فنان الكاريكتير عماد حجاج: خططت لقتل ابو محجوب يوما ما

بخجل وأناقة لافتة رد الفنان عماد حجاج على عشرات الأسئلة من عشاق فنه الساخر في رام الله. على غير المتوقع لم يكن حجاج أو أبو محجوب كما نعرفه منذ سنوات سليطا أو ساخطا كما يظهر دوما في الكاريكتير رغم انه يمتلك عقلية" الشحتفة" بأصالة على حد قوله.

بتواضع قال حجاج" أنا لست مضحكا كرسوماتي، يصيبني أحباط عندما يتوقع الناس ان يجدونني مضحكا مثل أبو محجوب".

لكن حجاج الفنان الذي أبتكر أبو محجوب عام 1993 يتمتع بحس سخرية فطري، ويمرر رسائله الغاضبة المتهكمة على المجتمع والسياسين عبر شخصية أبو محجوب الرجل النحيل صاحب الذقن الطويل والبدلة المخططة.

فاجأ حجاج عشاقه عندما كشف لهم أن أبو محجوب هو والده كما في الرسومات كذلك في الحياة ساخط متهكما وأيضا يحب السيطرة كأي رجل شرقي.

يقول " عام 1993 أي بعد سنوات من إحترافي الرسم الكاريكتير عرفت أنني سأرسم عن شخصية والدي، رجل في الأربعين بعد أن ترك الجيش الذي أفنى عمره فيه صدمته الحياة، جرب حظه بالتجارة وفشل، كان إنسانا بسيطا لكن لديه حس سخرية فطري، وهو عبارة عن قاموس متنقل من الأمثال الشعبية".

ويقول حجاج المولود عام 1967 في مدينة البيرة " خفت أن أرسم شخصية تشبه والدي في الشكل، ما حدا برسم أبوه، لذلك إخترت له شكلا آخر زلمة نحيف بذقن طويل وبدلة مخططة، كان والدي لكن بشكل مختلف".

أبو محجوب هو خليط بين الحالة العمانية" نسبة للعاصمة" وحالة المخيم أي مخيم الوحدات الذي عاشت به العائلة سنوات قبل أن تنتقل منه لاحقا، وهذا يفسر حضور تفاصيل المخيم المزدحم نفسيا وجغرافيا بالكثير من القضايا.

ويزور الفنان عماد حجاج مركزتطوير الإعلام في جامعة بيرزيت الذي نظم له لقاء مع الجمهور وورشة مع فناني الكاريكتير الفلسطينيين ، بدعوة من المجلس الثقافي البريطاني الذي ينظم معرضا لعدد من فناني الكاريكتير العرب في القدس.

إختار حجاج أسم "أبو محجوب" لشخصيته الكاريكاتيرية نسبة لمطعم فلافل فقير ومغمور ومحجوب عن الأنظار في العاصمة عمان، لكن أبا محجوب إلتزم منذ ولادته بفضح وكشف المستور، وهذا يبرر طرده من صحيفة الرأي الحكومية في الأردن عام 2000 على يد الرقيب الذي لم ترق له جرأة أبو محجوب الذي رسم الكل في المملكة المخابرات الوزراء و حتى الملك عبد الله نفسه في كاريكتير مشهور، ليكون بذلك أول رسام كاريكتير أردني يرسم الملك.

يقول" أحد مدراء التحرير رمى كاريكتير رسمته عن إتفاقية وادي عربا بوجهي، ليس مجازا بل حقيقة، شعرت حينها بالإهانة، لكنني لم أستسلم للرقيب وغيرت بالرسمة أكثر من مرة لكن مع الحفاظ على الفكرة حتى ُنشرت، وأصبح هذا الشخص بطريقة غير مباشرة يتجسد بذهني و رسوماتي بصورة الرقيب".

وحول دخوله مقر المخابرات لأول مرة، قال" في أحد الأيام وأنا في مكتبي أعمل ــ يا غافل إلك الله ــ جاءني هاتف يقول لي يجب أن تراجع المخابرات غدا صباحا، فكرت انه أحد أصدقائي وبدأت أشتمه، لكن إتضح أن الشخص على الخط الآخر مخابرات، ونحن لدينا صورة نمطية عن هذا الجهاز مفاده أنك عندما تدخل هناك ما بتعرف من وين الضرب راح ييجي، لكن الحمد لله هذا لم يحدث لي، جلست مع ضابط المخابرات وراجعني في رسمة غير منشورة لي، تظهر فيها يد خفية، وقال لي" انت تعنينا بهذه الرسمة"، فأجبته" هذه الرسمة تحتمل التأويل"، وإنتهى الحديث بيننا قائلا" ما تجيب سيرتنا لا بمليح ولا بعاطل".

لمن لا يعرف أبو محجوب يوجد على موقعه الإلكتروني مئات الرسومات الكرتونية تحمل رمز" الشبشب الزهري" هذه الرسومات مُنعت من النشر في الصحف التي تنقل حجاج في العمل فيها، وبعضها نُشر لاحقا، أما لماذا يستخدم حجاج" الشبشب الزهري" رمزا للرسومات الممنوعة فالجواب بسيط للغاية لأن الشبشب رمز للقمع بشكل عام، و العنف الأسري خاصة فهو أسهل وأول سلاح يستخدم في "الطوش" العائلية، إضافة الى أن أبو محجوب المسيطر على أم محجوب عادة ما يستخدم "الشبشب" الخاص بها.

ما لا يعرفه الكثيرون أن أبو محجوب كاد أن يتعرض لعملية إغتيال ذات يوم، والمؤسف أن هذه المحاولة كانت على يد حجاج نفسه" إذ فكر أن يتخلص من أبو محجوب وذلك بأن يقوم" بطخه في عرس"، لكن عندما أعلن عن تفكيره هذا خلال لقاء صحفي إنهالت عليه في اليوم التالي الردود الغاضبة من الجمهور ترفض ذلك"، فعدل حجاج عن فكرته وربما ندم عليها لاحقا.

لكن هل سيتغير أبو محجوب في عالم تتغير فيه المواقف والآراء تبعا للمصالح والممول"أبو محجوب صاحب التعليقات اللاذعة والقفشات الذكية لن تتغير آرائه بتغير العصر، ولكن سيظهر بقالب آخر عبر الصور المتحركة، وسينتقل للتلفزيون ليراه جمهور أكبر".

حجاج الذي يعتبر اليوم من أهم فناني الكاريكتير ليس في الأردن فحسب بل على مستوى العالم العربي، لا ينسى أنه ركب يوما القطار الخطا بحياته فقد كان طالب فيزياء في جامعة اليرموك وبعد ثلاثة سنوات من دراسة هذه المادة الصعبة قرر أن يجازف بكل شيئ وأن يقفز لقطار الفنون الذي أحبه منذ الصغر.

يقول" من المحطات التي لا أنساها، هو ذلك اليوم الذي تحولت فيه من دراسة مادة الفيزياء في جامعة اليرموك الى كلية الفنون، كنت أعيش حالة إنقسام،أدرس الفيزياء ولكنني أحب الفنون والرسم".

ويتابع" أذكر أنه كان لدي إمتحان فيزياء عن معادلات إينشتين، إنهمكت يومها في الكتابة على دفتر الإجابة، وكنت أول واحد يخرج من الفصل، بعد يومين أرسل دكتور المادة ورائي، كنت قد ملأت دفتر الإجابة رسومات ساخرة عن إينشتين وغيره من العلماء، زملائي أعتقدوا انني قد حضرت جيدا للأمتحان عندما شاهدوا مدى تركيزي، سألني يومها محاضر المادة الدكتور إسماعيل محمود شو هاذ؟

أجبته: أنا لا أحب الفيزياء ولأنني أدرس من خلال البعثة العسكرية لا أستطيع أن أنتقل لكلية أخرى سيما أنني في السنة الثالثة، يومها أجابني" أنت فنان يا عماد والوقت ليس متأخرا إقفز من هذا القطار للقطار الآخر الذي يناسبك، وهذا ما قمت به".

يشكل الفنان الراحل ناجي العلي لحجاج حالة فنية لن تتكرر، فهو الفنان الوحيد الذي كرس قلمه وموهبته لفلسطين فقط دون سواها من القضايا والهموم، كانت همه الأكبر حتى إستشهاده.

ويعلق" دائما أسأل نفسي لو كان ناجي موجود شو كان راح يرسم، أكيد مش حنظلة فتحاوي او حمساوي كما يتم حاليا إستغلال رمزه لخدمه الإنقسام، صعب أن يكون لدينا حاليا فنان كاريكتير لا يرسم إلا لفلسطين كما كان يفعل، ولا أتخيله يعيش في زمن آخر غير الذي عاشه، ما بصير ناجي العلي يعيش في هذا الزمن الذي لا يُعرف فيه الصح من الخطأ".

سر إستمرار حجاج وشهرته ربما هو أنه ينقل نبض رجل الشارع العادي بلغته البسيطة دون مكياج أو فلترة، ربما لأنه يتقاطع معهم في إمتلاكه عقلية" الشحتفة" بإمتياز كما تقول زوجته وأصدقائه له، فرغم أنه أصبح مشهورا وتحسن دخله بشكل ملحوظ، ويعيش حاليا في ضاحية الشميساني الراقية، إلا أنه على حد تعبيره" لا يتخيل أن يشتري بنطلون بأكثر من عشرين دينار، ورغم أن بيته مزود بالتدفئة المركزية إلا أنه لا يشعر بالدفئ شتاء إلا أمام صوبة الكاز".

عن معا الفلسطينية.