عجيب حقا أن تأخذ قضية الرسوم المسيئة منعطفا جديدا بعد مرور عامين على نشرها بالصحف الدنماركية وصحف أخرى متفرقة حول العالم بدافع حرية التعبير وإبداء الرأي. وغريب جدا أن يقدم مجموعة من الشباب المسلم المقيم بالدنمارك على عمل غير مسئول وهو التخطيط لقتل رسام الكاريكاتير الدنماركي كرت ويستيرجارد وهو بالطبع ما وصف بالعمل الإرهابي. ووجه الغرابة بالنسبة لي هو تلاحق الأحداث، فمنذ أيام وأثناء مجريات البطولة الإفريقية بغانا خرج علينا لاعب منتخب مصر الفذ محمد أبو تريكة فور إحراز هدفه الأول في مرمى السودان رافعا قميصه ليفصح عن عبارة "تعاطفا مع غزة" باللغتين العربية والإنجليزية، وقد علل اللاعب أنه أقدم على هذا العمل ردا على الحصار الجائر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة مؤكدا أنه فعل ذلك بدافع إنساني وديني وليس من أجل فرقعة إعلامية، كذلك دون توجيه أو تسليط من أحد مثلما فعل اللاعب الغاني مونتاري في كأس العالم 2006 بألمانيا عندما أشهر علم إسرائيل عقب إحرازه الهدف الأول في مرمى التشيك. ولنرى جميعا كم كان فعل أبو تريكه مزعجا ومؤثرا مع أنه لم يسئ إلى أحد نبيا كان أو رئيسا لأحد الحكومات، فقد قام محرك البحث الأمريكي "جوجل" مؤخراً بحذف صورة أبو تريكة وهو يرتدي القميص المكتوب عليه "تضامناً مع غزة" من قاعدة بيانتها على الإنترنت، وهو ما يعد دليلاً قوياً على مدى التأثير الذي يمكن أن تلعبه الدول فى تطويع التكنولوجيا لمصلحتها بما يخدم أهدافها سواء المعلنة أو الخفية. وما فعلته "جوجل" دليل واضح على تسييس التكنولوجيا فحذف صورة أبوتريكة لم يكن الموقف الأول لخضوع جوجل للمطالب الإسرائيلية، فبعد أن طرحت الشركة برنامجها "جوجل إيرث" شنت الدولة العبرية هجمة شرسة على صفحات جرائدها ضد الشركة بزعم أن البرنامج يفضح أسرارها العسكرية على حد قولها وهو ما دفع جوجل إلى إخفاء الأماكن الحساسة من برنامجها، وهو ما كشفه الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في أولى حلقات الجزء الثاني من برنامجه على قناة الجزيرة "مع هيكل"، والتي تحدث فيها عن "زمان الحرب... الأمن القومي"، أن إسرائيل حصلت على قرار من الكونجرس الأمريكي بحظر إتاحة صور الأقمار الصناعية لفلسطين، وإن ما يظهر من صور تكون مشوشة وغير واضحة بعكس باقي أنحاء العالم، واستدل على ذلك بصور عن بعد 3500 قدم للقاهرة بدرجة واضحة، و من البعد ذاته صور مشوشة للقدس المحتلة. ولم تكن جوجول هي الوحيدة التي قامت بحذف صورة أبو تريكه، بل أن موقع فيس بووك الأكثر شهرة والمثير للجدل قام هو الأخر بإغلاق وحدة ورابطة محبي أبو تريكه على الموقع!
إذا وبالرغم من كل هذا الخضوع والتسييس، إلا أننا يمكنا الرد والردع دون تظاهر أو عصبية بل بهدوء وذكاء شديد، فكل ما هو مطلوب هو الضغط وبقوة بالمثل. أن واقعة الرسوم الدنماركية وإن لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة كانت بمسابة العصا السحرية التي قدمت لنا السلاح الرادع ألا وهو حرية الرأي والتعبير.
air max 90 essential trainers