الطبيب ورسام الكاريكاتير علاء اللقطة لـ"فلسطين": العلاقة ما بين الطب والرسم علاقة "جرح" يعالج بالمشرط ويمسح عليه بالريشة

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة فلسطين
الكاتب: 
محمد الدلو

 

"لا تحسبن رقصي بينكم طرباً .. فالطير يرقص مذبوحاً من الألم"، لعل هذا البيت من الشعر يلخص بإيجاز كبير فحوى رسالة فن الرسم الكاريكاتوري، والذي يعكس واقعاً سياسياً واقتصادي قد تعجز آلاف الكلمات عن نقله.

ما بين الطب والريشة وجد نفسه بينهما، فأين يجتمعان ؟، وما الذي دفعه للتوجه نحو الريشة ؟، وكيف تقدح الفكرة في ذهنه؟، وأين تعلم فن الكاريكاتير الصامت ؟، وهل دخول ريشته للمعترك الإعلامي حديث العهد ؟. التساؤلات السابقة وغيرها يجيب عنها في حديث لـ"فلسطين" د.علاء اللقطة رسام الكاريكاتير في الصحيفة وعدد من الصحف العربية.

ما بين الطب والرسم

ويعَّرف الدكتور علاء اللقطة الكاريكاتير بأنه " فن الضحك المر، حيث يختزل الفنان هموم المواطن وقضايا المجتمع وتناقضات الواقع في خطوط بسيطة أو كلمات مقتضبة تغني عن الكثير من الكلام، وأداة للتعبير عن مكنونات النفس وخواطرها في قالب ساخر مضحك رغم شدة الألم"، مستشهداً بقول الشاعر: " لا تحسبن رقصي بينكم طرباً ... فالطير يرقص مذبوحاً من الألم".

وبدأ الطبيب الشاب مشواره مع الرسم منذ الطفولة، حيث نمت تلك الموهبة مع دراسته الابتدائية، وحول ذلك يقول:" حباني الله بموهبة الرسم والخط، وكنت أشرف على تصميم اللوحات المدرسية، وكنت وقتها أنفق جل مصروفي اليومي على الألوان ومعدات الرسم، وأحاكي رسومات قصص الأطفال، ثم تدرجت لرسم الشخصيات، فكنت أختلس بعض اللحظات من الحصص المدرسية لأرسم المعلم على صفحات دفاتري أثناء شرحه مع إبراز صفة أو عبارة تميزه".

وزاد قائلاً:" نمت معي الموهبة وبدأت خطوطي تأخذ طابع الكاريكاتير الحقيقي، وأذكر أن صحيفة الحق والحرية الصادرة في أم الفحم نشرت لي رسماً كاريكاتورياً في صفحتها الأولى ولم أكن أتجاوز التاسعة عشرة من عمري، الأمر الذي أثار حفيظة والدتي لما يترتب على هذه المهنة من أخطار".

وأشار الفنان اللقطة إلى توجهه للرسم الكاريكاتوري في الصحف الرومانية أثناء دراسته للطب، قبل أن ينتظم للعمل مع الصحافة العربية منذ خمس سنوات كرسام كاريكاتير سياسي يومي، وفي معرض رده حول توجهه للرسم رغم دراسته للطب، قال:" حين أنهيت الثانوية العامة كانت لدي ميول لدراسة الرسم وحلمي الالتحاق بمعهد للفنون الجميلة، ولكنني لم أجد تشجيعاً كافياً لهذه الخطوة، وغلبني التفكير التقليدي بدخول كلية تناسب تقديري فاتجهت للطب، وبقي الرسم كامناً في صدري وهاجساً يراودني ويستولي على ما تبقى لدي من وقت".

وعن العلاقة ما بين الرسم والطب، قال: "أعتقد أن العلاقة التي تربط الطب بالرسم هي الجرح، حيث أداوي جرح المريض بالمشرط، وأمسح على جرح وطني بالريشة، وكلاهما يعيش في داخلي".

الكاريكاتير ..فكرة

وأوضح الطبيب اللقطة أن الفكرة هي "العنصر الأساسي للكاريكاتير، ولا يقوم بدونها مهما بلغ الرسم من الكمال والإبداع، ويتوقف عليها نجاح العمل"، مضيفاً أن الفكرة تكتمل بكثرة القراءة والمطالعة ومتابعة الأحداث والغوص في فحوى الخبر ودلالاته، وفهم الساحة جيداً "ليخرج العمل عميقاً وذا مغزى". وفي شأن التعليق على الرسم، قال :" أحياناً أنزل إلى الشارع وأتجول في الأسواق بحثاً عن تعليق ساخر من مواطن بسيط، أو موقف طريف من قلب الواقع، ويمر اليوم بطوله حتى تتخمر الفكرة، ثم أرسمها وأعرضها على زوجتي لتراها بعين القارئ لأتأكد من وصول الفكرة التي أريد".

وبينّ رسام الكاريكاتير أنه يعتمد على الهدف في كل رسوماته المرتبطة بالأحداث اليومية، قائلاً:" هناك مفاهيم تحتاج إلى تصحيح عند الكثير من الناس، وسميت الأشياء بغير مسمياتها .. لا بد من التفريق ما بين الإرهاب والمقاومة، وما بين التفاوض والتنازل، وما بين الواقعية والانهزامية .. الوطن قبل الفصيل". وزاد قائلاً:" صراعنا الحقيقي مع المحتل، ولا بد من تعرية السياسة الأمريكية الغربية، سياسة الكيل بمكيالين، وتسليط الضوء على قضايا غُيبت وتذكير الفلسطينيين جيلاً بعد جيل بالقدس، وحق العودة، والأسرى، واللاجئين".

مدرسة ناجي العلي

وأشار إلى أن نشأته في مخيم الشاطئ للاجئين، وتلقيه التعليم الأساسي في مدارس وكالة الغوث أثرت فيه، قائلاً " الإبداع يخرج من رحم المعاناة، وطفولة بلا وطن ينتابها الكثير من الأسئلة .. الحرمان يحرك كوامن النفس البشرية، والإحساس بالظلم يولد طاقات بلا حدود". وأعرب د. اللقطة عن تأثره برسام الكاريكاتير الشهيد ناجي العلي بشدة، ومحمد كحيل -رحمه الله-، معتبراً نفسه امتداداً لمدرسة العلي لتعلمه فن الرسم الساخر بالمحاكاة، حيث لا توجد معاهد متخصصة لدراسة هذا الفن، مضيفاً " كل مبتدئ يتأثر في بداياته برسام متميز ممن سبقوه إلى أن يكتسب الخبرة الكافية التي تؤهله لسلوك خط خاص يميز به شخصيته".

وفي ناجي العلي يقول الطبيب اللقطة: " الشهيد العلي صاحب مبدأ، وأصحاب المبادئ لا يموتون، لم يهادن أو يداهن، كان يرسم برصاصته مفترشاً كفنه، كان صاحب حق وقضية، تبنى قضية المواطن المعدوم إلا من كبريائه، المحروم إلا من كرامته".

ولازم اللقطة لمدة ثماني سنوات رسم الكاريكاتير مع بعض الصحف الرومانية، واصفاً تلك التجربة بالإيجابية لعدة أسباب، أولها: اهتمام الشعوب الأوروبية بالعلوم الروحية من رسم وفن وموسيقى، أكثر من اهتمامها بالعلوم التطبيقية. وقال:" الرسام الروماني م. استيفان بوباس حاز على جائزة أفضل رسام كاريكاتير في أوروبا أعطاني ثقة بنفسي وولَّد لدي قناعة بمقدرتي على النجاح في هذا الفن حتى لو كنت طبيباً، والسبب الثالث تأثرت بمدرسة الفن الأوروبية الشرقية التي تتميز بالكاريكاتير الصامت".

وتابع قوله:" الكاريكاتير الصامت هو أبلغ فنون الكاريكاتير على الإطلاق وأكثرها صعوبة ودقة، لأن كل خط أو نقطة فيه لها دلالتها، وهو كاريكاتير يتمكن من قراءته كل إنسان مهما كانت جنسيته أو لغته، لذا فإن أكثر من تسعين بالمائة من رسوماتي تجدها صامتة". وذكر رسام الكاريكاتير اللقطة أن السياسة الرومانية لم تساعده كثيراً في الرسم لأجل فلسطين أو العراق أو غيرهما، ملفتاً أن التحاق رومانيا بالاتحاد الأوروبي جعل إعلامها يدور في فلك السياسة الأمريكية المؤيدة لمكافحة "الإرهاب"، وتبنى المواقف الإسرائيلية في صراعها مع الفلسطينيين.

ولفت إلى أن عمله مع الصحف الخليجية أتاح أمامه مساحة واسعة للخوض في فلك القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن نصف أعماله المنشورة تتناول القضية، وأن إدارة التحرير في الصحف التي يعمل فيها تتيح له هامشاً كبيراً من الحرية في اختيار مادة الرسم من الملفات الحيوية الساخنة في المنطقة. وقال:" قضيتنا ذات بُعد عربي وإسلامي وليست محلية، ويتوقف عليها أمن واستقرار المنطقة، والمهم تقديم عمل متميز يرتقي إلى مكانة الصحيفة ويراعي واقعها، فصحيفة المدينة السعودية هي أول صحيفة سعودية تأسست سنة 1937م، وصحيفة الشرق القطرية فازت بلقب الصحيفة الأولى في قطر لعام 2007 وفقا لمركز البحوث العربية".

ومن الجدير ذكره أن رسام الكاريكاتير اللقطة معتمد لدى قناة الحوار الفضائية التي تبث من العاصمة البريطانية لندن، حيث خصصت لريشته ورسامين آخرين الدقيقة الأخيرة من برنامج "أضواء على الأحداث". ولفت إلى أن صحيفة "فلسطين" أول صحيفة فلسطينية ينشر أعماله بشكل يومي على الصفحة الأخيرة.

وأشار الرسام اللقطة إلى تصنيف ريشته بـ" معاداة السامية" من قبل منتدى التنسيق الإسرائيلي لمكافحة CFCA، بعد رسم صورة كاريكاتورية لقناص إسرائيلي قتل جنيناً فلسطينياً في رحم أمه.

يشار إلى أن CFCA أقيم من أجل متابعة ما يسمى بـ"الأحداث اللاسامية" في سائر أرجاء العالم، ولتنسيق المكافحة لهذه الظاهرة بين الأقسام الحكومية المختلفة وبين وحدات ومنظمات يهودية أخرى حول العالم.

علاقات المهنة

وعن مدى اهتمام رسامي الكاريكاتير العرب بالقضية الفلسطينية، أوضح الطبيب الرسام أن "القضية باتت عنصراً أساسياً في الكاريكاتير العربي، وإن كانت لا تزال في بعض البلدان هامشية أو يتناولها بعض الرسامين بسطحية لا تليق بحجم القضية". وعزا ذلك لانشغال الرسامين العرب في تفاصيل محلية اجتماعية لبلدانهم، "أو أن التوجه العام في تلك البلدان يختزل مساحة التغطية الإعلامية للقضية الفلسطينية"، حسب قوله، مستدركاً "هناك بعض الرسامين يمتازون بخطوط قوية وأفكار نافذة ترقى إلى مستوى العالمية".

ويحلم رسام الكاريكاتير لصحيفة "فلسطين" إلى جانب صحيفتي "المدينة السعودية" "والشرق القطرية" بأن تكون آخر رسوماته من بلدته الأصلية الفالوجا.

يشار إلى أن رسام الكاريكاتير اللقطة حاصل على شهادة البكالوريوس في الطب بامتياز، وحصل بعد خمس سنوات على شهادة البورد الروماني في جراحة التجميل، ويقيم حالياً في القاهرة منذ عام كطبيب زائر في جامعة عين شمس، حيث يحضر لرسالة الدكتوراه.

 

Men's Shoes

معرض الصور