رسمان كاريكاتوريان..

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة تشرين - سورية
الكاتب: 
عادل أبو شنب

ـ 1 ـ لا أعرف من هو أول كاريكاتوريست في التاريخ.لكن فن الكاريكاتير أثبت وجوده منذ وجد، فهو يلخص، أحياناً، مقالة كاملة تعنى بشأن سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، وهو ، أحياناً، يهدف الى الإمتاع والسخرية، والتشفي، وهو، أخيراً، نوع من التنفيس عن القراء، الذين يتضايقون من أمر ما من أمور حياتهم، فيلخص الكاريكاتوريست هذا الضيق بنوع من الترويح، وعدم أخذ المسائل بالجد الذي يقهر.

الكاريكاتير الذي غدا باباً من أبواب الصحافة المكتوبة، وربما الصحافة الالكترونية منذ وقت قريب، صار له فنانوه المختصون الذين يكفي رسم كاريكاتوري لواحد منهم، حتى يرفع صاحبه، في أعين القراء لا المحليين فقط، بل قراء العالم كله، بسبب انتشار المادة المكتوبة، والمرسومة، عبر قنوات التلفزيون والانترنت التي صارت تعد بالآلاف في العالم، اللهم زد وبارك!

على أن الواقع يقول إن الرسم الكاريكاتوري لا يعلق بالضرورة في أذهان القراء من مشاهديه، وقلة هي الرسوم الكاريكاتورية التي تترك في كتاب التاريخ أثراً يتذكره الناس، حتى لو بعد هذا الرسم، وأوغل في القدم! كالرسمين الكاريكاتوريين اللذين لم يبرحا ذاكرتي مدة طويلة! ‏

ـ 2 ـ ‏

إن رسمين كاريكاتوريين لم أنسهما قط، على بعد المسافة بين هذا الزمن وبين الزمنين اللذين رسما فيهما، واحد من سورية، وآخر من مصر، وهذا لا يعني أن الرسوم الكاريكاتورية الأخرى تنسى بمجرد ظهورها في الصحيفة، لكن الرسمين تسنى لي أن أراهما، وأعجب بهما وأذكرهما باستمرار، حتى إني كلما استعدتهما أمام بعض أصدقائي أعجب بهما فأقول: يكفي من رسمهما هذا الرسم ليصبح واحداً من أعظم الرسامين الكاريكاتوريين، أصحاب الأفكار الاستثنائية في التاريخ، بلا مبالغة، أو حماسة. ‏

أما الرسم الكاريكاتوري الأول الذي أعنيه، فقد ظهر في مجلة «المضحك المبكي» السورية عام 1936، لقد اطلعت عليه، عندما عملت فيها بعد ربع قرن، على ما أذكر فكان يدور حول المسيو كويتو المندوب السامي الفرنسي الذي لم يُدعَ الى حفل إفطار صاحب (المضحك المبكي) وادعى أن المرحوم حقي العظم هو الذي لم يدعه، فلما بلغ ذلك صاحب المطبوعة المرحوم الأستاذ حبيب كحالة أوعز لرسام الكاريكاتير في المضحك المبكي أن يرسم قطعة لحم كبيرة يتنازع عليها كلبان، واحد ضخم شرس، والآخر هزيل مسكين، فيسألهما شخص واقف في الرسم: ما بكما؟ فيقول الكلب الأشرس: أنا حقي اللحم، ويقول الكلب الضعيف: أنا حقي العظم. ‏

كان هذا الرسم الكاريكاتوري يتشفى ممن لم يسمع بالقصة نهائياً، خلافاً للحقيقة، ومع ذلك عطل المندوب السامي كويتو المجلة مدة لنشر هذا الرسم المقذع، ولما عرف الأستاذ كحالة بالحقيقة اعتذر من حقي العظم وحمل في الرسوم الكاريكاتورية اللاحقة على المندوب السامي الذي أراد زرع الخصومة بين صديقين، وهذا ما كان يفعله الانتداب! ‏

أما الرسم الثاني فيعود الى عام 1949، وكان النحاس باشا رئيس وزراء مصر، والمرحوم فؤاد سراج الدين من أعضاء حزب الوفد الذي ينتمي إليه الاثنان، وكان الأخير يسعى إلى أن يستوزر، فرسم رسام مجلة «روز اليوسف» المصرية النحاس باشا و هو يقود حافلة ترام، وفؤاد سراج الدين يتشعبط على سلم الحافلة ويسأل النحاس باشا: «منين طريق الوزارة؟» «فيجيبه النحاس باشا» «روح جامع السيدة زينب!» إنه جواب عادي، ولو أننا عرفنا أن النحاس باشا هو زوج سيدة كان اسمها زينب الوكيل، لفهمنا هذا التلاعب بالألفاظ، الذي جعل رسام الكاريكاتير واحداً من أشهر رسامي الكاريكاتير في العالم، وقد عطلت الحكومة مجلة «روز اليوسف» ثلاثة أشهر، عقاباً لها على هذا الرسم الكاريكاتوري، لكن الرسم بقي في الذهن، وأنا أذكره شخصياً ، فقد قرأته عند صدور العدد، وخمنت أن وراء الأكمة ما وراءها! ‏

ـ 3 ـ ‏

الفن الكاريكاتوري.. فن قديم ـ جديد، له إسهامات في إلقاء أضواء ساخرة على الحياة بمختلف أشكالها، ولهذا جدير بنا أن نمجده ونعلي شأن رساميه، ونعتبرهم أبطالاً مبدعين. ‏

 

air max 90 essential Classic

معرض الصور