حوار مع فنان الكاريكاتير العراقي كفاح محمود

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
موقع عراق الغد
الكاتب: 
حاوره:علي شايع

 

فيما لا يحصية الكلام من المعاني الدقيقة، سريعة الوصول، تختصر خطوط بسيطة للكاريكاتير الكثير، وهي تجد مساحة هائلة للقول بحرية، في المفارقات البصرية، الفنتازيا، المهمل، والعميق او العابر من اليومي. كلّ هذا  يحيه رسام الكاريكاتير، ببلاغة تصويرية ترفع اليومي الى مكانة اللحظة الفنية الزاخرة بالدلالات الفكرية.

فن الكاركاتير، فن السهل الممتنع، فن المواجهة الثقافية، المقروء كالموسيقى عالمياً، والمشار الى خطورته واهميته في كل محفل اجتماعي وسياسي. فن المتعة والنقد السياسي والاجتماعي بالإبتسامة الهادفة، احيانا.

لا يمكن وضع تاريخ محدد لبداية فن الكاركاتير، فعمر هذا الفن مرتبط بالوجود الانساني الساخر والناقد. عراقياً، ومما سجله التاريخ لحضارة وادي الرافدين في امتيازهم الحضاري، يُشاهدُ حضور هذا الفن الساخر والناقد لديهم منذ البدء، وفي ما سجل من انتصارات على عدو رسم منهزماً او في ما بقي من لقطات رمزية ساخرة لحيوانات مختلفة. . .

الفنان كفاح محمود ابن هذه الحضارة، الوفي لمنجزها، والمتفاعل مع انسانها، رسام الكاريكاتير المتميز في منهجه بشهادة نقاد تابعوا نتاجه الذي نشره في الصحافة العراقية والعربية طيلة 21سنة. خرج من الوطن منذ عام 1991 الى عمان، واستقر في هولندا منذ تسع سنوات، ألتقته إيلاف في حوار عن رصيد هذه السنوات، وعن أمله في قادم الكاريكاتير في الوطن.

- كيف ترسم وأين تجد مادتك؟

بسرعة كبيرة ابدأ بخطوط مبهمة وأشكال هندسية لا على التعين، ارسمها في عدة سكيتشات، واترك العنان لعقلي الباطن للعمل بشكل تلقائي حتى تخرج الافكار اولاً. واحياناً لا اجد تفسيراً لما

وصلت اليه، حتى بعد سنة او ربما سنتين. ما السبب الذي انتج هذا العمل؟. ومثلما اكتشف تفسيراً لعملي بعد حين، ارى ايضا ان من حق المتلقي ايجاد تفسيره المناسب. . بتعدد الافكار يكون الغنى الحقيقي للمنجز الفني، وللفنان، وللمجتمع الذي تعود ان يتلقى كل شيء بجاهزية مرعبة، يتلقى الافكار، ويتلقى الاوامر، ويتلقى الصفعات، ويتلقى ويتلقى، حتى بات عقله فراغاً يصفر فيه الخراب بما يشتمل عليه من ارهاب وعنف وقتل ودمار، خراباً لم يبق فيه غير المتناقضات، بأبيضها وأسودها.

- أنت تقارب الواقع من ميكانزم الكاريكاتير.

بالضبط، هذا ما اردت الوصول اليه، فالكاركاتير بلونيه الابيض والاسود هو المعبر الحقيقي عن واقع المجتمع والمعبر عن تناقضاته الحادة.

- يحكى ان رساماً من اليونانيين القدماء اسمه بوزوون كان مولعاً بالرسم الساخر، وبينما كان بوزوون يسعد البعض بنقده اللاذع، تعرض للاضطهاد و تحولت حياته الى جحيم. . . هل يفترض ان تكون حياة فنان الكاركاتير جحيماً لضمان نجاحه؟.

عملت مع بعض الصحف حتى سنة 1990، لكن وفق تحفظاتي الخاصة والدقيقة طبعا، وعندما كنت اعمل أي عمل فني في مجلة الف باء، او جريدة العراق،

وغيرها من الصحف، كنت أعيش أحيانا شهراً كاملاً من الرعب اليومي، متخوفاً من تفسيرات تودي بي الى التهلكة، فصحيفة واحدة تطبع منها آلاف النسخ، توزّع مجاناًّ على كلّ هواة التقارير الحزبية! وهواة كشف العملاء!. وانت تعيش مع كل نسخة رعبك الخاص من تفسيرات مؤسسة الرعب الهائلة، انه جحيم حقاً، سبب لي ازمات نفسية، كنت ارتضيها لنفسي، ولا ارتضيها لعملي الفني.

- كم هو قاس ان يرعبك منجزك. . !

تصور، الناس في كل الارض، وهذا هو المنطقي، يروّح عنهم قليلاً الانتهاء من عمل فني، بينما اجد نفسي كعراقي مغامراً بحياتي من اجل عمل فني، يمكن ان يصل الى الناس ويمكن لا يصل ايضاً. لا يمكن ان اجد مبرراً لمعاناة رسام من اجل نشر عمل واحد، وتحمل كل هذا الالم، والصراع من اجل الاستمرار، ان ينام بانتظار زوار الليل البشعين. ربما كلما ساء الوضع كلما وجد فنان الكاريكاتير مادته الخصبة، لكن الرعب سيتفاقم،

ولا يبدو المشهد منطقياً لحظة يفقد فنان حياته ثمناً للوحة واحدة، لكني مع هذا كنت اغامر. . . ويبدو انها (( سولة)) كما نقول بالعراقي.

- الى أي حد يؤمن فنان الكاركاتير بتأثير منجزه كأثر فني، رغم التعامل الحذر مع الآنية التي تحيط هذا الفن غالباً، ومتى يشعر بالعجز؟

من اصعب الامور التي يمرّ بها الفنان او المبدع احساسه بالعجز النفسي التام عن القدرة على الانجاز او الابداع، انه شيء مرعب ان تمسك بالورقة والقلم فتجد نفسك غريباً عن مناخهما، وكأنك لم ترسم من قبل، وجدت نفسي عاجزاً بشكل نهائي عن العمل ذات يوم، بعد ان نفذت الالاف من الاعمال الكاريكاترية خلال سبعة سنوات من العمل الصحفي، حصل هذا اول مرة بعد انتفاظة آذار المجيدة، وماحصل بعدها من تداعيات ومن قتل وذبح وابادة بشرية فاقت الخيال، سفكت فيها الكثير من دماء الابرياء من ابناء شعبنا العراقي المسكين على ايادي جلاديه، لحظتها وجدت نفسي عاجزاً تماماً عن العمل.

فشلت في الخروج من الوطن ونجحت بعد ستة اشهر في اول فرصة للهرب الى الاردن، وبدأت استرد عافيتي الفنية شيئاً فشيئا بعد ابتعادي عن مسرح الجريمة المهول، وبعد ان وجدت عدة منافذ لنشر اعمالي هناك. في الاردن عشت ثلاث سنوات بعدها انتقلت الى هولندا وبعد فترة وجيزة من وصولي، عاد العجز بشكل اقسى بعد استمراره لسنتين، ولا ادري ما سبب هذا العجز النفسي المفاجئ.

عجزت امام الرعب التام هناك، وعجزت امام الحرية في هولندا؟

نعم، كذلك في الاردن عشت صراعاً ايضاً، ولم استطع البوح بكل شيء اثناء فترة العمل في الصحافة الاردنية، وهذا شيء طبيعي لأنك لا تستطيع ان تقول كل شي، ولأن القلم يعجز احياناً وبياض الورقة لايتسع لكل شيء. والصدمة الثانية التي تسببت في عجزي كانت صحف المعارضة العراقية التي لم تكن اقل دكتاتوريةً من نظام صدام، كان التشكيك، وعدم الثقة، ورغبات السياسي المتوارثة في تحويل الفنان الى اداة طيّعة من ادواته، السياسي بغض النظر عن مكانته السلطوية، وفيما لو كان رمزاً من رموز المعارضة، المصيبة واحدة والضحية هو الفنان والمبدع.

لاحظ نقاد والكثير من المتابعين لأعمالك مدى استفادتك من "صمت السنتين" هل لك ان تطلعنا على السرّ؟

لحظة قررت الابتعاد عن هذه الأجواء التي اصابتني بالعجز، قررت ان ابدأ الرسم لنفسي فقط لعلّي اتخلّص من كلّ هذا الهم الموجود بدواخلي، والذي تسبب في عجزي. مسألة مهمة ايضا لها تأثير كبير على تدفق العملية الابداعية، هي صدق الاحاسيس، وايصالها بكل امانه الى المتلقي، الحمد لله هنا حققت نجاحي وتجاوزت الازمة بنتاج الخمسة سنوات الاخيرة، في اكثر من ثلاثة آلاف كاركاتير كلّها بلا تعليق وبلا زمان او مكان. . يسعدني ما اسمعه عن اعمالي وهو سعادتي الكبيرة في ان يقيّم تفرّد عمل ما وتميزه. ربما ابتعدت عن الصحافة كثيراً لكني كسبت نفسي.

ثلاثة آلاف كاركاتير كلّها بلا تعليق وبلا زمان او مكان هل للمنفى، لحاجز اللغة الأخرى التي تعيش على أرضها من سبب؟

هذا سبب ثان، السبب الاول هو شعوري بالاحباط الكبير لموت الكاريكاتير الحامل للزمان والمكان والتعليق، وكنت اتمنى ان احصل على منتجاً شبيهاً الى حد ما بالقصة القصيرة التي تؤرخ لمرحلة ما لكنها تبقى مقروءة ولها حضورها في كل زمان ومكان. برأيي هنا يكمن رهان العملية الفنية التي لا تخرج معتمدةً على عوامل اخرى بقدر توظيفها لهذه العوامل في بلورتها للخلود الفني، ومن هنا فالكاركاتير لا يحتمل شرحاً وتفصيلات لغوية بقدر رهانه الاول على صيرورته الفنية التصويرية المعبرة. السبب الاخر هو انشغالي المستمر وبحثي عن لغة يفهمها الجميع، لغة كونية ذات حسّ فني ضارب في كل الاتجاهات، خارج اللغة اكون حراً وأكثر وصولاً.

مثلما تعرف، في هولندا انتشر الكاريكاتير السياسي منذ وقت مبكر، وكان لويس الرابع عشر ملك فرنسا اول هدف لسخريتهم. . . كيف استفدت من عمق التجربة تاريخياً في هولندا؟. هل وصلتك التجربة الهولندية؟.

لم استفد من التجربة الهولندية الكاريكاتيرية كثيراً رغم عمقها وامتدادتها التاريخية هذه، لأن الكاريكاتير الهولندي الحالي؛كاريكاتير تقليدي ليس فيه مايميّزه كتقنيات او افكار، ربما لان حياة الشعب الهولندي حياة جميلة ومستقرة ولا تشتمل على المتناقضات السياسية التي نراها بين اللون الاسود والابيض، الحياة الكريمة مكفولة للجميع لذا لا يمكن ان تنتج هذه الاجواء فناً كاريكاتيرياً متميزاً، الكاركاتير والصحافة الساخرة تزدهر عندما تكون هناك تناقضات واضحة على المستوى الإجتماعي والسياسي، والكاريكاتير هو الوجه الآخر للمأساة، او هو وليد هذه المتناقضات الكبيرة في المجتمع، لذلك فأن رسام الكاريكاتير الهولندي كثيراً ما يستعير مشاكل الاخرين، او لنقل يستفيد من مشاكلنا الكثيرة. منحتني هولندا متسعاً من الامان والحرية التي كنت اتمناها في وطني ولكل فنان هناك، عدم الاحساس والخوف جعل قوتي ومدركاتي كلها تتجه الى الابداع، ربما عانيت من العزلة وقلّة النشر الا اني احتفظ باعمال منجزة وكاملة تكفي لزاوية كاريكاتير في صحيفة يومية لعشر سنوات متواصلة، دون بذل جهد سوى نشرها، وهي حصيلة افكار ابتعدت فيها عن الآنية التي تشلّ العمل الفني وتحجّره في زمان او مكان معين. . في الاردن كانت مرحلة متقدمة جداً. . مساحة من الحرية لايمكن لأي عراقي في الداخل الحلم بها، استطيع القول اني اكتشفت الحرية جزئياً في الاردن اما في هولندا فوجدتني اكتشف عوالم التأمل في هذه الحرية اكثر، لتكون من أساسياتي وواجبات وعيي الفني في الوطن.

في المتحف البريطاني يوجد فهرس للصور الكاركاتيرية جمعه رجل هاوٍ سنة1770م، واحتوى هذا الفهرس جميع الصور التي كانت معروفة حتى ذلك العهد، ويسجل لهجومات في غاية السخرية على الملك والاوضاع العامة بما تحمله من جرأة وحماسة سياسية، وتوالت الفهارس والتوثيق بشكل كبير حتى هذا اليوم.

الان، وبعد هذا التاريخ الدموي والدمار الثقافي وتلف الأرشيف. . هل يستطيع الكاريكاتير العراقي أيجاد فهرس تاريخي له؟.

ربما تبدو هذه العملية تقنية نوعاً ما لكنها لن تتحقق الا بمن يؤمنون بهذا الفن ويعتقدون بضرورته وأهميته في المسيرة الديموقراطية المرجوة. كما تعلم لم يكن في المرحلة الماضية من اهتمام كاف بهذا الفن، وأثناء متابعتي للعشر سنوات الأخيرة لفن الكاريكاتير في الصحف العراقية وفي مواقع الصحف على الانترنت، لم اجد مساحة حتى لو كانت صغيرة للكاريكاتير، في الوقت الذي لا تخلو أي صحيفة عربية من زاوية للكاريكاتير وأي موقع عربي مهتم من ثلاثة رسامين كاريكاتير على الاقل.

- ما هو السبب برأيك وبكلّ صراحة ؟

عدة اسباب، واهمها الاسباب السياسية، ثم التغييب المتعمّد للحضور الذي ربما يحرزه فنان الكاريكاتير عند المتلقي، حضوره بهذه الفاعلية سيكون له تأثير سلبي على كتيبة الكتبة!، او هكذا هم يظنّون، ممن يؤسسّون لمجد سريع، ونجوميات صحفية زائفة، مما سيضطر قطعاً فنان الكاريكاتير المسكين الى الانسحاب الآمن او العزلة، حيث سيجد نفسه في صراع غير متكافئ. في عراقنا الجديد نحن بحاجة الى اطلاق فنان الكاريكاتير ومؤازرته للتعبير عن نفسه وعدم الخوف من نجوميته، لأن وطن لا نرى النجوم كلها فيه. . . وطن مظلم بالدكتاتورية.

- متى تشعر بالحرية فنياً؟

الحرية هي الاكتشاف، المعرفة، واجمل الحريات حرية المعرفة، منذ كنت طفلاً ترسخ في دواخلي هذا الاحساس، ومن اكبر ما كان يعانيه اهلي مني هو رغبتي في التيه، فما ان يفتح الباب حتى يهب المنزل بأسره بحثا، وسؤالاً عن طفل لم يتجاوز سنيه الثلاثة، واذكر اني قدت تيهاً استكشافياً افزع اربع عوائل في حينا بعد ان اكتشفوا فقد ابنائهم وبناتهم، لم اكن تجاوزت الخامسة من العمر وطمعت بأن يكتشف الجميع معي جمال هذه المدينة الرائعة بنقوشها وزخارف ابوابها.

حسب نشأتي في مدينة البصرة "العظيمة"، مدينة البساطة والوضوح والشعر والسياب والفراهيدي ومحمد خضير والحسن البصري، هذه المدينة منحتني البساطة والوضوح، ومثل هذه الوضوح يشكل اعاقة كبيرة في بلد بوليسي عليك ان تخفي فيه غالباً ماتريد قوله، تـُناقض فيه تربيتك وفطرتك وجمالك، لهذا اتجهت الى تعميق الوضوح فنياً، وشكل هذا عندي نهجاً خاصاً، يسعدني ان الجميع يعرفه عني كفنان يهمه اولاً قضية الانسان الذي حاولت جاهداً ان امنحه مطلق الحرية على ورقتي، طامعاً بتحقيقها له خارج خطوط الكاريكاتير، في الحياة ايضاً. هذا من اولوياتي، في حين وجدت الكثير ممن ينساقون خلف شعارات المؤسسة، الشعار يسقط؛ أي شعار، بينما الانسان في أي زمان سيستمر خارج الشعار. مع هذا الانسان ومن اجله فقط اشعر بحريتي الفنية.

- زمن الدكتاتورية كلّه موقف كاريكاتيري مثلما قلت. حسب تجربتك وعملك في الصحافة هل سمعت او صادفك موقف كاريكاتيري في العمل الصحفي؟

- في ايام الرئيس البكر نزل عدد من جريدة العراق شاءت الصدف الجميلة ان تحوله الى كاريكاتير لغوي مضحك، يوم نشر فيه خبر ضمن المانشيت الاول في الجريدة وبخط كبير؛ الرئيس احمد حسن الكرّ. بعد ان سقط او اسقط حرف الباء، ووزع العدد في الاسواق ولم يُكتشف الخطأ الا بعد ساعات، امر البكر على اثرها باعتقال كادر الجريدة ابتداءً من الحارس والفراش حتى رئيس التحرير مروراً بعمال المطبعة، ودام اعتقالهم لستة ايام عصيبة.

موقف آخر في لقاء لمجلة الف باء مع فاضل البراك وكان مسؤلاً كبيراً في الدولة والحزب، سقط حرف الحاء من (حزب البعث العربي الاشتراكي)، الذي ظهر بخط بارز ايضاً وكان البراك اقلّ غضباً من البكر حيث اكتفى بحرق العدد الذي لم يوزع، تنفسنا الصعداء وهو يحرق عددا مجموعه ربع مليون نسخة.

- مشغلك يبدو وكأنه مكتب منظّم بشكل لم تمرّ ولن تمرّ الفوضى فيه؟

الفوضى مَضيَعة للوقت، ويسعدني ان اصون امانة الزمن، وانت ترى هذه الاضابير هناك ستشعر بصداع الدائرة الوظيفية، لكن الوضع مختلف هنا ففي هذه الملفات القابعة على الرفوف حكاية اخرى للوقت، فبعد نوبة الصمت المرّ بدأتُ عام 1998 بوعي آخر ونهج فني دقيق اتخذته مع نفسي ؛ فتحت ملفاً واخترت له محوراً للبحث في مفردة واحدة ابحث فيها وارسم في موضوعاتها الكثير، وكان اول مفردة اشتغلت عليها هي مفردة القنينة، وكانت القنينة هي وطناً وعالماً لإنسان يعيش تحولاته واحزانه وفكاهته في جوف هذه القنينة، حتى اصبح عندي لهذه المفردة مجموعة من 156 عملاً منجزاً. وتوالت المفردات بعدها، مفردة " الغريق" مثلاً عندي لها 191 عمل، "القلم" تجاوزت 200 عمل، حتى استطيع ان احصي عشرات المجاميع، واحياناً تصبح لدي تقاطعات في انجاز عمل في هذه المجموعة واخر في مفردة ثانية. في الوقت الذي كنت فيه اتابع العمل على افكار جانبية، هي اعمال منفصلة او قد تقودني الى مجاميع جديدة.

- في العراق عرفنا رسام الكاريكاتير الراحل عباس فاضل منشغلاً بموضعة الدلالات "بائعات الرصيف" ومن مفارقات القدر العراقي ان يصبح عباس فاضل متعاملاً مع الدلالات كي يكسب رزقه من بيع السكائر لفترة في ايام الحصار الجائر، مات بعدها كمدا. بودي ان اسألك عن عباس فاضل وعن اسماء اخرى.

انه موت فجائعي، هل تصدق ان عباس فاضل كان يخشى ان تكون نهايته على يد دلالة، واتذكرّ حين رسم نفسه اكثر من مرة ملاحقاً من قبل الدلالات، حيث يترصّدنه في احد ازقة بغداد، وكان له ما مكان، يوم افترش بسطة رصيف لبيع السكائر حين فصل من عمله في مجلة "الف باء"، مات عباس فاضل على قارعة الطريق عن عمر لم يتجاوز45 سنة.

- غازي الخطاط. . ؟

الرائد الاول لفن الكاريكاتير العراقي الذي بدأ متأخراً بالمقارنة مع مصر، مع ان الصحافة العراقية بدأت بشكل مبكر لكن فن الكاريكاتير تأخر نشره في الصحف بالمقارنة مع مصر التي استفادت من خبرات الرساميين الاجانب المقيمين على ارضها. صور غازي الحياة البغدادية بشكل كاريكاتيري متميز وكانت باكورة اعمالة اصداره مجموعة حول خلالها الاغاني العراقية الى كاريكاتيرات ساخرة، اعقبها بمجموعة ثانية كانت امتداداً لعمله الاول، ولاقت رواجاً كبيراً حيث بات لا يخلو أي بيت عراقي منها.

- عامر رشاد. . ؟

عامر رشاد، يأتي في المرحلة الثانية من مراحل نمو الكاريكاتير العراقي، صحيح ان الظروف لم تساعده كثيراً بسبب عمله في الصحيفة الناطقة بحال الدولة والحزب، حيث كان محاطاً بالعشرات من القيود والممنوعات، ومثل هذه الامكان تكاد تخلو من الابتسامة العابرة التي ربما تؤول الى جرم يعاقب عليه، الا ان هذا الرجل ساهم مساهمة كبيرة في ارساء فن الكاريكاتير بعد مراحل التأسيس الاولى.

لم نتكلم عن بداياتك انت؟

كنت في المرحلة الثانية من دراستي في اكاديمية الفنون الجميلة يوم توجهت بصحبة صديقي المسرحي خليل الطيار الى مكتب مجلة الثقافة في الباب الشرقي التي كان يصدرها الراحل الدكتور صلاح خالص الذي كان يجلس وحيداً في البناية، ذلك الرجل الذي اسعده قدومنا عليه، وكانت سعادتنا بذلك الشيخ الرائع اكثر واكثر حيث منحنا الحب والتقدير وسلمنا المجلة كلّها، وكان خليل الطيار يصدر المجلة من الالف الى الياء، وكنت اصمم واخط العناويين الرئيسة مع رسوم للسكيتشات الداخلية وارسم لوحة المجلة في الغلاف الاخير، الدكتور صلاح خالص انسان بكل ما تزخر به هذه الكلمة من المعاني وهو يجسدها سلوكاً فكرياً وحياةً احسسّناها لحظة ادخلنا الى بيته واحتضننا حداً نحسد عليه في زمن كان الحديث والصحبة مع مفكر مثله اشبه بالحلم لشباب في بدء الطريق، انه معلم كبير اتذكره واقول في حقه ماقاله احد الحكماء ؛ابي جاء بي الى الارض، ومعلمي ارتقى بي الى السماء. المعلم صلاح خالص الذي فتح بيته وقلبه لي والذي تعلمت من سلوكه؛ العلمية والدقّة الصحفية والامانة، اقول في حقه مقالة ايضاً افلاطون الذي شكر ربه على خلقه في زمن سقراط.

 

Air Max Shox 2018

معرض الصور