ناجي العلي ... ظلّ يرسم حتى الطلقة الأخيرة

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع أمين (شبكة الإنترنت للإعلام العربي)
الكاتب: 
يوسف الشرقاوي

 

كانت صدفة خيرا من ميعاد، عندما لمحته من بعيد على دوار الكولا، هو والكاتب الشهيد علي فودة، محرر نشرة الرصيف والذي قطّعته الطائرات الصهيونية إربا إربا، عندما قامت بقصف الفاكهاني عام 1982.

كان يسأل سائق تاكسي الأجرة إن كان بإمكانه نقلهما الى مخيم عين الحلوة في صيدا،والذي أطلق عليه خلال الغزو الصهيوني للبنان عام 1982 العين الحلوة نظرا لصمودة اكثر من 16 يوما، بوجه الدبابات الصهيونية.

تواعدنا على عجل،على أن نلتقي في اليوم التالي في صيدا،في مقهى القلعة البحرية، فكم كان ناجي يعشق ويخاف البحر، سألته عن احوال العائلة، وخاصة العم ابو صالح، ابو صالح صديق والد ناجي العلي، وهو من رفاق عز الدين القسام، فاجابني: غدا نلتقي ونتحدث، وأصر على أن لا اخلف الميعاد، كالعادة ووعدته بذلك.

في اليوم التالي، ذهبت قبل نصف ساعة، من الوقت المحدد، للقائنا لأنتظرة. أقبل كعادته مسرعا، كان سريعا في كل شيء، وكأنه يعلم أن الوقت لا يكفيه، قال لي نشرب قهوتنا على عجل ونذهب الى بلدة الغازية، لنتناول طعام الغذاء هناك، مع العم ابو صالح، في بيت المختار ابو طلال، صديق ابو صالح، حيث كانا يعملان معا في صيد السمك في عكا قبل النكبة عام 1948.

كنت خائفا أن لا نلتقي مرة اخرى، وكان خوفي في مكانه، حيث اخبرنا ابا صالح، اثناء تناولنا الغذاء، ان الدكتور جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأسبق خلال مهرجان جماهيري في عين الحلوة بأنة ربما لن يلتقينا  مستقبلا، لان رئيس وزراء العدو مناحيم بيغن، يفكر باجتياح الجنوب، وقد يصل الى ابعد من مدينة صيدا لإبعاد صواريخ "م .ت.ف" عن  مستعمرات الجليل، وفعلا بدأ الإجتياح للجنوب بعد أقل من اسبوعين من لقائنا هذا.

تناولنا الطعام، وكان ابو صالح يمازح ناجي، اثناء تناولنا للطعام، وكان يسرد له القصص الممتعه عن والد ناجي حيث أن ابو صالح، كان جارهم في قرية الشجرة، قبل اللجوء الى مخيم عين الحلوة عام1948، وكان يحب ناجي كأحد ابنائه وكان يقول لناجي بعد كل قصة، دير بالك على حالك يا ناجي، قد لا نلتقي مرة اخرى، نحن بحاجة اليك يا ناجي، وبحاجة الى يديك، لتبقى عكا ويافا وحيفا في وعينا، لنعود الى البحر، والكرمل، والملاعب وارض البرتقال الحزين.

وكان يقول له بأن اصحاب الكروش النتنة، إزدادوا تكرشتا ونفوذا ونقودا وخدودا ومؤخرات، وأنت يا ناجي لا تملك إلا ريشتك، ودمك، تحملهما على كفك، وترسم وجعنا والمنا ووعينا، وستمضي كما مضى غسان كنفاني من قبلك، بسيارة مفخخة هو وابنة اخته لميس.. ستمضي يا ناجي  بطلقة من كاتم صوت، بأمر من اصحاب تلك الكروش المقرفة، لانك مثل قنّاص ماهر، تصطاد بريشتك المشاغبة، مثل رادار متقدم كل ما يجول بخاطرنا.. ضحك ناجي وضحك علي فودة، وأوصيا ابا صالح خيرا بحنظلة.

تفرقنا، وودعت ناجي وعلي فودة، وابو صالح، واتفقنا انا وعلي أن نتواصل مع ناجي.

كان ناجي شغوفا ومشاغبا بحبه لفلسطين، وكان لايهدأ، وكان لا يرى إلا فوهات البنادق، توصله الى فلسطين، وكانت فلسطين حبه السرمدي، وخطه الأحمر، رغم أنه كان مشاغبا يتجاوز كل الخطوط الحمر، ليصل الى الأعداء والأنظمة، وكان مؤمنا أن أهم حقا من حقوقنا المشروعة هو حق عودتنا الى فلسطين.

كان يعلم أن كاتم الصوت، الذي كان يرسمه، موجها إلي رأسه دائما، ويتربص به من خلف كل منعطف، وان قضية اغتياله، قضية وقت ليس إلاّ، وما على القاتل الكبير، إلا ان يعطي الأمر للقاتل  الصغير، بالضغط على الزناد، وكان يعلم كذلك انه سيبقى جبهة مفتوحة على الأعداء والعبيد، والعبابيد، حتى في مماته، وكان على ثقة أن  وصيته حنظلة سيبقى يلاحقهم حتى الأبد. كان صادقا ناجي في حدسه، لأن  شعب فلسطين، والشعب العربي، واحرار العالم، رسموا حنظلة في كل مكان يليق به، تخليدا لناجي العلي حتى أن الأطفال رسموه على جدران المدن، والقرى، ومقاعد الدراسه، ودفاتر المدرسة.

كان يحمل ريشته، ودمه على راحته، ويرسم وكأنه سيموت غدا، وكان واثقا أن حنظلة سيعيش ابدا.

كانت عائلة ناجي تعاني ضيق العيش، لذلك عمل ناجي في مهن متواضعه اثناء الدراسة ليتمكن من اعالة عائلته في مخيم عين الحلوة، وعندما تخرج وعمل رساما للكاريكاتير في الصحف اليومية، تحسّن  وضعه المالي قليلا، ولم يعمل لكسب المال من تلك المهنه الفنّيّة، المحرّضه بامتياز للشباب الفلسطيني، والعربي، لأنه كان صاحب رسالة نضالية، تصور وجعنا والمنا ووعينا، لذلك اعتبر ناجي خير من صور ألمنا بريشته، مثلما غسان اعتبر خير من صوّر معاناتنا بقلمه.

كان ناجي كرائحة الارض بعد المطر، وكرائحة الخبز في الصباح، يطالعنا كالنشيد، رسوماته تقطر فنّا ووجعا وغضبا، رسوماته سياسية مكثّفة، يلخص وجع وفرح المخيمات، والأطفال، لتعزيز الوعي الجمعي للشعب والأمة.

كعازف اوركسترا، يوظف فن الكاريكاتير للتحريض اليومي، يجتاز العوائق لا يهدأ، لايكلّ، ولا يملّ، ترك وصيتة حنظلة لكي يواصل من بعدة لكي لا نرث جيلا، امتهن النقص والدونية، لذلك كان ناجي في حياته مصرّا على حلّ شيفرة وجينات الجبن، التي استوطنت جسد الانسان العربي وروحه، لتنتج مشاهد يومية صادمة ومقززة.

دائما القتلة اغبياء، وخاصة قتلة ناجي العلي،لأنهم ظنوا ان قتل ناجي سينتهي بخبر عاجل على التلفاز، لكنهم خسئوا، فهو لايزال حيّا فينا، هو وحنظلة، ورسوماته زادنا اليومي لتعزيز الوعي، والإصرار على اكمال المشوار الى فلسطين، كل فلسطين.

لازال رسمه في نقابة الصحفيين والكتّاب المصريين الى يومنا هذا، عندما رسم دعاة التسوية في فلسطين ايام التوقيع على اتفاقيات كامب ديفد، رسم انور السادات واحد دعاة التسوية من الفلسطينيين، وكتب فوقهما بسخرية (ده خان الخليلي، وده خان مصر) ورسم سيدة البتول وهي تحتضن ابنها يسوع عليهما السلام في الإنتفاضة الأولى تستظل بالنخلة، والنخلة تساقط عليها رصاصا وقنابل وليس رطبا جنيا، وتقول  سيدة البتول عليها السلام للمحتلين الصهاينة لا إعتراف ولاصلح.. لا أستسلام.

ورسم بعدها السيد المسيح عليه السلام رمز الفدائي الفلسطيني الأول وهو معلق على الصليب، ينزع يده المثبتة بالمسامير على الصليب ويقذف حجرا بوجه الإحتلال.

هذا هو ناجي فالمجد له، ولحنظلة،  والعار للقتلة..

 

jordan shoes for sale outlet release

معرض الصور