قيم هذا الموضوع:
المصدر:
موقع قنطرة
الكاتب:
صالح دياب
على هامش الدورة الرابعة والعشرين للصالون الدولي لرسوم الصحافة والساخرة التظاهرة الأكبر من نوعها في العالم التي تقام كل عام في بلدة سان جوست لو مارتيل الفرنسية، كان هذا اللقاء مع الرسامين الجزائري رشيد قاسي واللبناني حبيب حداد.
ماذا عن واقع فن الكاريكاتير في الجزائر. ماهي مشاكله والصعوبات التي يمر بها الآن برأيك؟
رشيد قاسي: في كل المجتمعات العربية لا توجد مدرسة للكاريكاتير، اللهم إلا إذا استثنينا مصر بسبب وجود مجلات وصحف مثل روز اليوسف وغيرها. ونحن كبلد إسلامي يحرم الصورة وينظر إليها كشيء ممنوع، لم نستطع أن نؤسس برأيي لكل الفنون المتعلقة بالصورة. حتى الآن لم نأخذ الصورة بشكل جدي.
أذكر أنني ذهبت إلى رئيس تحرير إحدى الصحف في الجزائر طلبا للعمل فقال لي: "أنا لست مجنونا لأنشر رسومك. وزيادة على ذلك، تريد مني أن أعطيك نقودا، لا تحلم بهذا أبدا ".
عندما وصلت الى الجزائر ومعي شهاداتي العليا خافوا مني. والخوف من العائدين إلى الوطن من خارج العالم العربي ظاهرة عامة، بسبب ما قد يحملونه من أفكار وآراء تختلف عما هو موجود. كان وضعي صعبا وقاسيا. فأتيت الى فرنسا وعملت في كبرى الصحف مثل ليبيراسيون، ولونوفل ابزرفاتور...الخ.
حبيب حداد، أنت أيضا تعيش في أوروبا وترسم في صحيفة عربية. كيف تتواصل مع الأحداث البعيدة كاريكاتيريا؟
حبيب حداد: العالم أصبح قرية صغيرة بسبب الانفجار الهائل في وسائل الاتصال والإعلام كافة، والتي تنقلنا إلى كل البلاد. خلال كبسة زر نصير في أي بلد عربي. إنني أتفاعل مع الأحداث كما لو أنني موجود في عين الحدث.
رشيد قاسي، ليس لديك رسوم مجانية، فكل رسومك لها هدف معين. مع ذلك ثمة مواضيع معينة تتكررفيها. ما هو المسعى الجمالى لذلك؟
رشيد قاسي: في كل تجربتي كنت حرا تماما. أرسم ما أريد أن أرسمه. مواضيعي كانت على الدوام ملتزمة. ما أقصده هنا بكلمة ملتزمة هو موقفي الواضح والذي أقوله فنيا عبر رسومي. إلتزامي يعود الى عهد الرئيس بومدين. فموضوع مثل القضية الفلسطينية كان أحد المواضيع الأساسية في تجربتي، لكنه لم يكن وحيدا. مواضيعي كانت ضاحكة على العموم، سواء في الاقتصاد أو التاريخ أو السياسة.
حبيب حداد، تتنوع رسومك الكاريكاتيرية بتنوع الأحداث السياسية. ماذا عن المواضيع غير السياسية في رسومك؟
حبيب حداد: أساسا أنا ضد الظلم. والقضية الفلسطينية تشكل إحدى أهم مواضيعي. هناك محاولة لطمسها. أيضا الأحداث اللبنانية التي أخاف أن تستمر، إضافة إلى الهم العراقي كبلد عربي له تراثه العريق، فضلا عن تسلط الأنظمة الاستعمارية التي تنظر في شكل دائم الى الشرق كمركز ثروات ولا تتركه يعيش بسلام.
بالنسبة للجريدة أنا أرسم يوميا، وعبر الكاريكاتير يمكنك أن تكون فكرة عن أحداث العالم. ثمة متابعة في رسومي لأحداث غير عربية أيضا مثل التلوث وجشع الشركات الكبرى. وعبرها أريد أن أقول رأيي كرسام وإنسان.
رشيد قاسي، عملت في صحف ومجلات عديدة. ماذا عن تجربتك مع الرقابة؟
رشيد قاسي: فن الكاريكاتير يمكن أن يعتبر مقياسا للحرية في البلد. لكن، وكما نعلم فالصحف العربية، دائما، تتبع جهة معينة أو يمولها طرف ما. كل الصحف العربية تابعة وتخدم مصالح دول معينة، فمجلة" جون أفريك" التونسية مثلا كانت مسموحة في الجزائر وممنوعة في المغرب ثم أصبحت ممنوعة في الجزائر ومسموحة في المغرب، من يدفع الى الصحيفة يكسبها إلى جانبه.
أذكر أثناء عملي في "جون أفريك" طلبوا مني أن أرسم كاريكاتيرا عن مشكلة الصحراء الغربية فأجبتهم هذه مشكلة جزائرية مغربية وأنا لا أريد أن أقترب من هذا الموضوع. فأصروا قائلين: أنت تعمل عندنا ويجب عليك أن تقاسمنا أفكارنا. فرضوا علي رقابة صارمة، فما كان عليّ إلا ترك العمل.
بعد ذلك أخذني صديقي الروائي أمين معلوف للعمل معه في مجلة " الشاهد" ثم عملت في مجلة "النهار العربي والدولي" وقد كنت حرا في هذه المجلة ومتوازنا مع نفسي بوصفي شخصا يساريا ورسومي هي صوتي ورأيي. بعد ذلك عملت في مجلة " الفرسان". كانوا يطلبون مني رسوما بحسب المقالات التي كانوا يزمعون نشرها. فأرسم بحرية معلقا على المقالات. وقد تقاضيت راتبا جيدا جدا.
الرقابة الشديدة على فنان الكاريكاتير ألا تؤدي برأيك، حبيب حداد إلى التقليل من الوظيفة التي يمكن أن يؤديها هذا الفن؟
حبيب حداد: ثمة خطوط حمر لا يمكن عبورها في أوروبا والعالم العربي. أنا لا أعالج ولا أتطرق إلى المواضيع الدينية. كما أن مهاجمة والسخرية من الرؤساء أمر لا يدخل في رسومي وإذا سخرت من شخصيات سياسية فإنما من أجل الضحك والابتسامة وليس من أجل التهكم في شكل بذيء.
رشيد قاسي، باكرا نددت بالمتطرفين الاسلاميين، وكنت سباقا في ذلك عبر تركيزك على الحجاب والذقون وغيرهما من الرموز في رسومك. هل تكلمنا عن كتابك الذي خصصته لذلك؟
رشيد قاسي: لم أنتظر عام 1990 بداية ارتفاع موجة الإسلاميين كي أندد في رسومي بالمتطرفين الإسلاميين. فقد كنت أرسم رسوما تندد بهم بقوة منذ فترة الثمانينات وقد تناولتهم كثيرا ذقونا وجلابيب...إلخ الى أن أصدرت كتابا ضم هذه الرسوم اسمه "اخلعي الحجاب".
هذا الكتاب منع في كل البلدان العربية، وقد حصلت على عدد كبير من الجوائز العالمية على هذا الكتاب وبيع منه 30000 نسخة. ضمنت في هذا الكتاب رسوما تبدوا كاريكاتيرية ولكنها مأخوذة من صلب الحياة اليومية الجزائرية.
فمثلا هناك كاريكاتير يصور امرأة تذهب إلى البحر بالجلباب، وعندما تصل الى الشاطئ تدخل إلى غرفة الملابس، ثم تخرج لابسة البكيني. كاريكاتير آخر يصور رجلا وزوجته في عيادة طبيب. الرجل يقول للطبيب لا تلمس زوجتي أنا من سيعاينها. هذه الرسوم تعلن موقفي من المتطرفين.
ولكن أنا لست ضد الإسلام كدين بل ضد التطرف، وما أسعى إليه هو الضحك. وأثأر عبر رسومي لأمي وأخواتي اللواتي اضطررن لوضع الحجاب.
كتابي الذي كان ممنوعا في الجزائر أصبح مسموحا الآن. لكنه غال جدا. والقارئ يفضل شراء الخبز على شراء كتابي، وهو محق في ذلك.
لا تؤيد الحرية الكاملة ونشر كل شيء في الصحف الجزائرية. لماذا هذا التقنين للحرية؟
رشيد قاسي: أنا ضد الحرية المطلقة في الجزائر. في عهد بومدين كان وزير الإعلام يتولى منع كل شيء شأنه شأن وزارات الإعلام العربية. الرئيس الشاذلي أعطى الحرية التامة لكل الجرائد فصدرت أكثر من عشر صحف.
رسامو الكاريكاتير في هذه الفترة بدأوا يرسمون كاريكاتيرا بدون موانع أخلاقية أو دينية. لقد رأيت رسوما فظيعة وأنا أرفضها كليا ولا يمكن لأصحابها أن يتستروا بكلمة الحرية لتسويقها أو تسويغها، إنها ضعيفة فنيا.
مثل الكاريكاتير الذي يصور رجلا بلحية يخرج طفلا من بطن أمه قائلا: لسنا محتاجين لذبح خروف في عيد الأضحى، يمكن أن نذبح هذا. هكذا كاريكاتير يجب أن يمنع. لا يمكنني أن أرسم رجلا يضاجع امرأة مثلا في صحيفة يومية. كما لا يمكنني أن أنظر الى النساء كعاهرات.
ثمة رسوم تقول بأن الرئيس بوتفليقة يحب مضاجعة الأطفال. هل يسمح الفرنسيون أو الألمان أن ينعت شرودر أو شيراك بأنهما يحبان مضاجعة الأطفال. ستمنع الصحيفة بالطبع نشر ذلك. هذا أدى إلى منع عدد كبير من الصحف إثر هذه الرسوم التي ارتدت نتائجها على الرسامين أنفسهم. أنا ضد الوقاحة والتشهير ومع الضحك. يجب احترام الناس في البلاد الإسلامية. يمكنك أن تقول كل شيء في رسوم الكاريكاتير شرط الضحك لا الاستهزاء.
حبيب حداد، لقد أصدرت كتابين ضمنتهما رسومك. لماذا هذا الإصرار على طباعة كتاب، ألا تكفي الصحيفة وحدها لإيصال الكاريكاتير؟
حبيب حداد: طباعة كتاب أمر مهم بالنسبة لي. يمكن أن نقرأ عبره خلاصة التجربة الفنية. إنه نوع من تدوين للتاريخ الأحداث تذهب، كذلك الشخصيات السياسية. ما يبقى هو الكتاب. بناء على ذلك أصدرت كتابين الأول صدر عام 1979 بعنوان " الأحداث في الكاريكاتير" وضمنته رسومي المنشورة في مجلة " المستقبل " في باريس. أما الكتاب الثاني فقد صدر عام 1998 بعنوان "حداد كرتون " وضم رسومي المنشورة في صحيفة "الحياة" ورسوما أخرى رسمتها للمتعة الشخصية. وهذا الكتاب نال استحسانا كثيرا.
لماذا لا تضمن رسومك كلاما معينا يشرح أو يقود القارئ إلى بؤرة الكاريكاتير؟
حبيب حداد: الكاريكاتير ليس تهريجا، وأنا لست مهرجا. أستعمل الخط فحسب. رسومي عادة لا تتضمن الكلام. الرسوم تصل بدون كلام. الفكرة تصل أسهل لو أضفت إليها بعض الكلام.
ما هو الفرق بين رسام الكاريكاتير العادي، والرسام الذي يعمل في صحيفة يومية برأيك؟
حبيب حداد: عملت في جريدتي النداء والأخبار في بداياتي. طيلة عمري كنت أحلم أن أرسم في الصحافة. ثمة فرق بين رسوم الوجوه ورسوم الصحافة اليومية. رسام الكاريكاتير يجب أن يكون عنده الخبرة الصحفية في متابعة الأحداث اليومية ومن ثم اختزال هذه الأحداث عبر رسم معين وقد يقرأ بعض الاستنتاجات التي ربما تحصل غدا.
ثمة الرقابة الذاتية التي يمارسها الفنان والرقابة العادية. إلى أي حد يمكن أن ترسم وتكون جريئا في ملامستك للأحداث السياسية اليومية ؟
حبيب حداد: الكاريكاتير العربي في ألف خير. الرقابة موجودة، فضلا عن الرقابة الذاتية التي يمارسها الفنان على نفسه. أرسم بحرية. ولكن أرفض الاستهزاء والسخرية من أجل السخرية. أنتقد سياسات معينة، متناولا العموميات، بطريقة غير مباشرة. الرقابة موجودة حتى هنا في أوروبا. احد الرسامين الفرنسيين المعروفين والذي يعمل في صحيفة معروفة قال لي: حتى أنا كرسام معروف يرفضون نشر بعض رسومي فأعيد الرسم مرة أخرى.
حبيب حداد (مواليد 1945 في لبنان)، رسم للعديد من الصحف والمجلات اللبنانية ويرسم حاليا لصحيفة الحياة. حصل حداد على عدد من الجوائز العالمية.
رشيد قاسي، بدأ الرسم عام 1964 بعد الاستقلال في جريدة "المجاهد"، درس في بلغاريا، انتقل للإقامة والعمل في فرنسا، حيث يرسم للصحف الفرنسية والعربية.