الكاريكاتير البحريني يرسـم رحلتــه إلى العالميـة بريشــة الحريــة

قيم هذا الموضوع: 
Average: 4 (2 votes)
المصدر: 
جريدة الوطن - البحرين
الكاتب: 
تحقيق علي الستراوي

 

مما لا شك فيه أن فن الكاريكاتير العربي ارتبط منذ القدم بسخرية التعليق على الواقع، لكنه مع ظل ابتسامة واسعة تنتج عنه يسكن ذهن الإنسان ويجبره على التفكير، وكان قدماء المصريين أوّل من تنبّه إلى هذا الفن الذي يحمل رسالة عميقة الرؤية بين السخرية ومعالجة مثالب الحياة بعقل نقدي ساخر.

وليس هناك شك في أن فن الكاريكاتير العربي قد تداخلت في رؤاه دلالات ورموز واشتغالات فكرية متوالدة من شحنات حياتية أثّرت بكل تأكيد على مسيرة فنان الكاريكاتير.

وكان لمملكتنا البحرين فنانها الذي لوّن بريشته ذلك التأثّر، فعبر عن البسمة والجدل السياسي والاجتماعي والاقتصادي والحياتي، وهذا ما ميّز فنان هذه الجزيرة وحمّله رسالة تعبّر ومازالت عن واقع ملموس.

ومن خلال هذه البسمة الناقدة فتحنا جهات حوارنا مع من يشهد لهم شارعنا المكتظ بالانشغالات، ومع من كان لريشتهم بصمة تجاوزت حدود الألم حتى أصبح لبعدها جدل عرفه القارىء البحريني، مرة ضاحكاً وأخرى محتجاً. وعبر فنانين يلونون بسمتنا، رسالة لا بد من إثارتها.

مع هؤلاء الفنانين فتحنا حوارنا تحت عبر أربعة محاور تثير الحدث.

أولاً: كيف ينظر هؤلاء الفنانون إلى تجربة فن الكاريكاتير البحرينية، وهل استطاع هذا الفن أن يجد له مكاناً في الساحة البحرينية؟

يقول الفنان القدير عبد الله المحرقي: ''التجربة البحرينية في فن الكاريكاتير ليست بالتجربة الطويلة كمثيلاتها في الدول العربية وخاصة مصر والعراق ولبنان، وهي اعتمدت على فرد أو اثنين في البداية ثم تتالت الأسماء بعد أن كثرت الصحف اليومية. وأقل ما نقول عنها إنها تجربة متواضعة خرجت على استحياء... لم يبرز منها كفرسان إلا القليل نظراً لصغر مساحة الدعم والمردود المادي المتواضع الذي يتقاضاه رسام الكاريكاتير في الصحيفة مما يضطره إلى القيام بعمل آخر بجانب عمله كرسام، كذلك ضيق سقف حرية التعبير ومسئولية العمل اليومي وبالتالي لا يجتهد فيه كثيراً مما ينعكس على الفكرة والمهارة في التنفيذ. وأنا أعتقد أن بعض الأسماء وهي قليلة جداً مع الصبر على المعوقات التي تقابلها لمعت خليجياً وعربياً وربما عالمياً، لكن هذه الفئة عانت ومازالت تعاني من إحباطات في حرية التعبير والمردود المادي ووضعها المحرج أحياناً بين الرقيب والقارئ والسلطة. ولذلك يظهر بين فترة وأخرى رسام كاريكاتير واعد لفترة بسيطة ثم يختفي وهكذا لا يبقى في هذه الساحة إلا من يصبر على المر يومياً''.

ويقول الفنان خالد الهاشمي: ''إن تجربة فن الكاريكاتير في البحرين حديثة نسبياً ارتبطت بالصحافة اليومية وبالتحديد مع صدور جريدة ''أخبار الخليج'' في السبعينات من القرن الفائت، وقد كان لتجربة الفنان عبد الله المحرقي في الكاريكاتير حضور يومي متميز، وكذلك الفنان مناحي والفنان أحمد الخاجة من خلال جريدة الأضواء الأسبوعية. ثم شهدت التجربة زخماً كبيراً مع صدور الصحف اليومية الأخرى بدءاً من صحيفة ''الأيام'' وما لحقها من صحف يومية أخرى في السنوات الثلاث الأخيرة. والكاريكاتير بطبيعته الساخرة والنقدية يضفي رصيداً شعبياً كبيراً ويساهم في تكريس بعض الاسماء في هذا الفن المشاكس وبكل موضوعية عليك أن تسأل القراء عنهم''.

ويضيف: ''إن تجربة الكاريكاتير في البحرين حديثة الولادة، سواء من حيث المعالجة الفنية أو المعالجة النقدية، وهي كسائر التجارب في الوطن العربي تميل في الغالب إلى كاريكاتير التعليق أكثر من كاريكاتير الفكرة، وقد ساهم ذلك في تقوقع الكاريكاتير العربي جغرافياً وانغلاقه. والكاريكاتير في البحرين هو امتداد لتجربة الكاريكاتير العربي المتواضعة إذا ما قورنت بالتجارب العالمية أو الإقليمية كتجربة الكاريكاتير في إيران مثلاً. وهذا التواضع أو التعثر لا يمكن فصله عن التعثر الحاصل في الحالة الثقافية عموماً، ويضاف إلى ذلك كون الكاريكاتير انعكاساً مباشراً للشارع العربي المحبط والمتأزم منذ فترة طويلة من الزمن على جميع الأصعدة يتأثر بشدة بإرهاصات وتناقضات الأوضاع السائدة''.

أما الفنان جاسم الميبر فيقول: ''الكاريكاتير فن معبر يعتمد على التركيز والمفارقة.. ويلجأ إليه الرسام لينقل إلينا انطباعاً معيناً عن شخص أو موقف أو حدث. ولا شك أن الكاريكاتير لغة عالمية مشتركة بأسلوب نافذ متميز يستهدف كل القطاعات من البشر ويؤثر بقوة في مشاعرهم ويبقى عالقاً في الذهن وفعالاً في النفس''.

ويقول الفنان الشاب محمود حيدر: ''أرى أن تجربة فن الكاريكاتير تجربة مازالت طرية كما هو حال الصحافة في البحرين. صحيح أن بعض التجارب تجاوز عمرها العقدين أو أكثر هذا، لكن هذا يعني وفرة في الإنتاج، لكن أمام الكم أين التميز؟ طبعاً لا أنسى أن لدينا بعض التجارب الفنية التي حصلت على جوائر كالفنان خالد الهاشمي، وأعتقد أن تجربته تستحق الدراسة ذلك أنه يعتني جيدا بما يقدمه للقارئ''.

وحول وجهة نظره ضمن سياق هذه التجربة على المستوى العربي، يؤكد الفنان الشاب حمد الغائب: ''مازلنا كرسامي كاريكاتير في البحرين متأثرين بالهم المحلي، وهو الطاغي على أكثر أفكارنا تقريباً، فعنصر تأثر الفنان بالمحيط الذي هو فيه يشكل أهمية لمحيطه، ولربما يصنع له سوقاً واسماً في نطاقه المحلي، ولكن المشكلة في عدم الانفتاح على الثقافة الكاريكاتيرية الخارجية والعربية منها على الأقل''.

ويرى الفنان شاهين المعراج: ''أن البحرين تزخر بالمواهب في شتى المجالات، والفن له نصيب الأسد؛ حيث إن شعب البحرين مرتبط بالفن ارتباطاً عميقاً عمق التاريخ. وفي فن الكاريكاتير برزت أسماء كان لها الفضل في دخول الكاريكاتير إلى الصحف والمجلات البحرينية رغم قلتها فيما مضى، ولأنهم الرواد فإن أسماءهم التصقت بهذا الفن، فعُرف الكاريكاتير في البحرين بأسمائهم، تميّزت أعمالهم بالخطوط القوية والجريئة والأسلوب الشعبي المبسّط الفكاهي، كما تنوعت مواضيعهم ما بين السياسية والاجتماعية، وكانت المواضيع الاجتماعية هي الأقرب للمجتمع البحريني المثقف، حيث تتكلم بلسان الشعب بروح داعبة جادة تعبر عما تكتنزه نفوسهم فتخفف عليهم عبء الحياة وتوصل الرسالة لأصحابها. هؤلاء الرسامون منهم من لم يجد الوسط المريح لاحتضانه، ومنهم من فلت من الظروف وتمسك بالفرص ليستمر بالبقاء حيّا.

ومع مرور الزمن، نشأت مواهب كاريكاتيرية جديدة شقت طريقها وبنت لها أسماءً وأساليب جديدة، تميّز بعضها بتأثّرها برموز عربية في فن الكاريكاتير، والبعض الآخر بالرسامين الغرب، ولتعدد الأساليب والاتجاهات منحنى إيجابي في ثراء الكاريكاتير في البحرين. وما أن اتسعت دائرة الصحافة والحرية ظهرت أجيال أخرى، وكانت أيضاً فرصة لعودة أسماء غابت.

هؤلاء جميعاً لهم طرقهم في تكريس هذا الفن السهل الصعب، كل بطريقته وأسلوبه يقدم رسالته التوعوية الإخبارية التثقيفية على أرض الوطن''.

أما الفنان نادر القصير فيقول: ''إن خطاب الكاريكاتير أصبح ذا شأن كبير في المجتمع البحريني، ومن خلال تجربتي الخاصة، أعرف كثيراً من القرّاء لا يفتحون الصحيفة إلا على الكاريكاتير؛ لأن الكاريكاتير يوصل المعلومة بطريقة أسهل، ولأنه منشغل بوجع الحياة، فاستغنى به القارئ عن قراءة المقالات الطويلة.

أما المحور الآخر للحديث فكان حول رؤية فناني الكاريكاتير لتجربة فن الكاريكاتير على المستوى العربي.

حول هذا المحور يقول الفنان عبد الله المحرقي: ''تجربة فن الكاريكاتير على المستوى العربي الآن تمر بمحنة بعد أن لمعت كثيراً في الثمانينات. ولا شك أن الدور الذي لعبه فن الكاريكاتير في مصر في الخمسينيات وما بعده كان ريادياً. وأسّس حباً شعبياً جارفاً لرسّام الكاريكاتير ليس في مصر وحسب، بل في الدول العربية كلها، ولا ننسى رواد هذا الفن أمثال رخا وصاروخان وعبد السميع وصلاح جاهين. حيث انتبه أصحاب الصحف في باقي الدول العربية لهذا الأمر فبدأوا بالاهتمام برسام الكاريكاتير، وأصبحت كل صحيفة تحرص على إيجاد رسام كاريكاتير لها أول ما تبدأ في الظهور يكمل صفحة الرأي السياسي عندها.

وحال الدول العربية وما وصلت إليه الآن من انحدار شديد وتقلّص الروح القومية للانتماء العربي أثر سلباً على رسامي الكاريكاتير أيضاً إلا ما ندر، كذلك أصحاب الصحف العربية التي كانت تتشرف بالعروبة والقومية تراجعت أيضاً بعد الحملات المضادة التي تقوم بها أجهزة اللوبي الصهيوني العالمي والمحافظون الجدد في البيت الأبيض مما اضطر بعض أصحاب الصحف إلى استبدال رؤساء التحرير القوميين بمتأمركين، وبالتالي التخلّص من رسّام الكاريكاتير المشاكس الذي لا يرضى بالتراجع والسير في قافلة ديمقراطية المنطقة العربية على طريقة راعي البقر الأمريكي''.

وحول ذلك يقول الهاشمي: ''إن الوضع العربي عبر التاريخ المعاصر تميّز وبكل جدارة بحالة التربص في الحجر على حرية التعبير والتفكير، بدءًا من الحكومات إلى المؤسسات الشعبية إلى الأفراد. ومن المحزن أن المنطقة العربية كانت دائماً ضحية تلك العقلية التي تفترس حرية الأفراد على حساب ''القطيع'' أو الجماعة تحت مبررات سياسية أو اجتماعية او حتى ''دينية''. وبالرغم من الانفتاح النسبي للحريّات الذي أجبر قسراً عليه الوطن العربي فإن الوقائع تدلّل على اتساع رقعة التسلط الفكري بوسائل إرهابية بقيادة زعامات مرحلية بعد أن كانت، وربما مازالت، بوسائل قمعية بقيادة المؤسسات الرسمية. إن ظاهرة إقصاء الآخر ومحاربة الفكر الحر لم تتضاءل اطلاقاً في منطقتنا وإنما أخذت بعدا شعبيا كبيرا لا يبشر بالخير على المدى القريب على الأقل والأحداث تعزّز هذا التوجس. فالاصطفاف الطائفي والعرقي وتكريس الإرهاب الفكري في المجتمع العربي بالإضافة إلى الإرث القمعي في نبذ النقد ومصادرة حرية التعبير لها الأثر المباشر في تحجيم دور الكاريكاتير في حياتنا اليومية وحصره في خانة الموضوعات المتفق عليها، وبالتالي رسم خط آخر من الحواجز غير المسموح تجاوزها تحت حجة عدم استثارة هذا الطرف أو ذاك.. تبريرات، أجد الكثير منها، منافقة بذرائع الحفاظ على ''الهدوء''؛ أو لنقل ''ابعد عن الشر وغني له''! فهناك من يتقمص دور ''الحكيم النظيف'' الذي يخبئ الأوساخ تحت السجادة! وهناك في الطرف الآخر من يلهث لسنّ القوانين والتشريعات الرادعة للحد من حرية التعبير''.

أما جاسم الميبر فيقول: ''إن تجربة فن الكاريكاتير البحرينية ليست وليدة اليوم، إنما تعتبر مدرسة بلغت مكانة متقدمة ومتطورة تضاهي العالمية.

لقد استطاع الفنان البحريني الكاريكاتيري أن يكرّس هذا الفنّ لخدمة قضايا مجتمعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الساحة المحلية والعربية والإسلامية، كما أن الفنان البحريني صادق وأمين إلا عندما يكون مجبراً تحت الذرائع والتبريرات.

إن رسام الكاريكاتير البحريني لا يقل شأناً عن أخوانه الفنانين العرب أمثال الأب الروحي الفنان عبد الله المحرقي الذي ما زال عطاؤه مستمراً منذ ثلاث عقود تقريباً، والفنان خالد الهاشمي الذي لا يقل شأناً والفنانون علي خليل، ونادر، وطارق النجار. ولكل فنان ريشته التي تميزه عن الآخر.

ولو أن هناك تحفظاً وحدوداً من بعض الفنانين على أقلامهم التي وضعوها لأنفسهم من تقييد للفكر والحرية والنقد. ولقد غاب عن الساحة الفنية الأستاذ مناحي مرزوق والأستاذ أحمد الخاجة والفنانة معصومة.

ويضيف الميبر: ''أعتبر تجربة فن الكاريكاتير في البحرين في الصفوف المتقدمة على المستوى العربي؛ حيث تجاري أعمال الفنانين العرب في طرحهم للمواضيع والأفكار وترجمة القضايا العربية والعالمية بكل قوة وصراحة وواقعية والدليل على ذلك: مشاركات بعض فناني الكاريكاتير في معارض خارجية دولية. مثل ''معرض الكاريكاتير العربي الأفريقي'' عام 1990 بالقاهرة والذي شارك فيه أكثر من 80 رسام كاريكاتير من الوطن العربي وأفريقيا وقد شارك فيه أربعة من رسامي البحرين منهم: عبد الله المحرقي، وخالد الهاشمي، وجاسم المير، وجميعنا كنا في المراكز العشرة الأولى. وكلها اجتهادات شخصية وليس لوزارة الإعلام شأن بها.

وأيضاً مسابقة معرض الكاريكاتير الذي أُقيم في الإمارات، وقد حصل الفنان خالد الهاشمي على المركز الأول، وهناك معرض مجلة ''المجلة'' والكثير غيره''.

وحول حضور خطاب الكاريكاتير البحريني في السياق العربي يقول الفنان محمود حيدر: ''إذا اعتبرنا المشاركة في الخارج انضمام إلى السياق العام في تجربة الكاريكاتير فإن الفنان البحريني له حضوره في الخارج؛ فعبد الله المحرقي كان ينشر في ''البيان'' الإماراتية، والهاشمي كان ينشر في صحيفة ''الوطن'' السعودية، وكذلك فنانون آخرون، هذا عدا المسابقات الدولية التي يشارك فيها الفنان البحريني''.

وحول ذلك يقول شاهين: ''إن العالم العربي زاخر بالفنانين الكبار، وصلت أعمالهم إلى أقصى العالم ودُونت أسماؤهم ضمن كبار رسامي الكاريكاتير في العالم. فكانوا مشاعل رائدة لرسامي الكاريكاتير في باقي الدول العربية، ونقلوا هموم الشعب العربي إلى بقاع العالم ووصلت رسائلهم ونداءاتهم لتفتح العيون على هذه الأمم النامية''.

ولرسام الكاريكاتير المبدع عبد الله المحرقي مكانة بارزة بين هؤلاء، فهو أحد روّاد الخليج في مجال الكاريكاتير؛ حيث صنع له اسماً وأسلوباً مميزا ومعروفاً في الكاريكاتير العربي، وعلينا الاقتداء بمثل هذه الرموز كي نحقق المزيد من التطلعات والطموحات التي نهدف إليها بعد دخولنا هذا المجال.

وعلى المستوى العربي، يرى الفنان نادر القصير: ''أن الفنان البحريني يحتل المرتبة الأولى بين فناني الخليج العربي، وتشكل حرية التعبير مشكلة أساسية لفناني الكاريكاتير في البحرين، حيث الناس لم تتعود على الانتقاد وصارت تتعامل معها بصورة شخصية، بالإضافة إلى تحفظات بعض رؤساء التحرير على النشر''.

النقطة الثالثة التي نتناولها في هذا التحقيق عن فن الكاريكاتير في البحرين والوطن العربي هي خصائص خطاب فن الكاريكاتير في البحرين ومدى ما يتمتع به من حرية، وحول ذلك قال عبد الله المحرقي: ''خصائص فن الكاريكاتير في البحرين لا تختلف كثيراً عن خصائصه في الدول العربية من تفاعل مع القضايا العربية وبخاصة قضية فلسطين والحالة العراقية وما تفعله الإدارة الأمريكية فينا. ولكننا نختلف كثيراً في طرح قضايانا المحلية، فنحن لنا مشاكلنا اليومية وهمومنا المستمرة التي نعاني منها.

وحرية التعبير أصبحت مطّاطة، وهي كالعلكة يمضغها الجميع. فبعضهم يلبسها ثوباً فضفاضاً والآخرون يلبسونها ثوباً ضيقاً يكاد يخنقها.

وفي عالمنا اليوم ومع هيمنة أمريكا شكّلوا حرية التعبير على شكل الحرباء التي تتلوّن حسبما يريدون، فإذا أرادوها سوداء فلا بد أن نصدقهم فمن ليس معهم فهو ضدهم. وأنا لا أشك بأنهم وضعوني في خانة (ضدهم) عندما تجرأت برسم كاريكاتير يبيّن العلاقة بين كاريكاتير الإساءة للنبي (ص) والصهيونية، واتُّهمت بأنني ضد السامية، أنا سامي أيضاً''.

وعن تلك الخصائص يؤكد الفنان خالد الهاشمي بقوله: ''إن فن الكاريكاتير لدينا بشكل عام يلهث وراء الخبر الصحفي اليومي، وهو بتقديري سلوك محفوف بالمخاطر لأنه يحصر نشاط الكاريكاتير في الخبر الآني وينتهي مع إصدار اليوم الآخر. كما يفتقر الكاريكاتير في منطقتنا إلى التنوع في المعالجات الفنية وأساليب الرسم وعرض الفكرة النقدية. وكون الصحافة في منطقتنا مغرقة في المحلية؛ فإن الموضوعات العالمية ذات حضور متواضع جداً، لذا فإن التقاطع مع تجارب الآخريين من الكاريكاتيريين في المناطق الأخرى من العالم تكاد تكون معدومة باستثناءات محدودة لبعض الفنانيين المجتهدين.

وبالرغم من كل ذلك، فهناك تجارب عربية فردية متميزة تشق طريقها رغم الصعوبات والمحاذير، كما توجد تجارب شبابية جميلة تتشكل وتصيغ أسلوبها لتغني تجربة الكاريكاتير محلياً وعربياً، وإن وجدت الوقت والجهد الصادق والواعي فإنها ستفرض حضورها أمام كم هائل من النتاج الاستهلاكي في الكاريكاتير العربي''.

ويقول الفنان جاسم الميبر: ''أعتقد أننا لا نختلف عن الغير، فلكل مجتمع خصائص تحيط به من ظروف ومناخ سياسي واجتماعي وعادات؛ فنحن في البحرين عندنا عدد من رسامي الكاريكاتير وهم قليلون جداً ويعدون على أصابع اليد، وغير متخصصين، وليس هناك متفرغون. فنحن نفتقر إلى الخصخصة في مجال الكاريكاتير ونخلط الحابل بالنابل مما يضعف الفكرة أحياناً، كما أن رؤساء تحرير الجرائد يريدون رسام الكاريكاتير شخصاً خارق العطاء في كل المجالات. وأقصد بالخصخصة وجود فناني بورتريه متميزين أمثال مصطفى حسين ''مصر'' أو جون سبرتغنر وتشارليز غريفن ''بريطانيا''. فالرسام المتخصص هو الذي يتابع ويقرأ ويعيش واقع الحدث، كما هو الحال في الرياضة يتابع المباريات ويعرف أسماء اللاعبين وما يدور في أورقة الاتحادات والملاعب والأندية سواء على مستوى محلي أو إقليمي أو عالمي رياضي''.

وحول حرية التعبير يرى الميبر: ''إن مساحة التعبير غير كافية ومقيدة بالقوانين الجديدة لتكميم الأفواه والأقلام، رغم الانفتاح وحرية التعبير التي دعا إليها جلاله الملك في مسيرة الإصلاح. ونشر الصور الكاريكاتيرية يعتبر نوعاً من التطور، فلابد من إعطاء حرية وعدم الخوف من كاريكاتير يوجه ضربات تحت الحزام. لكن التهديد بالسجن والغرامة للصحفيين يعتبر كبتاً للحريات ويتنافى مع مسيرة الإصلاح مما يترك المجال أمام المتنفذين وأصحاب المصالح. فلماذا الخوف من النقد وسهام الكاريكاتير إذا كان الإنسان صالحاً نظيفاً يحب الخير لوطنه''.

أما محمود حيدر فيقول حول خصائص الكاريكاتير البحريني: ''أهم خصائص فن الكاريكاتير في البحرين بروز الهم المحلي، وأي متابع يلحظ ذلك، أما الشأن الدولي فهو عرضي. أما عن مساحة حرية التعبير فهي إشكالية في كل الوطن العربي، لكن الفنان حتى لو أعطي مساحة ضيقة سيستطيع أن يقدم من خلالها مادة جيدة لما لهذا الفن من مرونة''. ويؤكد الفنان الشاب حمد الغائب: ''إن خصائص رسم الكاريكاتير في البحرين كثيرة، يكمن أغلبها في المفاتيح المبتكرة لطرح الافكار والتصدي للموضوعات المحلية الحساسة والتي تتصادم مع حجم الحرية الصحافية في البحرين والتي يشكل العنصر السياسي فيها نصيب الأسد، والتي يمكن أن نطلق عليها متخلفة إذا ما قارناها بتجربة الهند وسيريلانكا على الأقل!''

ويؤكد ذلك شاهين بقوله: ''الكاريكاتير في البحرين ليس أكثر حرية من الدول العربية، حيث يجد حدوداً يقف عندها وربما عراقيل تمنعه من الاستمرار في الخيال والإبداع. وعلى العكس في الكاريكاتير الغربي، فللرسامين مطلق الحرية في الرسم في أي موضوع والتجرؤ على أعلى المراكز، وللأسف حتى بطرق غير أخلاقية ولا هدف من ورائها. وهذا ما أدّى إلى الإساءة إلى الرسول الكريم (ص) والأنبياء الآخرين وعلى أي كان.

إن فن الكاريكاتير في البحرين يحتل مكانة مشرفة ذات مبادئ وذات أخلاقيات تبعدها عن التجرؤ والإساءة. بغض النظر عن بعض الهفوات النادرة. فللرموز والشخصيات مكانة واحترام، ولهذا استعان الرسامون البحرينيون بالطرق غير المباشرة كالتلميح والتشبيه والترميز كي لا يؤدي الكاريكاتير إلى التجريح والاساءة لأحد الأشخاص''.

يتبقى الحديث عن رؤية رسامي الكاريكاتير البحرينيين لأنفسهم وتجربتهم ضمن السياق العام مقارنة مع التجارب الأخرى، وحول هذه التجربة يقول الفنان عبد الله المحرقي: ''لا أراها تجربة، بل حياة طويلة متعبة عشتها بالطول والعرض. وعندما أنظر خلفي أجد الطريق الذي سلكته طويلاً متعرجاً هابطاً صاعداً سهلاً صعباً ماطراً مشمساً جميلاً قبيحاً، ومع ذلك كان ممتعاً رغم كل الصعاب وتلقي اللكمات. لا يظن القارئ العزيز أن رسام الكاريكاتير يرسم من أجل مرتب ضئيل يستلمه آخر الشهر، كلا إنه يرسم لأن ما يراه حوله وفوقه وتحته يجبره بما عنده من حس وموهبة من  الله على أن يدخل المعركة وهو يعلم أنها معركة خاسرة، سلاحه ريشته أمام جيوش السلطة والفساد في العالم وسادة الظلام، متبرعاً بدمه وروحه من أجل قضية لا يعلم إن سيربحها أم يخسرها.

وعندما يرتفع صوت مظلوم هنا أو هناك يحس الرسام بوخزة تفيقه من غفوته وتعيده إلى طريق المواجهة من جديد. وكم فارس في هذا المجال سقط على الطريق ولم يترك سوى الألم والحسرة لذويه ومحبيه، لكنه ترك بقعاً مضيئة من دمائه الزكية تنير الطريق إلى من يريد أن يسلكه في هذه المهنة المرة.

إن تجاربي وتجارب الآخرين من رسامي الكاريكاتير بمثابة حبات مطر أو بردي تحاول أن يظل الناس مستيقظين لمن حولهم وحتى لا تأخذهم الدنيا على غرة وتؤدي بهم إلى الهلاك. رسومهم محطات إنذار تستقرئ المستقبل وتنذر بالويل والكوارث، ربما تكون مبالغاً فيها ولكن عندما تسقط الفأس في الرأس يدرك القوم مدى صحة تنبؤ هؤلاء الرسامين''.

أما الفنان الهاشمي فيقول عن تجربته: ''لا أحبذ التحدث عن تجربتي فذلك محكوم بتقدير الآخريين لها. إنني أتعامل مع الكاريكاتير كمتعة لاكتشاف حقيقة الاشياء وليس واقعها، وأتعامل معه كمسوؤلية من خلال مساحة فكرية للحوار مع الآخر والتحريض على نقد الأشياء من منطلق البناء وصنع الأفكار وطرح السؤال أمام الظواهر والسلوكيات الفاسدة. أحرص على التعامل مع قارئ يستمتع باكتشاف المعاني المخفية وراء الأشياء، قارئ حر في تفكيره وليس أسيراً لأفكار جاهزة سواء سياسية أو اجتماعية، قارئ يرفض كهنوت التسلط الفكري بكافة أشكاله. أعتبر نفسي وُفّقت في الكاريكاتير عندما أتمكن من إثارة الأسئلة في ذهن القارئ، ولا أغفل أننا يجب أن نستمتع بهذا الفن الجميل والخطير في الوقت نفسه لأنه أداة معرفية تمنحنا متعة الحياة بكل سخرية لا تخلو من الطرافة والألم في بعض الأحيان، وتلك هي مهمة الفن على أي حال.

لا يستهويني الضحك الساذج في الكاريكاتير وأتمنى أن أكون قد رسمت لنفسي خطاً عاماً من خلال الكاريكاتير اليومي يحترم القارئ ولا ينصاع له، وإنما يحثه على التساؤل ونقد المظاهر الخاطئة ولا يملي عليه الخيارات، فأنا لست مع الرأي الواحد والفكر الأوحد، هدفي أن أحثّ القارئ على طرح الأسئلة، فهي التي تصنع الفكر كطاقة وأداة للتغيير نحو مجتمع أكثر إنسانية ورحابة. وعن تجربتي عليك أن تسأل الآخرين، ستكون تعليقاتهم أكثر متعة مما أقوله لك''.

وحول تقيم نفسه يقول الفنان جاسم الميبر: ''أنا لا أستطيع أن أقيّم نفسي وكما يقال ''رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه''، ولا أعد نفسي ضمن فناني الكاريكاتير، فليس لي حضور مستمر في الجرائد أو الصحافة، إنما هي مساهمات بسيطة، فبحكم عملي سابقاً في السلك العسكري لم يُسمح لي بالنشر إلا بعد محاولات مضنية، لنشر ما تكنه نفسي من هواجس وصراع ونقد ورؤى كانت متوهجة آنذاك. فاقتصرت مساهماتي ضمن عملي بالإضافة إلى مشاركاتي في المعارض التي تقيمها المؤسسة العامة للشباب والرياضة والأندية، ومن هذا المخزون والتوجس اتجهت إلى تفريغ الشحنات الكاريكاتيرية في توثيق التراث الشعبي متسائلاً هل بإمكان هذا الفن أن يفي بالاشتراطات التسجيلية والتي طبعتها في كتاب ''عادات ومعتقدات شعبية''، والذي يرجع الفضل في إصداره لله ثم جلالة الملك حمد بن عيسى الذي تفضل مشكوراً بطباعته على حسابه الخاص، وهذا دليل قاطع على إيمان وحب جلالته لهذا الفن الراقي الذي يعد مكسباً ذا قيمة للمملكة''.

ويضيف الميبر: ''أتمنى إقامة معارض للكاريكاتير سنوياً على مستوى المملكة وأخرى بمشاركة فنانين عرب ومعارض كاريكاتيرية للأطفال تحت مظلة جمعية الصحفيين''.

وحول تجربته يقول محمود حيدر: ''مازلت أعتبر ما أقدمه تجريباً في فن الكاريكاتير، فأنا أحاول أن أخلق أسلوباً جديداً من خلال الخطوط، هذا على المستوى الفني، أما على مستوى المادة الفكرية فلقد قدمت مادة جيدة تخص نقد واقع المرأة، كذلك في موضوع مساحة الحرية''.

أما الغائب فيقول: ''إن تجربتي الشخصية نضجت بشكل أكبر بكثير من السابق، وذلك بما يتوافق مع حرية الصحافة المتاحة في صحيفة ''الوسط'' الملتزمة بقانون الصحافة في البلد والتي تسمح لي باللعب دائماً بالقرب من الخط الأحمر. وإجمالاً أرى أن خطابي الكاريكاتيري أستطيع أن أوصله بشكل واضح وسليم بما يتوافر لدينا من محذورات وممنوعات''.

وأما شاهين فيقول عن تجربته: ''تجربتي جديدة متجددة أحاول أن أضع بصمتي من خلالها في سجل الرسامين في وطني البحرين، ثم العالم العربي ثم العالم كله. تتميّز رسومي بالتعابير والملامح المأخوذة من الواقع وتجسيدها في أفكار ومشاكل من البيئة البحرينية وتصاعدياً إلى البيئة العربية والغربية. فبدايتي قديمة تبدأ منذ أيام الدراسة الثانوية حيث بدأت أرسم أفكاري وشاركت ببعضها في الصحف آنذاك.

 

Air Jordan VIII Low

معرض الصور