جلال الرفاعي.. الابداع بريشة الوجع

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الدستور - الأردن
الكاتب: 
هشام عودة

 

من المفارقات التي شكلت اولى بوادر الوعي في حياة الطفل جلال الرفاعي ، انه لم يجلس مثل مجايليه على مقاعد الدراسة في الصفين الاول والثاني الابتدائي في تلك المدرسة القروية الواقعة على اطراف مدينة رام الله مطلع الخمسينيات ، فقد توجه مباشرة الى مقاعد الصف الثالث الابتدائي ، بعد ان اثبت قدرته على المنافسة ، ما يشير الى حالة نبوغ مبكر في حياة ذلك الطفل الذي يوصف اليوم بانه احد ابرز رسامي الكاريكاتير في الاردن والوطن العربي.

منذ فتح عينيه ذات يوم بعيد في قرية كفر عين تعرفت على مواطن الجمال في الطبيعة التي اختزنتها ذاكرته لتكون اليوم احد اهم مرجعياته في التعامل مع مكونات الجمال.

كان يمكن لفنان بمواصفات جلال الرفاعي ان يكمل مسيرته في الحياة خطاطا ، بعد ان اتقن الغوص في بحور الخط العربي ، وصار يعرف جيدا جماليات الخط الكوفي والرقعة والثلث والديواني وغيرها منذ كان فتى يافعاً ، حيث عمل خطاطا في جريدة الجهاد الصادرة في القدس مطلع الستينيات حين كان جلال ما يزال طالبا على مقاعد الدراسة الثانوية ، وعندما التحق للعمل في جريدة الدستور في بداية عهدها ، كانت وظيفته"خطاطا"ايضا بحكم خبرته السابقة.

ربما الصدفة وحدها هي التي اعلنت على صفحات جريدة الدستور التي يعمل فيها ابو العبد خطاطا ، ذات صباح من شهر اذار عام 1971 عن ولادة فنان كاريكاتير كبير اسمه جلال الرفاعي ، لم تغب منذ ذلك التاريخ رسومه اللاذعة وتوقيعه عن الصحف الاردنية والعربية .

ليس من قبيل المبالغة القول ان جلال الرفاعي بعد اربعين عاما على ذلك الصباح الربيعي بات فنانا متمكنا يستطيع ان يمسك بأطراف الزمان لتطويعه لصالح مشروعه الذي تمدد اليوم على مساحة عربية ودولية واسعة ، وتحولت رسومه الى مفاتيح واعية لقراءة تفاصيل المشهد السياسي والاجتماعي للعرب وغيرهم ، في زمن يبدو متحركا اكثر مما يجب ، ويتحدث"ابو العبد"عن "الجميل" الذي في عنقه لمجموعة من الكبار الذين دعموا مشروعه الفني منذ بداياته ، من امثال المرحومين جمعة حماد وإبراهيم سكجها ومحمود الشريف وغيرهم ، ورغم عمله في عدد من المواقع والصحف ، داخل الاردن وخارجه ، الا ان الدستور ظلت بالنسبة له تلك الحبيبة الاولى والمنزل الاول في مسيرة الفنان المهنية الذي"نقّل فؤاده"في اكثر من موقع واتجاه .

يترك اسم الفنان جلال الرفاعي وقعا خاصا على مسامع زملائه واصدقائه ومريديه ، داخل الاردن وخارجه ، لذلك كان طبيعيا ان يذهب رسامو الكاريكاتير في الاردن لمبايعة"ابي العبد"رئيسا لرابطتهم التي تأسست عام 2007 ، لقناعاتهم بان وجود اسم"جلال الرفاعي"في هذا الموقع يمثل ضمانة نجاح الرابطة واستمرارها ، لتكون بيتا للابداع الذي يحصن وجدان الشعب والوطن .

دراسات نقدية عديدة ، تناولت تجربة الفنان الكاريكاتورية ، نشرت في العديد من الصحف والمجلات العربية المتخصصة باكثر من لغة ، في حين اصدر الفنان سبعة كتب تضم بين صفحاتها المئات من الرسومات التي أرخت لمسيرة الوطن ويومياته السياسية والاجتماعية ، واتجاه حركة ابنائه في علاقاتهم مع يوميات حياتهم ، ويمكن لاي دارس لرسوم الرفاعي ان يؤرخ بدقة وموضوعية لمزاج الشعب ومواقفه حيال القضايا والاحداث التي عصفت بالاردن والمنطقة ، سياسيا واجتماعيا في الثلاثين عاما الاخيرةً ، فيما فرضت رسوماته نفسها على اروقة المعارض الفنية العربية والدولية في الشرق والغرب ، وعلى ذائقة المتلقين في كل مكان ، بسبب التفرد في الخطوط ، وما يمكن تسميته بالسهل الممتنع في رسوم فنان متمكن من ادواته ومؤمن برسالته التي نذر نفسه من اجل تحقيقها.

عمل في دائرة الثقافة والفنون التي كانت تابعة لوزارة الأعلام قبل ان يتجه الى لندن لدراسة الاخراج الفني ، وقد عمل لعدة سنوات في صحيفة البيان الأمارتية قبل أن يعود الى صحيفة الدستور .

رغم ان الرجل يملك علاقات طيبة مع بسطاء الناس من جمهوره الواسع ، الا ان مبدعا كبيرا ظل يسكن بين جنباته الهادئة دائماً ، ولا يخفي اصدقاؤه وتلامذته الكثر عتبهم على المؤسسات الثقافية الاردنية ، الذي يصل حد الغضب احياناً ، لاستبعاد اسم فنان كبير بمواصفات جلال الرفاعي عن قوائم المكرمين ، في حين يجيء تكريمه من الخارج ، حيث حصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير والدروع التي جاءته من عواصم عربية واجنبية ، ومن بينها تكريمه في مهرجان الرواد العرب تحت اشراف الجامعة العربية كرائد من رواد هذا الفن العظيم.

 

Ultra Boost

معرض الصور