تنفيس للاحتقان.. والشأن العام ميدانها النكتة السياسية.. هتاف المقهورين

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الراية - قطر

 

مع أن النكتة السياسية أصبحت في السنوات الأخيرة إحدي وسائل التعبير عن الرفض لنظام حكم ما أو لقرار من قراراته، أو للتعبير عن التذمر من وضع اقتصادي - اجتماعي معين، إلاّ أنها في الواقع وسيلة قديمة للغاية، ومارستها الشعوب منذ قديم الزمان، وفي تاريخنا الإسلامي يُحكي أنه في زمن الخليفة العباسي المأمون - الذي كان يقول بخلق القرآن بتأثير المعتزلة- أن أحد المارة في الطريق وجد رجلاً يقرأ القرآن بطريقة غريبة للغاية دون تجويد ولا اعتبار لقواعد اللغة العربية ويخلط بين الآيات، فقال الرجل عندما استمع لمن يقرأ القرآن بهذه الطريقة: هذا هو القرآن الذي يقول المأمون إنه مخلوق..!!

وفي السنوات الأخيرة تزايد معدل إطلاق العامة للنكت السياسية، وهناك دول عربية اشتهرت بكم هائل من النكات التي تُطلق كل يوم؛ ففي مصر والسودان وغيرهما لا يمر يوم دون أن يكون هناك تعليق علي قرار ما بنكتة تُلقي في مقهي أو نادٍ أو أي مكان آخر.

وتمتاز النكتة السياسية بالطرافة الشديدة؛ إذ لا يمنع كونها تتعلق بشأن عام أن تأتي خالية من الطرافة، بل إن عامل الطرافة هو الذي يعطيها المزية الثانية التي تشتهر بها وهي السرعة، فيكفي أن يمر يوم علي نكتة معينة لتجدها قد وصلت لمسافات بعيدة ونائية قاطعة الفيافي والقري لتصل ربما إلي الدول المجاورة الأخري، وربما تتعرض النكتة وهي في مرحلة التداول إلي نوع من التغيير أو الإضافة، ويمكن أن تبقي كما هي، لو كانت من النوع الذي يصعب التغيير فيها أو كانت كافية ومؤدية للغرض دون تغيير، ويستحيل بالنسبة للنكتة السياسية أن يُعرف مصدرها بسبب انتشارها الواسع والسريع، وقد يكون عامل سرية المصدر بالنسبة للنكتة هو أحد عوامل فعاليتها؛ إذ تكون في الغالب مباشرة وشديدة السخرية.

وليس للنكتة السياسية موضوع معين؛ فالشأن العام يعتبر ميداناً لهذه النكات والتعليقات اللاذعة، ولا ينفي تناول النكتة لجانب اجتماعي أو اقتصادي عنها صفة السياسة.

وقد هاتفت (الراية) المفكر السعودي عبد العزيز الوهيبي، وهو أحد المفكرين السعوديين المهتمين بالشأن العام ورصد التغيرات في المجتمعات، وسألته عن النكتة السياسية والدور الذي تقوم به في المجتمع، فذكر بأنها تلعب دوراً مهماً في (التنفيس) عن الشعوب، وأنها كانت ومنذ عقود طويلة من الزمان إحدي وسائل التعبير الرافض للهيمنة، وأوضح أنها تظهر دائماً -وبشكل مكثف- عند الأزمات التي تعصف بإحدي البلاد، وذكر بأن مصر شهدت كمًّا كبيراً من النكات السياسية بعد حرب 67، حتي إن الرئيس عبد الناصر أصدر توجيهات (أو رجاء) للشعب بعدم السخرية من الجيش حتي لا تتحطم معنوياته.

وعلي الرغم من تسليمه بأن النكات هي في الواقع تعبير صادق ومؤشر عن حجم معاناة الشعوب التي تنتجها إلاّ أن المفكر السعودي رفض فكرة الاعتماد عليها في قياس الرأي العام؛ لأنها من وجهة نظره ليست أداة معيارية يمكن الاعتماد عليها، وطالب بدلاً من ذلك الاستفادة منها في الميدان الصحافي كوسيلة تنبّه صنّاع القرار إلي أن هناك اعتراضاً علي وضع ما أو قرار ما بحسب موضوع النكتة، ورأي أن النكتة بهذه الطريقة تكون مفيدة للحاكم وللجماعة الوطنية، علي أساس أن النكتة في النهاية تمثل وجهة نظر لقطاعات واسعة للشعب يجب النظر إليها بعين الاعتبار.

وقال الوهيبي ل(الراية): إن الحكام العرب في الغالب تصلهم هذه النكات، وبعضهم يتفاعل معها بالضحك، وقد يأخذها (البعض) بالفعل كمؤشر لتوجهات العامة، بيد أنهم (أي الحكام) يرفضونها كفكرة وكمضمون ولا يظهرون ردة فعلهم هذه (سواء كانت إيجابية أو سلبية تجاه النكتة) إلاّ لشخصيات مقربة منهم للغاية، ولذلك فإن ردود فعلهم تبقي طي الكتمان ولا يدركها العامة، ولا وسائل الإعلام في البلد.

وأضاف: إن النكات كانت في الماضي لها سطوة كبيرة كوسيلة وحيدة للتعبير، بيد أن العديد من الوسائل الجديدة بدأت في منافستها الآن مثل (الفيس بوك) والمدونات، مما أفقد النكات بعض نفوذها، علي الرغم من أن الأخيرة بدأت تجاري التطورات وتستفيد من الوسائل الاتصالية الحديثة مثل الإنترنت والموبايل، وقد وجدت فيها وسائل جديدة تنشر بها لأقصي حد ممكن.

بدوره قال المهندس سليمان الرشودي: إن الشعوب العربية كلها تهتم بالنكات، وتصدرها خارج الحدود، مشيراً إلي أن النكات قد تكون دولية الطابع، وقد تكون محلية يقتصر اهتمامها بما يدور في الساحة المحلية، ورأي أن دول الخليج بدأت تعرف هذه الظاهرة وتتفاعل معها بواسطة الموبايل والبريد الإلكتروني، وأشار هنا إلي أنه شخصياً يستقبل العديد من النكات (بمختلف تخصصاتها) في جواله وبريده الإلكتروني، وذكر أن هذه النكات تتميز بالأسلوب الساخر بل والممعن في السخرية أحياناً، ويتجه بعضها لأسلوب التورية في الإشارة إلي قضية بعينها، وبعضها يتخذ من الأسلوب المباشر والصريح طريقة للتعبير عن فكرتها.

واعتبر الرشودي الذي كان يتحدث ل(الراية) ويروي لها مجموعة من النكات السياسية، أن النكات تبقي حقاً مشروعاً للمجتمعات وليس هناك أحد يمكن أن ينتزع منها هذا الحق، ورأي أنها تعبر عن أزمة ما في المجتمع، وأن هذا المجتمع لو كان مثالياً ويخلو من المشكلات الكبيرة لما ظهرت مثل هذه النكات، وركز في حديثه علي أن النكات تلعب دوراً إيجابياً في المجتمع، من خلال تركيز بعضها علي مظاهر الخلل فيه (منتج النكتة)، فليس كل النكات تتناول الوضع السياسي، فكثير منها -يقول الرشودي- تخضع المجتمع لنظرة فاحصة، وتنتقد مظاهره السلبية والدخيلة، وربما تطرح معالجات أيضاً في أسلوب مباشر وصريح.

وفضّل المهندس سليمان الرشودي -وهو مثقف ويلعب أدواراً اجتماعية هامة- أن تبقي النكات في الإطار الإيجابي لها، مؤكداً علي مقدرتها علي لفت نظر الحكام وصنّاع القرار إلي مصادر الخلل في حكوماتهم وقراراتهم، وحذّر من الاتجاه إلي السلبية في هذه النكات؛ لأنها في هذه الحالة ستكون أداة هدم وليس بناء للمجتمع، وقال: إن النكتة هي في الواقع أسرع انتشاراً من الكلمة، وهي تصل إلي المستويات كافة، وحتي المثقفون والنخبة يتداولونها فيما بينهم، ولذلك يري الرشودي أنها وسيلة سريعة وفعّالة وخطيرة في آن واحد.

الباحث الاجتماعي السعودي محمد الصوياني قال ل(الراية): إن النكتة السياسية تعني فيما تعني أن هناك خلافاً مع وجهة نظر الحاكم في قضية من القضايا، قد تكون سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وربما تكون كذلك في قرار لا يتعلق بالداخل، وإنما بالتوجهات الخارجية للبلد، ولذلك يري الصوياني أن النكتة لها دلالتها القوية والواضحة في القضية التي تتناولها، وأعرب عن أسفه لعدم وجود مراكز بحوث ودراسات في العالم الإسلامي والعربي تهتم برصد هذه النكات وتحليلها والخلوص إلي نتائج واستنتاجات مهمة تعين علي إصدار القرارات المناسبة، والتقرب إلي الشعوب بدلاً من حالة التنافر الحاصلة الآن بين الأنظمة وشعوبها. وأكد أن هذه النكات يمكن دراستها كظاهرة اجتماعية بتشكيل فرق بحث مستقلة يكون هدفها الأساس هو معرفة الدوافع وراء هذه النكات.

ولفت الصوياني النظر كذلك إلي أن النكات السياسية يمكن اعتبارها كمناكفة من الشعوب؛ لأن سقف الديموقراطية منخفض بشدة في العالمين الإسلامي والعربي، وهذا يخلق بيئة خصبة ومناخاً ملائماً لظهور أكثر النكات حدة وسخريةً.

وبيّن الباحث الاجتماعي في حديثه أن النكات تختلف من دولة لأخري؛ فالنكات المتداولة في الخليج ليست هي المتداولة في مصر أو بلاد الشام أو المغرب العربي، علي أساس أن لكل دولة همومها الخاصة، ومشكلاتها التي تختلف عن مشكلات الدولة الأخري، لكن يمكن أن يحدث توحيد في النكات التي يكون موضوعها غير محلي مثل الحرب علي العراق أو أزمة 11 سبتمبر أو نحو ذلك.

وأوضح أن الشعوب تقوم بين الحين والآخر باختراع أشكال متنوعة للسخرية من واقعهم؛ فالفن الكاريكاتوري في الصحف قائم علي أساس السخرية من المظاهر المستجدة علي المجتمعات، وفي الدول ذات السقف الديموقراطي المرتفع يقوم هذا الكاريكاتور محل النكات في التعبير عن الرفض لقرارات السلطة، وربما أصبح شخص الحاكم نفسه محلاً للرسم الساخر.

ورأي الصوياني أن أغلب موضوعات النكات السياسية التي يتم تداولها حالياً علي مستوي الوطن العربي كله هي النكات المتعلقة بغلاء المعيشة والتضخم، وأكد هنا علي أن الخليجيين أصبحوا من أكثر الشعوب تداولاً للنكات الاقتصادية، مستخدمين في ذلك الموبايل والرسائل الإلكترونية.

 

New Jordan 11 Mens Sneakers Sale,Official New Jordan 11 Womens Online

معرض الصور