معروضات المتحف تجمع بين الأقدم والأفضل، فالرسومات تبدأ منذ عام 1927، ونشرت في المجلات المتخصصة في فن الكاريكاتير
مثل كثير من الشعوب، يتمتع فن الكاريكاتير بجاذبية خاصة لدى المصريين، فهو من أكثر الفنون تعبيرا عن أشواقهم وهمومهم، وبروحه الساخرة المنتقدة يرسم البسمة على الوجوه، ويشيع حالة من النشوة قلما تجدها في فن آخر.
وفي كعكة 2009 كان للكاريكاتير نصيب الأسد، حيث شهد إصدار أول موسوعة عن فن الكاريكاتير في مصر تؤرخ لمسيرته بعنوان «حكايات في الفكاهة والكاريكاتير». والثاني افتتاح متحف الكاريكاتير في محافظة الفيوم (90 كم جنوب غرب القاهرة) والذي يعد الأول من نوعه في الوطن العربي. الموسوعة تعد أول دراسة من نوعها تؤصل لتاريخ الكاريكاتير المصري، أمضى صاحبها فنان الكاريكاتير «أحمد عبد النعيم» في تجميع مادتها أكثر من أربع سنوات كاملة. تتحدث الموسوعة عن ارتباط الصحافة بالكاريكاتير وظهور الصحف المصرية الهزلية، فكانت «مجلة أبو نظارة» ليعقوب صنوع أول مجلة فكاهية ساخرة تحتوى على مسليات ومضحكات، ومن بعدها ظهرت مجلات «اللطائف المصرية»، «كشكول»، «خيال الظل»، و«الفكاهة». توقفت الموسوعة أمام الكاريكاتير الفرعوني، الذي أسهم في توصيل صورة واضحة لبعض عناصر السخرية من تردي الأوضاع، وهو عبارة عن رسوم وجدت في عصر الرعامسة وتحملها بردية الأوضاع المقلوبة، وفيها تصوير كاريكاتيري لأسد وهو يلعب لعبة الضامة - وهي لعبة مصرية قديمة تشبه الشطرنج - مع غزال بما يسخر من ضعف الأسد الشديد، إلى جانب العديد من البرديات التي استخدمت الرمز عند التصوير.
تذكر الموسوعة أن الفنان محمد عبد المنعم «رخا» يعد أول ريشة كاريكاتير مصرية، بدأ الرحلة من مجلة الفنان عام 1927، واستمر يرسم حتى وفاته في عام 1989 في مؤسسة أخبار اليوم، أبدع خلال تلك الفترة العديد من الشخصيات الكاريكاتيرية مثل: رفيعة هانم، السبع أفندي، غنى الحرب، ابن البلد. وبعد الفنان رخا جاءت العديد من الريشات المصرية التي وقع عليها عملية «تمصير» فن الكاريكاتير الذي بدأ على يد مجموعة من الرسامين الأجانب، منهم الفنان عبد السميع، والفنان زهدي العدوى، والفنان أحمد طوغان، وتوالت الأجيال بعد ثورة 1952 فجاء جيل صلاح جاهين وبهجوري وحجازي وبهجت والليثي واللباد ورجائي، واستمر الكاريكاتير المصري في تعاقب الأجيال من جمعة ودياب ورءوف وناجي ومحسن والفنان مصطفى حسين، وحتى الأجيال الحالية التي تؤدي دورها في مساحة من الحرية وازدهار لهذا الفن المصري.
يشير صاحب الموسوعة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التأريخ لفن الكاريكاتير لن يتوقف عند هذا الحد، حيث سيرفد موسوعته «حكايات في الفكاهة والكاريكاتير» بثلاثة كتب تصدر خلال العام المقبل، الأول يتناول فن الكاريكاتير في العصر الإسلامي والقبطي وحتى ثورة يوليو 1952، والثاني منذ الثورة وحتى العصر الحديث، والثالث يتحدث عن واقع الكاريكاتير العربي. أما متحف الكاريكاتير فيقع في قرية «تونس» بالفيوم أمام بحيرة قارون، وهو مبنى ذو طابع «فيومي» خاص، يمتاز بقبة طينية تبرز وسط مساحة خضراء حيث تحيط بها الأشجار العالية.
بالداخل يجد الزائر للمتحف 14 ألف لوحة كاريكاتير لمختلف الفنانين من مختلف الأجيال نشرت في مختلف الصحف والإصدارات الخاصة في مصر منذ عام 1927 إلى الآن، لتشكل أول متحف أهلي للكاريكاتير في العالم العربي، كان هدف مؤسسه الفنان التشكيلي «محمد عبلة» إنقاذ كنوز الكاريكاتير المصري التي تعرضت وتتعرض للضياع والاندثار، وليجعل منه مدرسة لفن الكاريكاتير في الشرق الأوسط يتم فيها تدريس وتعليم أصول هذا الفن.
معروضات المتحف تجمع بين الأقدم والأفضل، فالرسومات تبدأ منذ عام 1927، ونشرت في المجلات المتخصصة في فن الكاريكاتير مثل: المطرقة، والشعلة، وروزاليوسف، واضحك، والبعكوكة، كما تحرص على التنوع بين القضايا الاجتماعية والموضوعات السياسية وبورتريهات المشاهير، كما أن المتحف لا يقتصر فقط على الأعمال القديمة، فهو يعرض كل الأعمال الجديدة والحديثة والإبداعات الشبابية. المتحف، الذي افتتح في مارس (آذار) الماضي ويفتح أبوابه مجانا للجمهور؛ يعد تحقيقا لحلم راود فناني الكاريكاتير وبخاصة الفنان الراحل زهدي العدوي، ويبقى حافزا لإنشاء المتحف القومي للكاريكاتير الذي جمع العدوي قدرا كبيرا من أصوله وهي حاليا موجودة بالجمعية المصرية للكاريكاتير.
يشير مؤسس المتحف الفنان محمد عبلة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المتحف يعمل على تشجيع وتحفيز فناني الكاريكاتير ومحبيه، فلا يقتصر دوره على البعد التاريخي لكنه يتخطى ذلك بعمل ورش عمل عن الكاريكاتير وتنظيم المسابقات فيه، موضحا أن المتحف سوف ينظم في عام 2010 مسابقة دولية للكاريكاتير من دون تعليق، إلى جانب الاهتمام بالكاريكاتير على المستوى العربي.
«إيمان» فتاة في العشرين من العمر تدرس الفن بكلية الفنون الجميلة تقول: سعدت بهذه الانتعاشة الكاريكاتيرية خلال عام 2009، وهذا المتحف يقدم بانوراما شيقة ومهمة لفناني الكاريكاتير المصريين، سواء ممن يطلق عليهم جيل الكبار أو الشباب، كما أن صدور موسوعة للكاريكاتير، أكمل حلقة ظلت فارغة في تاريخ هذا الفن، ومن أبرز ما يهمني كمتخصصة تلمس روابط وعلاقات مشتركة بين الأجيال من فناني الكاريكاتير.. كما أن المتحف يتيح لك حالة من المعايشة الواقعية لأجواء هذا الفن، لذلك سأحرص على زيارته دوما.
أما فنان الكاريكاتير محمد عفت، رئيس الاتحاد الدولي للكاريكاتير فرع مصر (FECO)، فيقول: «الموسوعة استطاعت تقديم تأريخ مهم لفن الكاريكاتير، وهو ما حصل على إشادة من الجريدة الدولية لفن الكوميك الذي يرأس تحريره جون لينت أكبر ناقد في العالم، رئيس قسم الكوميك بجامعة تيمبل، أما المتحف فقد استطاع تحقيق رغبة قديمة كانت لدينا كفنانين للكاريكاتير، وهو ما أعطى الكاريكاتير المصري دفعة قوية وازدهارا خلال هذا العام».
ويعدد عفت بعض الأحداث الأخرى التي تحسب للكاريكاتير المصري خلال عام 2009؛ منها حصول مصر على جائزتين من المعهد الدولي للكاريكاتير بكوريا الجنوبية لأفضل كاريكاتير في العالم، وزيارة الفنان الأوبرالي العالمي أوزفالدو دي سوسا البرتغالي وهو رئيس مؤسسة هيومار جراف أكبر مؤسسة لترويج وتوزيع المنتجات الكاريكاتيرية عالميا. مشيرا إلى أن نشاطات الفيكو خلال العام القادم ستشهد انتعاشة أخرى، فهناك برامج مع المؤسسة الثقافية اليابانية ومع أذربيجان، إلى جانب توغل الاتحاد بين الجامعات والمحافظات المصرية من خلال اللقاءات والمعارض الفنية لاكتشاف المواهب. ويرى فنان الكاريكاتير سعيد بدوي أن انتعاشة الكاريكاتير في 2009 بخلاف الموسوعة والمتحف كان بظهور فنانات الكاريكاتير بعد أن كان يقتصر هذا الفن على الذكور، فهناك أسماء جديدة صاعدة وواعدة ظهرن في الجرائد المصرية وأثبتن جدارتهن في هذا الفن، إلى جانب العديد من المعارض الفنية الكاريكاتيرية التي أبرزت العديد من المواهب الشابة. من جيل الشباب يقول رسام الكاريكاتير أحمد كامل: «الموسوعة ألقت حجرا في المياه الراكدة حيث فتحت مجالا للتأريخ لفن الكاريكاتير كنا نفتقد إليه كشباب، وما يسرنا أن هناك خطوات لاستكمالها، أما المتحف فهو الحلم الذي كان يتمناه الجميع ورغم أنه مجهود فردي إلا أنه استطاع أن يجمع تاريخا طويلا من رسومات الكاريكاتير كانت مهدرة على الأرفف، لذا فالخطوتان ناجحتان ونجاحهما يكمن في التواصل بين الأجيال المختلفة من رسامي الكاريكاتير».
nike air max 1 yeezy