السطو والتشابه

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات

هناك كلمة حق يراد منها باطل وهذه سياسة يراد منها تبرير الباطل، وهناك كلمة حق يراد منها تمرير باطل وهذا فعل يراد منه تمرير سلوك عاطل.

وفي هذا الإطار يندرج الحديث الذي تبناه البعض أخيرا عن التشابه في الرسوم الكاريكاتيرية تحت اسم تشابه العقل البشري، وسماه آخرون من نفس الفصيلة تبادل حضاري، وكما هي العادة فإن مرتكب الإثم لا يمكن له إلا أن يمنحه صفة القداسة وهنا تكمن الطامة الكبرى.

في حديث سابق عن ظاهرة السطو الفني قمنا بمحاولة لتعريف ما يمكن أن نسميه السطو الفني وتحدثنا عن التشابه أيضا، ولكن يبدو أن البعض يريد خلط عباس بدباس فلا يعترف بظاهرة السطو أبدا رغم أنها ظاهرة معروفة وليست بحاجة إلى بحث لإثباتها، ومن باب التحضر إقتداء بالسادة أصحاب نظرية التشابه فلن أتطرق في هذه المادة إلى أسماء وسأكتفي بالحديث عن

الفرق بين السطو(الذي يكون عادة واضحا وضوح الشمس) والتشابه الذي يحدث في الكاريكاتير وفي الأعمال الفنية بشكل عام.

أولا: أين يمكن أن يحدث التشابه؟

لا شك أن أفكارا كثيرة يمكن أن تتوارد إلى أكثر من رأس ولكن ما يميز هذه الأفكار بساطة  التركيب وعمومية الموضوع، فلا يكون في اللوحة عناصر كثيرة ويكون موضوع اللوحة عاما أو حيويا في الوقت الذي ظهرت فيه الرسوم المتشابهة، أما عندما تكون اللوحة كثيرة العناصر ونشاهد لوحة أخرى تتحدث عن نفس الموضوع وفيها نفس العناصر فإن عملية التشابه تصبح أمرا مشكوكا فيه.

على سبيل المثال (المثال غير موجود في الواقع تجنبا للتنويه) رجل يركب على حصان في سباق الخيل يلبس قبعة وفي أذنه حلقة ومهمازه له شكل مميز غير موجود في الواقع، هنا يمكن الحديث عن التشابه في الرجل الذي يركب حصانا في سباق الخيل، أما إذا وجدنا في لوحة أخرى أن للفارس حلقة في أذنه ومهمازه له نفس شكل المهماز الذي في اللوحة السابقة فإن العملية تتجاوز مستوى التشابه.

باختصار فإن التشابه يمكن أن يحصل في اللوحات والموضوعات البسيطة (قليلة العناصر المشكلة للوحة) ونادرا جدا في الموضوعات المركبة (ذات العناصر الكثيرة في اللوحة )

وهناك لوحات أخرى يتم الحصول فيها على المفارقة الكاريكاتيرية نتيجة لعملية تفاعل بين عدة عناصر في اللوحة أي أن الفكرة تكون مركبة بالأساس وهي ناتجة عن عملية تحليل عقلي وليست وليدة البديهة وحين تتشابه لوحة من هذا النوع مع لوحة أخرى فإن الأمر يستحق أن نتساءل عنه. أما عندما تتشابه لوحتان فيهما فكرة يمكن أن تتبادر بديهيا ولا تحتاج إلى ترتيب مسبق لعناصرها فهنا يمكن الحديث عن التشابه.

ثانيا : أين يمكن الحديث عن السطو؟

يمكننا الحديث عن السطو في عدة حالات :

1-   عندما تتشابه العناصر في لوحة مركبة كما ذكرنا أعلاه.

2-   ومن البديهي عندما تكون عملية نسخ واضحة أو عملية نقل واضحة أو تشابه العبارات في الرسوم المرفقة بتعليق.

3-   عندما تتكرر عملية التشابه بشكل ملفت للنظر: مثلا عندما تجد في أعمال الفنان نفسه عددا كبيرا من الأعمال التي تتشابه مع أعمال الآخرين قد تتجاوز أحيانا الخمسين أو الستين رسما وربما أكثر.

4-   عندما تتوحد المصادر: مثلا أن ترى ألبوما فيه مجموعة رسوم لرسامين كثر ثم تجد بين أعمال أحد الفنانين ما يقارب العشرين رسما تتشابه مع عشرين رسم من هذا الألبوم وبين هذه الرسوم رسوم تنتمي إلى فئة الرسوم المركبة التي تحدثنا عنها ورسوم أخرى تنتمي عناصرها لبيئة الفنان الأصلي، فمن السذاجة هنا الحديث عن عملية تشابه. خاصة وأن رسوما لنفس الفنان تتشابه مع عدة رسومات أخرى من ألبومات أخرى متعددة.

5-   عناصر البيئة: عندما يكثر الرسام من استخدام رموز غير موجودة في بيئته وتنتمي إلى بيئة غريبة فإن ذلك أيضا أمر يثير الريبة.

6-   وأخيرا فإن عامل واحد من هذه العوامل يكفي لإثبات حدوث السطو فما بالك إذا اجتمعت هذه العوامل معا في فنان واحد، أليس من المضحك هنا الحديث عن التشابه؟

ثالثا : أشكال السطو الفني:

1-   السطو اللاواعي: ويحدث هذا السطو عمليا في منطقة اللاوعي حيث يشاهد الفنان رسما وينساه تماما ولكنه يبقى محتفظا به في منطقة اللاوعي إلى أن يأتي يوم تعوم فيه فكرة ذلك الرسم إلى منطقة الوعي فيقوم الرسام بتنفيذها على أنها فكرته.

ولكن ما يميز السطو اللاواعي هو أن عملية السطو لا تتكرر كثيرا فتجد مثل هذه الرسوم محدودة العدد في رسوم الفنان، وهذا السطو عمليا هو غير إرادي وغير مقصود.

2-   السطو الواعي: يحدث هذا السطو عندما يقوم الفنان عن سابق إصرار وتصميم بالاستيلاء على أفكار الآخرين، وفي هذه الحالة نشاهد عملية (التشابه) تحدث كثيرا وتتوفر فيها شروط السطو التي تحدثنا عنها سابقا ( العدد الكبير للرسوم المتشابهة – وحدة المصادر- و التركيب المعقد للوحة) وهذا بالتحديد هو السلوك العاطل الذي يريد أصحاب نظرية التشابه تمريره على القارئ.

وأخيرا فإن هدفنا من هذا الكلام ليس إقناع من يقوم بعملية السطو أنه يفعلها فهو أكثر معرفة مني ومن الجميع بأنه يقوم بها ولديه من الإثباتات على ذلك أكثر من الجميع فهو يمتلك كافة المصادر التي قام بالسطو عليها، ولكن الهدف من إعادة هذا الكلام هو تنبيه القراء إلى ظاهرة يتم تكريسها وجعلها ظاهرة عادية وإن لم يتم التصدي لها فإننا سنصبح في المستقبل القريب ،وبصراحة وبدون مكياج، أمام جيل من الفنانين اللصوص لأن الاستيلاء على الأفكار الجاهزة يؤمن صعودا سريعا لمرتكبي هذه النقيصة وخاصة أن (بازار) المهرجانات الدولية مفتوح، وبازار الصحافة مفتوح، ويبدو أننا سنصحو ذات يوم لنجد كل شيء قد تحول إلى بازار، وعندما تصبح هذه الظاهرة مرضا متفشياً مثل أنفلونزا الطيور أو الكوليرا أو غيرها فإنه يصبح من المستحيل وقفها، إن الذي يدفع من يقومون بهذا التخريب المنظم لثقافتنا هو مصالح شخصية أنانية ضيقة هدفها الشهرة الرخيصة والسريعة والكسب المادي، ولا بد من وقف هذا التخريب، لا تغرنكم الجوائز والنشاطات فإن من يقوم بهذا العمل هم جميعا رجال إدارة بارعون وصيادو فرص مهرة، وحولهم من يروج لهم ويحاول إسكات كل من يشير إليهم بإصبع.

إن ظاهرة السطو الفني منتشرة في العالم أجمع ولكن من واجبنا أن نسعى لتنقية فنوننا، إن ظاهرة السطو الفني عملية قتل للمبدعين الحقيقيين الذين يبحثون عن أفكارهم ليل نهار ويعانون الأمرين في ذلك، وإن لم يتم مناقشة الموضوع بشكل جدي من قبل الجميع فإننا أمام خطر الانحطاط الكبير القادم.

News

معرض الصور