ممتاز البحرة «حزين» في دار السعادة

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الثورة - سورية
الكاتب: 
تماضر إبراهيم

 

في دار للرعاية، وفي غرفته العجائزية التي تنطوي على ألفة وحميمة بما لديه من أشياء قليلة ومنمنمة (عدد من فراشي الرسم وبضعة أقلا م،وعدد قليل من المجلات والكتب أغلبها لأجاثا كريستي وأخرى معرفية وضعها على طاولة صغيرة،خلفها مكتبة في أحد رفوفها وعاء فيه عسل وكأس من الحليب وكروز دخان (.

‏ ما يزال يستمد ضحكته من الطفولة, التي يقول أنه عاشها في سعادة, لم يكن لديه سوى احتياج واحد هو (الوحدة). أحسها بعد وفاة الجدة,( ولا تزال وحدته تلازمه), وقد انعكس تأثيرها على حياته بشكل عام وخاصة في الرسم الذي يستهلك وقتا طويلا وانفراد بالنفس وانكفاء على الذات " "توفيت جدتي فاهتممت بالرسم",... حتى اليوم لا يزال يكتب شعراً للجدة. "كانت جدتي تضعني في حجرها وبقربها دولة القهوة وتدخن فأدخن معها, كان عمري أقل من عام, كنت أحبها حباً كبيراً, وهي كذلك عندما توفاها الله كان عمري أربع سنين،أذكر الحزن الذي تسببت لي به في وفاتها". في حبه للسفر يحاول أن يهرب من وحدته ما أمكن مع أنه يستمتع بها. الطفولة دائماً في داخله "أذكر من طفولتي أنني كنت أحب السفر, أركب في طبق الغسيل وأضع عليه غطاء وأسافر, أتخيل نفسي راكباً في باخرة،وكنت أضع كرسيين في كعب بعضهما (أعمل منهما سيارة) وأسافر". في عمر لا يزيد عن سنتين أو ثلاثة: عندما كانت أمه رسامة مدرسية كانت تساعده وترسم له ثم أصبح يرسم بنفسه منذ ذلك الوقت. "أذكر أن رسومي كانت تعجب الكبار من الأهل والأصدقاء لم أحتفظ بشيء منها بسبب تنقلاتنا السكنية". «أنا أكبر أخواتي الثلاث صادفت ولادة أختي عندما توفيت جدتي وكان عمري أربع سنوات،والفرق المزاجي بيني وبينها و فارق السن بيني وبين أخوتي من10-12 عاما. أشياء أبعدتني عنهم جميعاً. كنت أضحك من القلب عندما تحكى لي قصة أو احضر فيلماً مثل شارلي شابلن". أنا غير متطلب وأولادي غير مقصرين تزوج عندما كان عمره/ 22/ عاما أنهى دراسته الجامعية بعد الزواج, وزوجته أيضا أنهت دراستها في الفلسفة وعلم النفس. يقول أنها "كانت موظفة وناشطة وامرأة قوية الشخصية, وقد تزوجتها بعد قصة حب كسرت حدة الوحدة التي أعيشها دون شك،لكن زوجتي لها مزاج قوي ولها حضور خاص فيها, يعني صار لكل واحد فينا شخصيته التي تطلب التفوق ونزعاته القوية وميوله وأهوائه وهواياته إلى آخره كانت علاقتنا مبنية على الاحترام لكن لم يكن يجمعنا شيء بشكل أساسي إلا أبناؤنا الثلاثة. قصة زواجي بسيطة وجميلة و ذكرياتي عنه كلها لطيفة خاصة عن ثمرته, الأطفال الذين اقتربوا من المشيب الآن, استمتعت بهم وبكافة مراحل عمرهم بفرح عميق،وتواصلي معهم ممتاز, ابنتي الكبرى نوارمهندسة مدنية ولديها مكتب وهي الآن مطلقة تعيش مع والدتها وأنا أزورهم كل حين وعندها طفلة غالية على قلبي". لدى ممتاز أيضا شابان في ألمانيا: الأول محمود, دكتور صيدلاني, والآخر فارس دكتور طب بشري اختصاص نفسية عصبية درس في دمشق وهو الآن يكمل تخصصه في ألمانيا. بالرغم من ذلك يعيش وحدته منذ عشر سنوات ومنذ أن ترك زوجته،يعيش مزيجاً من محبة الوحدة والنفور منها "أحب أن أكون وحدي فترات طويلة ولكن ليس دائماً, جربت السكن بمفردي كانت فترة موحشة لم أتمكن من الاستمرار, ثم قررت الإقامة هنا هرباً من المبالغة بالوحدة". هنا في دار الرعاية يجد الأنس أكثر، وفي الوقت نفسه لديه الوحدة والعالم الخاص الذي يحبه أو "ملكوته", يقول: "حاجاتي مقضية والدار ممتازة من كافة الوجوه،غرف نظيفة ومشمسة لا يوجد التزام سوى موعد الغذاء فيه أكل طبخاً عادياً, وأنا غير متطلب بالطعام يعني "شو ما حطوا باكل". يدخن دائماً ويشرب أحياناً خارج الدار. يعيش بحرية كاملة في الدخول والخروج, تتوفر له العناية الغذائية والصحية من قبل مختصين ومن قبل الإدارة. لم يكن وجوده في هذه الدار خطوة عدائية على حد قوله, لذلك لم ولن يندم،اتخذ قراره بسهولة. دفعني الفضول إلى معرفة رأي ذويه: "طبعاً أولادي عارضوا إقدامي على هذا القرار, لكن كلنا أعتقد كبرنا". لم يخطر في باله أن يعيش عند أحد من أولاده, "نحن جميعا أمزجتنا حادة وقوية فصعب نتحمل بعضنا البعض". يتردد إلى نادي الصحفيين "كل ثلاثة أشهر مرة" (بنفس الضحكة التي تغلب في حديثه) يتابع: "أصدقائي كثر ولكن ليس بينهم حميم، أغلبهم من العاملين بالفن التشكيلي والفن على اختلاف أنواعه وصحفيين وهم يزوروني هنا وأتساءل كيف عرفوا مكاني". حالياً لا يطلب إلا الراحة فهو مبتعد عن العمل أو يعمل ببطء شديد آخر عمل له مع د. فارس قرة بيت في مشروعه مجلة كاريكاتير للكبار, لكنه يفضل الكسل في هذه الفترة "أصبح لدي نوع من الإشباع واعتبرها فترة اعتراف". في الدار نوعان من النزلاء منهم من ترعاهم جمعية إسعاف عامية،وهناك نزلاء على حسابهم الشخصي, منهم ممتاز الذي يقول :" أولادي غير مقصرين معي في المصروف لكني لا أحتاج مساعدتهم من حيث المبدأ". الأماني العزيزة على قلبي هذا الاسم الكبير الذي أسس للكوميكس (رسوم الأطفال) في سورية كرم يوماً,"وزارة الثقافة عملت لي تكريم في منطقة المعرض الذي كان مسرحاً آنذاك كان تكريماً جيداً بصحبة الأستاذ نذير نبعة لكنه كان مسافراً والزميلة العزيزة لجينة الأصيل, تكريم ثلاثي هذا ما حصلت عليه ويكفي ولا أعتب على أحد "ونفسي صاغ سليم" ليس لدي أي شعور بالمرارة أو أي شيء من هذا القبيل, فقط لدي بعض الأماني أتمنى أن تتحقق, مثل أن تكون لدينا مجلة أطفال قوية وأسبوعية ودائمة ومستمرة،هذه الأمنية عزيزة على قلبي.وأخرى أفتقدها,حين صممت شخصيات مستوحاة من أطفالي كنت أريد أن أعمل لهم قصصاً فيها جو البيت ما صار وقت كافي لأن عملي كان كثيفاً جداً وسرقتني الأيام". مجلة أسامة! مجلة أسامة, المجلة التي تأسست على يد ممتاز ورفاقه ينظر إليها ممتاز بحسرة شديدة "أصبحت كالسفينة الضائعة ليس لديها هدف تسير إليه وليس لديها خطة عمل ولا رعاية, الرعاية الأصلية ناقصة من حيث الثقافة, وتعاني من نقص ثقافة كبير بغياب رجل أو سيدة مهتمين اهتماماً شخصياً, وهذه تأتي صدفة", ما يعنيه: مثلاً "في تأسيس هذه المجلة أسسها الوزير سهيل الغزي كان مهتما شخصيا بالموضوع ، وأذكر أنه خدم المجلة خدمات كبيرة جداً فقد أعطاها مسحة من حماسه الشخصي وثابرت على ذلك سنوات, ثم بردت الأمور وأصبحت المجلة عبارة عن دائرة ثانوية مهملة في وزارة الثقافة, باعتقادي لا يوجد شيء اسمه مجلة أسامة, كنت أنا ونذير نبعة ولجينة الأصيل.و كتاب كبار مثل عادل أبو شنب وزكريا تامر ونجاة قصاب حسن والكاتب المسرحي سعد الله ونوس, غازي الخالدي كان معنا في الاجتماعات التحضيرية, والأستاذ مظفر عبد الواحد, الحقيقة كان الجميع لديهم (نفس أساسي) من حماسة سهيل الغزي, كانت تقوم على أسس حقيقية". ممتاز ابتعد عن أسامة مرتين أولهما، "السيدة دلال حاتم التي (طفشت)الجميع ولكن كنت أنا أول الطافشين السبب أنا أعرفه جيداً, ولكنه محرج, فأفضل أن أقول إنه عدم استعداد شخصي من السيدة دلال. عدت في زمن السيدة الوزيرة نجوة قصاب حسن عندما قررت تجديدها منذ أربع خمس سنوات أعادت قليلاً من الروح للمجلة, ولكن المشكلة كانت في عدم وجود الاستعداد الثقافي المطلوب لبناء مجلة حقيقية وأنا أقولها بصراحة،فتركتها للمرة الثانية منذ عام ونصف, صعقت بعدم وجود هدف للمجلة ولا منحى,الآن حقيقة هم يجهلون ما يفعلون. أين الكاتب الجيد؟ لا تعجبه المجلات العربية بصورة عامة, لا بمستواها الضحل كنص ولا كرسم وبرأيه" طفلنا بحاجة لأن يرى نفسه برسومه المحلية، لدينا التخصص محدود جداً, ما تزال العملية في مستوياتها الدنيا. حتى الآن لم أجد كاتباً جيداً لدرجة أنه يستفز رساماً و يحركه،لا توجد جهود حقيقية من رسامين وكتاب ملفتين, متخصصين حقاً ومهتمين بالموضوع قلباً وقالباً, غالباً ما تجدين كاتباً للكبار أصلاً ويكتب للصغار على هامش وقته على هامش اهتمامه. بالرغم من أن هذا الموضوع شديد الأهمية وقد تعجب ذات مرة مبعوث فرنسي استضافته وزارة الثقافة فقال :"لديكم كل الإمكانيات اللازمة لماذا لا يكون لديكم مجلة مثل العالم أو كتب مصورة للأطفال, وبالفعل أنا اعتقد إن التقصير الأساسي هو تقصير تمويل ورعاية ثقافية وهذه مهمة. وزارة الثقافة مقصرة تقصيراً شديداً وهي تبذل بعض الجهد وليس كل ما لديها. إنشاء مجلة بمواصفات جيدة تتطلب رعاية طويلة الأمد ومجانية ولا تنتظر نتائج مباشرة وسريعة وإنما بعد فترة من الزمان بعد أن يتكون الرسامون, أنا أقول هذا بدون أي خجل أنا لست الآن بحاجة لأحد, لكن أي عمل بدون تمويل لا ينجح, وهذا الكلام يصح على أدب الكبار كما يصح على أدب الصغار فإذا لم توجد رعاية مالية جادة ويعتمد عليها يعني يستطيع الكاتب أو الرسام أن يعتمد عليها بحياته "ولا يتشرشح عملياً". الذي يعمل للأطفال اليوم يعمل مؤقتاً لأنه يحتاج إلى قرشين ثم يترك لأنه عمل صعب جداً ويحتاج إلى كثير من الصبر". .اشتغل ممتاز أيضا بالكاريكاتير لا يقل عن العشرين عاماً وكان له جمهوره ثم: "أبعدني عنه المزاج البرجوازي الصغير المحافظ في بلدنا الذي لا يفضل أن يتناوله الكاريكاتير", "نحب الكاريكاتير، ولكن أن يتناولنا والعياذ بالله", ترك الكاريكاتير عندما أرسلوه للنوم (75 يوم على بس جنب) عام 1963. لماذا نتراجع؟! وفي حديث الذكريات عرج إلى أيام الدراسة في مصر حيث عاد حين تم الانفصال وقد توفي والده في تلك الفترة، فانقطع عنه التمويل كان في السنة الرابعة، وكانت الجامعة في دمشق ناشئة عاد إليها في السنة الثانية، وأكمل ثلاث سنوات ثم تخرج مع الدفعة الأولى باختصاص تصوير, مقل بالعمل الزيتي ولكن أهم لوحاته (ميسلون) تعرض حتى الآن في البانوراما, في نصب الجندي المجهول, على سفح جبل قاسيون مساحتها تقريبا 25متر 5/9 م, بعد التخرج بقي مدرساً لمدة /23/ عاماً في ثانويات دمشق ثم توسع عمله في رسوم الأطفال في مجلة أسامة وسواها مثل مجلة سامر اللبنانية والطليعي التابعة لمنظمة الطلائع وأعمال أخرى, ووجد أن من الصعب الجمع بين وظيفة وعمل فني فاستقال مبكراً، ثم ترك العمل الفني تماماً منذ عامين، ولكن السبب الغريب جداً (أنه كبر وسيفسح مجالاً للشباب). "أعتقد أننا نحتاج إلى قسم لرسوم الأطفال في كلية الفنون الجميلة، إذا كنا بحاجة إلى مجلات أطفال وإنتاج أطفال, ولكن حاجتنا حتى الآن إلى كتب أطفال ومجلات أطفال ما تزال غير متبلورة وما تزال كافة الجهات التي يمكن أن تكون مسؤولة عن هذا المجال في مراحل بدائية جداً وبحاجة إلى مزيد من الرعاية والاهتمام والريع أو التمويل الجاد الذي يهدف إلى الحصول على أعمال جادة تباع وتأتي بالربح الكافي لاستمرار الحياة وهذا ممكن, يعني مثلاً مجلة أسامة الآن يطبع منها عشرة آلاف ويعود منها الكثير مرتجع كان يطبع منها 40 أو 45 ألف نسخة وتفقد من السوق, مع العلم أن عدد أطفالنا كان عشر عددهم اليوم تصوري أن ثمانية ملايين طفل لدينا اليوم ليس لهم مجلة ليس لهم كتاب وليس لديهم جهة تهتم بشكل متابع وحقيقي متروكين للكتب السيئة والترجمات ذات المنحى الاستعماري الصريح وأحيانا الفاجع». أحزنه جداً تغيير الكتب المدرسية التي عمل بها كثيراً وتغيرت منذ أربع أو خمس سنوات إلى شكل سيء في المستوى الفني «الناس بتتقدم لقدام ما بترجع لورا) لا أدري على أي أساس يحدث هذا في سوريا, اذكر جيدا عندما اطلع على كتب القراءة السورية خمسة خبراء أجانب من جنسيات مختلفة ودول متقدمة حين كانت رسومي تتربع في صفحاتها, وكنت واحداً من العاملين فيها في كافة الاختصاصات مثل الأستاذ سليمان العيسى والأستاذ فالح فلوح والأستاذ العوا...الخ كانت مجموعة من الكتاب الفاضلين، وكنت الرسام الوحيد قالوا إن هذا مشروع عالم أول وليس مشروع عالم ثالث وكان هذا شرف لنا. أصبح عمري سبعين عاماً ولم أستطع فهم هذا الانحدار (نرجع لورا ليش)». مع نهاية حديثي معه، قال بلطف بالغ: أحيي الصحافة السورية عموماً وجريدة الثورة التي عملت فيها مراراً, ولأطفالنا أقول: "عيشوا طفولتكم ما أمكن".

 

Air Jordan IV 4 Running Shoes

معرض الصور