تطبيع باسم الفن.. لعنة إسرائيل تطارد بهجوري

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
مجلة أقلام
الكاتب: 
رهام محمود

 

على الرغم من الانتقادات الحادة التي تعرض لها الفنان التشكيلي المصري جورج بهجوري لمشاركته بمشروع " كاريكاتير من أجل السلام " والذي سافر ضمنه لإسرائيل وتحديدا بتل أبيب وبعض المناطق الفلسطينية الأخرى ، فلا يزال الفنان يقيم بمنزله في باريس ويجد أنه لا يحق لأحد إدانته فيما فعل.

الغريب في الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام عن سفر بهجوري لإسرائيل ، أن كل فنان مصري يعلم أن نقابة التشكيليين ترفض بشدة التطبيع مع إسرائيل وتنهي بقرار من جمعيتها العمومية عضوية أي فنان يثبت تطبيعه مع إسرائيل ، ولهذا كان لابد من سؤال الفنانين والنقاد عن رأيهم في قضية التطبيع عبر الفن وعلى رأسهم الإسم البارز هذه المرة وهو الفنان جورج بهجوري .

زيارة إسرائيل شبهة

يقول كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية للنقاد: أنا أرى أن سفر البهجوري كان ضمن مشروع جماعي شاركت فيه عدة دول عربية وأوروبية، كما أنها الدورة التاسعة من المشروع أي أنه ليس جديدا، وواضح أنه شارك بهذه الدورة فنانون فلسطينيون و إسرائيليون، كما أن العروض قدمت بالضفة الغربية في الجانب التابع للسلطة الفلسطينية، كما قدمت في الجانب التابع لإسرائيل، ولهذا لا يوجد داعي لكل هذه الضجة التي تركزت على الفنان بهجوري.

 

يضيف: ربما كان عليه من وجهة النظر العامة في مصر وبخاصة موقف المثقفين المصريين من المقاطعة الكاملة، أو شبهة الزيارة لإسرائيل حتى ولو كانت جزئية، فكنت أرجو بأن يعتذر جورج عنها لأي سبب، وأن يكتفي بسفر أعماله فقط مع المجموعة المشاركة، فأنا أرى أنه يجب البعد عن أي شبهة، وخصوصا أن إسرائيل تعادي جميع الدول العربية، ويكفي هذه الحملة الضارية ضد الفنان الوزير فاروق حسني بمناسبة ترشيح مصر له لإدارة اليونسكو بسبب كلمة قالها، وبسبب دعمه لرفض مثقفي مصر للتطبيع .

وربما كانت إقامة البهجوري حاليا بين مصر وفرنسا، جعلته لا يتمكن من الإفلات من المشاركة الشخصية في هذه الدورة العاشرة .

دفاعاً عنه

الفنانة نشوى عبدالفتاح والمعروفة بعلاقتها الوطيدة بالفنان بهجوري أكدت أن معلوماتها تقول بأن رحلة البهجوري كانت ضمن مشروع عالمي من أجل السلام، وأن مشاركة الفنان لم تكن من أجل إسرائيل تحديدا، كما أن الأعمال التي شارك بها تهاجم الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين وجرائمه ضد شعبها وقد نشرتها صحيفة "الأهرام

" المصرية من قبل ، وقد تم اختيارها من قبل جمعية محبي الكاريكاتير التي تضم صفوة الفنانين حول العالم في الكاريكاتير .

ثم عادت وأكدت أن بهجوري رفض السفر لإسرائيل والنزول من أتوبيس الأمم المتحدة في تل أبيب، ولكنه زار رام الله تضامنا مع الشعب الفلسطيني، ثم زار كنيسة المسيح في بيت لحم، وأكدت أيضا أنها لم تعرف عن الفنان بهجوري ميله للتطبيع مع إسرائيل مطلقاً ، بل على العكس فإنه عارض الرئيس الراحل أنور السادات بعد معاهدة السلام "كامب ديفيد"، وكان هذا السبب هو ما اضطره للسفر لباريس والعيش بها بصورة دائمة، وقالت أن الفنان بهجوري صدم من هجوم الصحف المصرية عليه، واتهامهم له بالتطبيع، أما عن اختفاء البهجوري، فقالت الفنانة نشوى عنه إنه غير حقيقي ومجرد شائعات، فهو متواجد بشكل طبيعي في مرسمه بفرنسا محل إقامته.

التطبيع الثقافي مرفوض

رأي الفنان الدكتور صبري منصور مقرر اللجنة التشكيلية في المجلس الأعلى للثقافة أننا بصدد الحديث عن تجمع لفنانين حول العالم وبمباركة من الأمم المتحدة، ولأن هذه الدورة كانت في إسرائيل كان من الطبيعي أن يتوجه الفنانون لهناك ، واستدرك: " .. ولكنني ضد أن يقوم فنان مصري بإقامة معرض شخصي له في إسرائيل؛ لأن ما بيننا لا يسمح بذلك، فالتطبيع السياسي موجود، لكن التطبيع الثقافي صعب تنفيذه، فهو يحتاج مراحل عديدة من السلام والصفاء، وانهاء الاحتلال الفلسطيني، كما يتوقف على أشياء كثيرة أخرى" ، ونفى أن يكون البهجوري قد أخطأ بالمشاركة الشخصية في معرض أو دولي مقام بإسرائيل ويشارك به الجانب الفلسطيني لأنه برعاية الأمم المتحدة .

كما اعترض الدكتور صبري على أن تستقبل مصر معرض لأي فنان إسرائيلي، للسبب نفسه بأن التطبيع الثقافي بيننا غير وارد حاليا، طالما عمليات القتل للفلسطينيين تجري يوميا تحت دعاوي واهية، واعتقد أننا نهاجم البهجوري إذا أقام معرضا شخصيا له بإسرائيل أما أن تكون هناك محاولات لتهذيب السلوك ونشر السلام بين الأفراد عبر الفن فهذا لا يعاب عليه.

وسيلة البقاء في أوروبا

أما الفنان والناقد عز الدين نجيب فقال: لم تكن نقابة الصحفيين وحدها التي ترفض التطبيع مع إسرائيل، بل أيضا نقابة التشكيليين بها نفس القانون، وهو أن يحال إلى التحقيق ويكون مهددا بالفصل كل من يقوم بالتطبيع مع إسرائيل، أو السفر أو التعاون مع هذا البلد، فجورج بذلك يضرب عرض الحائط بكل المواثيق المصرية في المجال المهني سواء في الصحافة أو في الفن التشكيلي، وسأكون أكثر صراحة حيث أقول بأنه باع كل ما فات من تاريخه لاقتناص فرصة رآها تلوح في الأفق، لكنني على المستوى الشخصي لست مفاجئا  بموقف البهجوري على خلاف الآخرين، فمنذ نحو عشرين عاما وبهجوري يبحث عن فرصة تنقله لمحيط العالمية وينادي باستمرار بأن يقوم نظام أجنبي بتبني إبداعه وذلك لتمويل بقائه في فرنسا، وكان بهجوري يقول أن " أن الفنان بموهبته وحدها لا يستطيع أن يثبت بقائه في دول أوروبا، إلا إذا كان مسنودا بنظام سياسي أو مالي أو مؤسسة من أي نوع".

ويشارك الناقد عز الدين الرأي من يرى أنه من المشروع أن يسافر العمل الفني لإسرائيل وحده من دون الفنان، وتابعنا في السبعينيات تحويل نقابة التشكيليين المصريين للفنان عبدالوهاب مرسي للتحقيق معه بعد اشتراك أعماله في معرض إسرائيلي، ولم ينج الفنان من تطبيق لائحة النقابة عليه إلا إدعائه بأن الأعمال سافرت دون علمه من قصر المسافر خانة الذي كان به مرسمه .

موقف غير مبرر

الفنان طارق زايد مستشار ساقية عبد المنعم الصاوي قال : نحن نرفض التطبيع مع إسرائيل على كل المستويات وخصوصا في الفن، على الرغم من أن الساسة أحيانا يكون لهم رأي مخالف، والفنانين يعبروا عن ذواتهم بريشتهم وعليهم اتخاذ موقف من إسرائيل في شتى المجالات، وما حدث أن بهجوري فكر في عالمية الحدث بغض النظر عن مشاركة إسرائيل فيه، ولم يتوقف طويلا أمام ممارسات إسرائيل البشعة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة العربية بأكملها!! وحصر نظرته في الجانب الفني، لذا فموقفه غير مبرر وكنا ننتظر من رجل من أعماق الصعيد مثله رأي آخر ، حيث أنه يعلم العدو من الصديق.

في حين رأت الناقدة فاطمة علي  أن زيارة بهجوري لإسرائيل عمل سيئ، واعتبرت أن بهجوري بذلك يدرك أنه تهاون ورخص سعره أمام عدوه، فالدم بيننا لم يجف بعد، واعتبرت أن إدعائه أنه سافر من أجل السلام عبر الفن لا يمكن الإعتماد عليه، فالفن لا يتفق مع الدم ولن يقدما في طبق واحد، وحينما عاد بهجوري من إسرائيل لم يسء للفن المصري وإنما لنفسه وحده.

تواصل الناقدة: ادعى بهجوري أنه لم يذهب لإسرائيل على الرغم مما قرأناه للصحفي نائل الطوخي بصحيفة "أخبار الأدب" بتاريخ 20 يوليو الماضي في عدد برقم 784 أن البهجوري أرسل إلى جريدة "العربي الناصري" يقول "في أثناء جولة حول المنطقة في الأتوبيس التابع لهيئة الأمم المتحدة، توقفنا عند بلدة صغيرة أسمها "حالون" في إسرائيل، واخبروني أن مديرة المتحف الجديد لفن الكاريكاتير تنتظرنا في شرف افتتاح المتحف، الذي يحظى بجناح كبير لرسومنا الكاريكاتيرية، مكبرة دون أي رقابة على أي رسم يهاجم زعماء إسرائيل أو سياسة الحكومة بريشاتنا المختلفة"، وأضاف جورج وقتها "أن هذه هي الفترة القصيرة التي مضيتها في إسرائيل، وعدنا إلى الأتوبيس لتكملة الرحلة".

تتابع:  تفاصيل البرنامج كانت معروفة منذ البداية، وهو يومان في السلطة الفلسطينية، ويوم آخر في متحف الكاريكاتير التابع لتل أبيب، وهذه خلفية عن لسانه، فهو من المؤكد أنه كان على علم بالبرنامج قبل السفر.

السفر لإسرائيل جريمة

يقول الفنان الدكتور صلاح المليجي رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض:    على الرغم من أن المغزى الأساسي لمشروع الكاريكاتير أنه من أجل السلام، لكن فكرة التطبيع نفسها مرفوضة تماما من المثقفين المصريين، من أكبر شخص في الثقافة المصرية الوزير "فاروق حسني" إلى أصغر مثقف بها، ولا يعني ما ذكرناه أننا ضد السلام ، لكن جرائم إسرائيل تحتاج منا لإعادة نظر في فكرة السلام معها ، وقد اعتدنا أن من يذهب لإسرائيل من المثقفين ينظر له على أنه مرتكب لجريمة، وهي كذلك بالفعل على المستوى الإنساني والمصري، وأذكر في هذا الصدد المخرج على سالم الذي مثلت زياراته لإسرائيل عثرة بين محبيه .

حينما سألنا الناقد سيد هويدي عن رأيه بأزمة الفنان بهجوري أجاب: بهجوري فنان خرج عن الإجماع العام، حيث أن فناني مصر اتخذوا مواقفا رافضا للتطبيع منذ سنوات عديدة، سواء بالسفر أو المشاركة مع فنانين إسرائيليين في معارض بإسرائيل، واعتبر أن هذا التصرف " غير مسئول"، وتذكر الفنان عبدالوهاب مرسي الذي أعلن من ربع قرن تقريبا عزمه إقامة معرض بتل أبيب، فشرعت نقابة التشكيليين في شطب اسمه من سجلاتها إلى أن تبين أنه لم يسافر بالفعل، ورغم ذلك فقد حكم عليه معنويا بالعزلة من جانب فنانين مصريين كثيرين وحتى الآن، وكأنه أصابته لعنة التطبيع واختفى من الساحة الفنية، وأنا أرى أن ذلك يمكن أن يحدث مع بهجوري، إذ كيف يخرج بهجوري عن إجماع الفنانين المصريين ويمد بهجوري يده لهذا الشعب المغتَصب؟

ويتعجب الفنان والناقد حسن عثمان من موقف جورج بهجوري ويقول أنه لن يستطيع تحقيق سلام مع إسرائيل ، ونتيجة لمعيشة جورج في باريس فترة طويلة يمكن أن تكون لديه مبررات للمشاركة في عمل عالمي للسلام، ونحن حتى الآن لم نسمع وجهة نظره جيدا لنحكم عليه او نحاسبه ، غير أنه رأى أن السفر في حد ذاته إدانة للبهجوري  ، ويبقى أن نعلم هل خدع في هذا السفر أم له وجهة نظر أخرى؟هل بهجوري معترض على مقاطعة إسرائيل ؟ أم يحلم بأن يحقق رسالة الفن بالدخول وسط الإسرائيليين؟!.

رسوم شجاعة

يختلف عن الرؤى السابقة الناقد الدكتور خالد البغدادي الذي يرى أنه لا توجد مشكلة إذا كان المشروع بالفعل كما ذكر الفنان بهجوري ( كاريكاتير من أجل السلام )، وليس المهم السفر لإسرائيل بقدر طبيعة الكاريكاتير ذاته، هل الرسوم تنادي بالسلام في بلاد العالم وضد اغتصاب الأراضي وتدافع عن حرية الشعوب المحتلة أم لا ؟هل تدين الرسوم العدوان الإسرائيلي وتؤكد على حق اللاجئين؟ وإذا كان الأمر كذلك فهي شجاعة تحسب لفريق المشروع ، وقال أنه يؤيدهم أينما ذهبوا سواء إلى إسرائيل أو فلسطين أو أي دولة أخرى.

البهجوري يتحدث

عبر الهاتف ومن باريس تحدث لـ" محيط" الفنان مثار الجدل في الوقت الراهن ، جورج البهجوري ، وقال مفزوعاً : أنا فنان عالمي أقوم بزيارة أي بلد في العالم ، ومن ضمنها زرت رام الله بفلسطين وقابلت رسامين إسرائيليين ورسمتهم ، وكانت هذه هي علاقتي الوحيدة بإسرائيل ، وقال أنه ضمن جماعة " بلانتو" والذي يعد أهم رسام بصحيفة " لوموند" الفرنسية الشهيرة ، وهذا الفنان شكل جماعة من أكبر رسامي الكاريكاتير حول العالم وعددهم اثنى عشر ، وكان البهجوري الفنان الوحيد من مصر في الجماعة ، فقد دامت علاقته ببلانتو لأكثر من ثلاثين عاماً ، وقال البهجوري أيضا أن رسوماته معروفة بوطنيتها وأنها ضد العدوان الإسرائيلي بفلسطين والسياسة الأمريكية بحق شعوب العالم الثالث جميعا ومن بينهم فلسطين .

يتابع البهجوري : بلانتو أنشأ جماعة ترسم السخرية من القمع والظلم والإرهاب حول العالم ، وعنوانها " من أجل السلام " ، وقد ذهبت الجماعة لتعرض أعمالها بروما وبروكسل وجنيف وأخيرا رام الله ، ولنسأل أنفسنا حينما قابلنا رسامين إسرائيليين ودار بيننا حوار موسع هل يعد ذلك تطبيعا مع الكيان الإسرائيلي؟!.

الغريب ، وفق بهجوري، أننا وجدنا أن هؤلاء الإسرائيليين أنفسهم من رسامي الكاريكاتير كانوا معارضين لسياسات حكومتهم بفلسطين، وعبروا عن ذلك في لوحاتهم بصراحة، واعتبر أن ما بذله من جهد كان إضافة لجهود السلام الحقيقية، وختم بأن هدف الرسم لدى الجماعة هو السخرية من مدعي العدوان والحروب وهي فكرة إنسانية جميلة .

 

Air Max Hyperposite

معرض الصور