المرأة وفن الكاريكاتير

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة أخبار الخليج - الإمارات
الكاتب: 
رضي السماك

 

قرأت ذات مرة تحقيقا صحفيا حول واحدة من الإشكاليات او الظواهر الثقافية ذات الأبعاد الإبداعية والسياسية التي طالما شغلت بالي قبلا واثارت لدي العجب لغياب ما يفسرها على وجه التحديد. وهذه الظاهرة - الاشكالية تتمثل في ندرة المبدعات المثقفات العاملات في حقل فن الكاريكاتير الصحفي العالمي بوجه عام، والعربي بوجه خاص،

رغم كثرة انغماس العديد منهن في مختلف اشكال العمل الصحفي الاخرى من كتابة اخبار وتحقيقات وأعمدة وإشراف على الصفحات المتخصصة المختلفة، بل وحتى رئاسة تحرير عدد من الصحف والمجلات. إذ يقتصر هذا الفن- الكاريكاتير - في شتى موضوعاته السياسية والاجتماعية والفنية والرياضية وخلافها على الذكور. والمسألة، كما يتضح، ليست وليدة اليوم او تقتصر على الاجيال الاخيرة التي جاءت الى الدنيا مثلا خلال العقود الاربعة الماضية، بل تضرب بجذورها الى زمن نشوء وتطور الصحافة العربية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الفائت. هذا مع العلم ايضا ان المرأة العربية ذات حضور قوي ملموس في الفن التشكيلي وغيره من اشكال الفنون والأدب والابداع الاخرى. البعض فسر هذا الغياب عن فن الكاريكاتير لأن هذا الفن بطبيعته الغالبة هو سياسي نقدي لاذع لا تتواءم غلاظته وخشونته القاسية مع طبيعة المرأة الانثوية، لكن يرد على ذلك بالسؤال التالي: وماذا عن بروز نساء في النقد السياسي اللاذع كتابة ناهيك عن بروزهن في الاعمال النقدية اللاذعة في الاجناس الابداعية الاخرى كالرواية والقصة والشعر وغير ذلك؟ ثم لماذا لا تستعيض المرأة عن نفورها من الكاريكاتير السياسي بالكاريكاتير الاجتماعي الخفيف، وبضمنه الذي يخص حقوقها ومختلف قضايا المجتمع والاسرة؟ واذا ما أتينا على المستوى العالمي فإن ثمة ندرة من النساء المحترفات إبداع الكاريكاتير. فمنذ نشوء فن الكاريكاتير لم تبرز رسامات كاريكاتير على المستوى العالمي سوى قلة جلهن من الولايات المتحدة مثل ادوانا دوم (1894 -1990)، وساين ولكنسون التي كانت تنشر رسومها في صحيفة «فيلادفيا ديلي نيوز«، «ومطبوعات واشنطن بوست« وقد فازت بجائزة بوليترز الامريكية في هذا المجال لعام 1992، والفنانة إيتاهولم التي ترسم في صحيفة «فورت ورث ستار تلجرام« وقد فازت بجائزة الهيئة الوطنية الامريكية للكاريكاتير عن عامي 1981 و1991، والرسامة كايت سالي بالمر التي فازت بجوائز امريكية عديدة وبيعت اعمالها وتمت اعادة نشرها في اكثر من 200 مطبوعة لكنها تقاعدت عام 1987 للتفرغ لرسومات كتب الاطفال. واخيرا هنالك ايضا على سبيل المثال لا الحصر الرسامة الفرنسية كلير بريتشير التي تنشر اعمالها في مطبوعة «لو نوفل اوبزرفاتوار«. والحال ان التحقيق الصحفي الذي تناول هذه الظاهرة النسوية قدم افتراضات لأسبابها من قبل بعض الكتاب والرسامين اكثر مما قدم تفسيرات شافية مقنعة لغياب المرأة عن هذا الحقل الفني الثقافي والسياسي. بيد أن غياب المرأة عن فن الكاريكاتير ليس هو الذي يسترعي الانتباه والتعجب ، فحسب فهنالك فنون اخرى يسترعي الانتباه ندرة نبوغ النساء، او بروزهن فيها كتلحين الاغاني والتأليف الموسيقي عامة، والاخراج السينمائي والمسرحي، مما يستدعي من النقاد والباحثين في هذه المجالات فضلا عن الباحثين الاجتماعيين عامة رصد هذه الظاهرة وتأصيل جذورها والوصول لأسباب وتحليل عواملها تحليلا علميا موضوعيا معمقا بعيدا عن التفسيرات الانطباعية الاولية المرتجلة وبخاصة اذا ما نظرنا الى نبوغ المرأة المثقفة ومضاهاتها الرجل في مجالات عديدة اخرى من الإبداع والثقافة والإعلام بمختلف أنواعه.

 

Adidas Athletics 24/7 Trainer

معرض الصور