معرض مشروع الإعلام والمجتمع ... معالجة القضايا الاجتماعية من الزاوية الساخ

قد لا نشعر بأهمية ما تملك بلادنا من طاقات شابة إلا حين تلمع في فعاليات تتبناها جهات أجنبية حينها نبدأ بالتساؤل عن سبب عدم مبادرة سورية أو إحدى الدول العربية بتلك الفعاليات ولاسيما أنها تستثمر ملكاتنا الإبداعية الشابة، ويدور محور عملها على قضايا إنسانية تخصنا في المرتبة الأولى وهذا ما دعا إليه مراراً وتكراراً علي فرزات - رسام الكاريكاتير- الذي لم يجد صدى لندائه سنوات عدة إلى أن جاء مشروع الإعلام والمجتمع، الذي عالج بأسلوب ساخر أهم القضايا التي يعاني منها مجتمعنا من خلال الرسوم المتحركة ورسوم الكاريكاتير وتحقيقات صحفية لصحفيين شباب أثبتوا جدارتهم في العمل الصحفي، حيث افتتح المجلس الثقافي البريطاني معرض (الإعلام والمجتمع «كاريكاتون وكاريكاتير») تحت رعاية وزارة الثقافة في المركز الثقافي العربي الذي عرض فيه مخرجات مشروع الإعلام والمجتمع بعد ندوة استضاف فيها اللجنة الاستشارية لفريق العمل وهم حسن م يوسف (كاتب وصحفي) وشمس الدين العجلاني (رئيس مكتب الإعلام والنشر في الشركة السورية للنفط) وعلي فرزات (رسام الكاريكاتير) وبولد دبل دي (مدير المركز الثقافي البريطاني) وياسين كلاس (مذيع ومخرج ومقدم برامج في القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية) وآلما السالم (منسقة المشروع).

وقد أشار كل واحد منهم إلى دوره في إنجاز العمل الذي دار حول موضوعات تسعة تتعلق بمشكلات مجتمعية كعمل المرأة وطلاقها وعمالة الأطفال والمخدرات والتلوث ومناهج الحشو والعولمة والزواج المبكر وأزمة المرور والنقل والتي رسم عنها كل من علي حمرا ووسام أسعد وحميد قاروط، أما الصحفيون المشاركون فهم أمل معروف وزينة بيطار وزينة رحيم ورولا سلاخ وجابر بكر وخالد موسى ومحمد الشيخ وسمر بغجاتي.

لمحة عن المشروع

وفي ذلك قال مدير المركز الثقافي البريطاني في دمشق إن (الإعلام والمجتمع) هو أحد المشاريع الإقليمية التي عمل المجلس الثقافي البريطاني على تنفيذها منذ عام 2005 بالتنسيق بين مكاتبه في كل من سورية ولبنان وفلسطين والأردن والسعودية والمملكة المتحدة حيث عمل رسامون وصحفيون في منطقة نينا والمملكة المتحدة على معالجة القضايا الاجتماعية من خلال الإعلام ومن ثم تمت الانطلاقة من بيروت بعد دراسة ميدانية أجرتها شركة (أي. سي. نياسون) التي أظهرت أهم القضايا التي تهم الشارع السوري، وأهم ما أثار اهتمام (بولد دبل دي) هو: العمل مع رسام الكاريكاتير ستيف بيل الذي يوازي بشهرته شهرة علي فرزات بسورية ولاسيما أنه كان يتابع رسوماته في صحيفة الغارديان منذ الطفولة، ودعم الغارديان لهذا المشروع حيث موّلت زيارة ستيف للعمل مع الرسامين في سورية بالإضافة إلى عرض الأفلام القصيرة التي أنتجها علي فرزات في فيينا والتي كان لها حضورها الواسع وأضاف أيضاً: إن هذا الحوار سيستمر في معرض تستضيفه الغارديان في بريطانيا حيث سيجمع بين رسامي الكاريكاتير من أنحاء العالم العربي كافة خاصة بعد الدورة التدريبية التي أجراها المشروع مع الـ(بي بي سي) والتغطية التلفزيونية لسجينات من مصر..

في حين أشارت آلما السالم إلى أن هذا المشروع يهدف إلى نشر الوعي حول الدور الذي يمكن للإعلام أن يلعبه في تغطية وتناول القضايا الاجتماعية الأساسية في البلدان المشاركة، كما يهدف إلى خلق تفاهم أكبر وروابط أقوى بين الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في المنطقة العربية وبريطانيا وبناء مقدرات الإعلاميين العاملين في العديد من وسائل الإعلام كالتصوير الصحفي والتلفزيون والصحافة المطبوعة والإذاعة والصحافة الإلكترونية والرسوم المتحركة والكاريكاتير، وبدأ المشروع عام 2006 بالعمل مع علي فرزات وفريق تقني على إنتاج أفلام الرسوم المتحركة القصيرة تعالج تلك القضايا ببعد إنساني يتجاوز حاجز اللغة واختلاف الثقافات وعرضت تلك الأعمال على قناة سورية وفي مبنى الأمم المتحدة في فيينا في إطار معرض للفنان تم تمديده مدة عشرة أيام بسبب كثافة الحضور في تشرين الثاني 2007.

وفي آذار نظم المجلس في دمشق ورشة عمل تحت رعاية وزارة الإعلام السورية حيث استضاف فيها ستيف بل مع نخبة من المستشارين الإعلاميين ورسامي الكاريكاتير والصحفيين السوريين للحوار حول دور الكاريكاتير كأداة مؤثرة في التغيير الاجتماعي الإيجابي وانطلاقا من هذه الورشة عمل المجلس على تشكيل فريق صحفي عالج تلك القضايا من خلال تحقيقات صحفية تم نشرها في الصحف الخاصة والحكومية.

السهل الممتنع..!!

في حين أشار أعضاء اللجنة الاستشارية إلى الخطوط العريضة التي تم وضعها للعمل عليها في التحقيقات الصحفية، حيث أشار ياسين كلاس إلى أهمية العمل مع الناشئين الشباب الذين استطاعوا الحصول على أرقام إحصائية تتعلق بالمشكلات المطروحة ومقابلة عدد من المسؤولين السجناء وفي ذلك قالت الصحفية زينة رحيم التي أجرت تحقيقها الصحفي عن المخدرات في سورية: إنها فوجئت بسير الأمور من دون عقبات فقد حصلت على موافقة من وزارة الداخلية خلال ثلاثة أيام واستطاعت أيضاً أن تقابل المسؤول عن قسم المخدرات في حين واجهتها صعوبات في لقاء المتعاطين، وأضافت رحيم: إن الإحصائيات التي حصلت عليها من إدارة الأمن الجنائي ومركز رعاية الشباب ما هي إلا الحد الأدنى من الأرقام الحقيقية الموجودة فعلا لأنها تضم السجناء أو الموجودين في الرعاية فقط، فهذه الإحصائيات لا تشمل المتعاطين في الشوارع إضافة إلى أن عدد المهربين يفوق عدد المتعاطين في الشوارع...

في حين أشار علي فرزات إلى أن رسم الكاريكاتير أشبه بالسهل الممتنع لأنه ذو صفة ساخرة رغم أهمية الموضوع المطروح لذا أرادوا أن يبدؤوا مشروعهم من هذه الفكرة لمعالجة القضايا المعقدة من خلال الزاوية الساخرة التي تقف عندها الحواجز الرقابية، في حين أراد فرزات من أفلام الرسوم المتحركة أن تكون على شكل ومضة فقط يستأثر بها على عقل المشاهد لذا لم تتجاوز مدة الفيلم أكثر من دقيقة واحدة لدراسة القضية بشكل مكثف ولا يحتوي إلا على مؤثرات موسيقية وأضاف أيضاً: إن هذا المعرض سينتقل إلى رومانيا وبعدها إلى اليابان وبذلك بدأ العمل يخرج من إطاره المحلي ليخاطب الجمهور عربيا ومحليا.

العين بصيرة واليد قصيرة..!!

في حين قال علي فرزات لـ«الوطن» عن سبب عدم تبني هذا المشروع من قبل جهات سورية:

طرحت مثل هذا المشروع والقضايا التي يعالجها أكثر من مرة لكن.. للأسف العين بصيرة واليد قصيرة فلم يكن هناك اهتمام من الجهات المعنية..!! فمنذ ستة أشهر وأنا أعمل على مشروع آخر من خلال (الإنميشن) وتمنيت عرضه عبر شاشة التلفزيون لكن لم يكن هناك أي وضوح وكأنني أتكلم في واد إلى أن جاء هذا المشروع الإقليمي الذي أبدت فيه سورية استعدادها للتعاون معه الذي لم تتوافر له شروط إعلامية تسوّقه بسبب البيروقراطية في الإعلام التي وقفت عائقاً أمام المبادرات التي كان لها تأثير أيضاً في الإقبال فعندما عرضنا أفلام الرسوم المتحركة في عمان وبيروت وفيينا لاقت إقبالا عظيما وأثبتت جديتها ووجودها على الساحة من بين كم هائل من وسائل الإعلام التي لم تستطع أن تصيب الهدف كما فعل (الإنميشن) لأنه وسيلة تفاعلية.. وهذا المشروع هو مشروع مستمر لكننا ما زلنا ننتظر مبادرات محلية دون انتظار إشارات من أحد وخاصة أننا نمتلك إمكانات هائلة لكنها تحتاج فقط إلى المناخ الصحي والسليم.