رسوم مسيئة لليهود.. هناك فرق

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة المصري اليوم
الكاتب: 
أسامة هيكل

 

تجرأ رسام الكاريكاتير الفرنسي الشهير العجوز «سينيه»، ونشر رسما كاريكاتيريا يسخر فيه من نجل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، لأنه عاكف علي دراسة المذاهب اليهودية، تمهيدا لزواجه من سيدة يهودية ثرية، وبدا نجل الرئيس الفرنسي في الكاريكاتير انتهازيا.

و«سينيه» كان متزوجا من يهودية، وابنته أيضا يهودية.. ولكن كل هذا لم يغفر له أمام اليهود في العالم، الذين نظموا صفوفهم، وخططوا للإطاحة بهذا الرسام، واتهموه بمعاداة السامية، وأرسلوا له رسائل تهديد إلكترونية بالقتل.. لم يلتفت أحد من اليهود إلي أن فرنسا هي عاصمة الحرية وتعدد الثقافات.. ولكنهم أرادوا أن يجعلوا من حالة «سينيه» عبرة لمن لا يعتبر، والوصول لقرار رادع لكل من تسول له نفسه من الصحفيين والفنانين الآخرين مجرد ذكر شخص يهودي ـ وليس نبيا أو رسولا أو حتي رمزا دينيا ـ بسوء.. وبعد حرب خفية لعدة أيام، انتهي الأمر بقرار لرئيس تحرير صحيفة «شارلي إبدو»، التي نشرت الرسوم، بوقف التعامل مع «سينيه» بعد طول فترة عمله بها.

هكذا كانت القصة التي لم نسمع فيها أن اليهود خرجوا في مظاهرات هوجاء قتلوا بعضهم فيها انفعالا بالإساءة لليهود واليهودية، ولم يرفعوا لافتات تحمل عبارات التأييد لنجل الرئيس ساركوزي وعروسه الثرية اليهودية.. لم يطعنوا في القيادات اليهودية، لأنهم لا يتحركون لمواجهة الرسوم المسيئة.. ولكنهم تحركوا بهدوء وحكمة وعقل ونالوا هدفهم، ولقنوا الجميع داخل فرنسا وخارجها درسا.. فمن يجرؤ علي المساس باليهود، حتي ولو بحسن نية، يكن مصيره مثل مصير «سينيه» العجوز.

وأنا، مثل كل المسلمين، أتألم من الإساءة للرسول الكريم والإسلام والمسلمين.. ولكنني لا أقبل أبدا أن نتصرف بهمجية وحماقة وانفعال كلما خرج علينا تافه أو مخبول أو غاوي شهرة برسوم أكثر تفاهة منه.. فليس مطلوبا من الغرب أن يحب الإسلام والمسلمين، ولكن المطلوب أن يحترموا الإسلام والرسول والمسلمين.. والاحترام لن يأتي أبدا بتلك الطريقة العصبية والفوضوية التي نتصرف بها في كل مرة.. فنحن نستقبل الأمر دائما بموجات من الصوت العالي والجعجعة الفارغة، التي تنتهي دون أي جدوي، بل علي العكس ترسخ الشعور العام لدي الغرب بأن المسلمين همجيون ومتطرفون.. وبعد فترة تعاد نفس الرسوم مرة أخري في صحيفة أخري، فنثور بنفس الطريقة، ولا نصل إلي أي نتيجة.

والمسلمون كثر.. ١.٢ مليار نسمة.. واليهود قلة.. لا يتجاوز عددهم ١٥ مليون نسمة فقط.. ولكن تأثيرهم أكبر علي العالم، لأنهم يفهمون ويدرسون ويحللون ويخططون بدقة، وينفذون بمنتهي الدقة.. فتكون النتيجة تحقيق الهدف.. وقد تمكنوا من السيطرة علي العالم كله بهذا الأسلوب المنظم.. ونحن فاقدون للقدرة علي التنظيم، كما أن العالم الإسلامي ليس مجتمعا علي هدف واحد.

وفي الثمانينيات، خرج علينا كاتب إيراني الأصل اسمه سلمان رشدي لم يكن أحد قد سمع عنه، ونشر كتابا اسمه «آيات شيطانية»، وهو كتاب لم يقرأه معظم المسلمين، ولكنهم سمعوا أنه يسيء للإسلام والرسول، فثار المسلمون جميعا، وأحلوا دمه، وهاجمه الأئمة علي منابر المساجد لشهور طويلة.. ولكن الكتاب ظل متداولا، وبدا سلمان رشدي أمام الغرب علي أنه يدافع عن حرية الرأي والتعبير، فكفلوا له الحماية والأمن، وبات ـ بفضل رد الفعل الإسلامي الغاضب ـ أحد أهم الكتاب، لدرجة أن ملكة بريطانيا منحته وساما رفيعا.. وهو بذلك استفاد من رد الفعل الإسلامي الغاضب، وأصبح كاتبا مؤثرا من وجهة نظرهم، وقفزت مبيعات كتابه بشكل كبير، والفضل الأول والأخير للمسلمين.

ورغم وضوح الدرس، إلا أننا دائما لا نستفيد من الأخطاء.. فحينما خرج علينا رسام كاريكاتير تافه في صحيفة دنماركية برسوم مسيئة للرسول استاء منها الجميع وأنا منهم، ولكن الغالبية العظمي من المسلمين خرجت بنفس الحالة من الغضب والثورة، والتي ـ لم ولن ـ تؤد لأي شيء، فالرسوم أعيد نشرها مرة أخري في ١٦ صحيفة، وثرنا عليها مرة أخري بنفس الطريقة.. وكأننا مجرد جهاز يتحكم فيه أي كاتب أو رسام كاريكاتير من الخارج بالريموت كنترول.. والصحيفة التي تنشر هي التي تستفيد بزيادة مبيعاتها، والصحفي أيضا يكتسب شهرة لم يكن يحلم بها

المسلمون في حاجة لإعادة التنظيم.. فمن العيب أن يكون تأثيرهم سلبياً رغم عددهم الرهيب.. وليس عيبا أبدا أن نتعلم من أخطائنا.. كما أنه ليس عيبا أن نستفيد من الطريقة التي يتعامل بها اليهود في مثل هذه الظروف.. فالإسلام دين عقل ونظام وعمل، وليس دين انفعال وفوضي وغوغائية.

 

nike air max 90 trainers

معرض الصور