مصطفى حسين نقيب التشكيليين المصريين: فن الكاريكاتير.. نبض الجماهير

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
العرب اونلاين
الكاتب: 
ياسر سلطان

 

فن الكاريكاتير هو أحد الفنون المرتبطة بالصحافة وهو الأمر الذي جعله من أكثر الفنون قرباً الى الجماهير خاصة أنه لايبتعد عن قضاياهم ومشكلاتهم الحياتية والسياسية ايضا، وهو فن يعتمد على الموقف والفكرة بالدرجة الاولى، فما بالك اذا اجتمع فيه عمق الفكرة وحرفية الاداء وقدرته على التعبير عن ادق التفاصيل.. وفي وطننا العربي قليلون هم من يجمعون بين هذين العنصرين، ولعل من ابرز هؤلاء يأتي الفنان المصري مصطفى حسين نقيب الفنانين التشكيليين والذي تجتمع بين يديه مقومات هذا الفن عن تمكن وجدارة، وشهد له بها جمهور محبيه قبل ان يُقر بها اخوانه وزملاؤه في نفس المهنة. وفي محاولة للاقتراب من عالم هذا الفنان كان لـ «العرب أونلاين» معه هذا الحوار:

*أين كانت نشأتك وهل كان لهذه النشأة تأثير عليك؟

- أنا نشأت في حي الأزهر بالقاهرة القديمة وأعتقد أن لهذه النشأة تأثير كبير على حياتي، فهذا الحي في منتهى الثراء والحيوية الشديدة وليس بغريب ان تعرف ان هناك كثيرا من فناني مصر ومبدعيها قد خرجوا من شوارع هذا الحي العريق فالزخم الشعبي والبصري والثقافي ايضا كفيل باثراء شخصية الفرد وثقلها بشكل مباشر، بالاضافة الى تأثير المكان، كانت الموهبة والتي ظهرت لديّ بصورة مبكرة منذ اول ايام الدراسة، وهي مرتبطة بالمدرسة لأن وقتها كان هناك تشجيع من المدرسين والقائمين على العملية التعليمية للمواهب.. وهو أمر في غاية الأهمية...

فرؤيتي لرسوماتي وهي معلقة على الحائط وتشجيع مدرسي التربية الفنية لي كان من أكثر الاشياء التي جعلتني اتمسك بهذه الهواية واسعى الى تنميتها وذلك لشعوري وقتها بأنها سبب في تميزي عن الآخرين، وظل حبي للرسم قائما حتى التحقت بالفنون الجميلة.

مواهب متعددة

* كيف التحقت بالعمل في الصحافة؟

- التحقت بالفنون الجميلة عام 1952 وعملت بالصحافة في عام 1953 اي بعد عام واحد من التحاقي بالفنون الجميلة فلقد كان هناك استاذ يعمل بالكلية اسمه أسعد مظهر لمس تميزي من أول يوم لي بالكلية، ولأنه كان يعمل في نفس الوقت كمستشار فني لمجلة دار الهلال فقد عرض عليّ العمل بالمجلة وكنت وقتها أصغر رسام صحفي ليس في هذه المجلة فقط بل في مصر كلها، ثم انتقلت بين عدة مجلات وصحف الى ان استقر بي الامر في النهاية بجريدة أخبار اليوم.

*هل هناك أساتذة بعينهم أثروا فيك داخل الكلية؟

- حسين بيكار هو من أكثر الفنانين الذين كان لهم تأثيرعلى حياتي، فأنا كنت من أشد المعجبين برسوماته في الصحافة قبل التحاقي بالفنون الجميلة وكثيرا ما كنت أقلدها وحين التقيته كأستاذ لي تأكد هذا الشعور لأني لمست فيه جانبا انسانيا بالاضافة إلى موهبته.

* اثّر عملك بالصحافة على دراستك بالفنون الجميلة؟

- التأثير هنا يكاد يكون سلبيا فعملي بالصحافة كان سببا في عدم انتظامي الدراسي، وانتقاد الاساتذة لي بسبب ذلك، لكن عملي هذا قد ساعدني في نفس الوقت على تحديد هدفي بشكل مبكر والتركيز بشدة واصرار على تحقيقه.

الرسوم المتحركة

*أعرف أن لك تجربة مبكرة مع الرسوم المتحركة فلتحدثنا عنها؟

- نعم لقد اشتركت في عام 1962 مع عدد من الفنانين في إنجاز فيلم رسوم متحركة مدته 5 دقائق وكان لحساب مؤسسة السينما التي كان رئيسها في ذلك الوقت نجيب محفوظ ويديرها صلاح أبو سيف ولكن وقتها كانت الامكانات والخامات بدائية والمجهود الذي بذل في هذا الفيلم لايقارن بالنتائج فآثرت الابتعاد عن مجال الرسوم المتحركة نهائيا.

*ما هو الفرق بين الكاريكاتير والرسوم المتحركة؟

- الرسوم المتحركة في نظري هي امتداد طبيعي للكاريكاتير وذلك لمن يجيد الرسم بحرفية عالية ثم ان الرسوم المتحركة هي أمل اي رسام كاريكاتير فمن من الرسامين لايتمنى ان يرى رسومه وشخصياته التي يرسمها جامدة على الورق وهي تتحرك.

*ما هو فن الكاريكاتير من وجهة نظرك؟

- الكاريكاتير فن اعلامي وصحفي بالدرجة الاولى وهو فن مرتبط بقضايا الجماهير ومشاكلهم المختلفة، وهناك من يصفونه بأنه فن البسمة او السخرية لكنني يمكن ان اضيف اليه بأنه فن الرأي الساخر وهو الفن الأقرب الى الجماهير بمختلف مستوياتهم.

* ماهي الصفات التي يجب توافرها في رسام الكاريكاتير؟

- أولا يجب أن تتوافر لديه الرؤية الخاصة في كل ما يحيط به من أحداث وتغيرات، كما يجب ايضا ان تتوافر لديه الموهبة والملكة الخاصة بالكاريكاتير، فليس كل فنان تشكيلي بقادر على ان يرسم الكاريكاتير، ولكن في رأيي ان كل رسام كاريكاتير هو فنان تشكيلي ورسام جيد في الاصل ثم يأتي التدريب والخبرة والممارسة. كما اني اعتقد ان الاتجاه الى رسم الكاريكاتير لايكون نتيجة قرار شخصي بل هو حالة وجدانية تتلبس الفنان وتدفعه الى ذلك دفعاً.

* هناك من يرون ان الكاريكاتير الجيد هو الذي يخلو من التعليق، لكنك حريص على وجود التعليق في رسوماتك فلماذا؟

- وجود التعليق من عدمه ليس مقياسا على جودة الكاريكاتير فالتعليق يساعد كثيرا على توضيح الفكرة، كما أن مجتمعاتنا لم تتعود بعد على قراءة الصورة دون الاستعانة بالكلمات والتعليق، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى انا اعتبر هذا الامر اسلوبا ومنهجا اجد في نفسي ميلاً اليه، كما اننا شعب يحب الكلام الكثير ولا يميل الى التلخيص.

*ألا يؤدي التعليق هنا الى حصر الكاريكاتير في نطاق محلي فقط؟

- تماما، وهذا امر لايعيبه، فأنا أتوجه بأفكاري اولاً واخيراً الى المجتمع الذي اعيش فيه.. واذكر اني رسمت ذات مرة وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر وهو يهبط راقصا من سلم الطائرة قائلا «إسح إدح إمبو.. إسح إدح إمبو» وهي أغنية لأحمد عدوية، وحين نشروا الرسم في اللوموند الفرنسية احتاروا في ترجمة التعليق فنشروها فارغة دون تعليق.

*متى يصبح الكاريكاتير مؤثرا من وجهة نظرك؟

- حينما يتلامس مع قضايا الناس ويعبر عن مشاكلهم، فرجل الشارع يبحث عمن يتحدث باسمه ويطرح احساسه على صفحة جريدة أيا كان محرراً او شاعراً او اديبا.

ابتكار الشخصيات

*ارتبط اسم مصطفى حسين بالكاتب المصري الساخر أحمد رجب الذي كان يضع الفكرة فتنفذها أنت بريشتك، وسعد الناس بهذا الارتباط الذي استمر أكثر من 25 سنة على شكل كاريكاتير يومي ينشر في صدارة جريدة أخبار اليوم ولكن هذا الارتباط قد انفك منذ سنوات.. فما قصة هذا الارتباط، ولماذا كان الانفصال؟

- علاقتي بأحمد رجب تعود الى عام 1974 حين تم الاتفاق بيننا على التعاون معاً بناء على توصية من ادارة الجريدة، وكان هذا من الامور العادية والمتبعة داخل اروقة الصحافة، واستمر العمل بيننا طوال هذه السنوات بشكل سلس وممتع لنا وللقارئ في نفس الوقت، وابتكرنا سويا شخصيات كثيرة جداً ارتبطت مع الناس بعدد من السلبيات المنتشرة في المجتمع، ولكن منذ سنوات حدث نوع من التباعد، وفي الحقيقة اني استفدت من قربي من هذا الكاتب الساخر كثيراً فهو يتمتع بشخصية مرحة وساخرة وعلى درجة كبيرة من الوعي.

*ماهي أول شخصية قدمتها وما هي أهم شخصية من ابتكارك؟

- أول شخصية تناولناها سويا أنا وأحمد رجب كانت «عبد الروتين» باعتبار ان الرجل الملتزم بالروتين الوظيفي هو من النماذج المنتشرة في مجتمعاتنا فهو موجود في مصالحنا الحكومية بكثرة، وآخر شخصية قدمتها كانت «عباس العرسة» وهو الرجل المنافق لرئيسه وهي شخصية تحمل سمات الخبث والمكر على ملامحها، أما أهم شخصية قدمتها فهي «كمبورة» وهي شخصية انتهازية تبحث عن المكسب بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة.

سخرية وتهكم

*من المعروف عن رسام الكاريكاتير أنه يتناول الكثير من الشخصيات الفنية منها والسياسية بكثير من السخرية والتهكم ولابد ان يثير ذلك الأمر ردود فعل هؤلاء الذين تتناولهم بالرسم.. فما هي أصعب ردود الفعل التي تعرضت لها؟

- هناك الكثير من المواقف الصعبة التي تعرضت لها بسبب رسوماتي الكاريكاتيرية ووصل الأمر الى استلامي لخطابات تهديد من احدى الدول العربية نتيجة الهجوم على رئيسها، وتعرضت للاقالة ذات مرة في عهد عبد الناصر حين رسمته وتحت عينيه هالة داكنة قليلاً، ولكن بسبب الطباعة ظهرت الهالة الداكنة أكثر سوادا وبدا كأنه شخص مضروب بـ «البوكس»، ولكن المسألة مرّت بخير والحمد لله. واذكر أني قد جمعت ذات مرة عددا من رسوماتي السياسية في كتاب واحد وتصادف أن كان لرئيس الوزراء في ذلك الوقت عاطف صدقي نصيب كبير من هذه الرسومات فحدث أن قابلني في احدى المناسبات فقال لي «أظن أني شريكك في هذا الكتاب فأنا البطل الرئيسي به فأين نصيبي إذاً..» وكان هذا أطرف هذه المواقف وأخفها على الاطلاق بالنسبة إليّ.

*هل ترى أن هناك ندرة في رسامي الكاريكاتير حاليا؟

- لا على العكس.. هناك أجيال جديدة واعدة من الشباب، ونماذج مبشرة كثيرة، كما أن كثرة الاصدارات من الجرائد والمجلات قد أتاحت الفرصة أمام عدد كبير من المواهب للظهور وهي ظاهرة صحية بلا شك.

 

Nike LunarEpic Flyknit

معرض الصور