حيدر الياسري يؤرخ لتفاصيل الحياة بـ"الكاريبورتريه"

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
العرب اونلاين
الكاتب: 
نهار حسب الله

 

يصف الفنان العراقي حيدر الياسري فن الكاريكاتير بأنه فن الحرية المطلقة؛ فهذا الفن، الذي أضفى عليه لمسة خاصة بدمجه مع فن "البورتريه"، يفقد قيمته وجماليته عندما يفقد صوته الذي يستمدّه من ضعف الفقراء وقوة المثقفين وظلم السياسيين.

*كيف كانت بداية مشوارك الفني؟

-كأني أتذكر ذلك الأمس البعيد القريب الذي أخذ فيه والدي ومعلمي الأول السيد فاخر عمران الياسري يرسم وجوها بسيطة، وهو يقول لي : "هكذا يرسمون الوجوه" ليعلمني أول الخطوط.

كنت أميل للمسرح أكثر وخاصة التمثيل، فلم أتصوّر أنني سأكون رساما في يوم ما، وكان دخولي للمتوسطة نقطة مهمة في حياتي فقد تعلقت بالرسم بسبب دعم أساتذة الرسم: الأستاذ نعيم الجبوري والأستاذ نوئيل والأستاذ أبو كلل الله، حينها كان الاهتمام بالفن بصورة جميلة نفتقر إليها اليوم في أغلب المدارس. صرت أطارد الوجوه وأرسمها خلسة وأفرح حين يسألني أحد أن أرسمه، وكم رسمت على الأرصفة واستخدمت الإسفلت مادة للرسم.

كانت الأرصفة والجدران بمثابة الورق الذي أرسم عليه وجوها وحركات أحببتها، وتعلقت أيضا بيافطات السينما فكانت مصدر إلهام ودافعا لي؛ وعند دخولي إلى معهد الفنون الجميلة كانت البداية بصقل ما تعلمته بالفطرة ليكون على أساس أكاديمي ورؤية جديدة وقد فتح معهد الفنون أمامي آفاقا واسعة لمتابعة التجارب العالمية والمحلية.

وأثناء دراستي أقمت أول معرض شخصي عام 1985 وكان الأساس في بناء فكري التشكيلي وخصوصا في فن الرسم. وكانت هذه البداية، وبعد التخرج أقمت معرضا شخصيا في محافظة المثنى ، وكان المعرض شاملا لأغلب أعمالي.

*اخترت التخصص في الكاريكاتير والبورتريه اللذين يعدّان من أصعب فنون العصر الناطقة، وقد عملت على خلق فن جديد أسميته "الكاريبورتريه"، حدثنا عن هذا الفن؟

- لم اختر الكاريكاتيرمنهجا إنما قادتني إليه الصدفة ، صدفة وجدت نفسي أخوض هذه التجربة الجميلة؛ بحثت في تجارب الآخرين من فناني الكاريكاتير محليا وعالميا فسألت نفسي: أين أنا من هذا الكم؟ وما الذي سأضيفه لفن الكاريكاتير؟ وكنت لحظتها عضوا في أكبر تجمع لفن البورتريه في نيويورك.

ومارست هذا الفن لسببين: أولهما مادي معيشي حرفي، والثاني نفسي حيث أشعر دوما بألفة وصداقة حميمية مع الوجوه الآدمية وما لها من قيمة تاريخية ونفسية وجمالية، فالوجه عندي قصة وقضية وعالم تختفي تحت ملامحه آلاف الحكايات. فخطر ببالي أن أمزج بين الحالتين: البورتريه والكاريكاتير؛ ولا أخفي عنك أني في البداية تعرضت لنقد واستهجان، ثم بمرور الزمن صار لي مقلدون كثيرون تناولوا حتى مفرداتي لبعض الشخصيات بإعادتها حرفيا.

كما يطمح الكثيرون اليوم إلى أن أرسمهم وفق النهج الذي اتبعته في هذا الفن من خلال المفارقة المضحكة المبكية.

للأسف، تتصورالأغلبية فن البورتريه درسا تعليميا، لكنه في الحقيقة توثيق تاريخي للشخوص والأفراد، وأيضا للانفعالات الداخلية والخارجية فكم من بورتريه يحكي قصة فرح أو حزن أو هزيمة أو انتصار.

أمنيتي أن يتعامل فنان البورتريه العربي وخصوصا العراقي مع البورتريه كحالة وليس مجرد جمالية حتى لا يغمط حقه في الارتقاء به إلى مصاف العالمية.

والشواهد كثيرة على صدق حديثي فلو بدأنا من عصر النهضة إلى الفن الحديث والمعاصر لوجدنا رائعة دافنشي مازالت خالدة تحكي ألف قصة، وفان غوغ ورامبرنات ورينوار وحتى المدارس الحديثة، كما وثق البورتريه الفنان السريالي دالي في أغلب رسوماته لزوجته غالا ولنفسه أيضا، ليطرح بهذا تساؤلات عديدة وليعرض لنا انفعالاته الشخصية في كل عمل.

والطريف في هذه المسألة أنني أخضع الشخصية التي أريد أن أتناولها لقراءة تحليلية وبحث عن تجربتها الابداعية والحياتية قبل أن أرسمها ليصبح العمل في النهاية اختصارا للسيرة الذاتية للشخص الذي أتناوله وليس فقط موضوعا كاريكاتيريا ساخرا أو جماليا.

وأيضا فن الكاريكاتير هو فن اللحظة الآنية وحدث عابر، أي مشهد الضربة الواحدة أو "السبادلايت"، ومضة وتمضي ولحظة نقف عندها قليلا ثم نمضي دون الالتفاتة إليها، على الرغم من أن بعض الأحداث تتكرر كل عام وربما كل لحظة؛ وما استطعت أن أفعله هنا ببساطة هوأن أجعل الرسم فنا خالدا وطويل الأمد وتحفة ولوحة نادرة ربما يجعلها البعض صورة تعريفية له كما فعل الفنان الكويتي الكبير حميد خزعل بلوحتي التي رسمتها له عندما وضعها في سيرته الذاتية، وفي ذلك تكريم لي من فنان أعدّه مدرسة خليجية متميزة.

*ألا تجد أن لفن الكاريكاتير مساحة محددة تقيد الفنان التشكيلي؟

- بالعكس فن الكاريكاتير هو فن الحرية المطلقة، وتقيّد هذا الفن بمساحة محددة تسقط عنه سمته التي تفرد بها، ففن الكاريكاتير يمنحك الحرية المطلقة بلا خوف أو رقيب، ومتى حصل العكس تلاشت قيمته الجمالية والابداعية ليصبح فنا دعائيا رخيصا وهذا ما لا أظنه يكون ولن يرتضيه أي فنان كاريكاتيري مبدع.

وفن الكاريكاتير يلامس قلوب الفقراء خاصة والمثقف عامة ويخشاه الساسة، لما فيه من صوت مدو يصم آذانهم ويلهب وجوههم. ولا أظنك تنسى غويا في أعماله الكاريكاتيرية الخالدة التي أغضبت السلطة الدينية الكنسية، ولولا وجوده في قصر الحاكم كرسام لقتل منذ زمن بعيد.

فقد كانت رسوماته تصل قلوب الناس وتمنحهم جرعة الأمل والقوة والسخرية من الوضع المتشنج لرجال الدين أصحاب السلطة المطلقة.

*متى غادرت العراق ولماذا؟ وهل للفن العالمي تأثير على مسيرتك الفنية؟

-غادرت العراق مرغما بعد انتفاضة شعبان المباركة التي شاركت فيها كمقاتل وصدر ضدي حكما غيابيا بالإعدام، فاضطررت للخروج إلى صحراء السعودية، وبما أنني كنت عسكريا هاربا من معارك صدام المنكسرة والوثيقة الوحيدة التي كانت بحوزتي عند خروجي هي دفتر الخدمة العسكرية خيرني الأمريكان بين أمرين إما أن أذهب معهم كأسير حرب، وبهذا أنجو من الصحراء وما تخفيه لي من مفاجآت، وإما أن أواجه مصيري وحيدا في الصحراء التي أجهل مفازاتها، فاخترت أن أكون أسيرا وهذه وحدها سخرية مضحكة منحتني الحياة، فلولا هذا الاختيار لكنت الآن في خبر كان. وصلت أمريكا كلاجئ عام 1993وهناك تعمق اطلاعي على تجارب الآخرين وفنونهم، وبلا شك تأثرت بما شاهدته وتعلمته من فنون ووسعت مداركي وآفاق معرفتي الفنية.

*حصدت عددا كبيرا من الجوائز وشهادات التقدير من كبرى المؤسسات المختصة في الفن التشكيلي، كان آخرها عام 2011 عندما حصلت على جائزة التمييز من المعرض الدولي لرسامي الكاريكاتير في رومانيا، ماذا أضافت لك تلك الجوائز ؟ وهل غيرت في أسلوبك وتوجهاتك الفنية؟

-الهدف من مشاركتي في المعارض – وهذه وجهة نظر شخصية – هو أن تشعر أنك حي وتتواصل، أما الجوائز فتبقى أشياء رمزية لا أظنها ستضيف للفنان الحقيقي قيمة فهو من استطاع أن يحققها.

شاركت في معرض رومانيا باسم العراق رغم أنني مواطن أمريكي ويحق لي أن أمثّل أمريكا، وقد مثّلتها بعدة معارض كرسّام وكمحكم في بعض المسابقات العالمية، إلا أنني آثرت أن أشارك كعراقي يفتخر بانتمائه لوطنه مهما تغرب عنه، وقد مثّلت العراق في عدة مهرجانات في سوريا ومصر والمغرب، وطبع لي كتاب في أحد معارض الكاريكاتير في سوريا اسمه "مبدعون سوريون بعيون عراقي" واعتبر هذا الكتاب أكبر جائزة أحصل عليها لأن مضمونها المعنوي كبير وخالد.

*غالبا ما تسلط الضوء في خطابك الجمالي على شخصيات فنية وفكرية وسياسية، لماذا هذه الشخصيات دون غيرها؟ وهل تنوي إقامة معرض خاص بشخصيات الشارع العراقي؟

- أنا لا أحبذ رسم الشخصيات السياسية لأنها زائلة، وإن كان لابد من ذلك أفضل أن اختار الشخصيات التي استطاعت أن تسجّل حضورا جماليا وابداعيّا، ولها منجز حقيقي وانساني وحضاري خالد.

وللأسف اعترف بأنني رسمت العديد من الشخصيات مجاملة ومن دون رغبة ولم أشعر أنها قدّمت شيئا، ومنهم من اكتشفت أنه لا يرتقي إلى لحظة من الجهد المبذول على العمل فاعتبرت ذلك مجرد تمرين عشوائي اسقطته من منصة المبدع فلا مجال للنفاق والمجاملة في الفن؛ والعراق والعالم العربي يزخران بشخصيات افتخر بها وأسعد بتناولها لما لها من منجز انساني ابداعي جمالي، وهناك مشروع عالمي أعمل عليه منذ سنة لرسم شخصيات عالمية سجلت حضورا حقيقيا وأصبحت رموزا تاريخية يفتخر بها العالم أجمع.

وستكون الأعمال بعد انجازها محور معرض جوال في أمريكا، وأيضا سيكون هناك كتاب يضم الشخصية المرسومة والتي يبلغ عددها مائة وهي تمثل تاريخ الأفارقة الأمريكان في الولايات المتحدة.

*الفن التشكيلي هو فن التعبير عن الذات، هل حققت هذه الذاتية في الشخصيات التي رسمتها وما هي خصوصية هذه الذات وما علاقتها بالمتلقي؟

-أرجو أن أكون قد استطعت أن أعكس شيئا ولو بسيطا من رؤيتي وروحي في الأعمال التي تناولتها برغبة ذاتية لكي أحقق هذا الهاجس الوجداني الانساني.

في العمل الفني الجاد لا بد للفنان من تفريغ ذاته ومشاعره وانفعالاته في العمل ليتوحد معه بشحنات سحرية وبشفافية عالية حتى يصبح الجزء مكملا للكل، وهنا تكمن روحية الابداع والتجلي لتصل في النهاية من دون حاجز أو عقد فلسفية إلى المتلقي البسيط أولا والمثقف وصاحب الاختصاص ثانيا.

والعمل الفني الجيّد لا يتواصل مع شريحة معينة أو طائفة محددة أو مجموعة مّا ، إنما الفن لغة عالمية يفهم مفرداتها الجميع، وهنا يكمن الابداع في ايصالها للعالم أجمع وإن اختلفت لغة المتلقي وفكره وانتماؤه، كلنا فهمنا لغة دالي وماتيس وبيكاسو حسب رؤيتنا واطلاعنا ولم نقف أمام اللغة كحاجز أبعدنا عن حالة التذوق التام للعمل، وهذا طموحي في أي عمل أطرحه.

*هل تخطط لمستقبلك الفني؟ و كيف؟

- في السابق لم أخطط لمستقبلي، فرحلتي عبارة عن مغامرة حتى وصلت إلى أمريكا، حينها وقفت على مرتفع لأرى من أنا، عندها فقط قررت أن أرسم لي خارطة لأكون أنا، فما جدوى ما أرسمه وأنا لا شيء، عليّ أن أخطط وبحذر لكل خطوة فأنا أحمل الآن همين، هما خاصا وهو العراق وهم انتمائي لأمريكا التي منحتني محبتها ومواطنتي فيها ولها الفضل في حواري معك الآن وإن غيبتني عراقيا.

وفي النهاية كل ما أتمناه أن يكون العراق بخير وأمان، هذا حلمي وسأواصل مسيرتي فقط لأجعل اسمه عاليا، هذه رسالتي، وحين أحقق هدفي بأن يشار لي كعراقي أكون قد وصلت إلى القمة برسم خارطتي كفنان عراقي أمريكي استطاع أن يعطي البلد الأم والبلد الحاضن ما آمن به.

***********

يذكر أن حيدر الياسري فنان تشكيلي عراقي المولد والجنسية والانتماء على الرغم من غربته وإقامته الطويلة في الولايات المتحدة الامريكية.

ولد الياسري في مدينة السماوة سنة 1965، وغادر العراق بعد انتفاضة شعبان 1990وتنقل في بلاد الغربة إلى ان استقر في الولايات المتحدة الامريكية.

عمل في تدريس الفن والصحافة العراقية وصحافة المهجر في امريكا كمدير فني ورسام كاريكاتير ومصمم فني ومنفذ ديكور في عدد من المسرحيات. وهو يعد خبيرا في ترميم وصيانة الاعمال الفنية القديمة.

وهو عضو في العديد من النقابات الفنية والجمعيات المهنية وهي نقابة الفنانين العراقيين ونقابة رسامي الكاريكاتير العرب واتحاد الفنانين العراقيين وجمعية فناني البورتريه الامريكان وجمعية الأفارقة الأمريكان في ميشغان وجمعية الامريكان الاسبان في ديترويت وهو عضو في مجموعة قطر للفنون الجميلة وعضو مؤسس في جمعية الفنانين العراقيين في ميشغان وعضو مؤسس في فرقة الباب للفنون المسرحية.

قدم عددا من المعارض الشخصية وشارك في العديد من المعارض المشتركة في العراق والولايات المتحدة الامريكية وحصل على العديد من الشهادات التقديرية العالمية.

 

Air Zoom Pegasus 34 Leather

معرض الصور