في رثاء الفنان الكبير

كتبها: نيللي جرجس
قيم هذا الموضوع: 
Average: 5 (2 votes)

انتشر الخبر بسرعة و تناقلته المواقع الاخبارية و مواقع التواصل الاجتماعي قبل ان تنفيه اسرة الفنان و لكن ذلك لم يمنع الجدل الذي ككل مرة يصاب بها احد الشخصيات المعروفة مصاب
المختلف هنا أن الجدل لم يكن عن أعمال رسام الكاريكاتير المصري مصطفى حسين و أرثه الفني و تأثيره في مسيرة الكاريكاتير المصري بل كان الجدل, أو النقد, عن مواقفه من الدولة او بالاحرى عن فقدان اي موقف له مع الشعب
ما دعاني للكتابة هنا ليس الاجابة عن التساؤل الذي يقول: لماذا نقيم مواقف الفنان و لا نقيم عمله؟ بل التساؤل عن حقوق المتلقي على المبدع..
لكني لن اجتنب محاولة الرد على السؤال الاول و الذي لا أجد مبرراً كبيراً لطرحه حالياً حيث أنني لم ألتقي حتى الساعة برأيي ينتقص من قيمة العمل الفني لرسوم مصطفى حسين أو حتى نقداً حيادياً لتأثير أعماله على من تبعوه فليس مصطفى حسين رساماً عادياً بل هو حرفي بارع في خطوطه الرفيعة السريعة التي تقدم لنا شخوصه بتفاصيلها بالقدر الذي يسمح به رسم الكاريكاتير و تعطي القارئ العادي متعة التفرج على منمنمة بديعة قد يندر له الحصول عليها خصوصا قارئ الصحف الذي يشتري جريدته من على البسطة قبل اللحاق بعمله و قلما يحدث له إرتياد صالات الرسم و الفنون فكل رسمة لمصطفى حسين هي ما يمكن وصفه بمشهد متكامل من مسلسل واقعي ساخر حيث لكل شخصية حركتها المستقلة و تعابيرها المختلفة
...
و هنا كان السحر
و هنا كانت شهرة مصطفى و مكانته

التقديم الحرفي العالي لوجوه الناس (الغلابة و الطبقة المتوسطة) و عاداتهم و الضحكة الساخرة التي تشرق على وجوههم المتعبة بالإضافة لتلك التي تقدم الطبقة الغنية بكثير من التهكم و السخرية تعطي انطباعا كبيراً بقرب الفنان وجدانياً للطبقات المتوسطة, العاملة و المسحوقة و مؤازرته لقضاياها
لست للاسف املك تفاصيل دقيقة عن بدايته لكن نجمه لمع بعد التعاون مع الكاتب السيناريست أحمد رجب و كما شبهه أحد الرسامين بأنه كان للكاريكاتير ما كانه عادل إمام للسينما لسنوات طويلة. لقد كان نجم شباك و متابعيه كثر.
لكن بعد خلافه الشهير أحمد رجب و عمله لسنوات قليلة وحيداً بدا للجميع أن مصطفى لم يكن سوى ريشة بديعة تخطّ أفكاراً معدّة و يفتقد الكثير من مفاتيح حرفة رسم الكاريكاتير كإيجاد الفكرة الاساسية التي تهمّ المتلقي أو التركيز على مواضع الخلل و الضعف في المشهد العام باللإظافة طبعاً لما هو أهمّ : التوجه الفكري الذي يقوم عليه فكره و ثقافته و بالتالي أحكامه ومواقفه فالبرغم من انتقاداتي الشخصية لعدد من المبدعين على توجهاتهم السياسية و العقائدية لكن هذا لا يسفّه من أهمية وجود هذا الفكر و من أحقية المبدع بتبني ما يراه ملائماً لتصوره عن المدينة الفاضلة

و هنا كان المقتل

لست أول من انتقد تقلبات مواقف الفنان المصري المخضرم و لأ أشدهم و تحفل المدونات و السوشيال ميديا بمقالات في نقده و هجاءه تقريبا ً من كل التيارات و الاتجاهات عدا واحدة لأنه كان يعبر عنها بشكل كبير..
لكن هل يستحق ذلك بتسميته اتجاه او تيار؟ أؤلئك الذين يتزلفون للسلطة, أي سلطة, و يدافعون عن مواقفها أو لا مواقفها و أفعالها أو لا أفعالها و يسخرون من منتقديها مهما كانوا و اختلفوا و تلوّنوا؟؟
هل يملكون حقاً شيئاً جوهرياً يستحق ان نسميه فكراً رغم انهم بالتأكيد يملكون وجهة نظر؟

لكن لماذا كل هذه القسوة؟ مصطفى حسين لم يكن سوى مواطن يريد عمل ما يحبه ألا و هو الرسم و يدافع عن ما وصل إليه من مكانة في المجال الصحفي و يقدم وجهة نظر موجودة فعلاً و قد نكون جميعاً نملكها و نتعامل معها او أظطررنا للتعامل معها..
لماذا نحمّل رسام كاريكاتير صليباً قد ننوء نحن بحمله و نطلب منه ما قد لا نسعى إليه بجهد؟
ذلك أن مصطفى لم يكن موظفاً, و لم يكن رساماً عادياً...
رسومه تنطبع في الذاكرة و أثار خطوطه لا تمحى و شخصياته البسيطة التي تعبر عن الاب العامل أو الام المتعبة أعمق من أن ننساها..
لقد حظي مصطفى حسين بنجمة, بشهاب, بموهبة جعلته يلتقط الاهم و يقدمه بإتقان
لذا تبعناه, أحببنا أعماله و حلمنا أحلامه
لنفيق ذات يوم على حقيقة لطالما رددها بعض من كنّا نقول عنهم : لايعجبهم العجب.. مصطفى لم يكن مبدع, لم يكن حالم, كان مجرد ترس مسنن تتحكم فيه يد تعشيق لنقل الحركة في منظومة كبيرة معقدة مما يسمى الاعلام الموجه..
تارةً يمدح مبارك و تارة يقف مع الثوار, تارة يصف مطالب الشعب بالانتهازة و المسعورة و تارة يؤكد على اجتماع الشعب وراء قيادة حكيمة محبّة

تم تكذيب خبر الوفاة و علمنا أن الفنان بكامل وعيه و أتمنى له حقاً عمراً مديداً
لكن الحزن بقي و الإحساس بالخديعة بقي
لعل حكايتنا مع مصطفى حسين لم تنتهي بعد؟ أو لعلها تكون ذات فائدة على حكاوي قادمة؟
لعلنا نزداد حذراً و ربما شكوكاً أيضاً؟
و لعلنا نبدأ بمراجعة مواقفنا ذاتها...و سيكون ذلك أفضل ما يمكن ان يقدمه مصطفى حسين في مسيرته الطويلة ذلك أن مهمة الفن تقوم , بالنسبة لي, في حثّنا على التساؤل ....