الرسوم الكاريكاتيرية تحيك قاعدة شعبية بأنامل مبدعة

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع نداء الوطن - فلسطين
الكاتب: 
رشا عبد الله سلامة
كان من بين أقوال الرئيس الأميركي السابق هنري ترومان "لا أخاف إلا من الموت ومن رسامي الكاريكاتير".
ولم يكن وقع الرسومات الكاريكاتيرية يوما أخف وطأة من خوف ترومان، إذ دفع بعض رسامي الكاريكاتير حياتهم ثمنا لرسوماتهم ومنهم الفلسطيني ناجي العلي، كما ثارت ثائرة الشعوب الإسلامية في عام 2006م على اثر الرسومات الكاريكاتيرية التي استهزأت بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى تحول شخصيات كاريكاتيرية عربية إلى رموز وطنية تظهر في محافل عدة لعل أشهرها حنظلة وأبو محجوب وأبو العبد.
يقول الطالب الجامعي رامي عبد الله (17 عاما) إن أول ما يبحث عنه عند إمساكه بالجريدة هو الكاريكاتير، نظرا لكونه "يختزل بين خطوطه الساخرة مشهدا سياسيا عالميا كان أو محليا"، مضيفا "كما أن من أجمل ما في الكاريكاتير أنه لا يكلف القارئ عناء البحث والتحليل والتركيز كذلك الذي يبذله في الصحافة المكتوبة".
ذات الأمر تذهب إليه ربة المنزل أم نادر، التي تقول "اعتدت يومياً أن أبدأ بتصفح الجريدة من الخلف كي أرى الكاريكاتير قبل أن أهمّ بقراءة أي خبر"، معللة "في مرات كثيرة أشعر بأن الكاريكاتير ينقل ذات الفكرة التي ينقلها خبر الصفحة الأولى، ولكن بطريقة ساخرة ومبسطة"، واصفة إياه "بفش الغل".
وعن تجربته في هذا المضمار يقول فنان الكاريكاتير عماد حجاج، مبتكر شخصية أبو محجوب، "نمت لدي منذ الطفولة ميول الرسم، لتبدأ معالم التجربة في النضج عندما نشرت أولى رسوماتي في صحيفة جامعة اليرموك عام 1988م، ولتظهر شخصية أبو محجوب في غضون انتخابات عام 1993م، والذي ابتكرته حينها للتعبير عن جملة مفارقات انتخابية واجتماعية".
ويردف حجاج "ومع التشجيع الذي لقيته استمرت الشخصية، ونمت شخصياتها الجانبية مثل أم محجوب ومحجوب وأبو محمد، وانتقلت الرسومات من الأبيض والأسود إلى الملون، ومن ثم رسم الشخصيات باستخدام الكمبيوتر".
ويرى حجاج أن ثمة تقليدا عالميا في اعتماد شخصية شعبية من كل بلد كبطل لرسومات الكاريكاتير، ومنها شخصية أبو العبد كرجل للشارع اللبناني، والصعيدي الفلاح رمزا للشخصية المصرية، غير أن رموزا بعينها تكون معروفة للشارع العربي برمته أكثر من غيرها.
وعن قوة الكاريكاتير يقول "يملك قوة تعبيرية هائلة بقالب ساخر لاذع، إذ مل الشارع العربي خصوصا من جدية تناول القضايا العالقة، بالإضافة إلى نسبة الأمية العالية التي تغزو المجتمع العربي، ما يجعل للكاريكاتير قيمة مضاعفة، إذ لا يحتاج إلى مستوى علمي رفيع لفهمه وتحليله".
ويردف حجاج "من أولويات رسام الكاريكاتير أن يسعى ليكون لسان حال أغلبية الناس، لا سيما أولئك المهمشين وغير القادرين على التعبير".
ويشير حجاج إلى عدم وجود طقوس معينة ترافقه أثناء رسمه لكاريكاتيراته، مردفا أن الحياة اليومية "تشكل معينا لا ينضب لثقافة رسام الكاريكاتير، الذي يتمخض رسمه عن عصف ذهني طويل يلتقط التفاصيل والمفارقات بقالب ساخر".
وينحاز حجاج إلى "الفكرة الغنية وإن كان تمثيلها متواضعا، في مقابل تيارات أخرى في مدرسة الكاريكاتير تنحاز إلى تقنيات الرسم الكبيرة وإن كانت الفكرة ضعيفة".
ويذهب أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة اليرموك الدكتور تيسير أبو عرجة إلى أن "قيمة الكاريكاتير الإعلامية كبيرة جدا، نظرا للدور القوي الذي يلعبه سياسيا واجتماعيا، إذ يثير شحنة فكرية في نفس المتلقي بأثر يضاهي قوة الكلمة المكتوبة".
ويردف أبو عرجة "يصنف الرسام إعلاميا وناقدا ومؤثرا بريشته وقلمه، إذ تأخذ رسوماته تأثيرها من البراعة في التقاط التفاصيل، وفي أحيان من الرسالة المكتوبة التي تصاحب الرسم، إذ تُستقى هذه الرسالة المكتوبة من القاموس الشعبي مازجة إياها بقالب من السخرية والجرأة".
وبالنظر لتجربة كاريكاتير أخرى تعتمد القضايا الاجتماعية أساسا لها، تأتي تجربة رسام الكاريكاتير محمود هنداوي، مبتكر شخصية نهفوت، التي يصفها بـ"الشخصية التنفيسية"، والتي توظف رسالتها لـ "إيقاظ الأفكار في أذهان الناس، ولتحريك مشاعرهم ومناجاة همومهم".
ويرى هنداوي أن قوة الكاريكاتير تنبع من كونه "مادة مرئية يسهل على جميع الطبقات الاجتماعية والفكرية والتعليمية التقاطها وفهم رسالتها المقصودة".
ويتخذ هنداوي، بحسبه، من الأوضاع المعيشية التي تلقي بظلالها على جميع شرائح المجتمع لا سيما الشباب وقودا أساسيا لرسوماته، التي "تلتقط صورا من البيت والجامعة وبيئة العمل والشارع".
ويصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الدكتور محمد المومني الكاريكاتير بـ"الثقافة عالية التأثير ليس اجتماعيا فحسب، بل سياسيا كذلك، إذ يعلم صناع القرار مدى قوتها وأثرها اجتماعيا، فيتوجسون من عينها الناقدة خيفة، محاولين تحاشي ما تلتقطه من زلات وهنات".
ويشترك أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور سري ناصر مع المومني في الحديث عن قوة هذه "الثقافة الكاريكاتيرية"، واصفا إياها بـ"السلاح ذي الحدين، إذ تسلط الضوء على قضايا سياسية واجتماعية من الواقع اليومي، غير أن قوتها قد تولد قوة شعبية هائلة كما حدث في أزمة الرسوم الدنماركية التي أثارت العالم الإسلامي برمته، ما أدى لأزمة دبلوماسية وسياسية بين طرفي القضية".
ويرى ناصر أن المواطن العالمي عموما والعربي خصوصا "ينحاز إلى ثقافة الكاريكاتير وما ترنو لإيصاله من رسائل متنوعة، إذ تنفس هذه الرسومات عن الأفكار المكبوتة أو غير الملتفت إليها، بلسان شعبي لا يستلزم عناء ليصل إلى جميع شرائح المجتمع".
jordan shoes for sale outlet black

معرض الصور