".. أعبر عن فكرة قد يعجز كاتب مقال عن التعبير عنها ، فالصورة أو الرسم أقوى من ألف كلمة ، وذلك لبساطة فن الكاريكاتير ، ولقربه من النفس ، وجذبه لآلاف الناس (المثقف والبسيط والأمي) وتتابع القول:
"لقد بات فن الكاريكاتير سلاحنا الذي يمكن به محاربة الأعداء وقول لا".. وهي هنا تتقاطع مع ما قاله رائد الكاريكاتير الفلسطيني"ناجي العلي"بـأن:"مهمة الكاريكاتير ليست إعلامية مجردة ، بل مهمة تحريضية وتبشيرية ، تبشر بالأمل والمستقبل ، وعليها واجب كسر حاجز الخوف بين الناس والسلطة".
وتعد أمية جحا أيضاً أول فنانة كاريكاتورية عربية تدشن موقعًا خاصاً لرسوماتها علي شبكة الإنترنت ، وحاز موقعها الذي جاء مترافقاً مع انتفاضة الأقصى في شهر آب 2000 على المرتبة الأولى في مسابقة لاختيار أفضل موقع كاريكاتير عربي ، وقد تعرض موقعها لهجوم شرس. كما تعرضت هي شخصياً لتهديد مستمر بالقتل ، بعد أن وضعت على موقعها رسماً كاريكاتوريا عن أحداث 11 سبتمبر ، حصلت عليه على جائزة دبي للصحافة عام ,2001
ويعد موقع أمية جحا من أهم المواقع الذي يساهم في فضح وتعرية العدو.. ويواصل تحديثاته باستمرار لملاحقة الجرائم الصهيونية ، وفضح ممارساته الدنيئة.. لذلك يتعرض هذا الموقع لهجوم صهيوني شرس من آن لآخر وكذلك البريد الالكتروني الخاص بالفنانة ، وتبذل إدارة الموقع كل جهدها من أجل التصدي لهذا الأمر.
فمن هي هذه الفنانة؟
ولدت الفنانة الفلسطينية أمية جحا في مدينة غزة لعائلة فلسطينية لاجئة ، اضطرت للنزوح والهجرة من قرية المحرقة عام 1948 مع آلاف الفلسطينيين الذين أجبروا على الرحيل من أراضيهم ، وقد أبصرت النور في 2 ـ 2 ـ ,1972 وعاشت في كنف أسرتها التي تتكون من 9 أشقاء في حي الشجاعية الشعبي ، وحظيت بالرعاية والاهتمام من قبل أسرتها التي لعبت دورًا بارزًا في تنمية موهبتها الفنية ، ثم انتقلت بعد حصولها على شهادة الصف الخامس الابتدائي إلى العيش في منطقة الجلاء وسط مدينة غزة.
وفي غزة درست الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث لللاجئين ، وأثناء المرحلة الإعدادية بدأت تلتفت لرسومات رسامي الكاريكاتير وخاصة الفنان الراحل ناجي العلي ، وكذلك الفنان الراحل محمود كحيل.. فقد كان لرسوماتهم ولوحاتهم ببؤسها وقوة تعبيرها عن القضية الفلسطينية كما تقول:"تأثير كبير علي". وكان خبر اغتيال ناجي العلي في لندن عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها ذا أثر كبير في حياتها.
تميزت أمية جحا طوال فترات الدراسة بموهبة الرسم ، فقد ولدت معها الموهبة ، وكانت تلقى تشجيعاً من كافة أفراد عائلتها.. لأنها ما كانت تترك جداراً في البيت أو حتى أرضية إلا وخربشت عليها ، حتى الدفاتر والكتب لم تسلم من أقلامها الملونة.. حتى أنها لقبت بـ"رسامة المدرسة: حيث لعبت المدارس دورًا واضحًا في تنمية مواهبها.
وفي السنة الأخيرة من الثانوية العامة سافرت إلى دولة الإمارات العربية حيث يعمل والدها في تدريس اللغة الانجليزية"سعيًا لتوفير لقمة العيش للأسرة: ولذا تولت والدتها رعاية أفراد الأسرة: حيث كابدت ظروف الحياة القاسية في ظل غياب رب الأسرة ، حتى غدت مضربًا للأمثال في الصبر والكفاح والتربية الحسنة لأبنائها الذين أنهوا دراساتهم الجامعية في تخصصات مختلفة".
وفي الإمارات قدّمت أمية جحا الثانوية العامة في مدرسة فاطمة الزهراء بالشارقة وحصلت على تقدير ممتاز ، وهناك لم تتمكن من دخول الجامعة ليس بسبب لون بشرتها.. بل بسبب تداعيات حرب الخليج التي انعكست سلباً على أبناء جاليات بعض الدول العربية التي اتخذ حكامها موقفاً إلى جانب العراق في تلك الفترة..
لم تستسلم أمية جحا لواقع الحياة الذي فرض عليها وهي التي لا ذنب لها فيه سوى أنها فلسطينية ، لذلك قامت باستغلال الوقت والتحقت بدورات فنية في دولة الإمارات ، منها دورة في تنسيق الزهور ، والرسم على الزجاج ، والرسم على الأواني الفخارية وعلى القماش.
بعد ذلك عادت إلى غزة للدراسة في جامعة الأزهر وتحديداً في قسم الرياضيات وفي أثناء المرحلة الجامعية بدأت تبرز مواهبها برسم الكاريكاتير الذي أتاح لها أن تعبر عن ذاتها وموهبتها ، وكان للتشجيع والإعجاب الذي وجدته من الطلاب والطالبات والمدرسين دور كبير في المتابعة والتجديد ، وكذلك الأهل الذين كانوا الحضن الأول لموهبتها رغم رفضهم بأن تلتحق بإحدى أكاديميات الفنون لصقل موهبتها.
وبهذا الخوص تقول أمية :"من الوسط الجامعي كونت جمهوري الأول الذي أخذ يشجعني بقوة على الاستمرار في العطاء والتجديد في رسوماتي الكاريكاتورية التي وجد فيها زملائي من الطلاب والطالبات بالجامعة متنفساً عن الكثير من الهموم والقضايا".
وتضيف:"هذا ما شجعني على الاقتراب من وسائل الإعلام المطبوعة لتوسيع قاعدتي الجماهيرية".
بعد إتمامها لدراستها الجامعية عام 1995 وحصولها على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى على الجامعة ، عملت كمدرسة رياضيات لمدة ثلاث سنوات ، وفي نفس العام شاركت في مسابقة الإبداع السنوي التي أقامتها وزارة الثقافة الفلسطينية وفازت بالمرتبة الأولى على محافظات فلسطين بالكاريكاتير.
في عام 1999 تركت التدريس لتتفرغ للعمل الصحفي كرسامة كاريكاتير في صحيفة"النهار اليومية". وأول رسم نشر لها في تلك الصحيفة كان ينتقد اتفاقية شرم الشيخ الموقعة عام 1996 ، كما تتابع نشر رسومها في ملحق الناس التابع لصحيفة"القدس اليومية" ، وكانت صحيفة"الرسالة الأسبوعية"التي بدأت العمل فيها منذ نشأتها عام 1996 أول صحيفة التزمت بالعمل معها بشكل أسبوعي ، وكونت لها جمهوراً شجعها بإعجابه برسوماتها على الالتزام بمد الصحيفة برسومات كاريكاتيرية بشكل دوري.
وقد تسبب إحدى رسوماتها في قصف"جريدة الرسالة الأسبوعية"عقب نشرها على صدر صفحتها الأخيرة كاريكاتير يظهر"شارون"على هيئة إنسان بشع يأكل الأطفال الفلسطينيين بلذة ، "وهو ما يمثل الحقيقة حيث يستشهد آلاف الأطفال من الفلسطينيين" ، وقد أحدث ذلك الكاريكاتير ضجة كبيرة وانتقاداً شديداً من قبل الوسط الإعلامي الصهيوني.
إبداعاتها الكاريكاتورية جعلت الكثير من الصحف المحلية الفلسطينية والعربية ترغب أن تعمل أمية معها ، فكان عرض جريدة"القدس"لها بنشر رسوماتها على الصفحة الأخيرة. وكذلك صحيفة الراية القطرية ، وصحيفة المدينة السعودية ، فضلاً عن الكثير من مواقع الإنترنت ، وأهمها موقع المركز الفلسطيني للإعلام ، وموقع الداعية الإسلامي"عمرو خالد".
وكذلك عملت في"جريدة القدس"منذ عام 2001 وانتهت في عام 2003 بسبب"ما يسمي بالرقابة العسكرية الإسرائيلية التي توضع على الجريدة ، كونها تصدر من القدس المحتلة ، "حيث منعت من النشر كثيراً بسبب تعارض رسوماتها مع المصلحة الصهيونية". لذا انتقلت لجريدة (الحياة الجديدة اليومية) وعملت فيها منذ فبراير ,2002
تقول أمية وهي تعيد لذاكرتها تلك اللحظات الهامة في حياتها:
"كان تحدياً كبيراً بالنسبة لي أن أعمل في صحفية يومية تتطلب التزويد اليومي برسومات مناسبة ، ولكن الحمد لله الذي وفقني على عمل يومي وولادة فكرة يومية من خلال متابعة الأخبار والتواجد المستمر بين الناس والإحساس بمشاكلهم".
أصبح اسم أمية معروفا لدى عامة الناس من خلال معالجتها لقضاياهم ومعاناتهم من خلال رسوماتها الكاريكاتيرية ، لكنها فيما بعد أصبحت أكثر شهرة لدى الجميع بعدما اقترنت في عام 2001 بالمهندس"رامي خضر سعد"أحد أبرز المطلوبين لقوات الاحتلال الصهيوني بكتائب الشهيد عز الدين القسام ، الذي استشهد بتاريخ 1 ـ 5 ـ 2003 أثناء تصديه لقوات الاحتلال في حي الشجاعية.
وعندما جاءها خبر استشهاده لم تصدق ما سمعته خاصة أنه لم يكن مضى على خروجه من المنزل ساعات قليلة.. إلا أنها تماسكت وذهبت إلى مستشفى الشفاء بغزة ورأته و قالت"كان مسجى .. كأنه نائم".
عامان من الزمن هي الفترة التي قضتها رسامة الكاريكاتير أمية جحا برفقة زوجها شعرت وكأنها قرن من الزمن لما أغدقه عليها من حنان ولطف وعطف .
وتذكر أمية زوجها بالقول:"كان مرحاً وصاحب نكتة ظريفة ونقد لاذع" ، وكان أحياناً يمدها ببعض الأفكار الكاريكاتيرية الطريفة ، موضحة أنه:"كان حريصًا على نجاحي ، واستمراري بشكل كبير ، وكان دومًا يردد أنه سيكون: الرجل العظيم الذي يقف خلف امرأة عظيمة".
أمية التي أنجبت عام 2002 من"رامي"طفلة جميلة صغيرة اسمها"نور"كان كثيراً ما يقول لها:"أنت مشهورة لأنك رسامة كاريكاتير ، وغداً ستصبحي أكثر عندما تكوني زوجة شهيد".
في اليوم الثاني من استشهاد زوجها لم تتمكن أمية من رفد صحيفتها بأي رسم ، فقامت الصحيفة بوضع صورة كبيرة لزوجها لحظة إصابته شهيداً ، واعتذار من القراء عن غياب هذه الزاوية. ولكن في اليوم الثالث لاستشهاده كانت أمية قد رسمت الكاريكاتير ، الذي انتظره الجميع ، وكان الجميع ينتظر كيف ستعبر هذه الفنانة المرهفة ، من خلال ريشتها عن حزنها على فراق زوجها ، وقد مثل هذا الرسم صورة زوجها"رامي"في حدقة عينها ، التي بكت دما ، جاء على هيئة دمعة تنزل من العين ، وترسم صورة للقلب.
وفي شرحها للرسم قالت جحا:"إن كل ما استخدمته في الرسم من خلفيات وألوان عكست الحالة التي كنت أعيشها ، وهي حالة سوداوية ، فالهالة التي كانت حول العين قد اقترنت بالسوداوية ، وكافة الألوان ، التي استخدمتها كانت ألوانا تعبر عن الحزن".
تقول أمية متحدثة عن تأثرها باستشهاده:"لقد كان لاستشهاده أثر كبير على عملي فلا شك أنني افتقدت الزوج والسند وشريك العمر والطموح والنضال ، ولكنني في الوقت ذاته أصبحت صاحبة لقب: زوجة الشهيد ، وهذا اللقب عندما يقترن بي كرسامة كاريكاتير أيضاً يعطيني بعداً أكبر من المصداقية والمهابة في قلوب الناس ، فضلاً عن أنني أصبحت أكثر إحساساً بمعاناة شعبي ، وأكثر اندماجاً في الهم الواحد ، ومن ثَم صارت الريشة أكثر قوة وتعبيراً وصدقاً ، وأكثر إبداعاً ، وأكثر حزناً في أغلب الأوقات".
في عام 2007 أقامت الفنانة أمية جحا في البحرين معرض"مفاتيح العودة" ، وقد غلب على جميع اللوحات الكاريكاتيرية رمز المفتاح ، واتى هذا المعرض في ذكرى النكسة وذكرى النكبة ألـ ( 60 ).
كما قامت شركة جحا تون لإنتاج أفلام الكارتون في فلسطين بإنتاج أول فيلم كرتوني موجه للأطفال عن النكبة الفلسطينية يحمل اسم"حكاية مفتاح"وهذا الفيلم الذي ترأس مجلس إدارته الفنانة أمية جحا يجسد مفتاح العودة من عام 1948 حتى وقتنا الحاضر.. ويسرد الفيلم كيف هجر الشعب الفلسطيني بفعل ما ارتكب بحقه من مذابح ، ولكنه في ذات الوقت قاوم بشبابه وبشيوخه وبأطفاله أيضاً ، ويستغرق الفيلم حوالي 38 دقيقة ومترجم إلى اللغة الانجليزية بشكل مباشر .
غزة في كاريكاتير أمية
رسمت أمية جحا مئات الرسومات التي تتحدث عن الجرائم الصهيونية التي ارتكبت بحق أهل غزة وعن الحصار الذي فرض عليهم والذي أدى إلى منع الحليب عن الأطفال والطحين عن الناس إلى جانب قطع الإمدادات النفطية وقطع التيار الكهربائي.. الذي انعكس بشكل سلبي على المؤسسات التي تقدم الخدمات وبشكل خاص المستشفيات.. وهذا الوضع أدى إلى استشهاد عشرات الفلسطينيين.. فصورت أمية جحا ذلك الواقع كما هو ودون رتوش ، فمثلاً عبرت عن"معبر رفح"بتكبير حرف الـ"م"حيث أصبح حرف"م"دائرة في جدار وثبتت في دائرة ألـ"م"قضبان حديدية ، يطل من خلفها غزي يضع يده على خده.. وذلك للدلالة على الحصار..
وفي رسم يمثل شهداء الحصار ، رسمت الفنانة الجانب الرسمي العربي وهو يغطي أجساد الشهداء بيافطة بيضاء كتب عليها"إنا لأمريكا وإنا إليها خاضعون".
وفي رسم آخر ترسم غزة وهي تغرق بالدماء ولم يبقى سوى جزء بسيط من بعض الأيادي المرفوعة ، وفي الجانب الآخر يحاول عربي أن يمد يده لإنقاذها ، لكن كلمة الفصل في عدم وصول اليد لإنقاذ غزة كانت لقدم أمريكا التي جثمت بقوة فوق اليد العربية.
وفي رسم آخر نلاحظ الدم يسيل من حرف"التاء المربوطة"من كلمة غزة ، وهذا الدم الذي يسيل كوّن بحيرة يمخر فيه قارب يمثل العالم العربي.
وللتعبير عن صمود غزة في وجه الحصار ورفضها لتقديم التنازلات أو الخضوع للشروط الصهيونية.. رسمت امرأة بزيها الشعبي الفلسطيني وهي تربط وسطها بشال من القماش.. وتصرخ قائلة:"تجوع الحرة ولا تفرط بالثوابت".
وللتعبير عن المقاومة رسمت يد تحمل قلم على شاكلة صاروخ ، كتب كلمة"المقاومة لن تركع".
أمية جحا رسمت مئات الرسومات التي تتناول الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني بشكل عام وغزة بشكل خاص ، وقدمت من خلال رسوماتها صورة النظام العربي الرسمي الذي قام بتغطية العدوان على غزة ومباركته ، كما عكست رسوماتها تلك القوة التي يمتلكها العدو ، الذي يريد بكل الطرق فرض إرادته ومفاهيمه على الشعب الفلسطيني والأمة العربية ، كما عبّرت من خلال رسوماتها عن رفضها لمبادرات السلام التي يتمسك بها النظام الرسمي العربي كخيار استراتيجي رغم موتها منذ ولادتها.. لأن الاحتلال ضرب بعرض الحائط كل معاهدات ومبادرات السلام بجرائمه ومحرقته التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني منذ ستون عاماً.
أخيراً رسومات أمية جحا تصف العالم الذي يحيط بنا بخطوط بسيطة معبرة.. ورسوماتها تكفي عن قراءة عشرات المقالات والتحليلات السياسية ، وأمية جحا التي أقامت وشاركت في عشرات المعارض تتغنى في رسومها بالمقاومة كمفهوم وممارسة.
nike air max 2019 blue