يعتقد رسام الكاريكاتير العالمي، علي فرزات، بأن مهمة رسام الكاريكاتير الأولى هي نقل المفارقات الحاصلة في المجتمع للناس، ليروا من خلالها واقعهم ومشاكلهم عبر كاريكاتير معبر يؤثر في نفوسهم أكثر مما تؤثر المقالات والكتابات الصحفية. ومن خلال الآلاف من الرسومات التي رسمها لعدد من الصحف العربية والأجنبية أفرد ضيفنا الكثير من جهده لقضايا المرأة العربية وشؤونها مع محيطها في بيتها ومجتمعها، حيث نالت أعماله جوائز عالمية، وصنف من خلالها كواحد من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم.. «سيدتي» زارت علي فرزات في مرسمه لمعرفة المزيد عن فنه وهمومه وآماله..
< متى بدأت لديك موهبة رسم الكاريكاتير؟
هي موهبة من الله وهواية في نفس الوقت، فقد كنت منذ المرحلة الابتدائية، أرسم صوراً ساخرة على صفحات دفاتر الرسم، وكانت لدي روح ساخرة مسلطة على من حولي، فكنت أنتقد كل شيء غير جميل، سواء بالكلمات أو الرسم، ورسمت منذ صغري مظاهر كثيرة خاطئة سواء في الحارة أو المدرسة والشارع، ومع الوقت نمت الموهبة حتى بدأت أرسم بشكل واع كرسام كاريكاتير محترف، وأنا في الصف السادس، فرسمت زعامات عربية ومواقف سياسية واجتماعية سلبية، وفي المرحلة الثانوية رسمت لعدد من الصحف العربية، وكنت من المرحب بهم في مجال الرسم الكاريكاتيري.
< من الذي ساهم في نمو هذه الموهبة لديك؟
الاطلاع على رسومات الآخرين أكسبني الكثير من المعرفة والخبرة، وخاصة رسومات ذلك الفنان المصري الذي كان يرسم في مجلة اسمها «الاثنين والدنيا» الحقيقة رسوماته جعلتني أعشق الرسم الناقد، ومع أنني لم أكن أعرفه إلا أنني كنت معجباً به وبأعماله.
< ما مدى مساهمة المجتمع والمحيط في تحويلك لفنان ناجح؟
أنا ابن بيئتي، وهو مجال عملي، وهو الموضوع الذي أستقي منه كل مواضيع رسوماتي، ومعايشتي لهذا المجتمع بكل تفاصيله هو ما يجعلني أقدم أعمالاً قد يراها الكثيرون من صميم المجتمع. والمجتمع هو المدرسة الأولى لي ولكل أعمالي الفنية.
قضايا الكاريكاتير
< هل الظروف في المجتمع العربي مهيأة لصناعة فنان كاريكاتير ناجح؟
«ضاحكاً».. الظروف في المنطقة العربية هي الأنسب عالمياً لصناعة فنان كاريكاتير ناجح، لكثرة ما فيها من سلبيات وغرائب ومتناقضات، وفي نظري ينبغي أن يكون كل فرد في العالم العربي فنان كاريكاتير ناجحاً لكثرة ما لدينا من معاناة يومية في محيطنا العربي.
< ما هي أبرز القضايا التي ناقشتها في رسوماتك؟
ناقشت كل هم يومي عربي يخص كل مواطن عربي من المحيط إلى الخليج، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، وغيرها من المجالات، ودائما أناقش القضايا ذات العلاقة بالحالات الإنسانية وبمشاعر الناس، وكل عمل لا يهتم بمشاعر الناس هو عمل فارغ لا قيمة له.
< ما هي الرسومات والأفكار التي ناقشتها وساهمت في وصولك للعالمية؟
كل الأفكار التي تهتم بالشأن الإنساني ساهمت بشكل كبير بلفت الأنظار لرسوماتي، ومن خلالها وصلت للعالمية، فنشرت رسوماتي في صحف مثل الغارديان، واللوموند، والنيوزويك، والنيويورك تايمز، ومجلة دير شبيغل الألمانية، وغيرها من وسائل الإعلام الغربية. ودائماً حرصت على أن تتضمن رسوماتي ملامح إنسانية، لذلك أصبحت عالمية وتخص كل الناس في كل العالم . كذلك رسمت في عدد من الصحف السورية والعربية، منها مجلة المجلة السعودية. ومن الصحف التي نشرت فيها رسوماتي ثم توقفت عن النشر فيها لأسباب رقابية صحيفة تشرين السورية وكانت مبيعاتها تزداد عندما أنشر فيها رسوماتي الساخرة وهذا طبقاً لإحصائيات موثقة في سوريا. ولدي رسومات تنشر بشكل مستمر في صحيفة الوطن الكويتية.
< لماذا يرفع الرسم الكاريكاتوري مبيعات الصحيفة أكثر من أي مادة مكتوبة؟
إذا كان الرسم صادقاً وصريحاً ومباشراً ومعبراً عن واقع الناس، يكون بالتأكيد أكثر تأثيراً من أي مقال آخر، والحقيقة أنني نقلت فني من مجال الكاريكاتير الضاحك فقط، وهو المنتشر عربياً، إلى مجال آخر، وهو الرسم الكاريكاتوري الذي يعتمد على التحليل الذهني، ودائماً أركز على الأمور المحرضة في حياة الإنسان، والتي تلامس مشاعره، مثل الجوع، أو الظلم، أو التلوث البيئي، والحقيقة أتمنى أن نصل لمرحلة لا نجد فيها ما نرسمه حتى نقدم فقط الضحك للناس.
جوائز عالمية
< أصدرت صحيفة «الدومري» الساخرة، والتي أغلقت، هل شعرت بالإحباط لإغلاقها؟
الدومري، هي أول صحيفة خاصة تصدر في سوريا منذ عام 1963م، وكانت صحيفة ساخرة مستقلة، ولم يتحمل البعض في سوريا جرأتها الكبيرة فأغلقت، والحقيقة إغلاقها كان مزعجاً، لكن إغلاقها من وجهة نظري أفضل من بقائها بشكل ضعيف وهزيل وممالئ بعيد عن الحرية.
< ما هي الجوائز التي حصلت عليها؟
في عام 1987 حصلت على الجائزة العالمية الأولى في مهرجان عالمي للرسوم الكاريكاتورية في صوفيا. وفي برلين حصلت على الجائزة الأولى. وفي عام 1990م حصلت على جائزة الأخوين علي وعثمان حافظ في مجال الرسم الكاريكاتوري. وهذا العام كرمت في جدة من قبل جهة إعلامية سعودية. ولكن أهم جائزة حصلت عليها هي جائزة الأمير كلاووس الهولندية، التي تعطى لعدد من المميزين في عدد من المجالات المهمة، وتأتي بعد نوبل من حيث الأهمية عالمياً. وفي عام 1994م كرمت من قبل رئيس الاتحاد السويسري كواحد من أهم رسامي الكاريكاتير في العالم، وكانت هذه الجائزة بناءً على تزكية من صحيفة اللوموند الفرنسية. والحقيقة تبقى أهم جائزة أحصل عليها هي حب الناس لي وتفاعلهم مع رسوماتي التي تتحدث عنهم بشكل يومي.
لكل زمان ومكان
< الفنان الجريء دائماً يدخل في مشاكل مع كل المحيط من حوله سواء المجتمع أو الحكومات فهل تعرضت لمثل هذا؟
بالتأكيد لم يبق أحد لم يغضب مني، والحقيقة أن الكلمة الصادقة تزعج الكثيرين والمشكلة عند رسام الكاريكاتير أنه بين نارين، فإذا انتمى للشارع فإن السلطة ستصبح ضده، وإذا انتمى للسلطة يصبح الشارع ضده، ولهذا فأنا منذ البداية قررت مصيري، وهو الوقوف مع الشارع، ولذلك تعرضت للكثير من المشاكل والمنع من السفر، وأحياناً المنع من دخول عدد من الدول العربية، وأحياناً نتلقى تهديدات كثيرة بسبب رسوماتنا. والحقيقة أنني أرسم على مبدأ «كل ما يخطر ببالك فهو كذلك»، ورسوماتي تنطبق على كل زمان ومكان، وعلى كل شخص يقوم بالممارسة السلبية التي أقدمها في رسوماتي.
< لماذا لا نرى المرأة العربية رسامة كاريكاتير ناجحة كالرجل؟
بحسب تقديري سبب قلة رسامات الكاريكاتير العربيات هو خشيان المرأة من الدخول لمجال السخرية الجادة، وهن يعتبرن أن مجال رسم الكاريكاتير يلحقه تبعات سيئة وسلبية في العالم العربي، فهن يعتبرن أنهن بغنى عن الدخول في هذا المجال ولهذا تركنه للرجل. وبنفس الوقت المرأة بطبعها لا ترغب في أن تسخر من أحد، وخاصة في مجال الصحافة، لكي لا يسخر أحد منها.
< ما هي الموضوعات التي طرحتها في رسوماتك عن المرأة العربية؟
قضايا المرأة بحاجة لجراح ماهر ليعالجها، وقد ناقشت في رسوماتي كل مشاكلها عبر سنوات طويلة. وقدمت للآن أكثر من عشرين ألف رسمة كاريكاتير فيها أكثر من سبعة آلاف رسمة عن حقوق المرأة ومشاكلها في محيطها العربي والتخلف وأثره عليها في عالمنا العربي. ومن الأشياء التي تحدثت عنها علاقتها مع الرجل ومع المجتمع وطرحت قضايا المرأة والمجتمع والمرأة مع بنات جنسها ومع القانون.
المرأة دافع للإبداع
< هل هناك لوحة معينة أثرت في الناس ولفتت نظرهم إليها؟
الحمد لله معظم رسوماتي نالت استحسان الناس، أحياناً المرأة في رسوماتي ليست فقط الزواج والطلاق والحب، بل هي الأرض والحياة والنضال والكرامة والمدرسة والمربية، والمرأة شيء عظيم، وهي الدافع الأساسي للإبداع.
< لماذا يتم استنهاض الناس عن طريق المرأة في الإعلام عموماً وفي الرسومات الكاريكاتورية خصوصاً؟
لأنها مؤثرة، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، وهي تؤثر في كل المجتمع، والحقيقة قوة المرأة تكمن في رقتها وعذوبتها وجمالها وجمال حديثها، والحقيقة صوتها وصورتها إعلامياً يستنهض كل ذي نخوة وكرامة لمناصرتها ومناصرة قضيتها.
< طرحت رسومات جريئة تعالج قضايا خاصة بالمرأة والرجل في مجتمعنا العربي فهل هذه القضايا باتت ملحة كي نطرحها في رسومات الكاريكاتير؟
لو لم تكن هناك مشكلة لما طرحتها، ولكن المشكلة أننا لا نمتلك إحصائيات عن واقع الكثير من مشاكلنا الاجتماعية ومدى خطرها علينا، لذلك نعتقد بأنها بسيطة ونتركها للزمن أو للظروف، وهذا شيء خاطئ، بل يجب علينا التنبيه لها ومعالجتها قبل أن تستفحل وتصبح ظاهرة مؤذية.
زمن أغبر
< كيف ترى تحويل المرأة إعلامياً لتصبح أداة لترويج المنتجات والسلع؟
نحن في زمن أغبر، طغت فيه روح المادة على كل شيء، والعالم لم يعد يرى سوى المال فقط، وللأسف الحياة الاستهلاكية طغت على كل شيء. ومن الأشياء السيئة جداً استغلال المرأة في عملية التسويق والترويج للمنتجات،
< أخيراً كيف تحدثنا عن علاقتك بالمرأة؟
المرأة هي كل شيء، ولولاها لما كنا، هي كائن جميل لطيف، أحبها عندما تبقى على طبيعتها من دون تلوث وتغيير، كما هو حاصل لدى الكثيرات حالياً في زمان العجائب.
nike air max 90 infrared