كويتيون من أجل القدس' يجتمعون بذكراه العشرينية ناجي العلي.. الفنان الذي تنبأ!

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة القبس - الكويت
الكاتب: 
محمد النبهان

 

بصورها الثلاث، تلك المرأة التي تنبأ ناجي العلي بمصيرها، في المحاولة الأولى (الأمس) لكشف النقاب، قد تكون محاولة خبيثة، ربما.. أو محاولة لنقلها للصورة الثانية (اليوم) في تكميم فمها.. وجه جميل يملأ رغبات مجتمع ذكوري، مجتمع يقمع الصوت، والصوت الآخر، خصوصا في سيطرة التيار الأوحد، والنظرة الواحدة، القاصرة دائما والقامعة دور المرأة في بناء المجتمع، وتحريك الأجيال.. محاولة جرتها إلى المرحلة الثالثة (الغد)، وهي محاولة تغييب هذا الوجه، مجرد سواد.. سواد لا يمنحها - مع كل هذا الانفتاح على الآخر- فرصة أن تتفتح كما هي، أو تنفتح.. في مجتمع لا يزال يعود للوراء بخطى سريعة جدا.

بين الأمس واليوم والغد.. الغد الذي وصلنا إليه، كما تنبأ به قبل أكثر من عشرين سنة ناجي العلي. هذا الفنان الذي كان صادقا جدا، وعابرا برؤاه مراحل كثيرة، وقف عندها السياسيون والمنظرون، وعادوا بمجتمعاتهم للخلف.

ناجي العلي.. وبعد عشرين سنة على استشهاده يعود للكويت بمعرض لمجموعة مستنسخة من أعماله، نظمته لجنة 'كويتيون من أجل القدس' في جمعية الخريجين الكويتية، إلى جانب ندوة تحدث فيها النائب ورئيس تحرير 'القبس' السابق، رئيس تحرير جريدة الجريدة محمد جاسم الصقر، وصديق الراحل الكاتب والشاعر محمد الأسعد، وابن الراحل خالد ناجي العلي، وقدمت الندوة لولوة الملا.

في تقديمها قالت الملا عن ناجي 'الذي رحل ولم يغب.. فتراث ناجي العلي، وبالرغم من من مرور 20 سنة على رحيله، مازال قادرا على أن يثير الدهشة فينا، يفاجئنا، ويرهق عقولنا بالتساؤلات'، وأضافت عن ناجي الذي 'استطاع بريشته أن يختزل آلامنا وآمالنا، وأن يعبر عن أحلامنا وتطلعاتنا في فترة ندرك الآن أنها جزء من عمرنا الجميل، حيث القدرة على الغضب والاعتراف والحزن وحتى الفرح، زمنا ليس كأيامنا هذه، حيث توقف الكثير منا عن الحلم، أو حتى محاولة التغيير، نتيجة لتراكم الاحباطات، وتغيير الأولويات والمسميات'.

عن ناجي 'الذي ولد من رحم المأساة الفلسطينية' والذي التصق بمأساة شعبه، وقاوم، ورسم، كرمز للإنسان الحر.. وعن آخر وأهم فترة في حياته، قدمت الملا أول المتحدثين في الندوة محمد جاسم الصقر الذي عمل معه ناجي العلي في جريدة 'القبس' منذ أوائل الثمانينات وحتى اليوم الأخير في حياته.

تماديت معه

في الجنون

الصقر تحدث عن الفترة التي تعرف فيها مباشرة على ناجي العلي، وعن طريقة تعامله مع الكاريكاتير، وعن فترة مقتله. قال 'لا أبالغ إذا قلت أن ناجي العلي كان يمثل ضمير القومية العربية الحقيقية، وكان يقدم جبهة الرفض الحقيقية، وليس جبهة الرفض التي تمثلها المنظمات أو الدول والأحزاب'. وأضاف 'شعرت بأني من الأسباب في تصفية ناجي، لأنني تماديت معه في الجنون، هو وأحمد مطر بالذات. لم يكن هناك ما لا ينشر لناجي (...) كان يرسم ثلاث لوحات في الليلة، يعرف أن الأولى والثانية لا تنشران، لكن الثالثة تنشر'.

ثم انتقل الصقر إلى سرد قصة اتصاله بناجي العلي في بيروت عندما كان يعمل في جريدة السفير، وكان على خلاف معهم، واتفاقهما على أن يعود للكويت، ثم سفر الصقر بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، ولقاء ناجي العلي في مخيم عين الحلوة، ثم انتقاله ل 'القبس'. قال 'وهي الفترة الأهم في حياته، وحصلت بعد 3 سنوات مجزرة إبعاد 'القبس' في ذلك الحين، كانت هي الجريدة الوحيدة، مع 'الوطن'، لكنها كانت أكثر تماديا في قضايا الحريات، وقضايا الدفاع عن المكتسبات الدستورية، وفي العالم العربي كان أي رئيس عربي يريد أن يخاطب شعبه، يخاطبه من خلال 'القبس' (...) الجريدة التي تخاطب ضمير ووجدان الشارع العربي، وبالتالي كان للسفير العراقي دور أساسي في إبعاد أحمد مطر، كما لياسر عرفات دور أساسي في إبعاد ناجي العلي من الكويت، وأبعد معهما 16 محررا من القبس'.

وانتقل الصقر إلى أحداث إبعاد ناجي ومطر إلى لندن وحتى آخر رسوماته، كاريكاتير 'رشيدة مهران' الذي بعده بأيام اتصل بالصقر من مكتب القبس الدولي رفلة خرياطي مع محقق الأسكتلنديار ليخبراه بإطلاق النار على ناجي.

لم تفلح محاولات الصقر لإبعاد ناجي العلي عن رصاصة هدد بها في أيامه الأخيرة، وكان كأنه يتحدى الموت، هذا الفنان الذي حرك ضمير الشارع العربي، بل وتجاوزه لسمعة عالمية، قال الصقر 'لا أبالغ إذا قلت أن ناجي العلي من أفضل رسامي الكاريكاتير في العالم، قبل وفاته كانت أكبر صحف العالم تنشر رسوماته، وكانت صحيفة يابانية تأخذ رسوماته من 'القبس' وتنشرها يوميا. كذلك نشرت له الواشنطن بوست، ونيويرك تايمز، وفي الأبزيرفر حيث كانت الجريدة الوحيدة في العالم التي وضعت رسوماته في الصفحة الأولى'. وأضاف 'ناجي العلي كان يؤثر في الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تأثيرا بالغا، وكان ينقل لي أن الذي يحصل هناك جنون.. يصل عدد واحد من 'القبس' ويصور منه كاريكاتير ناجي، ثم يوزع على شوارع وأزقة الضفة لهذا يخلص الصقر بأن الموساد وراء مقتل ناجي العلي لأنه كان مؤثرا في القضية الفلسطينية أكثر من أي سياسي.

من قتل ناجي العلي؟

أما محمد الأسعد فقد تحدث في كلمته حول ثلاث نقاط رئيسية في محور واحد هو 'معنى فن ناجي العلي'، هذا المعنى الذي تعرض للتشويه وللإهمال كما قال. ففي النقطة الأولى قدم الأسعد عرضا ل 'فن الناقد الساخر في وضع صراعي مأساوي، وفي واقع ثقيل عشناه منذ الستينات والسبعينات وصولا للثمانينات. في هذا الواقع حيث كانت تمثل على مسرح القضية الفلسطينية مسرحية مسوخ'، وأعقب 'ناجي العلي لم يكن من المشاهدين، ولم يكن من الممثلين، أخذ له موقعا يعلو على المسرح نفسه، كان يطل على المسرحية، ويكشف لنا حقيقة الممثلين'. ومن هنا كان ناجي برؤاه الناقدة والساخرة يرينا هذا الواقع من خلال - ما اسماه الأسعد- مرآة تكسر حدة المأساة حتى لا ننخرط في العويل، 'كان يريد منا أن نعي ونفهم ونتخذ موقفا'.

وفي النقطة الثانية 'جماعية فن ناجي' قال الأسعد أن ناجي لم يكن إقليميا وفلسطينيا فقط، إنما كان عربيا أولا وإنسانا ثانيا، لهذا وجد فن ناجي العلي انتشارا واسعا في الوطن العربي، لأنه كان يوحد الوجدان.. كان فعل توحيد الوجدان العربي بأكمله، وهذا فكر يسبح ضد التيار السياسي السائد.

وركز في النقطة الثالثة على مسالة الاغتيال وما رافقها من ملابسات وتحضيرات المرحلة التاريخية آنذاك. الكل يسأل من قتل ناجي؟ وهذا السؤال نابع من 'الإحساس بأن هذا الرجل ثمين، وكنز غال من كنوز ثقافتنا، من أبسط إنسان إلى أكثر الناس تعقيدا وثقافة'. وذكر الأسعد بعض الأشياء مما كان يدور قبل اغتيال ناجي، والتمهيد الإعلامي لهذه الجريمة، وما صاحب الفترة الأخيرة من حياته في تكريس المنظمة الفلسطينية لكتابات من أجل تشويه ناجي، ووضع التهم والإشاعات عليه. ويرجع الأسعد اغتيال ناجي إلى انحطاط الثقافة، الذي سيطر على الساحة الفلسطينية، ودمر الوعي الفلسطيني.. هذا الوضع الذي انتج تيارا ثقافيا مرتزقا أحاط بمنظمة التحرير الفلسطينية، كان سببا في اغتيال ناجي.

رسومات للغد

في الأخير تحدث ابن الراحل، خالد ناجي العلي، باختصار قائلا ان اغتيال والده جسديا لا يعني نهايته، ولم يكن حلا لتصفيته، واعتبر الاغتيال جريمة كبرى، لكنه على العكس تماما من هدفهم منه، فقد أوصلوا رسالته للجميع. وأضاف 'هذا هو أول معرض له بعد اغتياله، فبالنسبة لي وللعائلة، مهم هذا التواصل في الكويت التي قضى فيها فترة جدا مهمة من حياته، ليس من ناحية عدد السنوات فقط، ولكن فنيا أيضا.. في هذه المساحة من الحرية التي منحته التطور الفني، والتعبير الحر عن آرائه'.

في الختام تم عرض فيلم وثائقي عن ناجي العلي، واستمر الحضور بعد ذلك في التجوال مرة أخرى بمعرض رسومات ناجي.. ناجي الذي حضر في المكان، وكان شاهدا على كل الماضي والحاضر والمستقبل، بلوحات أنباتنا بالكثير الكثير، ومازالت تقدم رؤاها وكأنها رسمت اليوم، أو غدا.

 

Men's Shorts - Shop Men's Shorts Online

معرض الصور