"ديوان بهاجيجو": بهجت عثمان عاشق الديموقراطية وكاره الديكتاتوريات

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع جهات الشعر
الكاتب: 
يقظان التقي

 

عالم الرسوم الكاريكاتورية مع بهجت عثمان، أو العم بهجاتوس، أو بهجاتوس الحكيم، أو بهاجيجو، عالم مفتوح على مزاج عفوي وتلقائي تختلط فيه الأمور في مستويات مختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية، بفائض المزاج الشعبي المصري والخروج على السلطة في النقد، وفي الشرط الإنساني الشديد الحساسية.

 

رسوم بهجاتوس تتقاطع كثيراً مع خطابات الالتزام بقضايا المجتمع المصري، وقضايا المجتمع العربي، وتقيم ربطاً عريضاً مع قضاياعديدة تنزع من الذاتية، ومن المحلية الى العالمية، في الاقانيم التي تتحرك في محاورها علاقات القوى الاجتماعية والشعبية، وتقوى فيها على السلطة والدولة في طلب الحرية والخبز والتغيير، في المادة الكاريكاتورية الساخرة والمشخصة للواقع، أو تلك التي ترسم بورتريه لواقع عربي أكثر عنفاً من سواه.

 

يمتاز بهجاتوس بنوع من الشحن والتدفق العاطفي في خطوطه وثرثرات الأسود وشروحاته وتفسيراته لواقع مشوه ومزيف يجري تشخيصه بعناية فطرية طازجة وتلقائية تكسر قواعد الخطوط والوجوه، حرة وجريئة، نتاج الفضول والفطرة الفنية بمزاج تهكمي يراكم غضبه من السلطة المستبدة، والحاكم الديكتاتوري العظيم.

 

بهجاتوس من الفنانين ، الذي عاشوا طقوس الكاريكاتير، ومن جيل الكبار، الذين تصدروا قائمة ليست طويلة من رسامي الكاريكاتير العرب، الذين عاشوا هموم شعوبهم وناسهم وأحلامهم التغييرية من صاروخان الارمني ومحمد عبد المنعم رخا ومحمد مختار واحمد طوغان والبهجوري وصلاح جاهين واحمد إبراهيم الحجازي ، وإيهاب شاكر، ومحيي الدين اللباد.

 

مسيرة ستين عاماً أو يزيد من أعمال بهجت عثمان صدرت حديثاً في كتاب عن " دارالمستقبل العربي"، القاهرة، ودار"السفير"، بيروت، وإعداد الكتاب وتصميم الغلاف والصفحات لمحيي الدين اللباد وبمساعدة من الفنان سعد حاجو.

 

ناشر "السفير" وصاحبها طلال سلمان، احد الأصدقاء المقربين جداً من بهجت عثمان قدم للإصدار مستعرضاً مسيرة الفنان على مدى ستين عاماً وأكثر، من "روز اليوسف"، حيث كانت البداية الى "صباح الخير"، حيث تجلى النضج، الى "المصور"، حيث صار "الرسم"، لوحة تغني عن كتاب في تشريح الواقع الاجتماعي ـ الاقتصادي ـ السياسي ، الى "الاهالي"، حيث الرسم تعبير مباشر عن الموقف :(كان بهجت عثمان "حزباً"، في رجل جريء وصاحب برنامج تغييري شامل لا يتوجه الى السلطة فحسب بمنطق المعارضة بل يتوجه بالنقد السياسي ـ ولو عبر الابتسامة ـ الى الموطن العادي في مباذله وفي خنوعه وفي تسليمه بالاقدار)

 

بهجت عثمان ملّون حقيقي لحكايا الكبار والصغار هجر ايامهم بحكايات الانجاز العظيم لنظام عربي ملتبس وبليد ومتسلط، يدعي انه "الراشدين"، فهجره عثمان وعاد الى مركز الامل في الناشئة يرسم لهم طريقهم الى غدهم، بملونة "عشة الفراخ"، والنقد على لسان الدجاج العربي المنبسط اجتماع مديني عربي من المحيط الى الخليج. كان بهجت عثمان يرسم لجيل "ما بعد الغد".

 

بهجاتوس، في "الحكومة والاهالي" بلغ ذروة المزاج المدني في التصدي للمجتمعات العسكريتارية العربية، والانظمة المتناسخة والمورثة في منطق السلوكيات غير العقلانية نفسها، فخاض معها معارك و"رفاق السلاح"، و"احلام صغيرة"، و"اصدقاء بلا حدود".

 

ليس مصادفة ان يفرغ بهجت عثمان كل ما في جعبته من رسوم واوراق، ، وينزع عنه جبّة الكبار، ليلتحق في اليونيسف دفاعاً عن حقوق الطفل العربي، وقد تعب كثيراً من الكبار، واستقال لسنوات من عالمهم المركب.

 

الكتاب تحية لبهجت عثمان، الذي توفي في حزيران "الكفر" في العام 2001، كافراً بكل الانظمة العربية، محرضاً عليها بالضحك على الذات، والثورة على الحاضر، هازئاً من كل الثورات المجيدة، التي لا تساوي الا مزيداً من الضحكات.

 

في الكتاب سيرة ذاتية لبهجت عثمان عبر الرسم والكلمات، وسيرة الحقيقة، بالتأكيد ليست الحقيقة موضوعية بالمطلق، وهي بالمقدار نفسه شخصية ومتأملة في مستقبل العالم العربي، ولم يكن بهجت عثمان شاهدا على عصر. حاول الثورة والتغيير بالمزاج الشعبي، وبالجهد والعمل والفقر والطفر والبأس والبؤس، راسما عوالمه الطفولية المنضجة، وابداعاته المحرضة على الكبار.

 

فنان عاش طقوس الكاريكاتير بشغف وفرح طفولي هائل. كان يحمل معرضه في حقيبة كتفه، وفي كل مرة كان يأتي بيروت، كان يحمل الفرح الى المكان.

اسمه كان قريباً من شارع الحمراء، ومن شخوص الشارع البيروتي العريق من شعراء وادباء وفنانين ، ليس بعيداً من "دار الندوة"، حيث كان يحب ان يعرض اعماله ناصباً فصولاً من ضحكاته الملونه، وفصولاً من الكاريكاتير في حلقة القريب من بيروت الثقافة والتنوع والتعددية، ، وفي البقعة الشعورية نفسها المناهضة للنظم الامنية والقمعية، التي تسخر من ناسها ومجتمعاتها وتسخّر احلامها لخدمة اغراض الحكم والسلطة. لذا يمكن النظر الى فن بهجاتوس واقرانه كما فن الكاريكاتير هو فن الخروج على السلطة وعلى المألوف والسائد، واحد من "ارض السواد"، التي شاطر عبد الرحمن منيف الآمها واوجاعها ومشاعاتها (معرض في نقابة الصحافة)، وتركها في الذاكرة في رسوم نتأملها ونقرأها اليوم اكثر لمعاناً في دعاوى حرية الرأي والتعبير.

 

 

سيرة حياة

ولد في حي بولاق الشعبي (القاهرة) عام 1931

درس النحت بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة (1949 ـ 1954).

عمل بعد تخرجه مدرساً للرسم في معهد المنصورة الأزهري، ثم عمل في الخرطوم مدرساً بالمدرسة الانجيلية هناك.

في عام 1955، عمل رساما للكاريكاتور في مجلة "روزاليوسف"، ثم في مجلة "صباح الخير" عند صدورها في مطلع عام 1956.

انتقل للعمل في جريدة "المساء" في العام نفسه، وفي مطلع العام التالي، عاد الى "روز اليوسف" و"صباح الخير".

انتقل الى "دار الهلال" عام 1964 ليعمل مع احمد بهاءالدين في مجلة "المصور". كما ساهم برسومه في المجلات الأخرى للدار (الكواكب، حواء، الهلال، سمير، ميكي).

رسم لمجلات الاطفال وكتبهم في مصر وفي بلدان عربية أخرى، فنشرت رسومه في مجلات "سمير" و"ماجد" و"العربي الصغير" و"علاء الدين".

نشر عدداً من كتب الاطفال التي رسمها، ومنها ما كتبها بقلمه. كما نشرت رسومه الكاريكاتورية للكبار في كتابين، صدرا في عام 1987، و1989.

توفي في 2 يونيو (حزيران) 2001، وكانت زوجته فنانة العرائس بدر حماده قد سبقته في الرحيل في 16 اكتوبر (تشرين الاول) 2000.

 

Nike LeBron 16

معرض الصور