منصور البكري رجل مهنته الفن: الفن البصري بشكل عام، وفنون الكرتون والكاريكاتير على وجه الخصوص.
يتخذ البكري العراقي الجنسية والهوى من برلين، التي يقيم فيها، ويعمل منذ أزيد من ثلاثة عقود عاصمة ينطلق منها إلى العالم، فكان في المغرب يعد العدة لمشاريعه الفنية المقبلة حين وصلته بطاقة الدعوة للمشاركة في المهرجان الدولي الكبير، الذي أقيم أخيرا تحت عنوان(فن حر، ومجتمع حر) في مدينة (ديار بكر)عاصمة الكرد المطالبين بالمزيد من الحقوق والحريات في تركيا.
مشاركة البكري كانت بمعرض شخصي من إحدى وثلاثين لوحة بورتريه (كاري – تعبيرية) نفذها الفنان بأحجام و صيغ متنوعة، لشخصيات ثقافية وفنية عراقية وعالمية .
افتتح المعرض وزير الثقافة، ورئيس بلدية المدينة بحضور جمهور من ضيوف المهرجان، وأهالي المدينة.
والبكري لمن لم يتابع سيرته من مواليد بغداد 1956 وهو من كبار الفنانين الذين رسموا لصحافة وكتب ومنشورات الأطفال في العراق وبلاد العرب، وفي ألمانيا، حيث يقيم ويعمل.
انطلاقة البكري الفنية الأولى كانت مع المجلة الوحيدة والفريدة من نوعها في العراق: مجلتي.
كان البكري ما يزال شابا يافعا في المرحلة الإعدادية من دراسته حين قبل في قسمها الفني رساما قديرا يجيد حرفيات رسوم الكرتون، وطرق إيصال الأفكار، وتجسيد الأحداث بأمتع الرسوم، و أوضحها، و أكثرها تشويقا.
ذلك القسم الذي كان يضم عددا من عمالقة من بدأ فن الرسم للطفل في العراق، كطالب مكي، وبسام فرج، وعصام الجبوري، ومؤيد نعمة، وصلاح جياد، ووليد شيت، وعبد الرحيم ياسر، وغيرهم.
ولا اخفي شغفي وإعجابي، و أنا القارئ الصغير للمجلة آنذاك برسوم البكري لشخصية "علاء الدين" ومصباحه السحري، وأسلوبه الشيق في استحضار الأحداث، وتجسيد الشخصيات، وتحريكها، واستحضار معمار بغداد (ألف ليلة وليلة) زمن المغامرات العجيبة لبطل الحكاية.
ولا أستطيع أيضا نسيان الحفاوة التي استقبلني بها في مبنى المجلة في الوزيرية، حين وطأتها لأول مرة، وفي ذهني حلم أن أكون أحد رساميها.
رسم البكري لمجلتي، ولاحقا لصحيفة الأولاد (المزمار)، ومن ثم كان، وكنت، والفنان "رضا حسن" من مؤسسي ملحق صحيفة الجمهورية الخاص بالطفل (تموز)، ولسنين وسنين رافقت البكري رساما مبدعا، وصديقا وفيا نصول ونجول معا في عالم الخيال، وننجز رسوم القصص والسيناريوهات لمجلتي، و لإصدارات (دار ثقافة الأطفال) العراقية المتعددة، ونشارك في صياغة مهرجاناتها، والمشاركة فيها، وفي معارضها داخل العراق وخارجه.
وحين دق النظام البائد طبول الحرب مع إيران واتته الفرصة ليغادر البلاد إلى ايطاليا، ومنها إلى ألمانيا، حيث أثث إقامته، وأكمل دراساته الفنية العليا، واتخذ من عاصمتها برلين منطلقا لمعارضه ومغامراته الفنية، ومنهلا لعشقه للفنون الموسيقية والغنائية، والسينمائية والبصرية المختلفة، التي تضج بها.
عمل البكري في برلين أيضا في حقل تنظيم التظاهرات الفنية، فاشتغل في مؤسسات ثقافية متخصصة، وأسس قاعة عرض وأنشطة فنية استقبلت لأكثر من عامين فنون العالم المختلفة أطلق عليها اسم بطلة حكايات بغداد الشهيرة "شهرزاد"، وكانت لوحاتي قبل أعوام موضع حفاوة إحدى أمسيات مؤسسته تلك.
وللبكري إضافة إلى مواهبه الفنية والتنظيمية موهبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين، والتضامن مع قضايا الشعوب المغلوبة على أمرها، ومد الجسور مع ممثليها، والمشاركة في الفعاليات التي تقيمها جالياتها في برلين، وغيرها من المدن الألمانية، ومنها جاليات كرد العراق، وتركيا، وإيران، وغيرها..
ومشاركته الأخيرة في مهرجان ديار بكر الدولي إحدى الحلقات المشرقة في سيرة هذا الفنان القدير.
sneakers