حرافيش "رجب" التي غاصت بأعماق مصر

قيم هذا الموضوع: 
Average: 2 (1 vote)
المصدر: 
شبكة الإعلام العربية

يحتل الكاريكاتير مكانة كبيرة في نفوس القراء، حتى أن البعض يعشق صحيفة ما ويشتريها لقوة هذا الفن وقدرته التعبيرية على تجسيد حال المجتمع والغوص في أعماقه والتعبير عنه بلغة كاتب ساخر يرى الدنيا بعين أخرى تترجمها ريشة رسام بدرجة فيلسوف.

وتعتبر شخصيات الكاتب الصحفي المخضرم أحمد رجب ومعه ريشة مصطفي حسين رائدا مدرسة أخبار اليوم الصحفية، خير مثال على هذا الوصف، فتكاد هذه الشخوص المستوحاة من وحي الخيال تصبح من لحم ودم باعتبارها خلاصة نماذج إنسانية عديدة زخر بها المجتمع المصري خلال العقود الثلاثة الماضية.

فبتتابع رؤساء الوزراء كنا نشاهد فلاح كفر الهنادوة وهو يجلس متربعاً علي الأرض برأسه المستدير وطاقيته التي تكاد تنحسر عن رأسه، وكُم جلابيته الذي يشمره عن ذراعه، وقد نجده يتكلم مع رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشعب، بحسب التقرير الذي كتبه الصحفي حسن الحلوجي ونشرته صحيفة "وشوشة" الصادرة عن دار "الفجر" للنشر والإعلام.

وهو عادة يراوغ في الحديث ملقياً باتهاماته علي لسان الواد ابن أبو سليم أبو لسان زالف اللي عمال يلسن بالكلام، فيقول اصلي سمعت حاجات وحاجات خلت البال يروح لبعيد، والواد ابن أبو سليم يورمها في نافوخي أكتر وأكتر وأقوله اخرس يا وله، ده كلام ما يتقالش، وإزاء هذه الحيلة يبدأ فلاح الكفر في الإلقاء بهمومه ومواجعه عن الواقع وأحواله في حديث من طرف واحد يضمنه بسلامة نيته التي طالما عاتبه عليها الواد ابن أبوسليم قائلاً: أنت هتفضل طيب لامتي يابا الحاج وهو يتحدث عن أحد الهموم كالبطالة مثلاً.

وفي المرة التي قابل فيها رئيس الجمهورية أحضر شالاً علي كتفه طالباً الفضفضة.. ناهياً كلامه بعبارة تودد مثل ربنا يديم المعروف أو ويجعله عامر.. وبينما يدعو الفلاح الحكيم نجد قاسم السماوي بشعره الأجعد المنحسر عن جبينه إلي ظهر رأسه ونظرته الحادة القاسية، هذا السماوي الذي لا يتمني الخير لأحد ودائماً ما يلقي بعبارات السخط وزوال النعمة علي من يراه حتي إن كان هذا المحسود لا يتمتع بما يحسد عليه وهذا النموذج موجود في أصحاب العيون المدورة بيننا بحكم العادة.

وهناك نموذجان متناقضان متشابهان ضمن شخصياته، هما عزيز بك الأليت، والكحيت.. يشتركان في طابع الادعاء والمنظرة، لكن عند عزيز بك الأليت الأمر مبرر بحكم ثرائه، لكنه دائم الشكوي من هموم الثراء مثل تأخر شحنة السيجار الكوبي حيث يخلق هذا مفارقة في طابع الشكوي.

في حين لا يجد الكحيت العيش الحاف ليأكله.. الاثنان مختلفان في المظهر، عزيز بك بملابسه الفخمة وأنفه الشامخ والكحيت بشعره الأجعد وذقنه الغامقة وملابسه الرثة، يصفه أحمد رجب بأنه رغم ذلك معتز بنفسه اعتزاز ملياردير يشرب سيجاره وفي قدمه الشبشب الصباع البلاستيك وتصرفاته أقرب إلي أحلام اليقظة والتطلع الطبقي، لكنه لا يبذل ي مجهود كي يغير من نفسه أو يرتقي، أراه نموذج الشخص المصري السلبي الذي يتحدث دون أن يفعل.. تشغله أخبار مشاكل الأغنياء والنجوم، يتحدث كأنه منهم وهو لا يستطيع أن يكسو مؤخرة ابنه "منص".

شخصية الكحيت

هناك نموذجان مقترنان في عالم أحمد رجب هما شونيا والعجوز المتصابي الذي يشكو دائماً من مراهقاته مع شونيا بينما وهي في كامل صباها تدير له ظهرها ولا تعيره ي اهتمام.

أما كمبورة فإن أحمد رجب يتحدث عنه في مقدمة كتابه "كمبورة في البرلمان" قائلاً: اسمه بالكامل غير معروف، يقال إنه عبدالله كمبورة، وفي قول آخر سليم كمبورة، وفي قول ثالث خليل كمبورة.. واسمه هو حضرة صاحب الحصانة السيد العضو كمبورة بيه، ولغة كمبورة هي لغة زمن الانفتاح التي ابتدعت ألفاظ الأرنب والنص أرنب والباكو والأستك والتمساحة والخنزيرة، وأصبحت تتكلم فيما بينها بألفاظ وتراكيب غريبة تماماً كما يتكلم النشالون عندنا بلغتهم الخاصة أمام الضحية دون أن يدري أحد، إننا في نظر كمبورة قوم من الكروديات والبلهاء الذين مكنوه من أن يتحول من مجرم صعلوك إلي مجرم وجيه ذي جاه وسلطان.

وأري أن كمبورة يعتمد بشكل كبير علي سكرتيره عبعزيز برأسه وأنفه الطويلين، فهو يعد له الجلسات الخاصة ويساعده في عمل الدعية الانتخابية لمجلس الشعب، هو يده في رش الفلوس للرشاوي وجني الأصوات، هو محرر صحفي يساعده في إلقاء "بؤ" لتخدير أهالي دائرته.. في حين يجيد كمبورة التلون في ثوب الزاهد الورع أو رجل البر أو المربي الفاضل حسبما يستدعي موقف الظهور بثوب النقاء والخير لكنه يظل كمبورة اللص المتاجر بأحلام الناس، الذي يجيد استخدام حصانة المجلس لتسهيل مصالحه الشخصية.

ويكون جنجح هو نموذج المواطن الموالس لأمثال كمبورة، يرتدي جنجح طاقية تشبه قبة المجلس، بشفاه مدلاة وشارب نقطة وخد عريض وله جسم ضخم، قصير وموقعه الدائم أمام شاشة التليفزيون يتحدث لشخص دائم، جنجح يهاجم الصحفيين وأعداء سيد قراره، وتضم مدافعاته عن الأشخاص كمالة العدد في المجلس تهكماً خفياً ربما لا يقصده صراحة.

وهناك نموذجان لمن هما أقل من الوزير، أحدهما عبده مشتاق الذي يحلم بكرسي الوزارة، ودائماً متشوق لمعرفة أخبار جديدة عن ي تعديل وزاري يحدث ودائماً يظل عبده مشتاق لأنه يستمد "الكاركتر" الخاص به من حلمه الذي لا يتحقق.

أما "علي الكومندا" فهو لسان السلطة الذي يدافع عنها، مسئول يجلس علي مكتب دائما، وغالباً يتحدث إلي الكاميرا في برنامج تليفزيوني أو الأثير في برنامج إذاعي، دائماً ما يربط كلامه بما أشار إليه السيد الوزير مفنداً خطط من هم أعلي منه أو مصرحاً بما هو مسموح له أن يقوله.

منصبه تحديداً هو "مدير كبير" حسب يافطة مكتبه.. ذو عيون ضيقة ماكرة وشارب عبارة عن خيط رفيع، يتحدث غالباً وهو يغمض عينيه تعبيراً عن حكمة ودرية، إلا أن تصريحاته مصحوبة دائماً بالخيال المبرر لتصرفات الحكومة، فقد يعطي الحلول لإنفاقات الحكومة رداً علي اتهامات، فعندما يبرر ترك المصابيح في الشوارع مضاءة نهاراً يقول إن الحكومة استوردت هذه المصابيح مولعة.. وكثيراً تجده يفرد ذراعيه للأمام تجسيداً لوجهة نظره الخيالية، علي الكومندا هو المنوط بتخدير الجمهور لبعث تعاطفه مع قرارات الحكومة وكثيراً ما يختم حديثه بعبارة: والله ولي التوفيق.

ويكون عباس العرسة هو النموذج المثالي للمنافق المتسلق الذي يتملق السلطة ويغازلها بما ليس فيها، قد لا يكون الهدف هو المصلحة الشخصية بقدر ما أصبح داءً أدمنه، تجده يقف بظهر محني، مبتسماً وهو يتحدث المسئول مكفهر الوجه، مسئول منتشٍ بما يقول وقد ضم يديه بانبساط زائد وعباس العرسة يتحدث بعبارات مكشوفة جداً، كأن سمي أولاده باسم فريق الأهلي عندما علم أن المسئول الذي يمدحه أهلاوياً ربما يكون تملقه دفاعاً عن أخطاء يرتكبها بدليل تكراره لعبارة كله تمام يا أفندم.. إلا أنك قد تجد بين ثنيا حديث العرسة نقداً دفيناً قد لا يقصده.

شخصية فلاح كفر الهنادوة

أما النموذج الذي عبر فيه أحمد رجب عن الفن فهو مطرب الأخبار، هل انطلاقاً من حلم طفولي قديم لرجب أن يصبح مطرباً كما ذكر في مقدمة كتابه مطرب الأخبار؟

ومطرب الأخبار شخص رديء الصوت لكنه يصر علي الغناء في الحفلات والأفراح ولا ينجو دائماً من الضرب ومع هذا يصر علي الغناء حتي اعتاد الضرب، لدرجة أنه ذهب ذات مرة إلي فرح وغني فلم يضرب، فعاد مندهشاً مما حدث.. صوته سيئ للغية حتي إنه ذات مرة كح في شارع مظلم فضربه بالنار مطاردو الكلاب الضالة.. ويزيد رجب من التهكم حين يسرد في ثنيا حديث مطرب الأخبار بعضاً من جوانب حياته فقد بدأ الغناء من وراء أهله في المراحيض.

وهو حين يذهب إلي أحد الأفراح فإنه يستر قفاه بياقة ذات بطانة عالية وربما أخذ حقنة بنج في قفاه قبل الذهاب إلي الفرح، وكثيراً ما يطمئن علي وجود شخص فصيلته "ب" مثله في حالة تعرضه للضرب.. مطرب الأخبار موجود بيننا الآن في ساحة الغناء، لكن التسجيلات اللي في أوضة علي ري شعبان عبدالرحيم جعلت صوته يتوه مع الأصوات الحلوة.

معرض الصور