رائد الراوي .. بسمة طال غيابها

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الصباح الجديد - العراق
الكاتب: 
علي المندلاوي

 

لم يكن(رائد الراوي-1955) قد بلغ منتصف العشرينا ت من عمره عندما ظهر بقامة رسام كاريكاتير محترف له صولاته وجولاته النقدية الساخرة على صفحات مجلة(الف باء)التي غادرها رسامها الستيني المخضرم الرائد(بسام فرج)الى المجر.

كان رائد وقتها قد بدأ دراسة للتربية وعلم النفس في الجامعة المستنصرية، ولكن شغف الرسم كان يستدرجه ، الى زيارة مبنى مجلة(مجلتي)في الوزيرية القريبة من جامعته حيث وجد في رساميها الشباب صحبة ابداعية أغرته بالتوغل في تجربة الرسم للاطفال، فكانت تلك انجازا مضافا له أظهر فيها براعة كبيرة في وضع الكثير من الرسوم لقصص وطرائف وجدت طريقها الى النشر في المجلة، وكان العديد منها من بنات أفكاره.

كانت(مجلتي) في ذلك الوقت المشغل والمختبر التي تنضج فيها المواهب التي تحاول أن تتخصص في مجال فنون الكرتون والرسوم التوضيحية والتصميم لصحافة وكتب الأطفال، ولأن المسافة قصيرة بين من يبرع في الرسم لمطبوعات طفل، ومن يريد أن يرسم الكاريكاتير، فأن المجموعة التي انضم رائد اليها في مجلتي هي التي شكلت نواة أول تجمع لرسامي الكاريكاتير عرضت أعمالها الكاريكاتيرية المشاكسة على جدران قاعة أكاديمية الفنون الجميلة.

وفي وقت لاحق انضم عدد آخرمن الفنانين الى المجموعة كان بينهم الفنان(نزار سليم)و(موسى الخميسي)و(بسام فرج)قبل أن يرحل الأخير عن البلاد معرضا كبيرا أقيم على قاعة(المتحف الوطني للفن الحديث)وكان رائد أحد أهم عناصر الادهاش فيه!

كان رائد "مدفوعا بتلقائية الموهبة أكثر من تدريب الرسام"فلم يمر رائد على معهد أو أكاديمية لتهذيب وتشذيب خطوطه وألوانه التي ظلت على طبيعتها البدائية الطرية الاولى، فكانت رسومه تبدو كقطاف من غابة خياله السحري التي لم يطأها غيره، وما كان ينشره في الصحافة، ويعرضه على الملأ في قاعات العرض لم يكن الا حزمة من ذلك القطاف الطازج الذي ظل على هيئته البرية الحرة الاولى التي أبت الترويض.

(عبد الرحيم ياسر)أحد المجتهدين الأوائل في مختبرالرسم للأطفال في مجلتي، والرسام الكاريكاتيري المعروف، وصديق رائد وشريكه في انجاز الشريط الكارتوني (الشجرة)يتحدث لـ (بسامير)وباختصار شديد عن انجاز رائد، فيقول:"في العام(1975)ولسنوات خمسة تلت ذلك التاريخ كنا قراء ومختصين نتابع حضور رسومات رائد المدهشة، بخطوطها الأنيقة التي لا تشبه غيرها، وبموهبته في اختيار زاوية نظر مختلفة وجديدة، وكان رائد ولا يزال رغم قصر الفترة التي اشتغل فيها قياسا الى اخرين حاضرا في ذاكرة الكاريكاتير العراقي، وأجزم انه كان أحد الرواد الذين أحدثوا بصمة فارقة في كيان الكاريكاتير العراقي الحديث."

وهنا وتأكيدا على الحضور المستمر والخاص لرائد في ذاكرتنا، وذاكرة الفن والصحافة في العراق أسترجع        معكم عددا من رسومه التي لا تزال طازجة كما كانت يوم قطفها من خياله الجامح المتفرد، ونثرها في عيوننا على طبق من ذهب ورق الصحافة، هذا قبل أن يحزم حقائبة ويرحل الى أبعد ما كان نتصور ويتصور هو...الى أميركا (الأمبريالية) التي كان هو أحد أكبرمنتقدي سياساتها، وخاصة في منطقتنا!

في أميركا قصد رائد الفنان والصديق الأكثر شفافية وألفة وتهذيبا وتواضعا من بين الكثير ممن عرفتهم قصد ولاية(كارولينا الشمالية)وهناك في مدينة شارلوت نصب خيمة أحلامه من جديد بعيدا..بعيدا جدا عن الجنون الذي كان ولا يزال يشتعل حروبا ومواجعا وأحقادا وفتنا في بلاده.

في عيادة الطبيب، وبينما كنت أنتظر دوري في المراجعة وجدت هذه الكلمات في احدى المجلات العربية التي تزجي وقت الانتظار الطويل، ومع الاسف فاتني أن أسجل اسم كاتبها، ولكني أذكر انه كتبها مستذكرا ما أبدعه الفنان(زياد الرحباني)للمسرح من فن رفيع ساخر تعليقا على ما كان ولا يزال يحصل في بلاده لبنان، وفيه كان الكاتب يدعو الفنان رحباني للعودة لأستخدام سلاح السخرية الذي عرف به، والذي لا غنى عن فعاليته، يقول الكاتب:"فن السخرية، هذا الفن وحده القادر على طرد الخيبة التي ملأت النفوس والعقول...نحتاج الى السخرية، الى هذا السلاح المرخص والقادر على صرع الاحباط، وانجاب بسمة طال غيابها."

ونحن بدورنا ندعو الفنان رائد لسحب سلاحه المرخص المجرب المعروف بدقة اصابته للأهداف لقصف مواقع الخيبة والاحباط التي تنخر جسدنا العراقي، و"بسامير" طوع أصابعه المرهفة...وهي ساحة مهيئة لمشاكساته التي طال غيابها!

 

Nike Tiempo Legend VI FG

معرض الصور