عندما ترى تألقه ومشاغباته ورسوماته العصية على النسيان، ستصدق أن الحياة تبدأ فى الرابعة والسبعين، ذلكم هو العمر الزمنى للفنان الكبير مصطفى حسين، أما عمره الفنى فسيبقى ما بقى قارئ
يتذكر «كمبورة» و«عبده مشتاق» و«فلاح كفر الهنادوه» وغيرها من الشخصيات التى أبدع رسمها هذا الفنان المشاغب.
احتفالا منا بعودة المياه لمجاريها بين مصطفى حسين والكاتب الكبير أحمد رجب بعد سبع سنوات من الجفاء ليجمعا إنتاجهما المشترك فى كتب متنوعة ستصدر قريبا. كان لنا هذا الحوار معه.
الشروق: تصدر خبر المصالحة بينك وبين الكاتب أحمد رجب الصحف هل هناك أمل فى وصل ما انقطع على المستوى الإبداعى؟
مصطفى: لا أريد أن أستبق الأحداث، فأنا سعيد برجوع المياه إلى مجاريها بعد أن استمرت الفجوة مع أحمد رجب حوالى 6 سنوات على إثر خلاف بسيط تضخم مع مرور الوقت. وكنا قد قطعنا سويا رحلة طويلة منذ 1974 وحتى 2003 كنا ننشر فيها يوميا فى جريدة أخبار اليوم.
فوجئت بعد مرضى بأن أحمد رجب أفضل منى بكثير فقد وقف بجانبى أثناء محنتى ولم يلتفت لأى خلاف، متذكرا السنوات الـ29 التى حدث بيننا خلالها اندماج فكرى كامل وقدمنا إنجازات تركت أثرها على القارئ، فأحمد رجب يتميز عن أى كاتب ساخر آخر بأنه يعى جيدا أسرار فن الكاريكاتير أى إن تفكيره فى العمل تفكير رسّام، فهناك أفكار ساخرة كثيرة لكنها لا يمكن أن ترسم. دائما ما أردد مازحا معه أنه لا ينقصه سوى أن يرسم لكنى لن أتيحها له.
الشروق: وكيف نشأت فكرة العمل مشترك بين كاتب ساخر ورسام كاريكاتير؟
مصطفى: يرجع الفضل فى هذه الفكرة لعلى أمين ومصطفى أمين، إذ تعتمد مدرسة أخبار اليوم على اجتماع الرسام مع الكتاب مثل جليل البندارى ومأمون الشناوى ومصطفى وعلى أمين ومحمد عفيفى والرسامين رخا وصاروخان، كان الاجتماع يتم كل أربعاء لمناقشة ماذا سنقدمه من أفكار ورسوم ساخرة. وبعد الإفراج عن مصطفى أمين وعودة على أمين من منفاه الاختيارى إلى جريدة الأهرام، كان الاثنان يفكران فى جريدتهما الأخبار وفى مستقبلها وكان لقاؤنا أنا وأحمد رجب فى يناير 1974.
الشروق: إلى أى مدى حدث تفاعل بين مدرسة أخبار اليوم مصطفى: التى لا يمكن نسيان أنها فى الأساس إحدى الصحف القومية مصطفى: وبين مدرسة أحمد رجب ومصطفى حسين؟
مصطفى: كان عندنا جرأة جعلتنا نتخطى بها أى عقبة لأننا كنا ننتقد أى مسئول أو أى حدث بذكاء وبدون تجريح، كان بعض الوزراء يشكوننا ويتم التحقيق معنا فى الأمن العام، أذكر حين قدمنا شخصية «فلاح كفر الهنادوه»، لم يغضب منها رئيس الوزراء عاطف صدقى وقتها، بل كان يتصل بنا ويستحسن بعض الأفكار الساخرة التى ننتقد بها أداء الحكومة أو نناصر فيها المواطن الغلبان. على عكس وزير مالية سابق ظهرت على يده العديد من الضرائب، يجوز أننا قسونا عليه لارتباط منصبه وقراراته بالمال أى عصب الحياة للمواطن العادى، وكان دائم الشكوى إلى رئيس الجمهورية وإلى وزير العدل.
الشروق: هل نجح النقد اللاذع من خلال الكاريكاتير فى أن يسهم فى إصلاح الأحوال أو إحداث أى تغيير؟
مصطفى: حدث هذا فى كثير من الأحيان، مثل وقت إصدار ضريبة الأيلولة والتركات التى كانت تتطلب دفع ضريبة التركات بالإضافة إلى ضريبة أخرى حين يؤول الورث للوريث، وعلى أثر كاريكاتيرنا تم تغيير القانون. وكذلك الحال حين قدمنا شخصية «عبده بالنفر» فى الثمانينيات مسلطين الضوء على سائق التاكسى الذى يتحكم فى رقاب الناس وعلى إثر الكاريكاتير اجتمع محافظ القاهرة بالسائقين وحدد سعر البنديرة بما يناسب السائق ولا يضطره إلى التحول إلى إله يتحكم فى مصير الناس.
الشروق: يبدو من حديثك أنك غير راض عن الكاريكاتير الموجود اليوم، بم تعرف فن الكاريكاتير؟
مصطفى: الكاريكاتير هو وسيلة نقد فنية أشبهها بالمضاد الحيوى، صغيرة الحجم وتحتوى على مفعول قوى جدا، يمكن أن يصل إلى المثقف والشخص ذو التعليم البسيط، كما أنه لا يستغرق وقتا فى عصر القراءات المهولة الذى نعيشه، فهو مثل الكبسولة الفعالة ويزيد عليها أنه مبتسم.
الشروق: شهد فن الكاريكاتير أزهى عصوره فى الخمسينيات والستينيات مع رخا وصاروخان وجاهين وبهجت وحجازى والليثى وغيرهم، ثم عاد فى التسعينيات من جديد، ألا تعتقد أن الكاريكاتير ميزان حرارة لدرجة الديمقراطية المتوافرة؟
مصطفى: يزدهر الكاريكاتير فى عصور الحرية، بينما تزدهر النكتة السرية فى عصر الكبت، فالرقابة على الرسوم تفسدها، أقصد إذا خضعت لرأى مسئول أو رئيس تحرير.
الشروق: وما تقييمك لرسوم الكاريكاتير فى صحف اليوم وقدرتها على إحداث تغيير؟
مصطفى: اليوم هناك نبرة عالية فى صحف المعارضة، هناك هامش من الحرية فى تناول الموضوعات بالقياس لفترة كنا لا نجرؤ فيها على تناول العديد من هذه الموضوعات. اليوم يتم انتقاد الرئيس وابنه فى جرائد المعارضة وأحيانا يكون النقد شديد اللهجة. فالكاريكاتير وظيفته أن يلقى بضوء أحمر على مشكلاتنا بشكل سافر، وقد يتراجع المسئول بعده لأنه يجعله تحت المجهر حتى وإن لم يستجب بشكل مباشر. فالكاريكاتير هو مشاركة حقيقية فى محاولة الإصلاح.
الشروق: كنت موضع هجوم على إثر كاريكاتير اعتبره البعض تجريحا للمصريين أنفسهم، ما سر هذا الموقف؟
مصطفى: كان هذا فى 2005 بسبب تعليق كتبته فى كاريكاتير: «دول ناس شافوا يدوب حتة ديمقراطية، قاموا اتسعروا»، وبالطبع لم أكن أقصد الشعب المصرى بل كان القصد بعض الصحفيين فى بعض الجرائد، حيث أصبح النقد فى هذه الصحف أشبه بالنواح، فقد بدا الأمر كما لو كانوا فوجئوا بهامش من الديمقراطية فشمروا عن سواعدهم «وهاتك يا نقد من اللى قلبك يحبه». لم يكن الشعب هو الذى «يهوهو»، بل صحفيو بعض الجرائد.
الشروق: تطالعنا برسوم كاريكاتورية تنتقد الأوضاع الاجتماعية أو ظواهر عامة مثل الرشوة أو صورة الغرب المشوهة عن الاسلام، لماذا العزوف عن المطبخ السياسى الذى عهدناه منك ؟
مصطفى: قضيت عمرى فى العمل الصحفى وقطعت مشوارا طويلا انتقدت خلاله العديد من المسئولين، أما اليوم فالأمر يخضع تماما لرئيس التحرير. فإذا اعتبرنا الأخبار جريدة قومية لها رئيس تحرير ينتمى لمجلس الشورى، فيصبح أى نقد مسار بلبلة ومحل نقاش.. إلخ. الأمر يرجع لأسلوب الجريدة ومدى حرية التفكير التى يتمتع بها رئيس التحرير.
الشروق: ألا يوجد دور يمكن أن تقوم به نقابة التشكيليين وأنت نقيبها الحالى ولفترة ثانية فى مساندة الرسامين ضد أى رقابة أو تدخلات؟
مصطفى: النقابة لها دور محدد هو الحفاظ على أهل المهنة ورعايتهم الصحية لكن ليس لدينا سلطات أو إمكانية أن نصلح تفكير بعضهم. والأمر يختلف تماما عن نقابة الصحفيين التى تمثل منبرا مهما أو نقابة الأطباء والمحاميين، لأن الفنان التشكيلى ذو نزعة ذاتية فردية يعمل بطبيعة الحال بمعزل عن الجماعة. فنقابة التشكيليين لا يوجد بها الصراع الموجود فى النقابات الأخرى.
الشروق: وما تقييمك لمكانة الكاريكاتير فى المجتمع اليوم؟
مصطفى: أشعر أن هناك انفتاحا أكبر على فن الكاريكاتير عنه فى فترات سابقة، فاليوم هناك مجلة متخصصة تحمل اسم الكاريكاتير، وعند التفكير فى إصدار أى جريدة يأتى فى المقدمة التعاقد مع رسام كاريكاتير ليعطى طابعا للصحيفة ويربط القارئ بها وغيره، أما فى الماضى فكان اللجوء لرسام مجرد ديكور لاستكمال العناصر اللازمة
air max 90 essential orange