علي فرزات: قتلت الشرطي في رأسي ورسمت

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع إسلام أونلاين
الكاتب: 
وحيد تاجا

 

يرى رسام الكاريكاتير السوري الشهير "علي فرزات" أن اللوحة الكاريكاتيرية أصبحت تحمل قيمة اللوحة الفنية التشكيلية، ومن ثم أصبح لها صفة الخلود. ولكن الرسم الكاريكاتيري لفرزات يتجاوز القيمة الفنية ليحمل أبعادا اجتماعية وسياسية، بل ورؤية للكون والحياة، وفي حواره مع "إسلام أون لاين.نت" يؤكد أن الكاريكاتير -من وجهة نظره- لا يمثل مدرسة الفن من أجل الفن؛ لأن الكاريكاتير يلعب دورا تنفيسيا عندما يلامس المشكلة من الخارج فقط، أما الكاريكاتير التحريضي فهو الذي يضع عبوة ناسفة في جذور المشكلة.

ويرى فرزات أن استخدام الفنان الدائم للرمز قد يسبب إرباكا للفنان الذي يضطر لأن يبحث له باستمرار عن موقع إخراجي؛ ولذا جاءت أعماله الفنية "منولوج" بين العمل والمتلقي نفسه، فرسوماته حوار مستمر بين شرائح اجتماعية مختلفة، مثل العلاقة بين رجل الشرطة والمواطن، لكن أبرز ما طرحه فرزات في حواره أنه كفنان قتل الشرطي أو الرقيب القابع في رأسه وأخرج فنه للناس.

نص الحوار

التناقضات..

* ما هي أهم المؤثرات التي دفعتك باتجاه فن الكاريكاتير؟

- رسام الكاريكاتير لم يأت من الفضاء، فهو ابن بيئته، وكل ما حوله يزوده بمقومات اللوحة الكاريكاتيرية، سواء السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، والوطن العربي في حد ذاته هو لوحة كاريكاتيرية تمتد من المحيط إلى الخليج، فالإنسان على أرض هذا الوطن يعيش تناقضات اجتماعية، وسياسية، وسلوكية؛ وحتى هذه لا تنتمي إلى مكان أو زمان معين، فلها امتدادات تاريخية، وغالبا ما تستمر مستقبليا كذلك إذا بقيت الأمور كما هي.

فبدءا من السلوك وعلى مستوى العائلة نجد مثلا أن الأم تطلب من ابنها التحلي بسلوك الفضيلة، بينما نجد الأب يطالب ابنه أن يصرف زائرا غير مرغوب فيه، ويقول له: إنه غير موجود (أي الوالد)، المسألة تبدو هنا غاية في البساطة، ولكنها تحمل في طياتها أبعادا كثيرة في نفس الطفل الذي يقع في تناقض أخلاقي يحمله معه إلى المستقبل، ويمارسه فيما بعد بطرق مختلفة، وهكذا نرى الفرد الذي ربما يصبح في يوم من الأيام مسئولا سياسيا أو اجتماعيا، في رأيك ماذا سيصدر عن هذا الإنسان الذي شوهته التناقضات منذ طفولته؟

مثال آخر ذلك الإنسان الذي يرفع شعار الحفاظ على البيئة، ونحن لم نسمع حتى الآن بأن حيوانا ثقب طبقة الأوزون، وبصراحة لم نشاهد مجموعة من الذئاب أو الضباع شنت حروبا أعنف وأشرس من تلك التي شنها الإنسان وأباد فيها الشعوب، يأتي ويخترع الديناميت، ومن ثم يعمل جائزة "نوبل للسلام"!!

ولعل أوضح مثال على التناقضات التي يعيشها الإنسان العربي تلك الشعارات التي تطرح في كل مرحلة، فما كان خيانة بالأمس أصبح أكثر الشعارات وطنية في مرحلة لاحقة، والأمثلة كثيرة ومعروفة لدى القارئ، هذه المفارقات لا يمكن أن يلتقطها أو يعبر عنها إلا فنان الكاريكاتير بحكم تكوينه، أو دقة ملاحظته ووعيه وثقافته، وهي كافية؛ لأن تشكل له ذخيرة لا تنضب.

* متى نشرت أول رسم كاريكاتيري في الصحف؟

- إن أول رسم لي استقيته من دهّان أتى ليطلي جدران منزل العائلة، وكان يتلهى أثناء فرصة غدائه برسم صور بشرية على الحائط بقلم خشبي، وقد انتزعتني تلك الوجوه من حالة ساكنة في داخلي إلى حالة فاعلة مشرقة، حيث كنت أحمل الفحم من المنقل لأكرر تلك الرسوم على جدران الحي، أو على معاملات الناس التي كان أبي يحملها معه إلى المنزل.

أما أول رسم ظهر لي على الصحف فكان في المرحلة الإعدادية، وعمري لا يتجاوز الرابعة عشرة، يومها أرسلت إحدى الرسوم إلى (صحيفة الأيام)، والتي كانت تصدر في دمشق في أوائل الستينيات، وكانت الرسمة تتناول بالتعليق على اتفاقية (1 نيسان) والانسحاب الفرنسي من الجزائر، فنشرتها الجريدة، وفوجئت عندما أرسل لي رئيس التحرير (نصوح بابيل) رسالة يدعوني فيها إلى مقابلته من أجل بحث إمكانية التعاون في مجال الكاريكاتير، ولم أذهب يومها خشية أن يسألني أين أبوك، ويظن أنني ابن الرسام ولست هو شخصيا، لكن هذه الواقعة شجعتني كثيرا على مواصلة الرسم في هذا الاتجاه.

وبعد حصولي على البكالوريا سافرت إلى دمشق للعمل في الصحافة والانتساب إلى كلية الفنون الجميلة، ولم أستطع يومها أن أعمل بسهولة، وبقيت عدة أشهر أسكن مع صديق في غرفة صغيرة؛ فيها سرير واحد، وكان صديقي ينام في الليل، وأنام أنا في النهار، وقد أفادتني هذه التجربة كثيرا في حياتي العملية فيما بعد، والطريف أنني عندما كنت أذهب لبعض المجلات لمقابلة رؤساء التحرير كي أعرض عليهم رسوماتي، كان البواب هو الذي يحسم الأمر ويقرر رفضي دائما.

وأذكر أنني ذهبت ذات مرة إلى مجلة "الجندي" فقابلني البواب، وطلب رؤية رسوماتي، وبعد أن أخذهم وقلبهم قال: رسوماتك حلوة، لكنني لم أفهم منها شيئا، وأضاف: "بصراحة يوجد لدينا رسام، ولسنا بحاجة إلى رسام آخر، يمكنك أن تبحث عن عمل في محل آخر أو دكانة ثانية.. هذه الحادثة جعلتني كلما أمر بجانب جريدة أو مجلة أو دائرة حكومية فأرى شخصا قرب الباب ينتابني شعور أنه الوزير أو المدير أو رئيس التحرير.

الكاريكاتير= المبالغة

* ما هو مفهوم الكاريكاتير من الناحية الشكلية والفنية؟

- الكاريكاتير عبارة مشتقة من اللاتينية وهي (كاريكيرة) أي المبالغة، ومن هنا جاءت تسمية الكاريكاتير فيما بعد على أساس أن المبالغة هي المقياس الأساسي لفن الكاريكاتير؛ لذلك نلاحظ أحيانا أن هناك رسومات كثيرة تعتمد فقط على الناحية الشكلية بالرسم، كرسم الوجوه مثلا بشكل كاريكاتيري لا يوجد فكرة وإنما رسم شكلي فقط لإنسان معين، يكون شكله فيها طويل الأنف، أو عريض الوجه... إلخ

الكاريكاتير يحاول تضخيم الأشياء الظاهرة، أو العيوب البارزة، ويبالغ فيها... وفيما بعد تطور مفهوم الكاريكاتير ليشمل المبالغة بالشكل والمضمون أيضا.

وللكاريكاتير جذوره الفنية التي تتداخل فيها القضايا السلوكية والنفسية مع المشاهدات الواقعية، فهناك مزج بين الواقع الذي يعيشه الإنسان، والحالة النفسية التي يشعر من خلالها بهذه الوقائع ويفسرها بالطريقة التي يراها مناسبة.

* هل نستطيع القول إن فن الكاريكاتير هو أحد فروع الفن التشكيلي أو على الأحرى هل يمكن اعتباره فنا أكاديميا؟ بمعنى: هل يكفي إذا تعلم أحدنا الرسم أن يصبح رساما كاريكاتيريا؟ أم أن هناك مواصفات لابد لفنان الكاريكاتير أن يتمتع بها؟

- الكاريكاتير لا ينفصل عن الفن التشكيلي بشكل عام، بعكس اعتقاد البعض ألا علاقة له بالفن التشكيلي، وفن اللوحة، والمدارس الموجودة بالفن (الواقعية، والتعبيرية، والانطباعية)، فالكاريكاتير مشتق من المدرسة التعبيرية، وهو أحد المذاهب المعروفة في الفن التشكيلي، ومن المعروف أن فن الأسلوب التعبيري نفسه يسمح بشيء من المبالغة، وبالمناسبة فإن المدرسة التعبيرية هي مدرسة مبالغ فيها نسبة لبقية الفنون والمذاهب، والكاريكاتير مشتق من التعبيرية ومبالغ فيه بشكل مضاعف.

ويلاحظ هذا مثلا في لوحة الفنان (غويا) عندما رسم لوحته المشهورة للعائلة المالكة في إسبانيا، فقد كانت ملامح الوجوه تحوي الكثير من المبالغة، وتجسد حالة الغباء اللامتناهي، وكانت تضم أيضا الكثير من النياشين والزخارف، وعندما اكتشفت العائلة المالكة هذه المعاني من خلال أشخاص آخرين لوحق (غويا) وطرد.

بالنسبة للشق الثاني من السؤال فلا يستطيع أي فنان أكاديمي طبعا أن يصبح رساما كاريكاتيريا، فرسام الكاريكاتير له طينة خاصة به.. وصفات خاصة، فمن الممكن أن يصبح الإنسان العادي رساما إذا درس قواعد الرسم.. ولكن ليس بالضرورة أن يصبح فنانا.. إذ إن المعنى هنا أعمق، ولكن لا بد للفنان الكاريكاتيري أن يعرف الرسم الأكاديمي حتى يستطيع أن يتقن الحركة، كالتشريح الصحيح للجسم؛ وهذه تعتبر أبجدية لفنان الكاريكاتير، إذ لا يستطيع فنان الكاريكاتير عمل لوحة مقنعة لإنسان مثلا من خلال حركته وتعبيراته إلا إذا أتقن معرفة فيسيولوجية الوجه، وحركة الجسم...

لنفرض مثلا أنني أريد رسم ملامح لشخصية معينة فيها بعد اجتماعي معين.. إنسان ذكي أو مسئول... أو... إلخ، كيف يمكنني أن أوصل للقارئ الحالة الاجتماعية التي بذهني إذا لم أكن أعرف أبجديات الرسم وقواعده؟ فالشكل الفني للوحة يساعد على توصيل الفكرة والمضمون بشكل صحيح.

أما إذا كان هناك تناقض ما بين الفكرة والشكل فلا يمكن أن يكون هناك توصيل صحيح أبدا، ولربما تنقلب الآية والمقصود.

العرب.. والكاريكاتير

* الكاريكاتير في الوطن العربي قياسا بالكاريكاتير في العالم.. أين يمكننا أن نصنفه من حيث الطرح.. المضمون.. الشكل؟

-    للكاريكاتير في الوطن العربي جذوره التي تمتد في عمق التاريخ، إلا أنه كباقي الفنون يحتاج دائما إلى ثقافة ووعي، إضافة إلى التقنيات العلمية التي ينفذ بها، كالأدوات الفنية أو التقنية أو حتى الطباعية، وهو ما زال في هذه النواحي متخلفا بعض الشيء.

فكما هي العادة أننا نصدر للخارج الخامات والتراث... وما تحتويه هذه الكلمة من مضامين، ونستوردها مرة أخرى من الخارج ضمن قوالب أسلوبية وتقنية، حتى مضامين فكرية، ونبدأ في مسألة التقليد المصنع لأفكارنا المصورة، حتى إننا أصبحنا كمن يصدر رءوسا بشرية لتفرغ من الداخل، وتعبأ من جديد بعقول ببغائية، ونطلق على أنفسنا بعد ذلك صفات متعددة من الإبداعات والابتكارات، على أننا لم نأت بشيء ذي صلة بوعينا وبما صدرناه بالأصل، وأصبحنا مثل الزجاجات الفارغة التي يمكن أن تعبأ بمختلف المواد، وليس لنا حتى صفة مستقلة.

طبعا في كل الأحوال لابد من الاستثناءات حتى نكون عادلين، لكن هذه الاستثناءات لا تشكل قاعدة عامة، وهذا ما ينطبق على كل شيء بدءا من الحذاء وانتهاء بالفكر، فعندما نجد في كل أنحاء العالم مجموعة من كبيرة من رسامي الكاريكاتير تمتاز بالنوعية، وهي من ناحية الكم لا يستهان بها أبدًا، وفي المقابل لا نجد في وطننا العربي إلا الكم الكبير والنوعية السيئة، ففي كل معرض أو مهرجان يقام تفاجأ أن عدد المشاركين من الدول العربية لا يتجاوز الشخصين أو الثلاثة في أحسن الأحوال، بينما نلاحظ أنه ومن دولة واحدة فقط يشارك ما لا يقل عن عشرة فنانين، وهذا بعد الغربلة.

ويدل هذا على أن هناك مجموعة من الرسامين المنفذين فقط، ليس لهم صفة المبادرة في اختيار الموضوعات وطرحها من خلال الصحف والمجلات، بينما يتمتع الكاريكاتير في الدول الغربية بنسبة كبيرة من الحرية والديمقراطية في طرح الموضوعات المختلفة، لكننا لا نرى الشيء نفسه في وطننا العربي.

وفي اعتقادي أن كل الأمور الحياتية التي يعيشها أي مواطن بدا من ممارسته الأعمال الدنيوية، وانتهاء بممارسة الفكر مترابطة حضاريا، ويمر بها خيط يصلها جميعا ببعضها البعض، فلا يتم شيء على حساب شيء آخر، فعندما يكون هناك علماء ومفكرون، وحضارة فكرية وفنية واسعة، فإننا نستنتج بالمنطق أن نظام السير في ذلك البلد لا بد أن يكون سليما.

في الوطن العربي تجد من يضاهي كبار المفكرين والمبدعين بقدراته الذهنية وإبداعاته، إلا أن هناك مئات الحواجز التي تعيقه عن ممارسة إبداعه وعطاءاته، هذا إذا لم يتهم بالخروج عن القيم والتقاليد الاجتماعية المختلفة التي خرج منها ليطرح البديل الأفضل، وغالبا ما ينكفئ على ذاته أو يحزم حقائبه ويتجه إلى الأرض التي تساعده على تطوره.

الخروج من الوطن يكون أحيانا بشكل مجازي، وهو أن يبحث الفنان عن قنوات عالمية تنقذه من ضائقة المحلية، سواء أكان ذلك بإقامة المعارض بالخارج، أو لفت نظر الصحف العالمية بما يقوم به من أعمال خارجة عن المألوف المتبع لدى الكثير من الفنانين، وبالتالي فإن كل فنان حقيقي نشأ من بيئة ووسط اجتماعي معين، ثم حافظ على التزامه تجاه بيئته تلك، فسيجد نفسه منطلقا من المحلية إلى العالمية، بحيث تصبح همومه البيئية هموما عالمية تلامس عقول ومشاعر الناس في كل مكان من أنحاء العالم.

الترميز.. المباشرة

* هل الكاريكاتير الناجح هو ذلك الذي يعتمد على الرمز أم المباشرة؟

- عندما يلجأ الكاريكاتير إلى الرمز فلا بد أن هناك أسبابا وراء ذلك، هذه الأسباب لها الصفة الإيجابية في موقع ما، وأيضا لها الصفة السلبية في موقع آخر، فمثلا في بلد متقدم يستخدم رسام الكاريكاتير فيه الرمز، فهذا من دواعي التقدم الفكري، والبعد الذهني لدى الرسام والمتلقي.

وعندما يستعمل الفنان الرمز في الدول التي تقمع الفكر وتخشاه، فإن ذلك لتمرير بعض القضايا التي لا يستطيع تمريرها بشكل ظاهر، صحيح أن المتلقي في هذه الدول ليس على نفس الدرجة من الوعي والقدرة على التعامل مع الرموز، ولكن استمرار الوضع يخلق عنده نوعا من القدرة على قراءة الرمز الذي يعنيه الرسام أو ذاك بالتحديد.

ويلعب الرمز كلمة السر بين الرسام والمتلقي، وفي كلتا الحالتين يكون الرمز في الكاريكاتير هو السيد دائما، والذي يصبح فيما بعد أمرًا لا يمكن الاستغناء عنه من الطرفين؛ لأن في ذلك تقديرا واحتراما كبيرين من الرسام يقوم بهما تجاه عقل القارئ في إعطائه فرصة للبحث في العلاقات والرموز، ولا أقصد هنا الطلاسم وقراءتها والاستمتاع بالاكتشاف.

* عرف فن الكاريكاتير بأنه فن ساخر، فهل نستطيع القول إن هدفه الإضحاك فقط أم أن هناك أشياء أعمق من هذا؟

- المعروف أن السخرية من شيء ليس مقصود بها دائما الإضحاك، فهناك السخرية المرة، وهناك السخرية السوداء، وهنالك السخرية من أجل الإضحاك. لكن رسام الكاريكاتير الملتزم بهموم الناس، لا يعقل أن يجعل هدفه الإضحاك من أجل الإضحاك الذي يكون وسيلة وليس غاية، وهو جسر يصل القارئ ما بين الضحكة والألم أحيانا، وباعتبار أننا نعيش على جزء من العالم تصادفنا الابتسامات فيه مصادفة، فلا يمكنني - بالطبع - أن أتفرغ لمسألة الضحك فالمجازر، والمذابح، والقمع، والإرهاب التي تمارس فوق أرض هذا الوطن لا يمكنها أن تضحكنا. ويمكن القول إن الكاريكاتير يلعب دورا تنفيسيا عندما يلامس المشكلة من الخارج فقط، أما الكاريكاتير التحريضي فهو الذي يضع عبوة ناسفة في جذور المشكلة.

الكراسي.. والمراثي

* تتمحور معظم أعمالك حول ثلاثية: (القمع - الخطابات - الكرسي)؟

- هذا هو الهرم الذي يشكل السياسة الأساسية في حياتنا، فقد زرع التاريخ الكبير للقمع في هذه المنطقة شرطيا في رأس كل مواطن، لكنني قررت أن أقتل هذا الشرطي في رأسي وأرسم، أما مسألة الخطابات فتاريخنا العربي النضالي كله شعر ومعلقات وخطابات، وإلا ما الذي أوصلنا إلى هنا إلا الكلام الكثير والفعل القليل؛ فأنا أنتقد أن يكون الكلام على حساب الفعل، ورسوماتي تخاطب هموم الإنسان وقضاياه بشكل عام؛ لأن الإنسان.. إنسان أينما كان وفي كل زمان ومكان، وأنا مصمم على التركيز في أعمالي على الظلم.. والقمع.. والبيئة.. والخير.. والجوع.. والفقر.. تلك الأشياء التي تستطيع أن تستنبط من خلالها مفردات وعلاقات إنسانية، وهذه العلاقات ليس لها مكان أو زمان، وبالنتيجة نحن نبحث عن حل فيه شيء من الحب، وشيء من المحبة بين الناس من خلال رفضنا للأشكال الأخرى الظالمة التي تمارس ضد الإنسان وضد الإنسانية بشكل فاضح.

* يلجأ بعض رسامي الكاريكاتير إلى استخدام رمز لشخصية مميزة في أعمالهم مثل "حنظلة" ناجي العلي، ما رأيك؟

- حياتنا مليئة بالرموز، وكل إنسان منا أصبح رمزا في هذه الحياة فما معنى أن تضيف رمزا آخر، وبرأيي أن فكرة العمل في حد ذاتها تحمل قيمة الرمز الذي تحمله هذه الشخصية، ومن الناحية الشكلية فإن الرمز الدائم قد يسبب إرباكا للفنان الذي يضطر لأن يبحث له باستمرار عن موقع إخراجي، وبالتالي سوف يأخذ من فكرته الأساسية ويشتته، وقد يكون هذا الاستخدام حلا في اللوحة التي تحتوي على عبارات، فهذا يقول كذا، والرمز يقول عبارة مناقضة حتى يحصل المونولوج، ولكن في أعمالي فإن المونولوج بين العمل والمتلقي نفسه.

ورسوماتي حوار مستمر بين شرائح اجتماعية مختلفة، مثل العلاقة بين رجل الشرطة والمواطن، وبالتالي فإن حوار الشرائح الاجتماعية المرمز لا يحتمل أن يتضمن شاهد رمز، كحنظلة عند الرسام الراحل ناجي العلي.

* ما الذي دفعك مؤخرا إلى استخدام الألوان في أعمالك؟

- راودتني فكرة الرسم بالألوان منذ سنوات عديدة، فاستخدام اللون في اللوحة الكاريكاتيرية يمثل لي تحديا يوميا؛ لأن لكل لون عدة احتمالات وتفسيرات ترتبط بالحالات الإنسانية المختلفة، وقد بقيت مترددا فترة طويلة عن الخوض في هذه التجربة خوفا ألا أستطيع الوصول باللون إلى نفس المستوى من إيقاع الأسود والأبيض في اللوحة، مما سيقلل من أهميتها في أذهان الناس، وبقيت أعمل أكثر من سنتين كي أصل إلى عجينة من الألوان تحمل قيمة تعبيرية تخدم فكرة الموضوع، ولا تبقى مجرد تزيين أو تجميل، وقد سررت جدا من النتيجة؛ لأن المتلقي تفاعل مع هذه الأعمال وعلقها في بيته، وأصبحت اللوحة الكاريكاتيرية تحمل قيمة اللوحة الفنية التشكيلية؛ أي أصبح لها صفة الخلود.

 

nike free run 5.0 online

معرض الصور