لم يحظ الكاريكاتير بالدراسات والأبحاث والمقالات التي تتناسب مع أهميته في حقل الفنون ، مع أن دراسته تعتبر مدخلا اساسيا للتعرف على الهوية الثقافية للأمم والشعوب ، التي أنتجت الكاريكاتير ، الذي تتعدد مدارسه وتتنوع موضوعاته.
وإذا كانت الدراسات التي تتناول هذا الموضوع نادرة بالنسبة لغيرها في مجال الفنون التشكيلية ، فإن الأكثر ندرة هو الدراسات التي عالجت موضوع الكاريكاتير العربي بشكل عام والأردني بشكل خاص ، ومن هنا تأتي أهمية كتالوج (الكرتونجيّة) الذي صدر عن رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين ، وهنا أركز على كلمة (كتالوج) ، لأنه خلا من النصوص التي تتناول بالتحليل والدراسة تاريخ الكاريكاتير منذ القدم وصولاً إلى تاريخ الكاريكاتير الأردني ورساميه.
من تاريخ الكاريكاتير
وبهذا الخصوص نذكر ان بداية الكاريكاتير كانت قبل ثلاثين ألف سنة ، عندما كان الإنسان البدائي يقضي أياماُ طوالاً في الكهوف يمارس الرسم إلى جانب نشاطاته المختلفة. ونلمس هذا في التراث الحضاري للفن المصري القديم والفن السومري والآشوري والإغريقي والروماني والبيزنطي وبلاد كثيرة ، إلا أن استعماله في الجدل والدعاية السياسية ، بدأ في أوروبا مع ظهور المصلح الديني "مارتن لوثر" وهو أول من استعمل الكاريكاتير اللاذع على نطاق واسع في خدمة حركته.
وقد احتل الكاريكاتير مكانة رفيعة ومهمة في علمي الاجتماع والسياسة عندما بدأ "شارل فيليبون" الصحفي والطباع الفرنسي في عام 1830 بإصدار أول صحيفة هزلية مصورة أسماها "الكاريكاتير" وتبعها بصحيفة أخرى أسماها "شاري يغاري". ويعد الفنان الفرنسي دومييه الذي سجن بسبب رسوماته الساخرة ، الأب الروحي لفن الكاريكاتير في كل مراحله التي وصل إليها فنانو الكاريكاتير في الصحافة العالمية اليوم.
أما بالنسبة للوطن العربي ، فقد عرف الكاريكاتير فيه من خلال الفنان يعقوب صنوع ، فهو أول من بدا برسم الكاريكاتير وأول من أصدر مجلة تعنى بهذا الفن أسماها "أبو نظارة زرقا".
وبعد عام 1919 بدأت مجلات الكاريكاتير تنتشر في مصر فظهرت مجلة "الكشكول" و"خيال الظل" ثم تبعتهما مجلة "الفكاهة" و "روز اليوسف" ، وأصبح فن الكاريكاتير له السيادة في الصحافة ، وكان أول رواد هذا الفن في تلك الفترة الفنان الاسباني سانتش والتركي رفقي. ثم ظهر صاروخان ، ورخا وزهدي وعبد السميع وصلاح جاهين. وبعد انتشار الطباعة ظهر في الوطن العربي عشرات المبدعين في فن الكاريكاتير أشهرهم المصري الراحل بهجت عثمان والفلسطيني ناجي العلي. وبشكل مختزل نستطيع أن نؤكد بان الكاريكاتير حافظ عبر مسيرته الطويلة على سماته التي تعتمد على (الخط واللون) في الرسم كأساس للتعبير عن واقع له مشكلاته الايجابية والسلبية في الحياة. وهذا ما يؤكده الكتالوج الذي صدر مؤخراً عن رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين.
مرايا هموم الأمة ومشكلاته
هذا الكتالوج الأنيق في التصميم والإخراج يحتوي على (248) صفحة من القطع الكبير ، موزعة على مقدمة لرئيس رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين ، الفنان جلال الرفاعي ، الذي ساهم في إرساء وتدعيم قواعد فن الكاريكاتير الاجتماعي والسياسي الأردني بكل جدارة خلال مسيرته الفنية الطويلة. وتضمن الكتالوج أيضاً كلمة للكاتب الساخر يوسف غيشان حملت عنوان "الرسم بالبسمات". بعدها تناول الكتالوج عشرين رساما ، هم: جلال الرفاعي ، عماد حجاج ، ناصر الجعفري ، أمجد رسمي ، نضال هاشم ، أسامة حجاج ، بهاء سلمان ، محمد أبو عفيفة ، محمود هنداوي ، هاني مسعود ، محمود الرفاعي ، عمر العبداللات ، عبدالرحمن الجعبري ، نضال البزم ، صفية البكري ، صلاح عداربة ، بشير مريش ، نبيل الحسنات ، أمل ملكاوي وعماد عواد.
وقد تفاوت عدد الصفحات من رسام إلى آخر ، لكن ما يوحدهم وجود صفحة تتضمن صورة شخصية مع سيرة ذاتية لكل رسام.
تشير السيرة الذاتية لمعظم هؤلاء الرسامين أنهم عملوا في الصحف المحلية ، اليومية والأسبوعية ، وعمل عدد منهم مثل المخضرم جلال الرفاعي وامجد رسمي وناصر الجعفري في صحف ومجلات تصدر في الوطن العربي وخارجه ، حيث انفرد كل رسام بطابع خاص وأسلوب مميز في طريقة الرسم.
والمدقق في الرسومات المصاحبة للكتالوج يلاحظ بان رسامي الكاريكاتير الأردنيين تناولوا من خلال الخط واللون ـ إلى جانب القضايا الاجتماعية والاقتصادية ـ هموم الأمة ومشكلاتها وقضاياها المختلفة ، التي تحاكي هاجس الإنسان العربي الذي عانى وما يزال يعاني من الاحتلال والاستبداد والظلم والقهر والتشريد وغياب الديمقراطية. وهذه الرسومات الساخرة لا تزال تنبض بروح القضايا العربية وتحمل مادة الحياة في طياتها ، إيماناً منهم بأهمية تلك القضايا من ناحية ، وإيماناً منهم بدور فن الكاريكاتير الملتزم الذي يطرح رأيه ويقول كلمته بكل صراحة من ناحية أخرى.
وهذا ما نلاحظه في رسومات: جلال الرفاعي ، ناصر جعفري ، أمجد رسمي ، أسامة حجاج ، بهاء سلمان ويزيد عليان.. حيث تناول هؤلاء في رسوماتهم الكثير من السياسيين بكثير من الرقي في الطرح من حيث الفكرة والمضمون.
كما ينفرد كل رسام بتوقيع مميز ولافت كعنصر مستقل عن مضمون الرسم يختلف فيه عن زملائه. والمدقق في التواقيع ، يلاحظ أن جميع الرسامين المشاركين في الكتالوج قد استخدموا أسماءهم بطرق مختلفة ، باستثناء الرسام يزيد عليان الذي استبدل حرف النون برسم للعين ، وكذلك الرسام بشير مريش الذي استبدل اسمه بمفاتيح البيانو ، وضمن تلك المفاتيح رسم ست نقاط ـ وهي ضمن اسمه ـ وذلك لتسهيل قراءتها.
أخيراً الشكر كل الشكر للجهد الذي بذله الفنان جلال الرفاعي على هذا المشروع الكبير ، المهم والقيّم ، حيث وثّق مجموعة مهمة من الأسماء الأردنية المشتغلة في هذا الجنس الفني ، ما جعل منه مرجعاً مهماً لفن الكاريكاتير الأردني ، كانت المكتبة الأردنية بأمس الحاجة اليه ، نتمنى أن يتبعه كتاب يتناول بالنقد والتحليل تاريخ الكاريكاتير في الأردن.
Max 90 Premium SE