فرزات : الكاريكاتير الخالي من الإبداع .. منزوع الدسم


قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة أوان - الكويت
الكاتب: 
عاصم جمول

فنان قل نظيره، يرسم بريشته فيخلق رصاصة ترعب الفساد والمفسدين، يرسم مرة أخرى فيجسد هموم المواطن العربي ومشكلاته على امتداد الوطن، أطلق صحيفة الدومري في العام 2001 وكانت أول صحيفة ساخرة خاصة في سورية لكنها لم ترق لأصحاب القرار فأصدروا قرارا بإغلاقها بعد عامين ونصف على صدورها، فجّر عدده الانتحاري في قلب دمشق بعد أن منعوا صحيفته من الصدور، فأعلنوا ضده حربا لا تزال مستمرة حتى الآن. يحمل على عاتقه الشأن العام فيتهمونه بأنه (يحمل السلم بالعرض)، يرى أن الكاريكاتير فن يحمل قيمة نبيلة ويعبر عن هموم ومشكلات الإنسان أينما كان، جوائزه كثيرة جدا وهو الفنان الذي كرم في مدينة مورج السويسرية كواحد من أهم خمسة رسامي كاريكاتير على مستوى العالم.

«أوان» التقت الفنان علي فرزات في حوار مطول تناول جوانب عدة شملت فن الكاريكاتير وتجربة صحيفة الدومري السورية الساخرة:

{ هل ترى أن الكاريكاتير لا يزال يجذب القراء كما كان سابقا؟

- بالطبع ، فالكاريكاتير يجمع كل مواصفات الجذب كأهمية المواضيع التي يطرحها والطرافة في طرح هذه المواضيع بالإضافة إلى انتشاره الواسع في الأوساط الجماهيرية، فهو لايزال يحظى بالدرجة الأولى من اهتمام الناس. عندما يشترون الصحيفة أو المجلة سرعان ما يفتحون على الصفحة التي تحوي الكاريكاتير، وقد أجرت صحيفة محلية كنت أعمل فيها استفتاء بين طلاب الجامعات وشرائح اجتماعية أخرى فوجدوا أن الكاريكاتير يحظى بالاهتمام الأول لدى القراء.

{ الكاريكاتير يقوم على فكرة مركزية، يعبر عنها الفنان بلمحة ذكية وساخرة، هل تتعثر أحيانا في الوصول إلى هذه اللمحة أو اللقطة؟

- في البدايات كنت أستحضر الفكرة نتيجة الخبرة القليلة آنذاك، ولكن بعد الممارسة والعمل الدائم والطويل أصبحت الفكرة تأتي بشكل تلقائي وسهل، فالكاريكاتير يعتمد بالدرجة الأولى على الموهبة فهو ليس رسما فقط، ورسام الكاريكاتير إذا لم يتمتع بروح ساخرة يبقى رسم الكاريكاتير عملية وظيفية لا تحوي أي إبداع، بمعنى أن الكاريكاتير هو الإطار والفكرة هي الأساس الذي يعتمد على الموهبة والروح الساخرة التي يتمتع بها الرسام، بالنتيجة الكاريكاتير ليس هو الهدف إنما هو الوسيلة لإيصال الفكرة، أما إذا كان العكس فسيكون الكاريكاتير هو عملية وظيفية خالية من الإبداع كما أسلفت ويكون فن (دايت) خال من النكهة، الأمر الثاني هو خبرة رسام الكاريكاتير التي يجب أن تكون كافية للتعبير عن الحالة الاجتماعية أو السياسية أو الإنسانية التي يطرحها والرسام إن لم يكن محيطا بكل هذه العناصر سيكون مستشرقا، وعمله سيكون بعيدا عن الناس، وبالتالي يفقد ذلك الجسر الذي يربطه بالناس والذي يجب أن يكون هو الهدف، هنالك أمر آخر، فالفنان يجب أن تكون لديه تجربته الذاتية بمعنى أنه قد مر بمراحل هي ذاتها التي تمر فيها الشرائح الدنيا في المجتمع أو شرائح قاع المدينة التي يعبر عنها في رسومه. عندها سيشعر الناس بقربه منهم.

{ حين تكون مطالبا بالرسم لصحيفة يومية، هل تبدأ من حدث يومي يشدك أم أنك تبدأ من رؤيا أوسع بمعنى: من أين تأتي بالفكرة؟

- في الحقيقة ليس لدي مكتبة أو فهرس موجود في ذهني أو لنقل إن هذا الفهرس موجود وليس موجوداً، هو موجود كخبرة ومعايشة ومعاناة وكحالة يراها جميع الناس، ولكن أتميز عنهم بأنني استشف ما بين السطور، في البدايات كنت أجد أحيانا صعوبة في التأقلم مع الفكرة أو في إيجاد مخرج لها على الورق، ولكن الآن أصبح الأمر طبيعيا مثل الطعام والشراب لأن حياتي مبنية على هذا الأساس، وهنالك أمر مهم فالواقع أصبح غنيا بالكاريكاتير، ففي السابق كنا نقول أن فن الكاريكاتير هو فن المبالغة أما الآن فإن الواقع يحوي من المبالغات والتناقضات أكثر من الكاريكاتير ذاته أي أن الواقع أصبح ينافسنا على الكاريكاتير.

{ شاركت في عدد من المعارض العالمية وحصلت على الكثير من الجوائز، كما أذكر أنك كنت من بين الخمسة الأوائل في إحدى المسابقات العالمية، وهناك جوائز أخرى هلا تحدثنا عنها قليلا؟

- لم تكن مسابقة، إنما كنت واحدا من أهم خمسة رسامين في العالم في تكريم أجري في مدينة مورج في سويسرا العام 1994 وكان التكريم آنذاك بحضور رئيس الاتحاد السويسري، وتمت تزكية الفنانين الخمسة من خلال صحيفة لوموند الفرنسية كأهم خمسة رسامين في العالم يعملون في مجال الحقل الإنساني، كما حصلت على جائزة في العام 1990 على مستوى الوطن العربي كأفضل رسام كاريكاتير عربي وهي جائزة علي وعثمان الحافظ، وحصلت في العام 1980 على الجائزة الأولى على مستوى الوطن العربي وكانت مناصفة مع الشهيد ناجي العلي في معرض الكاريكاتير العربي في دمشق، وفي العام 1987 حصلت على الجائزة الأولى بحضور رسامين من 53 دولة وكان ذلك في صوفيا، وآخر جائزة حصلت عليها والتي تعتبر الأهم هي جائزة الأمير كلاوس الهولندية وهذه الجائزة تأتي من حيث التصنيف العالمي بعد جائزة نوبل مباشرة، وهي قد أعطيت لعشرة مبدعين في العالم في حقول مختلفة تصب جميعها في الحقل الإنساني، بالإضافة إلى جوائز عربية وعالمية عديدة من الصعب أن أذكرها كلها الآن وهي حوالي 28 جائزة.

{ ما الالتزامات التي رتبتها عليك هذه الجوائز الكبرى؟

- بالطبع هي مسؤولية كبيرة، وأنا أحيانا أحسد طلاب المدارس والجامعات الذي يخوضون امتحانا واحدا في العام، أما أنا فأشعر أنني أخوض الامتحان بشكل يومي، ومن الصعب أن يحافظ المرء «في عالم تلفه المصالح بعيدا عن المشاعر الإنسانية» على هذا النمط من الهم الإنساني الذي يدافع عنه ويحمل لواءه على الرغم من كل الصعوبات، وبالنسبة لي فإن هذا الالتزام قد وضعني في مواقف صعبة للغاية فهنالك العديد من الدول منعت من الدخول إليها مثلا، وهذا أتى نتيجة الصدق في طرح القضايا الإنسانية، وأنا لا أعتبر المصلحة الشخصية هي المعيار وإنما تعنيني المصلحة العامة بالدرجة الأولى مهما كان الثمن الذي سأدفعه، وهذا بالنسبة إلي قدر، وقدري أن أحمل السلم بالعرض كما يشير إلي الكثير من الناس.

{ تعتمد أسلوب (الرسم بلا كلمات) وهذا الأسلوب يحتاج إلى قارئ أو مشاهد نخبوي، هل تعتبر رسومك موجهة إلى النخبة؟

- لا أبدا.. على العكس فمن يشاهدون رسوماتي هم من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية، وفي معارضي أيضا تجد الأطفال والنساء والشيوخ وتجد العامل والأستاذ الجامعي وتجد فيها الأجانب أيضا، وبشكل يومي يستوقفني الناس في الشارع لكي يحدثوني عن الرسومات التي أرسمها، ولكن هنالك مسألة ربما تكون قد اختلطت على المتلقي من خارج هذه الدائرة التي تحدثت عنها فيقول بأن الرسومات من دون تعليق تحتاج إلى تفسير، لا بالعكس أنا في رسومي لا أضع طلاسم، إنما أختار الشخصيات التي تؤدي دورها بصمت وبرموز بسيطة تجعلها مفهومة من الجميع، فهي ليس شيفرة، إنما هي رموز شفافة يستطيع المتلقي ببساطة أن يستشف الفكرة منها، سأضرب لك مثلا: شارلي شابلن في أفلامه لا يتحدث أبدا، والعالم كله يفهم أعماله ويتفاعل معها، هذه هي الحالة مع الكاريكاتير، بالمحصلة يجب القول بأن العمل الإنساني لا يحتاج إلى شرح والكلام الكثير في الكاريكاتير، إذا لم يكن ضروريا جدا وفي صلب الفكرة، يكون كلاما مجانيا ويسيء للعمل، ومثلما أن الكاتب لا يلجأ إلى الرسم في نصوصه يجب على الرسام أن يلجأ إلى أدواته في التعبير وهي الرسم.

سأحكي لك كيف بدأت فكرة الرسم (بدون تعليق): في البداية كانت هروبا من الرقابة والرقيب لكي أستطيع إيصال رسوماتي إلى الناس، فالكلمة كانت عبارة عن قيد وتضع الفنان في خانة الاتهام، وحين بدأت بالرسم من دون تعليق أصبح الأمر ممتدا على مساحات كبيرة فلا تستطيع الرقابة حصر الشخص المقصود في الكاريكاتير، أي أن الأمر بدأ كمناورة على الرقابة ومن ثم تحول إلى قاعدة، والآن لو أتيح لي أن أتحدث بحرية مطلقة بالكلام لرفضت هذا الأمر وتمسكت بالرمز، لأن الرمز يحمل قيمة فنية كبيرة ونبيلة وهو ما أخرج الكاريكاتير إلى العالمية.

{ أي أن التعليق ليس هو ما يضعف الكاريكاتير وإنما الإسراف في التعليق، هل تلاحظ هذا الأمر لدى رسامي الكاريكاتير في مصر؟

- نعم هذا صحيح ففي كثير من الأحيان يقوم الرسامون بالابتعاد عن الكاريكاتير أو الاستعاضة عنه بنكتة مرافقة للرسم، وهذا ما يهمش الكاريكاتير ويجعل منه ضيفا غير مرغوب به، وهذا موجود في مصر فعلا بشكل كبير ولكن هنالك من يضع الكلمة في مكانها ولكي لا أحصر الموضوع بالرسامين المصريين أقول بأن هذه الظاهرة باتت موجودة في كثير من الدول العربية، وهذا ما جعل الكاريكاتير الحقيقي يتراجع ليحل محله الكاريكاتير الآني غير الفعال.

{ هل توافق أن الشهيد ناجي العلي كان الأكثر شهرة والأكثر تأثيرا في المرحلة السابقة؟

- لا أحد يأخذ من طريق الآخر، هنالك مساهمة في معالجة هذا الواقع بأساليب وبطرق عديدة، وكل شخص لديه أسلوبه بمعنى أنه لا أحد بديل عن الآخر، والناس جميعا في حالة تكامل، بدليل أنه في المعارض كانوا يحتارون دائما لمن يقدمون الجائزة الأولى إلى أن اختاروا أن يقدموها مناصفة، وبعد ذلك أصبحنا ندخل على المعارض كضيوف شرف، وهذا ما يؤكد حالة التكامل فالحياة يلزمها أكثر من أسلوب وأكثر من شاعر وكاتب وأكثر من فنان، فهي تتسع للجميع ولا أحد يزاحم الآخر إلا من كان ضعيفا وليس لديه مواقف أو مبادئ يحملها لأن الكاريكاتير هو موقف وقد يُدفع ثمنه غاليا، الآن أصبح أصحاب المواقف يعدون على أصابع اليد الواحدة.

الفنان يجب أن يكون حذرا في طرحه والأمور التي لم أطرحها هي أكثر بكثير من الأمور التي طرحتها، وهي كانت جريئة إلى حد أن أحدا لم يأخذ على عاتقه مهمة نشرها فأقمت فيها معارض محلية وعالمية، وكانت تلقى إعجابا وحماسا كبيرين.

{ هل وصلت في لحظة معينة إلى حالة رغبت فيها بالتوقف عن الرسم، أو شعرت بالعجز عن التعبير خلال مراحل الانكسار العربي؟

-بعد تفكير... الإنسان هو كم من المشاعر، وأحيانا تتحكم فيه جملة من العواطف وقد يشعر بالإحباط واليأس فعلا، ولكن المسألة تقاس بحالات معينة، الفرق يكون بين أن يسيطر الإنسان على الحالة أو أن يدعها تسيطر عليه، وأنا أمر بهذه المراحل حتى الآن ولكنها لم تسيطر علي بشكل نهائي، وأخرج من المرحلة مصقولا أكثر، وأستفيد منها وأوظفها في عملي. والفكر ليس هو فقط ما نقرأه في الكتب إنما هو ما نعايشه في الحياة من تجارب ومن معاناة وحالات نمر فيها، في النهاية يجب أن نعجنها جميعا ونشكل منها مادة لها هدف ولها فائدة عامة، الإنسان دائما محكوم بالأمل.

{أنت الآن الرئيس الفخري لمرصد حريات المعني بالدفاع عن حرية الصحافة والصحفيين، هل يعني هذا انتقالا من المشاركة في الحياة السياسية عن طريق الفن إلى المشاركة المباشرة فيها؟

- الحياة عبارة عن مواقف، وهي إنسانية بالدرجة الأولى ولكنها تتفرع في قنوات مختلفة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وأنا أجد نفسي ضمن هذه المساحة ولا أستطيع أن أدعي بأن لا علاقة لي بها، إذاً المسألة هي مسألة دفاع عن الإنسان في جميع مواقعه، وأنا ساهمت في هذه المسألة وهي بالنسبة لي تشكل ثوابت هامة في الحياة، وحين طرحت أمامي فكرة المرصد واختاروني لأكون رئيسا فخريا له، وجدت نفسي مندفعا للفكرة وأفتخر كوني الرئيس الفخري للمرصد.

قصة «الدومري»

{ كانت لك تجربة فريدة مع صحيفة الدومري، وقد تناولها الإعلام بشكل كبير مؤخرا، هل كانت الدومري استعادة لمجلات قديمة لها نفس الروح كمجلة «المضحك المبكي» مثلا؟

- هي على الجانب الساخر نعم، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها استعادة أو امتداد لمجلة سابقة. الدومري كان لها أسلوبها الخاص والجديد في واقع جديد مختلف كليا عن واقع فترة الستينيات، فهنالك معطيات جديدة وحالات اجتماعية وسياسية مختلفة في عصر مختلف تماما عن سابقه، وهدفنا منذ البداية كان إصدار صحيفة ساخرة تحمل هموم الناس وتشبههم ولها ملامح الشارع بعيدا عن المحاباة وخلافا لما هو سائد في الأوساط الإعلامية.

{ هل يمكن للدومري أن ترى النور من جديد؟

- أنا ليس لدي موقف مسبق، فلو تغيرت الظروف وتعدل قانون المطبوعات لن أتردد أبدا، بالمناسبة أنا لو قرأت قانون المطبوعات قبل إصدار الصحيفة لما أصدرتها، لأن قانون المطبوعات يتضمن سجنا وغرامة وحجزا و... أمام أبسط القضايا بمعنى (أصدر المطبوعة ولا تصدرها)، أنا أنتظر لحظة الهداية حين يهتدون ويقومون بتعديل قانون المطبوعات ويكون هناك حصانة للمطبوعة والصحفيين. حينها أكون سعيدا بإصدار الدومري من جديد، بالمناسبة هم عرضوا علي في فترة الحرب على الصحيفة أن أتفاوض معهم لإصدار عدد يتماشى مع رغباتهم أي عدد (دايت) كما أسلفت فقلت لهم أنا لا يمكن أن أكون نصف علي فرزات ولا يمكن أن تكون صحيفة الدومري نصف صحيفة الدومري، وأنا لا أقبل أنصاف الحلول أبدا.

air max 90 essential grey

معرض الصور