تبدو ابتسامة منفذ كاريكاتير «نشرة ستافرو»، في ختام نشرة أخبار المساء من تلفزيون «الجديد»، حيلة تلفزيونية لجعل المشاهد يصدق أنه شاهد رسماً كاريكاتورياً ضاحكاً، فيضحك بسبب الرسم أو مسايرة واستنساخاً وتماهياً أو حتى استغراباً للتناقض بين اللاكاريكاتورية في الرسم وبين تلك الابتســـامة. هذا في أفضل الحالات، ولو كانت كابتسامة بائع سمك في البحر. علــماً أنها ربما تكون مجرد تعبير شخصي تلقائي على وجه بشوش لا تختفي الضحكة عن محيّاه، أو لعلها خجل من الظهور على الشاشة.
لا مبرر آخر لتلك الابتسامة المبالغ بها، لا سيما إذا قورنت بما يفترض أنه سببها، أي النشرة الكاريكاتورية. فهذه النشرة، التي يفترض أنها رسم كاريكاتوري، غالباً ما يغيب عنها الكاريكاتير سبب الضحك والابتسام، لا لغياب السخرية المفترضة وحسب، وإنما لكونها في معظم الأيام لا تمت للضحك وفن الكاريكاتير بصلة. بعدما باتت مجرد تعليق كلامي أقرب إلى الثرثرة، يستخدم فيها رسم مجموعة قليلة من الأشخاص. ولعل في هذا انقلاباً على فنون الشاشة والصورة والتلفزيون الذي يفتقد، محلياً لبنانياً، ومنذ وقت طويل، منذ البداية، إلى تصور أو مفهوم للكاريكاتير، وما زال فنياً تحت تأثير الصحف. فأبرز عاملَين في هذا الإطار، أي بيار صادق (المستقبل) وستافرو جبرا (الجديد)، ما زالا ينتجان وفق آلية الجريدة. على الرغم من أن ثمة ملامح جديدة في الكاريكاتير المطبوع محلياً (وعالمياً بالطبع)، لعلها أقرب من شغل صادق وجبرا إلى التلفزيون والفنون البصرية. فتلك الملامح المتعددة التجربة والمصدر أقل اعتماداً على الكلام. وليس هذا أمراً عابراً، إذ هو من قدرتها على التعبير بالكاريكاتير اللماح والخاطف البرقي والمقتضب والنبيه الذي لا يحتاج إلى ما يفسره أو يعينه للوصول إلى المتلقي، وبضربة واحدة، أي بصورة واحدة. فهو كاريكاتير مصور، بينما ما يبث عبر الشاشة يفتقد، في معظم الأيام، إلى الصورة وإلى تلك اللمسة الكاريكاتورية.. السهلة الممتنعة.
لا يقتصر الأمر على الجانب الفني، إذ لم يُدخل أي من صادق وجبرا تقنيات تلفزيونية بصرية في عملهما المرئي اليومي المستمر منذ سنوات. بل إن ثمة استسهالاً في اعتمادهما الكلام، والكلام أولاً وأخيراً. وليس كتابة كلٌ منهما يومياً جريدة كاملة مصدر نسبهما إلى الصحافة المكتوبة، بل لعلها لا تمت إلى المكتوبة بصلة. هناك أسباب أخرى، فنية تلفزيونية تجعلهما أسيري التكرار والارتجال المحفوفين بالمخاطر التي منها تراجع القدرة الكاريكاتيرية في ما يقدمانه.
لعل من الأسباب الرئيسية لمراوحتهما عمل كل منهما منفرداً من دون فريق تقني إلا في أثناء تصوير المنتج ليظهر على الشاشة. كأنهما يعملان في محترفيهما، أو في مكتب الجريدة، علماً أن في الجريدة يمكن المشاركة لتوليد الأفكار وتطويرها مع آخرين، سواء كانوا من إدارة التحرير أم من الزملاء الذين لا سلطة لهم على ما يُرسم.
وتقتضي الشفافية أو الصراحة القول إن ما يقوم به هذان «الرسامان»، غالباً، ما يكون غير موفق وبعيداً من الكاريكاتير ومجرد التزام روتيني في موعد محدد وإشغال لمساحة صورية. ولا يقلل من ذلك إصرار بيار صادق على وصف نفسه بأنه سياسي يعبر من خلال الكاريكاتير وليس رسامَ كاريكاتير. فهذا الوصف، الذي يتقاطع مع ابتسامة زميله جبرا، لا يعدم مسؤوليته الكاريكاتورية، بقدر ما يجعله بين رسامِي الكاريكاتير الملتزمِين في الشأن العام.
أخيراً، وبحثاً عن أسباب تخفيفية لهذين الشخصين اللذين، بين حين وآخر، يُدخلان الضحكة في بيوت اللبنانيين وصدورهم، لعل التوتر والانقسام السياسيين في لبنان يضغطان عليهما، إضافة إلى ضغط العمل اليومي، أو ربما يجعلانهما يقدمان ما يطلبه المشاهدون المنقسمون. لكن ذلك، في ما يبدو، يترجم من جانب الكاريكاتير، «فش خلق» سياسي. وهذا تنازل إضافي
Mercurial Superfly High