الكاريكاتور: ثورة أخرى في مصر

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع منصات
الكاتب: 
اندرو ستلزر

نجاح جريدة "الدستور" في استقطاب القراء لم يأتِ بفعل الصدفة. فهذه الجريدة المعارضة "بشراسة" حكومة مبارك استخدمت سلاحاً آخر، وهو مجموعة من أفضل رسامي الكاريكاتور في مصر. ولكن هل سيستطيع هؤلاء "المتمردين" خلق فرق؟ "على الأقل، نحن نبذل كل جهدنا".

على بعد 45 كيلومترًا من ضفاف نهر النيل، ترى خصل شعر طويلة مجدولة تنسدل فوق رسم لرجل وبقرة في غرفة انتظار في مستشفى.

إنها خصل مخروف وهو الآن يرسم سياساته على الورق.

"رسمت فقيرا مع بقرة، وهو يتحدث إلى أحدهم قائلا : بقرتي وأنا مريضان ونحتاج إلى عناية طبية مجانية"، قال مخروف، الرسام الكاريكاتوري البالغ من العمر 25 عاما.

" لم يرد عليه الآخر بعد، لكني أعتقد أنه سيرفض. الفكرة هي أن الرجل والبقرة يعانيان من المرض نفسه. إنهما من الطبقة العاملة، الطبقة الحيوانية العاملة."

في الغرفة عدة مكاتب، والكثير من الرسومات على الجدران. في البهو، "يصارع" الصحافيون والمحررون في جريدة "الدستور" لوصف ما يعتبرونه رئاسة حسني مبارك الساقطة، من دون زيادة حدة الكلام. لكن في هذه الغرفة، القلم صار ريشة لرسم الكاريكاتور، فاختلفت القواعد.

"الكاريكاتور فن التهجّم. أنت تهاجم أمرا تراه سلبيا " قال قنديل (الذي يوقع هو الآخر بكنية واحدة)، صاحب الـ21 ربيعاً وأصغر رسامي الكاريكاتور الثمانية الذين يعملون في جريدة الدستور.

تملأ الرسوم الكاريكاتورية السياسية والاجتماعية الأعداد اليومية للجريدة، كما نسختها الأسبوعية، في ظاهرة بدأت عام 2004 وأثبتت نجاحها حتى صارت الصحف المصرية الأخرى تعتمد عليها.

أكثر ما يثير ريشة  قنديل هذه الأيام  مواضيع كنقص المياه والتظاهرات العمالية الأخيرة، من دون ذكر القضية الفلسطينية الحاضرة ضمن اهتماماته دوما.

أما مخروف، فهو يميل الى مسألة التلوث وغياب العناية الصحية المفيدة.

في بلد يقود النقاش الاجتماعي أصحاب مواقع المدونات الالكترونية إلى السجن، (حكم على كريم عامر بالسجن أربع سنوات في وقت سابق من هذا العام)، يسير رسامو الكاريكاتور النشطون في جريدة "الدستور"، نحو الهاوية.

كتب مؤخرا ابراهيم عيسى، رئيس تحرير الصحيفة، مقالا عن حي في القاهرة يفتقر للخدمات الأساسية، حتى لمياه الشفة.

في افتتاحيته، اشتكى عيسى من اهمال الحكومة الذي يعتبره سبب الظروف غير الصحية هذه.

عندها قام محام من تلك المنطقة برفع دعوى قضائية على عيسى، مدعيا أنه أهان الرئيس مبارك. وفيما نفى مبارك تورطه في القضية، قال عنديل أنها خطة واضحة وضعتها السلطة بهدف "إزعاج" الجريدة ورئيس تحريرها، وربما تكون ردا على منشورة تسخر وقتاها في إزعاج الرئيس "المنتخب ديمقراطيا"، منذ فترة طويلة.

" نحن نعارض مبارك لتجاهله حاجات الشعب، ولكونه متغطرسا وغير ديمقراطي" قال قنديل معلقاً على مواقف الصحف.

كما ووصف مبارك بالـ"العميل الأميركي" في ما يخص السياسة الخارجية لمصر، كما أن سجله في الحكم غير الديمقراطي معيب.

تابع قنديل انتقاداته قائلا: "حكم مبارك 25 عاما، وهو لا يزال يستخدم قانون الطوارئ.

ليس في البلاد برلمانا فعالا، ولا حياة ديمقراطية فعالة، من دون ذكر التلاعب بالانتخابات.

لسنا نعيش في ظروف سياسية صحية، فلا يمكننا التعبير عما نريده.

إن لم يعجبنا وزيرا أو لا تعجبنا تصرفاته، لا يمكننا إقالته. نحن لا نعيش في ظل حكم، بل في سجن."

رغم موقف "الدستور" المعارض لمبارك، تبقى الرقابة الذاتية تفرض نفسها.

يقول مخروف أن الرسوم المثيرة للجدل أحيانا يمكن تأجيلها، فيكون وقعها أقل حدة عند نشرها، كما هناك رسوم لا تصل إلى المطبعة أبدا.

الرقابة الذاتية

أخرج مخروف إحدى رسوماته التي  حظرت، والرسم البديل الذي رسمه.

الأول يصور كلبين: كلب كبير على فاهه كمامة حديدية تخفي أسنانه المتوحشة، وجرو صغير يحمل في فاهه مفتاحا. الكل يعلم أن الكلبين يمثلان مبارك وابنه. فتخوض "الدستور" وغيرها من المعارضين لمبارك، معركة ضد خطط الرئيس الواضحة لتسليم الحكم إلى نجله من بعده، ما يتعارض مع القانون المصري.

لكن المحررين أخبروا مخروف أن تصوير مبارك كلبا قد يعتبر مهينا.

وهكذا تم التغاضي عن الرسم رغم اعتراضات الفنان، واستبدل برسم لملك متوج يدفع عربة أطفال تحمل طفلا غاضبا يصرخ وعلى رأسه تاج أيضا.

ولكنه "طفل متوحّش" يعلّق مخروف وقد ارتسمت ابتسامة على وجهه. (في الواقع ان الطفل تصوير بعد أقسى من الكلب، وأنا مصدوم من سياسة الرقابة هذه!)

ويكمل معترفاً  بأن الرقابة على رسوماته تزايدت في السنوات الثلاث الأخيرة، لكنه لا يلقي اللوم على رئيس التحرير: " هو لا يمنع رسوماتي لمجرد رغبته بذلك، بل لأن المجتمع وظروفنا الحالية لا تسمح لنا بالتعبيرعن هذه الأفكار. إنه يتوخى الحذر ولا يحاول السيطرة علينا."

لكن ابراهيم عيسى محقّ في خوفه.

فجريدة "الدستور" صدرت في التسعينات وأقفلتها حكومة مبارك لعقد كامل.

فكان عليه أن يواجه قضية الاقفال تلك بأساليب قانونية، حتى سمح له بإعادة نشرالجريدة.

اولى الخطوات التي اتخذها بعد ذلك كانت بتوظيف أهم رسامي الكاريكاتور الشباب في البلاد لإضفاء روح مختلفة على الجريدة، وتحفيز القراء على قراءة مواضيع عادة ما يتغاضون عنها.

قوّة المدونين

بدأ المصريون يدركون قوة المدونات الالكترونية في الاوساط السياسية، وقد خصصت جريدة "الدستور" صفحة كاملة في نسختها الأسبوعية لهذا الموضوع، ويتولى قنديل الرسم فيها.

تنشر نسخة هذا الأسبوع رسومات حاسوب يتجسس على آخر، "فأرة" تتحدى كلب حراسة يشبه الشرطة، وشرطي يقف خلف مراقب الكتروني، فتظهر ملابسه الداخلية.

"أردت القول أن المدونات تظهر مدى ضعف عناصر الشرطة عندنا. فقد بثت مواقع مدونات مختلفة أفلاما تظهر أشخاص يتعرضون للضرب والعنف في مراكز الشرطة. أريد أن يعلم رجال الشرطة أننا نراهم ونعلم ما يفعلونه" شرح قنديل.

ولكن المشكلة اليوم هي أن أصحاب المدونات يخضعون للمراقبة، ويحكمون بالسجن إن اعتبروا بأنهم يشكلون تهديداً حقيقياً.

"إن خفت دخول السجن بسبب مدونات، ما كنت لأعمل في الجريدة " أفاد قنديل الذي يأمل أن يشعر كثيرون مثله.

"ستنشر مواقع المدونات أكثر وستطلق جيلا جديدا أقل خوفا وأكثر اعتيادا على التعبيرعن نفسه. أهلنا خائفون، الجيل الأكبر منا خائف لأنهم شهدوا على هذه الأمور لكنهم لم يجربوا التعبير.

عاشوا حياتهم في سكوت ولم يحاولوا التعبير، فهم خائفين من المحاولة حتى، لكني أعتقد أن جيلنا أكثر شجاعة."

البدايات

أتى قنديل من بلدة صغيرة على شاطئ المتوسط، وبدأ يرسم في سن السابعة عشر لمجلة للأطفال.

لم يكن يتلقى راتبا لكن والدته، وهي شاعرة وكاتبة معروفة، دفعت له 10 جنيه أي حوالي الدولارين لتشجيعه.

بعد عامين، حصل على أول راتب له من جريدة الدستور بقيمة لا تزيد عن 40 دولارا.

أما مخروف فتلقى 30 جنيه لرسمه الأول في جريدة صغيرة.

وأمضى السنوات القليلة التالية يكسب لقمة العيش برسم صور أشخاص وفي وظائف صغيرة مختلفة، قبل أن يحصل على فرصة جدية في درا نشر وظفته مقابل 80 دولارا في الشهر.

وأخيرا، تلقى اتصالا من جريدة الدستور.

ورغم أنه لا يزال يتلقى أجرا زهيدا، يقول أن "التجربة هي في العمل" ليس للجريدة فحسب بل لنفسه.

فقد استقطب عمله الكثير من الأنظار، وتلقى عروضا من منشورات أخرى تعتبر من الأهم، ووصف بأنه "رسام كاريكاتور معارض للنظام".

يشاطر قنديل نجاحه مع شقيقه علي، الذي وظّف مؤخرا للكتابة في صفحة التسلية (وما يثير السخرية أنها الصفحة الوحيدة التي لا تحتوي على كاريكاتور، لأن القراء يحبون قطع صور المشاهير وإلصاقها على الجدران).

اما عن جريدة "الدستور"، فهي تبيع 50 ألف نسخة يوميا. وتصل مبيعات النسخة الأسبوعية، التي تضم عشرات الرسوم الكاريكاتورية، إلى 120 ألف عدد.

ويؤكد قنديل أنها الثانية من حيث المبيع والثالثة من حيث الأهمية في مصر.

عند رؤية النجاح الذي حققته الرسوم في جريدة "الدستور"، حاولت صحف أخرى تقليد الصحيفة  وبدأت بتوظيف رسامين جدد.

يبدي قنديل سروره بأن الصحف الأخرى بدأت تعي اهمية الرسوم الكاريكاتورية، لكنه يؤكد أنها لو لم تكن سياستها قوية فمصيرها الزوال.

ويعطي مثل جريدة "الأهرام"، المؤيدة للحكومة، وهي الأكثر مبيعا في البلاد التي استخدمت عدة رسامين، لكنها بدعمها للحكومة "أجبرتهم على اعتماد سياسة لينة بعيدة عن الانتقادات".

ويضيف مخروف " يمكن للحكومة وقف نشر صحيفتنا إن أرادت، كما فعلت في السابق".

لم استطع الا ان اسأل: "هل يحدث هؤلاء المتمردين الشباب فرقا أم أن الأمر مجرد وظيفة بالنسبة إليهم؟ "

فأجابني مخروف: "على الأقل، نحن نبذل جهدنا. وحين أسأل اجيب أني بذلت جهدي.

الفشل لن يكون خطئي وحدي".

 

jordan shoes for sale outlet boots

معرض الصور