حوار مع فنان الكاريكاتير الأردني عماد حجاج الســخـريــة ســـلاح خطـــير تــخافــه العـــروش!

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الأحداث - المغرب

كيف ترى واقع فن الكاريكاتير بالوطن العربي ؟

<< يعتبر فن الكاريكاتير بالوطن العربي من أكثر الفنون البصرية شعبية بالصحف العربية، ويعيش هذا الفن حاليا ازدهارا في فضاءات الانترنيت الأعلى سقفا من حيث المشاهدة من الصحف، فالكثير من الرسامين الآن اتجهوا نحو الانترنيت، وأنشؤوا مواقعهم الخاصة، يعالجون فيها معظم القضايا الساخنة، -وما أكثرها في العالم العربي- بطابع السخرية المصورة أو المرسومة وبعضهم كحالتي يطورون أو يدخلون في مجال الرسوم المتحركة والتي تعتبر الابن الشرعي لفن الكاريكاتير.

هل تحول الانترنيت إلى متنفس لفنان الكاريكاتير الذي يعاني من المضايقات على مستوى الصحف؟

<< طبعا الانترنيت أصبحت متنفسا لكثير من الرسامين الذين يعانون من شروط الرقابة في الصحف وما أكثرها في الوطن العربي، وقد قمت مثلا بتخصيص جزء خاص في موقعي الالكتروني للرسومات الممنوعة من النشر، لإبرازها للقراء والمهتمين، والأهم من ذلك أن جمهور الكاريكاتير على الانترنيت ليس جمهورا اقليميا أو وطنيا كما في حالة الصحف، وإنما هو جمهور عالمي أو عربي، التفاعل مع الرسومات يكون أكثر بكثير من تفاعل القراء عليها في الصحف، للأسف أن بعض الدول العربية أقرت تعديلات في قوانين المطبوعات تطال ما أصبح بعرف بالجريمة الالكترونية، بعض البلدان أصبح الكاريكاتير على الانترنيت جريمة قد يطالها القانون خرقا لشروط الرقابة، لكن نسبيا تبقى الانترنيت فضاء واسعا وفسيحا للسخرية.

ما هي الفروق على المستوى الابداعي بين الكاريكاتير في الجريدة وعبر الانترنيت ؟

<< طبعا أنا عايشت التجربتين عندما كنت أرسم في بعض الصحف الأردنية كالرأي، الدستور أو الغد، كنت أراعي وأركز كثيرا على قضايا محلية كالحريات ولكن من منظور أردني بحث ، عندما لاحظت اهتمام قراء كثيرين عرب وحتى جمهور عالمي برسوماتي أصبحت أكثر ميلا لطرح قضايا يتفاعلون معها ويفهمونها أكثر، أوطرح نفس القضايا ولكن بمنظور عام وأشمل ليتعاطى معها بسهولة القراء العرب، أو في العالم أجمع، وأفتخر بأن لي مجموعة رسومات حققت صدى واسعا في الفضاء الافتراضي، رسومات اتخذت موضوعا لها التضييق على الحريات التييعيشها المواطن العربي، إضافة إلى المواقف الرسمية العربية تجاه القضايا المفصلية التي نعيشها كأمة كالحرب على العراق، القضية الفلسطينية....

هل يمكن الحديث عن وجود مدرسة لفن الكاريكاتير في الأردن ؟

<< تكثر التصنيفات لهذا الفن، ولكن يصعب الحديث عن وجود مدارس أو مدرسة للكاريكاتير، بل أنماط متكررة لم تنضج بما يكفي لتصل إلى مرحلة المدرسة، لكن نستطيع تصنيفه إلى كاريكاتير محلي تكثر فيه التعليقات باللهجة العامية في الأردن، تناقش قضايا الحياة اليومية كأزمة المواصلات وأي مشاكل لها علاقة بالخدمات الحكومية عموما، قضايا السياسة المحلية، أخبار البرلمان، ثانيا هناك الكاريكاتير السياسي يعالج القضايا العربية الساخنة. حرب العراق، فلسطين، حتى قضايا الحريات في الدول المجاورة، كسوريا ولبنان، مصر، هناك أيضا كاريكاتورات ترفيهية تنشد الترفيه والفكاهة الصرفة فقط ، دون غاية سياسية أو اجتماعية محددة وهو شيء مطلوب وموجود أو ما نسميه بالكاريكاتير الشبابي أجواؤه بسيطة وبريئة عالمه الموبايلات والفيديوكليبات والموضة، وهو موجود كتصنيف وحاضر في المجلات والمطبوعات الأردنية.

تمارس الكاريكاتير لعقدين من الزمن، هل ترى من فائدة وتأثير لما تقوم به؟

<< هذا السؤال أسأله لنفسي دائما لكن الحافز ودافعي الأول بغض النظر عن مدى تأثير رسوماتي، أو كم يشاهدها من شخص، وكم ستغير من هذا الواقع، أنا أرسم الكاريكاتير كمتنفس لي كإنسان، ففي النهاية أنا مواطن عربي أرىحولي هذا الواقع المحبط الذي لا نستطيع حياله شيئا، ليبقى الكاريكاتير هو الملاذ الوحيد، أحيانا أرسم رسومات لا تنشر في الصحيفة، أرسمها لغاية ذاتية صرفة، فالكاريكاتير عندي هواية قبل أن يصير مهنة، ثانيا مفهوم الجدوى مفهوم نسبي، في بعض رسوماتي أدعي -وهي قليلة- أنني ساهمت في تغيير ما على الصعيد المحلي في الأردن، مثلا كانت لدينا أزمة شهيرة في الأردن أواخر التسعينيات وهي أزمة المياه الملوثة، وكانت جزءا من حملة صحفية كبيرة ضد حالة التلوث وألقي بالمسؤولية فيها على عاتق التسيب الحكومي، وكان أن استقال الوزير في آخر تلك الحملة الصحفية، لكن في قضايا أخرى كثيرة تشعر أنك تنفخ في قربة مثقوبة، كم رسمنا عن فلسطين، وكيف ينبغي للعرب أن يقفوا مع أنفسهم، ومع إخوانهم، كم كان الرسامون العرب محامين لقضاياهم ووكلاء للتوعية السياسية وفضح المؤامرات، والتحذير من الأشياء القادمة، وتحدث الأمور كما تخيلناها قبل سقوط بغداد رسمت مائتي رسم ضدالتدخل الأمريكي، وضد الحل العسكري، لم تجد نفعا وتم احتلال العراق، إذا ارتهنا إلى النتائج المحبطة لن نرسم، ولن نكتب، ولن نقوم بأي شيء، لكن مدفوعين بأمل ما، هذه هي روعة الفن، أحد مفاتيح الأمل لبشر مضطهدين مثلنا،وأعتقد أن الفن أحد الفسح القليلة المفتوحة أمام المواطن العربي، هو لا يستطيع أن يغير واقعه، بل عاجز عن ذلك، فليكن لكنه على الأقل له الحق أن يضحك من واقعه،أن يسخر منه وهذا في حد ذاته موقف، ويشحنه ربما لشيء أكبرفي المستقبل، هذا أملنا.

لماذا تخاف الأنظمة غير الديمقراطية سواء من الكاريكاتير أو من الغينيول السياسي الذي لم يظهر بعد في قنواتنا؟

<< لأن السخرية هي سلاح الضعفاء السخرية سلاح خطير جدا، كلنا نعلم مثلا خطورة النكتة السياسية في مصر، السخرية كما قلت لك هي السلاح الأخير للمواطن المحاصر، لا يستطيع أن يغير من يحكمونه بصناديق الاقتراع، لايستطيع أن يعبر عن آرائه، لكن يستطيع أن يسخر منهم، بينه وبين أصدقائه بشكل سري، ويتم تهريب النكتة، والرسم كما تهرب المخدرات والممنوعات، فهذا سلاح خطير تهابه الدول وتخافه العروش، لأنه يعبر عن إرادة ما، وعن رفض قوي للواقع، السخرية في حد ذاتها موقف ليس هزليا أو فارغا بل موقف قوي وقوي جدا، هناك مقولة أعتقد أنها تصح علينا، يقولون إن المسرح الساخر والكاريكاتير تزدهر عند الشعوب الأكثر قمعا، ونجد مثلا أهم رساميالكاريكاتير في العالم هم من أمريكا اللاتينية أو من الشعوب العربية، أو من دول أوربا الشرقية سابقا، فعلا السخرية تأخذ بعدا أكثر قوة وأكثر دراماتيكية عندما تكون ممنوعة ومقموعة، الساخر حينها يكفر بكل السقف فجأة، فتأتي سخريته حادة وقوية ومزلزلة، فبالرغم من عدم وجود صحف تنتقد، ربما تكون نكتة جملة تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم، وتفعل فعلها أكثر من كثير من وسائل الإعلام والصحف، وتدمر الصورة الكبيرة المؤطرة والمبروزة فيالشوارع، مجرد كلمات بسيطة، هذه هي خطورة السخرية.

بماذا تفسر تأخر العرب في إنتاج الرسوم المتحركة، وعن ندرة في الإنتاجات على مستوى سينما التحريك ؟

<< تأخرت في الوطن العربي، بسبب ما ورثناه نحن كعرب من خلال قنواتنا الرسمية الموصدة المحكومة أن الرسوم المتحركة كفن موجه للأطفال، مع أن الرسوم المتحركة ليست بالضرورة حكرا على الأطفال، قد تضع الرسوم المتحركة بعد نشرة الأخبار، هناك رسوم متحركة تعالج قضايا سياسية واجتماعية.. لعل أحد أقوى الأسباب التي تفسر هذه التأخر هو التكلفة الاقتصادية لهذا النمط الفني الذي يتطلب تأهيل وتدريب وتجميع كوادر يندر وجودها عموما في الوطن العربي، ومن ثمة عند إنتاج هذه الرسوم المتحركة لن تكون مجدية لقنواتنا وفضائياتنا العربية، فقد جربت وعرضت إحدى أفلامي القصيرة على إحدى الفضائيات العربية المعروفة فرفضوها لأنهم وجدوها باهظة الثمن، رغم أنني حاولت تقليص النفقات، فقد حسبوا الأمر جيدا، لينتهوا إلى أنه بذلك المبلغ يمكن إنتاج مسلسل دراما تاريخية، الربح فيه مضمون من جميع النواحي الرواج، المحتضنون،

هل لك أعمال كاريكاتورية لم تنشر حتى الآن ؟

<< عندي الكثير من الأعمال للأسف لم تنشر، وأفتخر أني أول رسام أردني رسم الملك بالكاريكاتور، حدث ذلك عام 2000 حيث رسمت الملك عبد الله الثاني، وكانت سابقة صحفية أن ينشر رسم كاريكاتوري يظهر فيه الملك، الرسم لم يكن نقدا مباشرا لجلالته، وإنما من حيث المبدأ كرست بداية لشيء ما، كما تعلم أن الملك وعائلته يمنع انتقادهم في القانون، لكن الكاريكاتور يبقى حالة تراكمية تطورية، ولا يكون مسؤولا عنها شخص واحد أو رسام حالة تنمو مع الصيرورة التاريخية، وأعتقد أن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الفنان أن يرفض رسمه من النشر، في العهود السابقة عندما كانت تمنع رسوماتي من النشر، كنت أشعر حينها بالقهر وبالضيق الشديد، فقد كانت لدي مواقف حادة في نقد الأنظمة العربية، وفي فتح ملفات محرمة في الأردن كالفساد، جرائم الشرف، انتقاد الشخصيات العامة، كانت خطوط حمر كثيرة، الأمور تحسنت نسبيا.

هل تحس بنوع من التغيير في عهد عبد الله الثاني مقارنة مع عهد والده الملك حسين؟

<< أعتقد أن الأمور بدأت تتجه نحو الأفضل، وأقيس على تجربتي الذاتية، في الأزمنة السابقة كان التعبير بالكاريكاتير صعبا جدا، كم من أمور كثيرة كنا نخشى سابقا من نشرها، الآن تستطيع بكل يسر أن ترسم وزيرا وتنتقده في الصحف، المهم أننا ننعم بسقف من الحريات أفضل نسبيا مما كان في السابق ..

أول زيارة تقوم بها إلى المغرب، هل وجدته كما كنت تتصوره؟

<< لا أعرف لماذا تخيلت المغرب صحراوي الطبيعة كالأردن، لكن فوجئت أثناء الطريق الرابطة بين البيضاء ومكناس بالطبيعة الجميلة، الزهور والأشجار هذه الطبيعة لا نراها حتى في لبنان، طبيعة الناس كنت أتصور أنهيصعب التفاهم مع المغاربة بالعكس أربعة أيام كل يوم أتعلم مصطلحا جديدا، طقس جميل جدا، الطعام لذيذ جدا، فقد كنت أرتاد أحد المطاعم المغربية في الأردن لا علاقة له بالأكل الذي أكلته في المغرب..

هل الانطباعات التي خرجت بها خلال الزيارة يمكن أن تمارس تأثيرها الفني ؟

<< الزيارة إلى المغرب ستدفعني لكي أعود إلى ثقافتي العربية الإسلامية كرسام كاريكاتوري، لقد شعرت بقشعريرة أصابتني وأنا بأسواق فاس، شعرت بعمق حضارتي وأصالة ثقافتي العربية الإسلامية، عندما نظرت إلى هذا التاريخ العظيم المعمار، الأسواق التي لازالت حية وما هجرت تدب فيها الحياة، بباعتها وأناسها الطيبين. كل ذلك يجسد تاريخا لا زال حيا يسعى ونحن ورثته الشرعيون، وأحيانا يخجل الإنسان من نفسه وهو يطل على الغربمسحورا، وينسى ثقافته وتاريخه وثراته، إحدى القناعات التي خرجت بها الالتفات أكثر إلى تراثي، صرت أنظر إلى التراث العربي الإسلامي بجدية أكثر كشيء موجود ملموس وحاضر وليس من اللازم على أي فنان أن ينساه، بل يجب أن يكون حاضرا في موضوعاته...

 

air max 90 essential grey

معرض الصور