علي المندلاوي الرسام الذي ما زال يحلم بمدينة أطفال

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
الكاتب: 
خالد جمعة

 

ناعم وأنيق، حينما تتحدث اليه للمرة الاولى ستكتشف انك تعرفه منذ زمن بعيد ؛ منذ أن كنت طفلاً، علي المندلاوي الفنان الذي احترف الرسم منذ أن كان صغيراً

، حتى الآن يحلم بمدينة للأطفال في العراق. *عملت مدة طويلة في دار ثقافة الاطفال، ما الذي أضافته تلك التجربة إليك؟ ـ (دار ثقافة الأطفال) كانت مؤسسة تعنى بثقافة الطفل العراقي والعربي وتصدر عشرات الكتب، فضلاً عن إصدارها المجلتين الاساسيتين: (مجلتي) التي صدرت عام (1968) و(المزمار) التي كانت ولمدة طويلة مجلة موجهة للاولاد والبنات من المرحلة العمرية (12ـ18 ) سنة ، كنت في العاشرة عندما صدرت (مجلتي) وكنت مهووساً بكل ما كان يصدر من صحف وكتب ومجلات للأطفال وايضاً بالرسم، وبعد عامين من صدور مجلتي قصدت مبناها وفي حوزتي مخطوطة مجلة كتبتها ورسمتها بنفسي واخترت لها أسم الشخصية التلفزيونية الشهيرة (عبوسي)، أسلوب رسمي واعدادي للمجلة اعجب كتاب ورسامي ”مجلتي “، حتى أن كبير رساميها "طالب مكي" طلب الاحتفاظ بها لعدة أيام، وبطبيعة الحال أجروا لي لقاءً ونشروا بالصور الملونة التحقيق الذي فرحت به كثيراً، طالب مكي وبعد ان عدت بعد ايام هنأني على شغلي في عبوسي وطلب مني الاستمرار في الرسم ومراجعة (القسم الفني) في مجلتي فيها بعد ان تلقيت منه ملاحظات دقيقة وثمينة في اسلوب الرسم وطريقة التلوين وكانت تلك أول الدروس التي اتلقاها في مجال الرسم للاطفال وهكذا أصبحت ”مجلتي “ مدرستي الاولى وطالب مكي استاذي الاول، بسام فرج وفيصل لعيبي وصلاح جياد ومؤيد نعمة وعصام الجبوري وضياء الحجار واخرون كانوا مجموعة من الفنانين الماهرين في رسم القصص الهزلية والرسوم الاخرى التي كانت تتضمنها المجلة وهؤلاء غمروني بالمحبة والاهتمام والتوجيه.بعد عامين من تلك الزيارة والزيارات المتكررة الاخرى قبلت كمتدرب على الرسم في المجلة، وخلالها وجدت اهتماماً فائقاً وتوجيهاً رائعاً لكي أكون رساماً محترفاً في مجال الرسم للاطفال، وفي تلك الفترة قبلت كطالب في (معهد الفنون الجميلة ـ بغداد) الذي اصبح مدرستي الثانية ولكن في تعلم أساسيات كل الفنون التشكيلية، وبعد انتهاء فترة التدريب تم قبولي كرسام محترف يتقاضى راتباً شهرياً من المجلة ، وكان الشاعر (مالك المطلبي) رئيس تحرير المجلة، وهو الذي أستثناني من شرط عضوية حزب البعث بتدخل قوي من الفنــان (صــلاح جياد ). أستطيع ان أقول اليوم أن خيالي والكثير من تقنيات الرسم و تقنيات حرفة الرسم الصحفي للاطفال والبالغين ورسمي للكاريكاتير التي طبقتها واضفت اليها خبرة اولئك الفنانين الكبار الذين لم يبخلوا علي بمعارفهم وملاحظاتهم وتوجيههم السليم، كما ان المناخ نفسه واهتمامات الفنانين ومعرفتهم واطلاعهم الفني الشامل (موسيقى، سينما ،….) أضـاف الي الكثير. *هل يمكن القول أنك بقيت حبيس الصحافة، أم أن اعمالك الفنية ساحتها الصحافة فقط؟ ـ لم أشعر يوماً خلال عملي الطويل في الصحافة بأني حبيس، صحيح ان هناك أوقاتاً يتملكني فيها شعور بالضيق لكن هذا الشعور لم يكن سببه عملي او ممارستي للعمل الصحفي بل النظام الاستبدادي التسلطي الذي كان يكتم انفاسنا واحلامنا وأحيانا حياتنا، كنت وما أزال أمارس حريتي الكاملة في عملي الصحفي المتعدد الألوان ، فتارة أرسم لصحف الأطفال ، وأخرى لكتبهم وفي أحيان أخرى انظم فعاليات فنية لهم، وبين هذا وذاك ، ارسم الكاريكاتير بالشكل الذي يناسب أسلوبي، في أوقات أخرى اكتب لنفسي او للصحافة، وارسم اللوحة ولي معارض ومشاركات دولية في هذا الحقل، في أحيان أخرى من اليوم أقرأ واتابع الاخبار السياسية والعامة فضلاً عن اهتمامات اخرى تغني عملي الصحفي والفني وتلون حياتي. *معظم رسامي الاطفال أمتهنوا فن الكاريكاتير فيما بعد، ما علاقة هذا بذاك ، وما معنى الكاريكاتير الذي يتعامل به فنك؟ - بدأت كما ذكرت سابقاً- رساماً متخصصاً ومولعاً بصحافة الطفل، لكن دراستي للفنون التشكيلية أكاديمياً فتحت أمامي أفاقاً واسعة وتركت تأثيراتها الايجابية على ما كنت أرسمه للطفل ايضاً، وفي اعتقادي فأن من يمتلك ناصية التلاعب من خلال المبالغة بهيئة الناس والاشياء بالطريقة المتبعة في رسوم صحف الاطفال وكتبهم، وما يرسم لأشرطة الرسوم المتحركة، ويمتلك الخيال الجامح في هذا المجال مؤهل لكي يرسم الكاريكاتير ايضاً، لكن لكل من هذين الاتجاهين أعدادها الفكري والفني، والتكوين الشخصي (المعرفي والتقني) الخاص بهما. في العام الاول من دراستي في معهد الفنون الجميلة عرضت مجموعة كبيرة من رسوم الكاريكاتير وكان موضوعها تأميم النفط في العراق، وفي الفترة نفسها كسرت قاعدة الرسم الأكاديمي الذهبية التي كنا على أساسها نتعلم الرسم في المعهد عندما رسمت (الموديل) بالاسلوب الكاريكاتيري، وهو ما باركه أستاذ الرسم لايمانه بأن هذا الاختصاص نادر في بلادنا ولا بأس من تشجيع الطلبة على سلوك هذا الدرب. أورد هذه المقدمات لأصل الى معنى الكاريكاتير في ما أرسم من فن، فالكاريكاتير ليس له مفهوم محدد ومطلق عندي، في الكاريكاتير مواصفات أهمها المبالغة (تصغير ، تكبير)، هذه الصفة استعيرها من رسم الشخصيات التي أختارها ولكن لكل رسام طريقته في اختيار ( الجرعة) التي يراها مناسبة (في نظره) من المبالغة للوصول الى النتيجة التي يتوخاها، أيضا هناك جانب من السخرية في الكاريكاتير، لكني في رسومي للشخصيات في الغالب أعمل العكس لكي أضفي تقديرا واحتراما على من أرسمهم، ومن أرسمهم (في الغالب) ايضا يستحقون ذلك، الصفة الثالثة في رسومي التي تنتمي في بعض جوانبها للكاريكاتير هي الميزة الفنية التي أسبغها عليها فهي اقرب الى اللوحة من الرسم الكاريكاتيري الصحفي ، وهذا أمر اتفق عليه الكثيرون. *هل تعتقد بوجود وظيفة اجتماعية لفن الكاريكاتير غير الابتسامة الساخرة، التي لها وظيفة تنفيسية فقط؟ ـ في صناعة (الضحك) جانب اجتماعي على قدر عال من الاهمية، هذا فيما عدا التأثيرات الصحية للضحك التي لا تقدر أهميتــها الإيجـابية على الناس وحياتهم. أرى ان الوضع الطبيعي للبشر هو أن يكونوا سعداء ومرفهين، وأن تكون فاكهة موائدهم في كل الاوقات الضحك، لهذا لا استطيع ان اقلل من اهمية الرسوم الكاريكاتيرية التي تهتم بالمفارقة، وترسم الابتسامة على وجوه الناس، فالحالة الطبيعية للبشر في خيالي هي حالة الانبساط والسرور، وليست الكآبة والحزن، واعتبر فناناً كشارلي شابلن الاكثر أهمية وفائدة للبشرية من الذين يتوسمون الحزن والفقدان، وفي رسام الكاريكاتير صفة (صانع الضحك) وان كان البعض يصنع الكوميديا من جانب معتم، (الكوميديا السوداء) في الرسم الكاريكاتيري جانب على درجة عالية من قوة الكشف وان كان من زاوية نقدية ساخرة ترقى باعتقادي الى الفلسفة، ولا شك ان الحياة الاجتماعية للانسان لها الحصة الاكبر من اهتمام رسامي الكاريكاتير،فهي مادة دسمة فيها مفارقات لا تعد ولا تحصى كالحب والزواج والصداقة والنفاق ... *ما الذي يستوقفك في: مؤيد نعمة، ، عبد الرحيم ياسر،و ضياء الحجار؟ ـ يستوقفني في مؤيد نعمة ثراء أفكاره، وخصوصية خطوطه النظيفة المنمقة كشخصه، وايضا خياله الجامح، وقدرته الفنية العالية في معالجة رسومه ومنحوتاته تقنياً. أما عبد الرحيم ياسر فأنه قدير في استخلاص نتائج فلسفية عميقة من أفكاره التي يترجمها الى رسوم مختزلة على قدر عال من الجمالية. لضياء الحجار قدرة وطاقة مهمة على الرسم، والغمز من قناة النقد الساخر للظواهر الاجتماعية والسياسية، ولكن بأسلوب اكثر مباشرة من نعمة وياسر، وهذا برأيي لا ينتقص من أهمية أعمال الحجار، فهذا أسلوب وذلك أسلوب، والكل في النتيجة كاريكاتير. *رسمت بورتيرتات كاريكاتيرية لشخصيات عدة، تلك الرسوم سببت لك مواقف محرجة، حدثني عنها؟ ـ هذا صحيح، وأول هذه الاحراجات كانت في معرضي (وجوه من الداخل) الذي أقمته في عام (1986) على قاعة (الاورفلي)، في ذلك المعرض اخترت شخصيات كانت لها تأثيراتها الواضحة على الثقافة العراقية والعربية كالسياب والبياتي وجواد سليم وناظم الغزالي وعبد الله كوران وطه باقر …وآخرين، وكان للمعرض صدى طيب في الوسط الثقافي والعام، ولم أتوقع أن أجد من يلومني (من المبدعين) العراقيين على عدم اختياره ضمن تلك المجموعة !!، وهذا ما حصل وإن كان بطريقة غير مباشرة!، الاحراج الثاني كان في احتجاج البعض على حدة الجانب النقدي في أسلوب رسمي لهم، ووصلني خلال أحدى دورات (مهرجان المربد) غضب واحتجاج الشاعر( عبد الرزاق عبد الواحد) على أحد رسومي التي تناولته فيها، الى درجة انه صرح بأنه سيرفع شكواه الى صدام نفسه فسارع صديق كان حاضراً في المجلس ونقل الي ما جرى معرباً لي عن خوفه علي اذا وصل الامر الى مسامع (الرئيس) خاصة وأن عبد الواحد شاعره الاثير، وقد عرض علي صديق أن أغادر البلاد على عجل، لكني سعيت الى عبد الواحد في فندق (ميليا منصور) مقر اقامة الشعراء في المهرجان وكان عبد الرزاق وقتها مديراً للمؤسسة التي كنت أعمل فيها (دار ثقافة الاطفال)، فلم يتمالك نفسه وأعتذر عما بدر منه من غضب. صديق للدكتور (علي الوردي) بعث الي برسالة كانت بدايتها وداً وأعجاباً ونهايتها احتجاجاً وتحذيراً من مغبة رسم شخص الدكتور الوردي بالطريقة التي تناولته بها، صديق كاتب اطلع على رسالة (صديق الدكتور)، مطلع على أسلوب كتابة الوردي، أكد لي بأن الرسالة تعود الى الوردي نفســه وليس لشـــخص آخر. *أخيراً كأن الطفل الذي في داخلك لا يريد أن يكبر، ما الذي يرضيك وما الذي لا يرضيك؟ ـ سأحصر سؤالك بالجانب الفني والبصري (التشكيلي) الذي يتعلق بعملي واختصاصي الدقيق تحديداً ،وفي حدود بلدنا المنكوب العراق، وما يمكن أن يرضيني ضمن هذا الاطار هو أن أجد الامكانيات والاليات التي أستطيع بها ومن خلالها أن أخدم شعبي وبلادي وأفكاري الفنية والثقافية، في ذهني الكثير من الافكار والمشروعات التي تدور في نطاق عالم الطفل والصحافة والفن، ولأن البلاد في طور التشكيل والتأسيس فأن الصعوبات بالغة في ايجاد مثل هذه الأرضيات في الوقت الراهن وتحقيق ما في الذهن من مشاريع؛ كحدائق خاصة بالطفل صممت نموذجاً لها، وكمدينة العاب (والت دزني)، وايضـاً مركب ثقافي اجتماعي وضعت فكرته وتصاميمه بناء على تجاربي وعملي في مرافق مشابهة في تونس وهولندا والأردن والمانيا

 

nike air max 1 custom

معرض الصور