اللقطة: الفكرة القوية التي تلامس قلوب الناس سر نجاح الكاريكاتير

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة فلسطين
الكاتب: 
أسماء صرصور

وأخيرًا أزيح الستار عن نتائج مسابقة الكاريكاتير العربي في نسختها الثانية لعام 2013م، ليتوج جهد ضيفنا الكريم رسام الكاريكاتير د.علاء اللقطة في المرتبة الثانية برسمة تحمل اسم المشهد السوري.
وهي رسمة اختارتها لجنة التحكيم من بين ثلاث رسومات في فن الكاريكاتير لرسامنا المبدع ضمن لوحات مشاركة قدر عددها بما يقارب 408 لوحات مشاركة على مستوى رسامي الوطن العربي.. عن رحلته مع المسابقة والجائزة وعالم الكاريكاتير.. "فلسطين" استضافته في حوارها لهذا اليوم.
سباق للتقييم
هي المرة الثانية التي يشارك فيها د.اللقطة في نسخة الجائزة للعام السابق حيث كانت الدعاية كبيرة للجائزة تداولتها المواقع الإخبارية وكذلك المتخصصة في فن الكاريكاتير، ورصدت لها إمكانيات كبيرة من ناحية التنظيم والإدارة والتكريم حيث تمت تحت رعاية وزير الثقافة القطري، ووضعت ضوابط تضمن حرية المشاركة للجميع ونزاهة التحكيم، مما دفعه للاشتراك فيها لكن لم يحالفه الحظ، وأما في هذا العام قام منظمو المسابقة بمراسلته للاشتراك بها مثلما فعلوا مع معظم الفنانين المحترفين.
وشارك رسامنا بثلاث رسومات حسب شروط المسابقة، وعادة الرسوم المشاركة – تبعًا لحديثه - في مثل هكذا مسابقات تتطلب الفكرة القوية والمعنى العميق والطرح الجديد المبهر، مضيفًا: "لأنك تنافس بها عمالقة هذا الفن في الوطن العربي، مع محاولة الابتعاد عن موقف سياسي صارخ يصب لصالح جهة معينة".
وعن وصفه لمشاركته، قال: "المشاركة هي سباق للتقييم، وأيضا لتحديد موقعك على خارطة فن الكاريكاتير العربي، وإبراز قدرتك في المنافسة والمقارعة في حلبة حامية الوطيس"ـ فهي المرة الأولى التي يفوز فيها د. اللقطة بجائزة بنوعية وقيمة وقدر هذه الجائزة، فهي جائزة تخطت أقطار الدول العربية جميعًا، وجلبت إليها كل الفنانين العرب مبدعين وموهوبين في عرس كاريكاتوري جميل، وهي جائزة لها قدرها وقيمتها كذلك.
دال الطبيب البشري
وتطرق إلى الحديث عن واقع الكاريكاتير في عالمنا العربي، مشيرًا إلى أنه حاليًا بخير كبير، ويتقدم بامتياز، ومساحات الحرية بدأت تتسع، وثقافة الأجيال أصبحت أذكى وأعمق سواء الراسم أو المتلقي على حد سواء.
وأوضح أن فن الكاريكاتير العربي حجز موقعه بجدارة على خارطة الفن العالمي وسجل مبدعوه علامات بارزة في مسابقات ومواقع دولية، لافتًا النظر إلى أن الفنانين العرب امتزجوا بنظرائهم الأجانب في شبكات التواصل الاجتماعي في مباراة أحرز فيها الفنان العربي الكثير من الأهداف.
ومن أكثر المفارقات التي أثارت إعجاب المنظمين للجائزة واستغرابهم بعد إعلان النتائج وجود حرف (الدال) قبل اسم د.اللقطة بالإمضاء، حيث ظنوا أنها دكتوراة في أحد فروع الفن ليكتشفوا بعدها أنها دال الطبيب البشري الذي لا علاقة له بدراسة الفن الأكاديمية ولكنها موهبة نمت بفعل ذاتي وعزيمة ممتدة لعقود من الزمن.
وأما عن المواقف المؤثرة التي عصفت به أثناء رحلته فقد ربط أحدها بالرسم الفائز في مسابقة الكاريكاتير العربي في نسختها الثانية، بقوله: "أعتبره علامة فارقة في حياتي الفنية تؤسس لما بعدها من نجاحات بإذن الله، وسيبقى هذا العمل محفورًا في قلبي وذاكرتي، فقد علق أحد المهجرين السوريين على الرسم الفائز والذي يحمل عنوان (المشهد السوري) يخاطبني برسالة قائلا: (هو عرفان المهجّرين والشهداء، لكْ حبيبي ..)".
السهل الممتنع
وتابع: "أما بالنسبة لي فهي مندوحة عن حلم قديم راودني في طفولتي لدراسة الفن لأحقق ما صبوت لتحقيقه الآن وأنا طبيب، فلله الحمد والمنة"، وأما الرسالة التي يصبو إليها من خلال رسوماته تتلخص بهدفين، الأول: التبشير بالأمل لغد مشرق لأوطاننا رغم ما فيها من معاناة وحصار وانقسام واحتلال، والثاني: إذكاء فتيل الثورة والمقاومة في ربوع الأجيال القادمة لتثور على الظلم والعدوان والاحتلال وتسترد أرضها وعزتها وكرامتها.
"ومن أين تستقي أفكارك د.اللقطة؟!".. عن هذا السؤال أجاب: "الفكرة أستمدها من الواقع لتلامس قلوب الناس وتعبر عن نبض الشارع، أستمدها من هموم المواطن من طموحه وآماله وآلامه، أحاول جاهدا أن أقرأ أفكاره ثم أرسمها نيابة عنه"، وبطبيعة الحال لا يوجد وقت محدد لإنجاز الرسمة الواحدة.
فـ د.اللقطة لا ينظر إلى الساعة، وقد يستغرق الرسم الواحد ساعات وقد يأخذ يومًا كاملا، فهو فن السهل الممتنع، والفكرة العميقة القوية تتطلب جهدًا وتركيزًا وأجواءً ملائمة جعلته في كثير من الأحيان يعتذر عن مناسبات ومجاملات اجتماعية ليقدم للقارئ عملاً يليق به ويحترم عقله ويعبر عنه.
عزيزي القارئ.. سنترك الآن عالم الحاضر قليلًا ونسمح للمستقبل بالانتظار ليحمل رسالة ضيفنا الأخيرة.. لكن الآن دعنا نرتحل إلى الماضي لنتعرف على رحلة د.علاء اللقطة مع عالم الكاريكاتير وقصة حرف (الدال) للطبيب البشري.. ففي قاعة المحاضرات بكلية الطب في إحدى مدن رومانيا بدأت مسيرته.
مكانك ليس هنا
كانت أستاذة علم الأدوية منشغلة في تركيب معادلات معقدة وصفها من شدة التعقيد بالطلاسم، وقريبة من شخصيتها من حيث الدقة والصرامة والانضباط وكأنها في ثكنة عسكرية، فما كان من طالب الطب إلا أن يأخذ قلمًا وورقة بيضاء وبخطوط سريعة ترجم ملامح وجهها ومكنونات شخصيتها من خلال رسم (كاريكاتوري)، ثمّ مرره للمقعد المجاور، وخلال دقائق معدودة جاب الرسم جوانب القاعة محدثًا ابتسامة على محيّا الطلبة لطّفت أجواء القاعة شديدة السخونة.
يا ترى هل اقتصر الأمر على هذه المحاضرة؟! في الواقع لا إنما توجه إليه عدد من زملائه الأجانب كالعادة، مبدين إعجابهم بفنه، متناوبين على اقتناء رسومه بعد أن يطلبوا منه التوقيع عليها (كأتوغراف) مؤرخ، لكنّ عبارة سمعها من إحداهن هذه المرة هزّت كيانه، ورسخت في وجدانه: (أنت تمتلك موهبة فنية نادرة، مكانك ليس هنا، لقد أخطأت في اختيار التخصص).
هنا أعادته هذه الكلمات إلى طموحه الأول، عندما كان ينام محتضنا ريشته، ومفترشا لوحته، وخطوطه تسبق سنه بسنوات، وتعابيره تجسّد الحياة من حوله بتفاصيلها، وكأنّ الكون في نظره معرض فني متناسق المناظر والألوان، كان يحلم بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة ليصقل موهبته، ويترك بصمته في المكان الذي حباه الله إياه، فكلّ ميسّرٌ لما خُلق له.
ليس الأول في المعاناة
لكن,طالب نجح في الثانوية العامة بمعدل يؤهله لدراسة الطب كيف لعائلته أن تسمح له بفنون جميلة؟! ولم تكن حالته هذه هي الأولى من نوعها في مسلسل أصحاب المواهب المهدورة، الذين ساقتهم الظروف لدراسات أخرى، تخالف رغباتهم الحقيقية، ولا تنسجم مع ملكاتهم، بالرغم من سموّ الدراسات الأخرى في المجتمع وعلوّ شأنها.
وهنا قال: "نظرة سريعة لبعض زملائي العرب في كلية الطب، سترين منهم الشاعر، والفنان، والأديب، والموسيقار، والإعلامي، والسياسي، ورجل الاقتصاد"، فكل أولئك نحروا مواهبهم قربانا على بوابة الكلية، ورغم نجاحهم في مهنة الطب السامية إلا أنهم تركوا أمكنة شاغرة في تخصصات أخرى لا يملؤها أحدٌ بكفاءتهم وتميزهم.
مرت أعوام الطب الستة ، وفي يوم التخرج فاجأ الطلبة زميلهم الفنان بملفاتهم الخاصة التي يحفظون بها رسومه جميعها على مدار أعوام الدراسة حاملةً توقيعه والتاريخ، دمعت عيناه امتنانا لهذا التقدير والاهتمام بموهبته، ومرت أعوام كثيرة ليحترف بعدها د. اللقطة فن الكاريكاتير، ويصبح رساما معروفا في صحيفة فلسطين المحلية.
مقاومة مختلفة
وبالعودة إلى الماضي القريب وبعد غربة امتدت إلى ما يقارب ثلاثة وعشرين عاما وانقطاع عن الوطن جسديًا دام خمس سنوات فإن ما اجتاحه من مشاعر لا تضاهيها مشاعر وإحساس عجز عن وصفه، ولصحيفة فلسطين قال: "هي بيتي الذي عشت فيه بروحي ووجداني وأنا في الغربة، دخلته لأول مرة وكأنني أعرفه منذ زمن، كل الوجوه كانت مألوفة بالنسبة لي، لم أستغرق وقتا لأمازحهم وأتبادل معهم ابتسامات المحبة والألفة، كرّموني بما يليق بي وأكثر".
وختامًا ما في جعبة رسام الكاريكاتير هي رسالة بعد أن استطاع أن يحمل تمثيل اسم فلسطين في هذه المسابقة، رسالته لأشقائه العرب مفادها أن هذا الشعب حي لن يموت، ويقاوم بكل الوسائل المتاحة لا يعجزه شيء، وعلى كافة الأصعدة وفي كل الميادين، فالكلمة سلاح، والريشة سلاح، والكاميرا سلاح.

nike air max 1 pink

معرض الصور