"حجاج" و تصوير الواقع العراقي

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الغد - الأردن
الكاتب: 
عمر شاهين

 

لعل الفنان المبدع عماد حجاج هو من أكثر رسامي الكاريكاتير تميزاً في الصحف الأردنية، ومن المؤشرات على ذلك أن رسوماته تحتل في معظم الأيام، مكان الأكثر قراءة وأحياناً الأكثر تعليقاً، على موقع الصحيفة الإلكتروني.

وإذا كانت الرسمة الكاريكاتيريه تُختصر من خلال اللون والشخصيات والمشاهد المرافقة، إلا أنها تعتمد على عامل مهم وهو التكثيف الرمزي، وهذا ما يشابه لحد كبير إبداع الطرفة "النكتة"، حيث يكثف الحدث السياسي المتداول في الساحة، بحيث لا يعرض بشكل مباشر، بل بطريقة سرد ساخرة تمثل بؤس الحدث أو نقده بشكل مضحك يظهر سلبياته، بحيث يترك في ذهن القارئ أو المشاهد الطرفة الممزوجة بالحدث، وهذا يتطلب سعة معرفة واطلاعا واسعا ومتابعة للمجريات السياسية، وقدرة فائقة على إخراج الموقف السياسي بطريقة الرسم الكاريكاتيري عبر لقطة صامتة أو مدعمة بجملة أو حوار قصير جداً لا يتعدى بضع كلمات، وهذا طبعاً يُظهر إبداع الرسّام وقدرته على اختيار الحدث وإخراجه وتكثيفه بحيث ينقد ما يريد.

إلا أن الخطورة تكمن هنا أيضاً، فالرسام يعتمد على الرمزية حتى يتخلص من الشرح والتطويل، وتأويل رمزية الرسمة يختلف من شخص إلى آخر مهما بلغ درجة وضوحها، وكثيراً ما سببت مشاكل للرسامين في هذا المضمار الذي يسمى في النقد الأدبي والتشكيلي "السيميائية".

يتميز عماد حجاج بأنه رسام ملتزم بقضاياه الوطنية والقومية والأخلاقية، ولم يبتعد يوماً عن التعبير عن حاجة المواطن وإيصال همّه إلى المسؤول، بحيث جعل من بطله "أبو محجوب" صورة عن معايشة المواطن العربي والأردني، للمستجدات الاقتصادية والسياسية التي تجعل من حياته مسرحية هزلية طويلة العرض، وليس من السهولة مع كل هذه المعاناة أن تجد منظراً يجسد صورة مكثفة وساخرة تنقل جراحنا ومعاناتنا لما نعايشه. إلا أن أبو محجوب صار رمزاً فيما بعد للكثير منا، مما شجع عماد أن يؤسس شركة باسم أبو محجوب ويحول هذه الشخصية إلى رسوم كرتونية متحركة ساخرة ترافقها جملتها المعهودة "هلا عمي".

وكما قلنا، فإن التكثيف والرمزية الساخرة هما الأساسان اللذان يقوم عليهما هذا الفن، ما قد يسمح لمن يريد أن يهاجم ويؤول على هواه، أو حتى يترك مجالاً لعدم فهم الرسمة جيداً، وهذا ما حدث مع الرسمة التي ظهرت بتاريخ 6/10/2008.

الرسمة احتوت على صورة لقنابل تتواجد فوق الغيوم والأبراج وداخل السيارات وفوق قباب المساجد، وكان قصد الفنان من رسمته توضيح أن التفجير في العراق صار يستهدف كل مكان من دون مراعاة لحرمة أي منها، وصار الموت يعشعش في أرجاء كل الأماكن، وينتظر المرء في كل مقعد حتى في أقدسها أي قباب المساجد، وهذا ليس تخمينا أو توقعا، بل هو واقع يحدث في العراق الشقيق، فقد شهدنا في الشهر الماضي حملات تفجير طالت العباد في كل مكان، من السيارات إلى الأسواق وحتى المساجد والكنائس التي كان يوصي الرسول صلى الله عليه وسلم بحرمة الاقتراب منها أو المساس بمن فيها. وللأسف، فهم البعض أن تلك الرسمة تعني اتهام المساجد بالإرهاب!

ما يدعو للأسف هنا، أن يستغل البعض العواطف الدينية لإثارة المشاكل، فقد كان الأجدى أن تذكرنا هذه الرسمة، بالواقع المرير الذي يعيشه بلد شقيق يدفع الثمن في كل ساعة، فنبذل الجهد لتوحيد صفوفه وإنقاذه من براثن الحرب الطائفية، وحثّ علماء المسلمين على إيقاف الفتن الطائفية، ومناشدة الكنائس الكبرى للتدخل أيضاً.

لقد سبقنا عماد حجاج في رسمه الكاريكاتيري ذاك، إلى الإشارة للواقع الذي تختفي فيه القنابل وصناعة الموت في كل مكان العراق. لقد كان رسماً إبداعياً علينا أن نفهمه جيداً.

 

Off White X Nike Design

معرض الصور