الرسم الكاريكاتوري: نظرة فنية ومحاذير شرعية

قيم هذا الموضوع: 
Average: 5 (1 vote)
المصدر: 
موقع بينات
الكاتب: 
فاطمة خشّاب درويش

قادته موهبة الرسم، ومعها موهبة النقد، إلى عالم الاحتراف الفني منذ نعومة أظافره، فبات اليوم اسماً لامعاً في مجال الرسم الكاريكاتوري، إنه الرسام الكاريكاتوري عبد الحليم حمود.
بدأ عبد الحليم حمود مشواره مع الريشة والقلم في عمر الرابعة، فكان المتفوّق في مادة الرسم، والطالب الموهوب الذي يمتلك قدرة النقد والتعبير بأسلوبه الخاص. عمل حمود على تطوير موهبته وإنضاجها، فحفظ في سن الثالثة عشرة رسوم ناجي العلي، ونبيل قدوح، وبيار صادق، وغيرهم من الفنانين، بعد أن تمعّن في أسلوبهم وخطوطهم.
كان يقتنص المساحات البيضاء في الجريدة ليطلق سراح ريشته الموهوبة المفعمة بالأفكار والرؤى، التي ما لبثت أن وجدت طريقها إلى الاحتراف في سن السادسة عشرة، حين أصبحت ريشة رسام محترف يرسم الكاريكاتور ويتقاضى أجراً على ذلك.
وعلى الرغم من أن عبد الحليم حمود لم يدرس أي شيء له علاقة بفن الكاريكاتور أو الرسم عموماً، فإنه استطاع أن يؤلف قبل عشر سنوات من اليوم كتاباً تحت عنوان "الكاريكاتور العربي والعالمي"، يؤرخ لتاريخ فن الكاريكاتور في العالم منذ نشأته، والإرهاصات التي ساهمت في ولادت فكرته، وظهوره في الغرب، ومن ثم وصوله إلى مصر، ومنه إلى لبنان وسوريا.
وهذا الكتاب يعتبر اليوم مرجعاً للعديد من المهتمين في فن الكاريكاتور، فضلاً عن طلاب الدراسات العليا في كلية الإعلام والفنون الذين يحضرون دراسات حول هذا الفن.
فن الحياة
يعتبر الرسام الكاريكاتوري عبد الحليم حمود، أن الفن الكاريكاتوري هو "فن يخاطب كل عناوين الحياة، ويتماهى معها، فقد يكون دينياً أو رياضياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو فنياً، وهو في فلسفته يخاطب الدماغ بطريقة محببة، وهو الأسرع إلى ترسيخ الفكرة في الذهن، من خلال الصورة التي يظهرها للناس"، مشيراً إلى وجود نوعين من الكاريكاتور؛ الكاريكاتور الباطني الذي يحوي صورة فقط، ويترك المجال للمشاهد لأن يستنتج ويحلل ما يرى، والكاريكاتور الظاهري الذي يحتوي عادة كتابات إلى جانب الرسم.
ورداً على سؤال حول وجود فن كاريكاتوري ملتزم، يؤكد حمود أنَّ "الرسم الكاريكاتوري يستطيع هضم كل العناوين، وهو قادر على التعبير عن قضية معينة، أو إيديولوجيا محددة، وأن يحمي لواء هذه العقيدة، ويقدمها بطريقة فنية إلى الجمهور، فأنا من الرسامين الذين يقدمون فكرة المقاومة، والعداء لإسرائيل، والفكرة الدينية الأخلاقية في أعمالي الفنية".
ويضيف حمود: "قد يكون الفن الكاريكاتوري في خدمة القضايا والعناوين الإيجابيّة، كالمقاومة والعدالة وغيرها، وقد يكون تعبيراً عن التعصّب والحقد والعنصرية، لأنه مجرد قالب، ولا يشكّل بحد ذاته أداة لها إيجابياتها وسلبياتها".
ويختم الأستاذ عبد الحليم حمود، بالإشارة إلى نظرة الناس المحبَّبة إلى هذا النّوع من الفنون، الذي بات مقبولاً، وينتظره الكثيرون للاطلاع عليه، على قاعدة أنه وسيلة للتعبير، كالمقالات وغيرها من الوسائل.
الموقف الشرعي من الكاريكاتور
"الفن هو عبارة عن إبداع يقوم به الإنسان في مجال من مجالات الحياة "، بهذه الكلمات استهل سماحة الشيخ زهير قوصان كلامه، رداً على سؤالنا حول رأي الإسلام في فن الرسم الكاريكاتوري، مؤكداً عدم وجود دليل أو نص في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة، تدل على حرمة الفنون، من رسم ونحت وتمثيل وشعر وحتى الرسم الكاريكاتوري، موضحاً أن الحرمة تكمن في المضمون وطريقة التعاطي مع هذه الفنون، "فمادام مضمون الشعر أو الرسم أو التصوير، لا يوجد فيه ما يشتمل على إساءة إلى الآداب العامة، أو تجاوز للأحكام الشرعية، فالأصل فيه هو الإباحة".
ويضيف الشيخ قوصان: "فيما يتعلق بالرسم الكاريكاتوري، فإن الرسم كعمل بحد ذاته، لا محظور فيه، وليس محرماً، ولا يوجد دليل ولا نص على حرمته، ولكن هناك حالات لا بد من تنبه الرسامين إليها، وذلك عندما يجري تغيير شكل الإنسان من خلال الرسم الكاريكاتوري، ويستلزم هذا التغيير هتك حرمة الشخص الذي تم رسمه، فإن هذا الرسم يصبح محرماً بهذا اللحاظ، لأن الإسلام حرم هتك حرمة الإنسان المسلم وحتى غير المسلم، من محقوني الدم والعرض والمال".
الرسم الكاريكاتوري للسياسيين
ويتابع الشيخ قوصان الحديث متوقفاً عند رسم السياسيين في رسوم كاريكاتورية، قائلاً: "عندما يتم تناول السياسيين في الرسوم الكاريكاتورية، يعتبر ذلك غالباً في إطار النقد السياسي، ويفهم من خلال الجو العام والمجتمع والبيئة التي نعيش فيها، والتي تعتبر هذه الرسوم أمراً طبيعياً وتعبيراً نقدياً، كما أن الشخص الذي تم رسمه، يتعاطى مع هذه الرسومات على أنها تأتي في سياق التعبير عن الرأي، كالمقالة أو التحقيق، فمادامت الرسوم في إطار الحد المألوف والوضع الطبيعي الذي يكفل للمجتمع حريته ضمن الأطر الإعلامية المتعارف عليها، فلا إشكال فيه".
المحاذير الشرعية
ويشدد الشيخ زهير قوصان على أهمية أن لا يصل الرسم الكاريكاتوري إلى حد الامتهان والتعدي على كرامات الناس، فيصبح وسيلة للقذف والتشهير، فعلى سبيل المثال: "إذا أردت أن أبيّن أن هذا الشخص يرتكب الفاحشة، ورسمت صورة تشرح هذا الفعل، بحيث توحي للناس ذلك، فيفهمون ما أعني، يعتبر هذا الرسم "قذفاً"، وإن كان القذف في النصوص هو التكلم بالألفاظ، لأن الصورة أدت الهدف نفسه، وأوضحت الفكرة للناس".
ويختم سماحة الشيخ زهير قوصان بالتأكيد أن الرسم الكاريكاتوري لا إشكال فيه، كما كل أنواع الفنون، مادام يراعي الحدود المتعارف عليها في الشرع والمجتمع أو في مجال الإعلام، لجهة عدم هتك الحرمات أو التحقير أو إهانة الآخرين، مشدداً على ضرورة أن يلتزم الإنسان بالضوابط والقوانين المفروضة في أية مهنة، على قاعدة أن الإنسان المسلم يلتزم بما ألزم به نفسه، "وأي خروج عن القانون الذي يرعى هذه المهنة، يعود عليه بالمسؤولية، ويصبح هذا العمل مشكلة بالنسبة إليه".
وفي الختام، أعزائي القرّاء، إن الرسم الكاريكاتوري هو فن مرحب به إسلامياً، شرط أن يراعي حرمة الإنسان بالدرجة الأولى ولا يتعرض لشخصه، وهو وسيلة ذو حدين، علينا أن نحسن استخدامها خدمة لقضايانا المحقة والعادلة، ونبعدها كل البعد عن متاهات اللهو والعبث التي قد تفقدها مشروعيتها الدينية والأخلاقية وحتى الفنية.

Air Jordan 12 Low

معرض الصور