الفنان الشهيد ناجي العلي في الذكرى 19 لرحيله

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
الكاتب: 
عمر شبانة

 

الرؤية الأكثر صدقاً في الكاريكاتير العربي

حنظلة، فاطمة، زينب، الفلسطيني المعارض والطيب: العم عباس أو أبو حسين أو أبو إلياس أو أبو جاسم وأبو حمد ومارون ومحمد (إنه الفلسطيني المشرد والمقهور والمناضل والمعتقل والمغدور والمقتول، وهو اللبناني المشرد في وطنه والفقير المكافح والقتيل، وهو المصري الكادح المحب لمصر والعروبة)، المتكرشون في كيانات هلامية، المواقف المبدئية والحادة تجاه الكثير من الحوادث، الرفض المطلق للخنوع، القضايا الإنسانية العالمية متمثلة في الفقر ورغبة الهيمنة لدى الدول العظمى. هذه وغيرها هي أبرز العناوين التي اشتغل عليها الفنان الشهيد ناجي العلي. وهي التي منحت حياته ورحيله وأعماله الفنية أبعادا تتجاوز البعد الوطني الفلسطيني الخاص الذي طبع هذه الأعمال، إلى البعدين العربي والعالمي اللذين وضعاه في مصاف كبار الفنانين في العالم.

اليوم، في الذكرى التاسعة عشرة لرحيله، نتساءل: ما الذي يجعل ناجي العلي يعيش بيننا اليوم كما لو لم يرحل منذ 19 عاما؟ وما الذي يخلد حنظلة ويدفعه إلى ما يجري اليوم في بلادنا من حرب عدوانية صهيونية ومن مقاومة ومن تخاذل وإذعان رسميين؟ ولماذا لم يظهر حتى اليوم فنان كاريكاتير يكون في حجم ناجي العلي وقوة حضوره وتأثيره فنيا وجماهيريا؟

أسئلة نعرضها على المحك اليوم في مناسبة مرور 19 عاما على رحيل الفنان الشهيد الذي نرى أعماله فنشعر أنها لا تزال تعبر عن كل ما يجري في العالم. نرى شخوصه وخطوطه وعباراته فنرى أنفسنا وأعداءنا وحكامنا وشخوص واقعنا المر والأليم. وهو ما يجعل هذه الأعمال أشد حضورا من كثير مما يكتب ويرسم اليوم. وهذه هي سمة الإبداع الأصيل والحقيقي، فهو يبقى ليعبر عن كل زمان ومكان ولا تبليه الأيام والسنون.

في كل عمل من أعماله كان ناجي العلي مرتبطا بهموم وقضايا شعبه وأمته، هذه الهموم التي لا تزال هي نفسها منذ ما يزيد على ستين عاما، بل هي المتواصلة منذ عقود أو قرون من السنوات، الهموم المتمثلة في جوانب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. هموم تتجسد في الهزائم والتخلف والأمية والقمع. وفي ذلك كله كان ناجي جريئا ومندفعا وراء أحلام الشعوب والأوطان، فلم يكن يهاب أو يخشى أو يتردد. وفي ذلك كله كان هاجسه التعبير عن الحرية الموءودة. هذا الهاجس الذي يمكن أن تنطوي في ثناياه هواجس الإنسان الفرد والأمة في آن واحد.

نقف مع ناجي اليوم لنقف مع هاجس الحرية الذي ظل يدافع عنه حتى دفع حياته ثمنا له. هاجس الحرية الذي ظل يرافقه في رسوماته كلها كما في حياته وممارساته، فهو الفنان العميق والإنسان البسيط، وهو الذي يجمع الفكر والموقف على نحو ينبع من وعي فطري بالحرية أكثر منه وعيا مثقفا أو نخبويا، الأمر الذي جعله قريبا من الناس ومقربا منهم. لذا وجدت رسوماته طريقها إلى قلوبهم قبل عقولهم، وتعلموا أن يدخلوا الصحيفة التي يرسم فيها من الصفحة التي تضم رسومه (الأخيرة غالبا) وليس من الصفحة الأولى.

وخلال ما يقارب ثلاثين عاما من الفن، وما يربو على أربعين ألف لوحة كاريكاتيرية، قدم ناجي العلي رؤيته للعالم من حوله، الرؤية القائمة على الحلم والمثال في كل المواقف، الرؤية الثورية للمقاومة ونقيضها، ما أغضب الكثيرين منه، وجلب له الكثير من محاولات التعنيف من جهة، ورضا الشارع العربي والتفافه من جهة ثانية. وإذا كان قد ركز كثيرا على نقد السياسات والسياسيين، فهو لم يغفل القضايا الأخرى للشعوب. ومن هنا كانت رؤيته الشمولية حيث تتكامل في تجربته القضايا والهموم كلها.

الخيمة.. البركان

لقد احتلت القضية الفلسطينية مركز الدائرة في تجربة ناجي العلي، وهي قضية ذات أبعاد متعددة، وقد كان الصراع العربي في مركز هذه القضية. ولهذا احتلت مساحة واسعة من عمل الفنان المناضل الرافض والمبدئي الذي كان يرى البعض أنه حاد ومتطرف، في حين نرى أن رؤيته التي عبر عنها في آلاف الأعمال الفنية هي الأكثر صدقا والتزاما بالقضية. فهو يرى أنه في صراع كهذا لا بديل للكفاح المسلح لبلوغ الهدف المتمثل في التحرير والعودة، الأمر الذي نجده يركز عليه كثيرا بشكل مباشر حينا، من خلال إبراز دور الكفاح المسلح والبندقية، أو بصورة غير مباشرة من خلال السخرية اللاذعة تجاه دعاة “السلام” الذين لم يكن يرى فيهم سوى دعاة استسلام وخنوع.

قدم خليطا من الشخصيات التي تجمع المناضل والسياسي المنبطح والمرأة المكافحة (زينب ومحمد وفاطمة) وقدم الأمكنة وقدم موقف الناس البسطاء ورؤيتهم، فهو الفنان القادم إلى الفن من قاع المخيم ومعاناته وهمومه اليومية والسياسية، والقادم من أحلام الشعب وآلامه وأوهامه أيضاً. لذلك ظلت رسوماته قريبة من هذا الشعب، ليس الفلسطيني وحسب، بل الشعب العربي كله. وظل رافضا التقسيمات والإقليميات والطائفية أو المذهبية كما في بعض أعماله “عم تسألني إذا أنا مسلم أو مسيحي؟ سني أو شيعي؟ أما سؤال بارد صحيح. مش فهَّمتك من الأول يا أخو “الشليته” إني poor بن poor”.

الشاهد الرافض

 

أما حنظلة، هذا الطفل الذي يدير ظهره للعالم في أغلب الأحيان، وقد يرفس الهواء أو إحدى شخصيات اللوحة، فهو شخص جميل وغامض، وقد يكون تجسيدا لشخصية ناجي العلي في طفولته حين تشرد عن قريته في الثانية عشرة من عمره. وهو تجسيد حي لضمير الفنان المرتبط بالشعب وقضاياه. هو الشاهد الرافض ولكنه صامت ونادرا ما يتحرك أو يتكلم. وقد يعلق تعليقا سريعا على حدث ما، أو يتناول حجرا ويقذفه باتجاه ما. وهذه الشخصية الثابتة كانت بمثابة توقيع الفنان، حيث تستطيع أن تتعرف لوحاته منها كما من عناصر أخرى بالطبع. هكذا وضع ناجي العلي فنه في “خدمة” القضية، فاستحق بجدارة لقب الفنان المناضل والملتزم، كما استحق جوائز عالمية عدة، ربما كان أبرزها اعتباره بين أشهر عشرة فنانين في مجال الكاريكاتير في العالم.

ومنذ البداية، كانت لوحته التي اطلع عليها شهيدنا الآخر غسان كنفاني هي التي غيرت مجرى حياة ناجي العلي. تلك اللوحة التي تمثل خيمة على شكل بركان أعجبت كنفاني فنشرها في مجلة “الحرية”. وبعدها كرس العلي حياته للفن الساخر/ الكاريكاتير. وبعد سنوات سافر إلى الكويت ليعمل في مجلة “الطليعة” أولا، ثم في صحيفة “السياسة”، لكنه عاد إلى لبنان العام 1975 بناء على عرض للعمل في صحيفة “السفير” وظل يرسم لصحيفة “السياسة”. وفي العام 1982 وبعد حصار بيروت واجتياحها من قبل العدو الصهيوني غادر إلى الكويت ليعمل في صحيفة “القبس” التي ظل يعمل لها حتى لحظة رحيله منفياً وغريباً.

يقول محمود درويش: ناجي العلي، يلتقط جوهر الساعة الرابعة والعشرين وعصارتها، فيدلني على اتجاه بوصلة المأساة وحركة الألم الجديد الذي سيعيد طعن قلبي، فهو يرتقي بالحدث إلى مستوى الوعي، فالرسم كما يرى مايكل انجلو: أساس المعرفة، غير أنه يعيد تشكيل الرمز بغير المألوف، فالعصفور الذي يكون رمز الوداعة يحيا في أعمال ناجي رمزا للمقاومة

 

حنظلة العربي

حنظلة، أو أبو الحناظل كما كان يحب الفنان أن يسميه، مشتق من المرارة، وهي شجرة لها ثمرة مرة، ولكنه أيضا تعبير عن صورة الطفل  الذي خرج من قريته “الشجرة” كما يقول الفنان نفسه عن هذه الشخصية ومدى ارتباطه وتعلقه بها: “هذا وأنا زغير.. هيك كنت بالضبط، طول نهاري كنت حافي، وشورتي مرقع، وقميصي مبقع، وشعري منكوش زي القنفذ. وحنظلة ولد وهو ابن العاشرة: ولد وعمره هيك.. أسطورة ومش راح يكبر إلا بعد ما تعود البلاد إلى أهلها، ليربط بين السن التي هاجر فيها من الشجرة وولادة حنظلة وعودة البلاد، وتكون ولادة حنظلة بشهادة ميلاد (هي بمثابة البيان الإبداعي): أنا اسمي حنظلة، اسم أبي مش ضروري، أمي اسمها نكبة، ولدت في 5 حزيران ،1967 جنسيتي أنا مش فلسطيني، مش أردني، مش كويتي، مش مصري.. مش حدا، باختصار معيش هوية.. ولا ناوي أتجنس، محسوبك عربي وبس.. التقيت صدفة بالرسام ناجي.. وقلت له: حنظلة ابن عامر الأنصاري، وإني مستعد أن أرسم عنه الكاريكاتير كل يوم، وفهمته أنا ما بخاف من حدا غير الله”.

 

Shop Womens Socks - View the Large Range

معرض الصور