ناجي العلي: ريشة الفقراء

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع الرأي ( حزب الشعب الديمقراطي السوري)
الكاتب: 
بسام الكعبي

 

هل تحتاج قبور المبدعين المنفيين إلى خارطة للعثور عليها؟هل يعثر المعجب بسهولة على قبر ناجي في منفاه اللندني القاسي والبارد بضاحية "ووكنغ"؟ ربما يكفي تتبع خطى حنظلة في الغابة الكثيفة ليلمع مشهد المقبرة، وتنبثق الروح المتوهجة وقد منحت قدسيتها للمكان. لماذا تغيّبت يا سيدي تاركاً ضميرك وحيداً يحفر بحزن كل يوم رقم قبرك230191 على يديه المعقودتين دوماً خلف ظهره كما ركبتهما.. لماذا تركته يشعل فينا نار غيابك القسري وعذاب رحيلك الأبدي؟

لم أتمكن من لمس كومة التراب التي تغطي دمك المسفوك منذ عشرين عاماً..كيف يكون الوقوف يوماً على شاهدتك المتواضعة وهي تروي انتصار نبضك الحي على موتنا. أعترف لك أنني قرأت نصاً لزميلتي الموهوبة نائلة يفيض بتفاصيل بلوغها صمتك البعيد بمقبرة "بروك وود"، وتستعيد في بحر نثره الروائي ذكرياتها الطفولية: كيف كنت تتسلل اليها كل يوم من عين الحلوة إلى بلاطة لتمنحها اشراقة يومها..لا زلت أذكر نبض نصها الرائع وقد حسدتها عليه لأنه أشعل من روحك المتوثبة جمر كلماتها وألق عنوانها الصحفي:"قرنفلة بيضاء على القبر".. وأسترجع صدى صرختها عندما عثرت عليك حيّاً في القبر:وجدت ناجي. ثم كتبت على التراب: "ما زلنا نحبك في المخيمات، وننتظر زمناً لم يأت بعد لا يموت فيه الطيب ويعيش فيه حنظلة بكرامة".

وبعد زيارة حزينة لقبره برفقة ذوي الراحل كتب الشاعر مريد البرغوثي في نصه الروائي السردي الرائع "رأيت رام الله" ما يشعل النار في القلب:"يدخل ناجي قادماً من موته القديم، من موته الطازج، هذه ضحكة عينيه، وهذا قوامه النحيل، اصغي إلى صرختي التي انفلتت من صدري وأنا أقف أمام قبره..مغترب هو في موته".

كيف تكون طعم الكتابة لك وعنك وبجوارك؟ كيف يمكن استعادة صدى وميض رسوماتك الكاريكاتورية المبدعة على شريط ذاكرتنا التالفة؟ في التاسع والعشرين من شهر آب الجاري تكمل عشرين عاماً على غيابك القسري، ويستعيد القاتل المحترف ذكريات سقوطه الأخلاقي، وهو يسدد رصاص الغدر إلى عينك اليمنى في الأسبوع الأخير من تموز مضى..ماذا يضيره لو تركك لنا نجمة مضيئة في ليل طريقنا المتعثر، لكن ربما كان رصاص القاتل يعبد قصدا مسار ضياعنا وخروجنا إلى نهاية الرصيف؟

ليت القاتل انتظر قليلا حتى تكتحل عيناك بالانتفاضة الأولى، ليته انتظر أطول لتعلمنا من ضميرك وأيقونتك حنظلة صياغة موقف أكثر صلابة في مواجهة الذل، ودرساً أكثر عمقاً في التدقيق بتفاصيل الخرائط وكوارث الاتفاق مع جلاد يستمتع بشنق ضحيته مع مغيب كل شمس.. ماذا كنت سترسم عن الفقراء الذين تحبهم وهم يموتون قهراً كل يوم على الحدود من رفح إلى بغداد؟ انهض بربك وأطلق لنا مرة واحدة خطوط قلمك لنعثر على الطريق.

 

Boys Shoes

معرض الصور