية الفكرية والثقافية في العالم العربي، نجد رأس المال العربي يضن بما لديه على مجالات مثل مجال الرسوم المتحركة. فنحن نحبو خلف الغرب في هذا المجال، وهذا يعكس واقعا خطيرا، لأن منتجاتنا الكرتونية في المنطقة العربية، كلها غربية تقريباً ولا تلائم ثقافتنا، بل تعكس أحيانا العنف والعري.

> لماذا لا تقومين بدبلجة أو ترجمة أفلامك الكرتونية بأكثر من لغة؟

- بالفعل أسعى لذلك، لأن الإعلام الاسرائيلي نجح في تصوير سكان المنطقة العربية كإرهابيين ومتخلفين، من خلال مخاطبته لكل شعوب الأرض ولهذا كان مشروع فيلمي الذي يحتاج إلى أموال كثيرة لترجمته لأكثر من لغة. وهو أمر يفوق قدرتي بعد قيامي بإنتاج الفيلم الذي كلّف نحو 30 ألف دولار. ولذلك أتمنى من أثرياء العرب وهم كثيرون، أن يمولوا الفنون التي تخدم القضايا العربية

 

air max 1

معرض الصور