ناجي العلي.. الفنان المتمرد الذي لم يعرف المساومة

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة القبس - الكويت
الكاتب: 
سهام عبدالعزيز

قبل عشرين سنة ونيف، وفي احد شوارع لندن، اخترقت رصاصات الغدر جسد الفنان المغترب، الكبير في كل شيء: في رهافة حسه، وعمق وعيه، وصدق مواقفه، بل وفي معاناته التي ابتدأت منذ ذلك اليوم الذي ارغم فيه على مغادرة وطنه وهو لم يزل في العاشرة من عمره، فجعل من ريشته الانيقة سلاحا يذود به عن وطنه ويقارع اعداءه وتجارالسياسة ومقاوليها من ابناء امته. لقد قتلت تلك الرصاصات ناجي العلي لكنه ظل شامخا متحديا يجوب طرقات فلسطين والعالم مع طفله المعجزة 'حنظلة'. فمتى وفي ظل اي ظروف ولد هذا الطفل؟
يقول العلي: كان لي اصدقاء تشاركت معهم العمل، تظاهرنا سجنا، لكن عندما انتهوا تحولوا الى 'تنابل' وأصحاب مؤسسات وعقارات. خفت على نفسي من الاستهلاك. وفي الخليج انجبت هذا الطفل وقدمته للناس، اسمه 'حنظلة'، وهو عاهد الجماهير على ان يحافظ على نفسه. رسمته طفلا غير جميل: شعره مثل شعر القنفذ، والقنفذ اشواك شعره كسلاح. حنظلة لم اعلمه طفلا سمينا مدللا، انه حاف من حفاة المخيم، وهو 'ايقونة' تحميني من الشطط والخطأ.
على رغم انه غير جميل، الا ان حشوته الداخلية تحمل رائحة المسك والعنبر. ومن اجله سأقاتل قبيلة بأكملها عندمايمس. ان يديه المعقودتين خلف ظهره علامة من علامات الرفض في مرحلة تمر بها هذه المنطقة وتقدم لها الحلول على الطريقة الاميركية، وعلى طريقة الانظمة.
ان حركة يديه شكلتها بعد حرب اكتوبر 'تشرين الاول' عندما شممت رائحة تطورات مقبلة على المنطقة عبر حقيبة كيسنجر.
وحنظلة ولد في العاشرة من عمره، وسيظل دائما في العاشرة. ففي تلك السن غادر ناجي العلي فلسطين، وحين يعود حنظلة سيكون.. بعد في العاشرة، ثم يأخذ في الكبر بعد ذلك.. قوانين الطبيعة المعروفة لا تنطبق عليه، انه استثناء.
وماذا عن والد حنظلة؟
اسمه الكامل ناجي سليم حسين العلي. ولد عام 1938 في قرية 'الشجرة' في الجليل الشمالي في فلسطين من اسرة فقيرة تعمل في الزراعةوفي عام 1948 شرد مع عائلته،، ووجد نفسه في مخيم 'عين الحلوة' في صيدا في لبنان،حيث تلقى تعليمه الاولي، ثم التحق بمدرسة مهنية في طرابلس. وفي عام 1957 سافر الى السعودية حاملا معه دبلوما بالميكانيك، وامضى هناك سنتين، عاد بعدها الى بيروت، ودرس الرسم في صور. ثم غادر الى الكويت عام 1967 للعمل في مجلة 'الطليعة' كرسام كاريكاتير، وعمل كذلك في جريدة 'السياسة' الكويتية في اعوام ،1975-1968 ثم عاد الى بيروت وغادرها بعد الاجتياح الاسرائيلي عام ،1982 ليعمل مرة اخرى في 'السياسةالكويتية حتى عام 1985. انتقل بعدها مرغما الى لندن وعمل في صحيفة القبس الدولية.
وكانت لندن آخر محطات حياته، حيث فارق الحياة في 1987/8/29 بعد شهر من تعرضه لرصاصات الغدر القاتلة في تموز/ يوليو.
حرمان وظلم وثقة بالنفس
تتحدث رسوماته (لوحاته) الاربعون الفا التي تركها عن الواقع الفلسطيني والعربي، وهي نتاج تجربة حياتية غنية، فقد تعرف في سجنه في مدينة صور على اشياء كثيرة. وعانى في مخيم 'عين الحلوة' من الحرمان والكبت والظلم، لكنهن تعلم الصمود وتسلح بالثقة باستعادة الوطن السليب لم يقبل بالحلول الجزئية، فهو لا يرضى الا بعودة كامل فلسطين ارضا وشعبا، بما فيه قريته 'الشجرة'. رفض فكرة المراحل، واستطاع ان يقول 'كلا'، في زمن لم يجرؤ الكبار فيه الا على قول 'نعم'!.
حديث عن الذات
وقد يكون من المناسب ان تتعرفوا على بعض صفات هذا الفنان الكبير من خلاله بالذات يقول:
'انا شخص صعلوك وفالت. لا يمكن ضبطي حزبيا، وليس لحريتي سقف. وما زلت احمل نفسا قوميا وانسانيا وأؤمن بالاشتراكية. الا ان اهم هاجس لدي هو الديموقراطية. انا مع الفقراء والضعفاء ضمن اي مواجهة اخلاقية وسياسية'.

قالوا عن ناجي العلي

آه لو يشعر الذي قتلك كم انت حي!
(ام خالد - زوجة الشهيد)
لو كان يشعر بذلك لمات من الغيض. لو كان يشعر لكنه لا يشعر. ايكون قتلك لو كان يشعر؟
كان يرسم وكنت اكتب..
(الشاعر محمود درويش)
'جميع الذين عملوا معه كانوا يقولون انه اصبح جامحا، وان النار المشتعلة فيه تلتهم كل شيء، لان قلبه على ريشته، ولان ريشته سريعة الانفعال والاشتعال لا تعرف لأي شيء حسابا. لن تعود الا مرة واحدة.. مرة واحدة من النهر الى البحر.. والا فلن يغفر لاحد، ولن ينجو احد من تهمة التفريط. ولقد ازدادت نزعة التبسيط السياسي فيه اثناء غربته في لندن، فأعلن الخلاف مع الجميع وخدش الجميع بريشة لا ترحم ولا تصغي الى مناشدة الاصدقاء والمعجبين الذين قالوا له: يا ناجي لا تجرح روحك الى هذا الحد، فالروح جريح، وكان الاعداء يسترقون السمع الى هذا الخلاف، كانوا يضعون الرصاص في المسدس، وكانوا يصطادون الفرصة. كان يرسم وكنت أكتب'.
الفنان الذي تجاوز الحدود..
(الروائي رشاد ابو شاور)
'ترى كيف سينسى القتلة، وحنظلة ناجي العلي يلاحقهم، ورسوماته وكلماته وابداعاته تنتقل مع الفلسطينيين من منفى الى منفى، وتدفع في وجه المحتلين بايدي اطفال وطفلات فلسطين، وتوحد مشاعر ملايين العرب'
لماذا يقتل ناجي؟
(الناقدة يمنى العيد)
'لانه يرى في عيني الطفل ما لا نرى، او لانه اخرج حبة قلبه وصاغ منها مرآة ثم دعانا لننظر من خلال خلافنا على جوعنا، وعلى هذه المزبلة التي حولها التقى فقرنا'.
حنظلة شاهد العصر..
(القاص خليل السواحري)
اذا كان محمود درويش قد جعل من ناجي العلي شاهدا على الوطن، فان حنظلة هو الشهيد الذي كان شاهدا علينا. هو شهيد ثقافتنا،، شهيد الطرق المتعددة الى الوطن، فانني اقول ان ناجي العلي كان شاهدا لنا، لكل المناضلين الذين مازالوا يحملون في صدورهم جذوة الرفض والتحدي.
الذي قال لا في عصر نعم..
(الشاعر عزالدين المناصرة)
'ناجي يسند ظهره الى حائط الجماهير ويطلق النار وما قتل احدا ابدا وما اطلق النار على احد ابدا، لانها مساحته المشروعة: حريته الوطنية والقانونية في اطلاق النار على الفساد اينما كان. الا ان فلسطين له مثلما هي لغيره، فقد كان يخاف عليها لدرجة الغيرة، كأنه وكيلها الوحيد في منافي العذاب'.
الفنان الذي رأى العالم بالابيض والاسود.. (الكاتب صلاح حزين)
'ربما كانت احدى الملاحظات ذات الدلالة ان ناجي العلي لم يرسم يوما لوحة بالالوان، كانت ا لحياة لديه لونين فقط،ولذا كان تعبيره عنها باللونين نفسيهما

 

jordans for sale white

معرض الصور