نضال الخيري: رسومات مجازية لقضية حقيقية

مما لا شك فيه أن الرسام والمصور الكاريكاتيري الفلسطيني نضال الخيري يملك الموهبة.

لكن هذا ليس ما يميز عمله عن أعمال رسامي الكاريكاتير في العالم العربي، بل قدرته على التعامل مع قضايا معقدة بطريقة بسيطة ومبسطة.

مع تفاقم الأزمة الإسرائيلية على غزة في كانون الأول/ديسمبر، نشرت منصات إحدى رسومات الخيري بعنوان "غزة" ليصبح الرسم صورة اعتمدها الموقع للصراع لأنه يتوجه إلى شعب لا يقدر على وقف العنف.

تبدو رسومات الخيري مجازية، لكن الرسالة دائما واضحة.

وقال الفنان البالغ من العمر 31 عاما لمنصات أنه يرسم منذ طفولته، ولا شك أن رحلاته العائلية إلى رام الله في طفولته منحته نظرة مبكرة عما يعتبر أسوأ صراع في العالم العربي:الصراع العربي الإسرائيلي.

بعد نيله شهادة في الفنون الجميلة من جامعة ماستشوستس الأميركية، انتقل الخيري إلى مونتريال، حيث أمضى اربع سنوات ونصف يطور رسمه ووعيه السياسي.

نضال معلقا على امتناع قناة بي بي سي البريطانية عن بث نداء لجمع التبرعات لغزة بعد العدوان الاسرائيلي الأخير

في 2006، انتقل إلى عمان حيث استقرت عائلته بعد تهجيرها من مدينة الرملة الفلسطينية خلال نكبة 48، وهي الكارثة التي انتهت بطرد 750,000 فلسطيني من وطنهم خلال تأسيس دولة إسرائيل.

منصات تحدثت إلى الخيري لمعرفة المزيد عما يثير هذا الرسام.

-----

منصات: أخبرنا قليلا عند بدايتك في الرسم

نضال الخيري: كجميع الأطفال، بدأت بالخربشة ووجدت أنها مصدر تسلية خلال صف ممل. كنت أرسم لاعبي كرة قدم، الحروب، ساحات المعارك، السيارات، رجل يقطع الطريق، وما شابه...

لكن مواضيعي تغيرت بعد الانتفاضة الأولى فبدأت أرسم أولادا يرمون الحجارة.

أحيانا، كنت أرسم أشياء كنت آمل أن أراها وقتها، طائرة إف-16 فلسطينية تفوز بمعركة مع صورة بركان في الخلف وطائرة إف-16 إسرائيلية تهوي فيما دبابات الميركافا تحترق وهي ترفع العلم الأبيض.

لم أكن أعلم بأمر اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (ايباك) وقتذاك.

منصات: كيف تطور عملك منذ ذلك الحين؟ عشت وزرت عدة مدن، منها مونتريال، عمان ورام الله. كيف أثر هذا على عملك؟

رسم بعنوان "الجرذ السمين"، تعليق على الفساد المستشري في السلطة الفلسطينية ويبدو الشبه الكبير بين الرجل السمين على اليمين ورئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته، محمود عباس

نضال الخيري: بعض الصور تعلق في مخيلتك. حين كنت أزور رام الله في أواخر الثمانينات، أصبح الاحتلال حقيقة.

ما كان يراه الناس على التلفاز في عمان، كنت أشهد عليه أنا أول بأول خلال تسكعي في أسواق رام الله.

فجأة، كان الأولاد يرمون الحجارة على الجنود الإسرائيليين الذين يردون عليهم بالرصاص.

مرة، كنت أقص شعري مع جدي، فبدأت عيناي تحرقاني وتدمعان. نظرت إلى جدي فبدأ بالضحك، وقال "ما رأيك بالغاز المسيل للدموع؟"

أنا واثق أن كل هذا أثر على أعمالي.

حين ارتدت جامعة لويل في ماستشوستس، تعلمت عن بيكاسو والفن الأفريقي في صف تاريخ الفنون، وأحببت استخدام الزوايا في الرسم.

ثم انتابني هوس برسم الوجوه لأحدى مشاريعي الدراسية النهائية، وكانت النتيجة جيدة ووصفها الناس بأنها أسلوب خاص، فاعتمدته.

منصات: شاركت في عدد من الحركات والنشاطات، منها أسبوع التمييز العنصري الإسرائيلي، فنانون ضد الاحتلال الإسرائيلي، والتضامن عبر الحدود. ما الدور الذي لعبته فيها؟ وما الدور الذي لعبته هذه الحركات في تطوير عملك؟

نضال الخيري: حين انتقلت إلى مونتريال، قررت الانضمام إلى الاتحاد ضد ترحيل اللاجئين الفلسطينيين، وهو أحدة الحركات المعنية بحقوق الفلسطينيين العاملة تحت مظلة التضامن عبر الحدود.

أعتقد أن عملي مع هذه المنظمات جعلني أعي المعنى الحقيقي لصراع الطبقات.

فمع انتقال المهاجرين الأثرياء بسهولة إلى كندا، كان اللاجئون والعمال يسدون العجز في اليد العاملة التي تحتاجها كندا. كانوا يحملون الشهادات الجامعية ويغسلون الصحون في المطابخ.

ورغم البيروقراطية التي يواجهونها في مكتب الهجرة الكندي، فقد ملؤوا هذه الثغرة لفترة طويلة.

إن التفكير في هؤلاء الناس الدؤوبين على العمل والذين قابلتهم خلال هذه الحركة كان له تأثير كبير علي.

شعرت أن هذا هو الجمهور الذي يهمني.

منصات: وضعت مؤخرا رسما كاريكاتوريا عن شون برانت (الصورة على اليسار)، وهو ناشط سياسي كندي واجه تهما مختلفة لمعارضته إقامة مشروع بناء يهدد مجتمع هنود الموهاك. أيمكنك أن تقيم علاقة بين الصراعات المختلفة؟

نضال الخيري: حين كنت في مونتريال، سنحت لي فرصة مقابلة سكان أصليين من قبيلة كاهناواكي. وحين سمعت الوالد يتحدث إلى ابنه باللغة الأصلية، عرفت أن الفلسطينيين يشبهون في بعض الأوجه السكان الأصليين في جزيرة السلاحف في أميركا الشمالية.

الغريب في الأمر بالنسبة إلي أن الفلسطينيين المقيمين في أميركا الشمالية يتحدثون عما فعله الإسرائيليون بهم وعن احتلال فلسطين، وكيف اقتلع الإسرائيليون شجرات الزيتون وسرقوا المياه من تحت أقدامنا.

لكنهم لم يقابلوا أيا من السكان الأصليين ولم يجدوا علاقة تماثل مع الصراع الذي يعيشه هؤلاء في أميركا الشمالية، بل شاركوا في الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين ومواردهم.

أتمنى أن أرسم المزيد حول هذه القضية، حيث أصل بين الصراعين لأظهر كيف أن للرأسمالية، الاستعمار والإمبريالية الأهداف نفسها.

لقد قامت منظمة بي هايف كوليكتيف بعمل رائع في هذا الخصوص.

منصات: يبدو أن عملك تطور من رسومات وصور توثق بعد الأحداث لتصبح أكثر انتقادا مع استخدام الكوميديا السوداء، أخبرنا عن هذا التطور

نضال الخيري: شعرت أن معظم الناشطين في العالم العربي يستخدمون خطابات نظرية لمحاولة تقديم فهم أكبر للصراع.

أعتقد أن مزحة كوميدية سوداء يمكنها نقل الرسالة بشكل أفضل. كان زياد الرحباني وناجي العلي بارعين في هذا.

أريد أن يضحك الناس حين يتحدثون عن الصراع بدلا من الشعور بالملل وهم يستمعون إلى محاضرة عن الموضوع.

منصات: على ماذا تعمل الآن؟ وما هي مشاريعك للمستقبل القريب؟

نضال الخيري: حاليا، أعمل على مهاراتي في الرسم. آمل أن أتقدم وأرسم الأمور بلذعة أقوى.