الفنان الكاريكاتيري كفاح محمود : عملية النضج الفني عملية تراكمية وهي نتاج لتجارب كثيرة

قيم هذا الموضوع: 
لا يوجد تقييمات
المصدر: 
جريدة الصباح - العراق
الكاتب: 
حوار: لمياء نعمان

 

تتحدث مفرداتنا الصحفية عن فن الكاريكاتير.. ونجده يحمل عناوين غير نمطية في استحداث الفكرة وإدانة مظاهر اجتماعية وسياسية نضحك منها ونرثي لحال الانسانية..

الكاريكاتير العراقي وحداثة مدارسه وتشكيلاته وخطوطه وافكاره تدعونا للتوقف عند اسماء معينة يشار اليها بالبنان لما قدمته من طروحات ورؤى عصرية تضاف لمقاييس جديدة لمدرسة الكاريكاتير العراقي.. وكفاح محمود المقيم في هولندا هو احد الاسماء التي انتجته الحالة العراقية بكل معانيها الجميلة والمأساوية..

الفنان الكاريكاتيري كفاح دخل عالم الصحافة بكاريكاتير (اسبوعيات حمدان) في التسعينيات ليعمل على نمط جديد من فن الكاريكاتير لا يعتمد في ذلك على اسلوب السيناريو الكاريكتيري وربما اسألتنا معه أثارت ما هو مخفي في جوانحه... فهو يتألم كثيرا لحال أهله العراقيين ويتمنى ان ينتهي وجعنا الذي اصابه بالامراض.. فعندما راجع طبيبه الهولندي لعلاجه... سأله من أين أنت... قال له فناننا: أنا عراقي.. فقال له الطبيب: إذن حاول ان لا ترى الاخبار والحوادث والموت عن بلدك... حاول ان تشاهد افلاما ومسلسلات للترويح عن نفسك ومواجعك ويقول ويتساءل: كيف لي ان أترك وجع العراقيين وأنا منهم؟ ويحاول كفاح ان يحلم ولو لمرة حلما هولنديا برغم انه مقيم هناك منذ سنوات.. وأحلامه العراقية تؤرقه وتبعث في قلبه الحزن والألم..

ولا نشكو هنا حال الفنانين العراقيين المغتربين فهم بالتأكيد يموتون ألماً على ما يعيشه أهلهم في العراق.. ولكن حتى لو اقترب الوجع وتضامن لتحويل متغيرات حياتنا للاستقرار والأمان.. لكننا هنا نحاول ان نبحث عن مفردات لحياتنا تجعلنا نعيش برغم العنف والخوف والموت القسري تتضمن أمنيات ممكن تحقيقها... نتحدث مع الفنان كفاح محمود عن فنه وذلك عبر وسائل الاتصال الحديثة... وتحادثه عن سؤال يدور في الإذهان دوما.. عن ماذا يتناول معجمه الفني؟.

أشار الفنان كفاح:

مع مرور الوقت صار الكاريكاتير بالنسبة لي وسيلة من وسائل التنفس.. ومن دونه لا يمكن لي ان أستمر بالعيش كإنسان طبيعي أوقد أفقد توازني نهائيا.. لان ضغوط الحياة التي تحاصرنا صارت أكبر من ان تحتمل وهي بحاجة الى وسائل مساعدة تخفف من وطأتها، لذلك قد أرسم المئات من اللوحات التي تتفق مع قناعتي الشخصية لكنها تتعارض مع قناعات الآخرين المهم في نهاية المطاف ان افرغ كل ما ينتابني من هموم وضغوط نفسية على الورق متجاوزا فكرة ان يقبل هذا الكاريكاتير او يرفض.

أعمالي الفنية هي انعكاس طبيعي لما أشاهده يوميا عبر شاشة التلفاز من مشاهد القتل والدمار والموت والعبوات الناسفة وجيوش الانتحاريين الاغبياءالذين يحرقون أنفسهم ويذبحون العشرات من الأبرياء العزل وكل ذلك طمعا في دخول الجنة.. يا للسخرية وهل يوجد كاريكاتير في الدنيا اكبر من هذا الكاريكاتير ولنتخيل ان رساماً ما رسم كاريكاتير اقل من ثلاثين عاماً فقط عن شخص نفسه في منتصف الطريق وقتل معه العشرات لكي يدخل الجنة حتى يحصل على ثمانين حورية من حورياتها فلن يصدقه احد وستعتبرونه مجنونا او في أحسن الأحوال سخيفا.. كنا نعتقد ان الكاريكاتير هو صورة ساخرة لواقع طبيعي نوعا ما لكن الواقع الحالي سبقنا في سخريته وأفرز الآلاف من الصور المضحكة المبكية والجاهزة للعرض ولا ينقصها الا الشخص القادر على اكتشاف المفارقة الموجودة في الحياة مطلوب من فنان الكاريكاتير اختزال الحياة بمشهد واحد فقط، وهنا تكمن صعوبة هذا الفن.

ـ الكاريكاتير تعبير جامح وجريء لمقاييس حياتية واجتماعية وسياسية.. كيف استفدت من تجربتك.

في نضج رؤيتك الفنية في أعمالك؟

ـ عملية النضج الفني عملية تراكمية هي نتاج لتجارب كثيرة وعمليات إحباط وفشل متكررة لمهنة قل نظيرها في العالم.. هي المهنة الوحيدة التي لا تدرس في أية جامعة من جامعات العالم ولا يوجد لها أية قواعد او ضوابط فنية او فكرية محددة.. هي عالم مليء بالاسرار والخبايا، وهو الفن الأقرب الى الروح والعقل..

كانت البداية صعبة جدا.. ولم أكن أعلم ان ما كنت أخطه على جدران منزلنا يندرج تحت مسمى كاريكاتير، كانت مجرد شخبطات لرؤوس ضخمة تمثل أولاد المحلة الأشرار الذين كنت اقتص منهم بطريقتي الخاصة، ويبدو ان شكل الجدار له علاقة بالرليفات السومرية والبابلية القديمة التي كان يسطر عليها الفنانون الأوائل ملاحم الملوك والامراء في تلك المدة، ويسخرون ايضا من الاعداء الأشرار القادمين من خلف الحدود ويصورونهم بشكل بائس ويرثى له... كل هذه كانت اسقاطات تاريخية لعقل طفل لم يدر بالقصة وبنتائجها المستقبلية.. بعد مرحلة الجدار كان العثور وبالصدفة على بعض المجلات المصرية التي كانت تحوي على بعض الرسومات الشبيهه بشخبطات الجدار التي اكتشفت ان اسمها كاريكاتير، ومن أهم هذه المجلات كانت مجلة صباح الخير التي كان يعمل فيها في ذلك الوقت اكثر من ثمانية عشر فنانا كاريكاتيريا، كانت بحق مرجعا مهما لفناني الكاريكاتير المبتدئين.

* هل تقيم حوارات مع أعمالك.. أم تكتفي بالانجاز والعرض؟

ـ بعض اللوحات التي أقوم برسمها لم أجد لها تفسيرا من الوهلة الأولى لأني وفي أحيان كثيرة أطلق العنان لعقلي الباطن وأترك يدي تلعب بحرية كبيرة على الورق ولذلك فعقلي الباطن في أحيان كثيرة يسبق عقلي الواعي في انتاج لوحات لم افكر فيها بشكل مباشر، بعض هذه المواضيع تحقق فعلها بعد خمس او ست سنوات، وعلى سبيل المثال وتحديدا في العام 1997 رسمت اكثر من ستين لوحة كاريكاتيرية عن تمثال الدكتاتور.. فهو تارة مدمر واخرى مسحوب أرضا وثالثة مربوط بجحش... بعدها بست سنوات سقط تمثال الدكتاتور، كاريكاتير آخر رسمت فيه دكتاورا يفجر انسانا مسكينا بالديناميت عن بُعد ولم أكن أعلم ان هذا يحصل فعلا لكني رسمته من باب المبالغة الكاريكاتيرية فقط، ويومها رفضت الجريدة نشره لانها رأت ان فيه الشيء الكثير من المبالغة..

وبعد سقوط النظام شاهد االعالم اجمع كيف يفجر نظام الدكتاتور المقبور شعبه المسكين، وحادثة أخرى رسمت فيها فيها مواطناً عراقياً يعيش في قبر تحت الأرض سعيدا مع بعض أدواته البسيطة التي تساعده على الاستمرار في الحياة.. وهذا الآخر لم ينشر واتهمت بالسوداوية والتخريف كوني أرسم أشياء ليس لها أساس من الصحة في الواقع، وحصل بعد سقوط النظام ان فجع العراقيون والعالم.. او أكون أنا الوحيد الذي فجع بقصة المواطن العراقي (جواد) الذي بنى له غرفة صغيرة بحجم القبر طولها متر ونصف تحت مطبخ المنزل واغلقها من جميع الاتجاهات الا من فتحة صغيرة جدا.. كانت أمه العجوز تدخل له الطعام والماء كل يوم وتعيد اغلاق الفتحة من جديد واستمر على هذا الحال اثنين وعشرين عاما حتى سقوط الصنم في بغداد، ولوحات اخرى لم اجد لها تفسيرا في وقتها.. ووضعتها في خانة الكوميديا السوداء والمبالغة الكاريكاتيرية فوق المحتملة وغير المعهودة لكن الواقع كان دائما ما يسبقني ويحول المبالغة الكاريكتيرية الى صورة من صور الواقع.. في اعمالي الكاريكاتيرية لا ألهث خلف الأحداث اليومية كما يفعل الكثير من رسامي الصحف العراقية والعربية.. الكاريكاتير بالنسبة لي لوحة امارس فيها تأملاتي اليومية وهي ايضا نتاج لما يفرزه عقلي الباطن بكل حرية مع الكم الهائل من المضايقات التي اتعرض لها والرفض المتكرر للكثير من الافكار التي اقدمها التي لا تنسجم مع عقلية اصحاب الصحف والمجلات التي احاول عرض اعمالي الكاريكتيرية فيها.

* اللوحة غنية بمفردات ومفاهيم ورؤى مختلفة من هواجس الفنان.. ألا يجعلك هذا مع اختلاق مسار آخر لتجعل اعمالك أكثر غنى؟

ـ أتعامل مع الكاريكاتير كما اتعامل مع اللوحة الفنية:: بعد تجريدها من الزمان والمكان.. فالكاريكاتير التقليدي الذي نشاهده اليوم على صفحات صحافتنا العربية يموت بعد انتهاء الحدث مباشرة واحيانا يموت قبل ان يتم الحدث.. وأذكر حادثة حصلت معي قبل عشرة اعوام عندما طلبت مني الصحيفة التي اعمل فيها ان ارسم كاريكاتيرا اعلق فيه على حاملة طائرات كانت متوجهة الى منطقة الخليج العربي.. وبعد ست ساعات من العمل انتهيت من رسم الكاريكاتير وأرسلته الى قسم التحرير، فوجئت بقولهم لي ان هذا الكاريكاتير لم يعد له ضرورة الآن لان حاملة الطائرات المزعومة كانت قد غيرت طريقها واخذت وجهة اخرى ولم تدخل الخليج.. هذه الحادثة حفزت عندي مسألة البحث عن نوع اخر من الكاريكاتير يصلح لكل زمان ومكان وربما يحاكي المستقبل.. كاريكاتير يدعو للتأمل والتفكير ولا ينقل الحدث بشكل مباشر وسطحي كما يفعل مراسلو المحطات التلفازية.. لان هذا ليس من مهمة هذا الفن الجميل.

* اختلاف الفنون على مشاربها وديمومتها هو نتاج حضارات وانتشارها اثبات لهوية الفنان المحلي ولكن سرعان ما يتأثر الفنان المرتبط بتلك الجذور بمجمل الفنون الحديثة.. فهل تأثرت بها ايضا؟

ـ التأثر يحصل لكنه بالنسبة لي كان في حدود التكنيك واستخدام ادوات جديدة مثل ادحال تقنية الكومبيوتر وبرامجه التي ساعدت الفنان علي تخطي حاجز السرعة.. ومنح اللوحة تكنيكاً عالياً بزمن قياسي مقارنة بما كان يستخدمه الفنان من ادوات بسيطة في الماضي القريب جدا لكن في ما يخص الفكرة، فانا اينما حللت والى اي مكان ذهبت يبقى الموضوع العراقي مسيطرا عليّ.. وهو شاغلي الاول والأخير، حتى انني في احدى المرات قررت ان ارسم كاريكاتيرا واحدا ليس له علاقة بالهم العراقي.. فرسمت انساناً عارياً يصعد السلم مبتسما باتجاه الاعلى سائرا الى ما لا نهاية، وقمت بعرضها في احد المعارض في احدى صالات العرض في مدينة امستردام.. ويومها شاهدها احد الصحفيين الهولنديين المهمين فقال لي (هذا حالكم ايها العراقيون.. فأنتم حينما لا تجدون مكانا تلجأون اليه فأنتم تهربون الى السماء) عندها ادركت ان العراق يظل بداخلي وهو قدري يلاحقني في كل مكان حتى في احلامي وكوابيسي التي يفترض ان تكون هولندية، لأني اعيش في هولندا منذ اثني عشر عاما.. ومع ذلك لا اتذكر يوما اني حلمت لا بالنساء الهولنديات ولا بالطبيعة الهولندية الجميلة.. وهذا شيء غريب حقا انا لم افكر الا في لحظة كتابة هذه السطور.. وذلك سأحاول هذه الليلة جاهدا ان احلم احلاما هولندية.. لأنني سئمت من الانضباط العسكري وهو يلاحقني من شارع الى شارع ومن زقاق الى آخر ومن دربونة الى اخرى وما اكثر الدرابين والازقة في مدينة الزبير.. ليسألوني عن ورقة الاجازة. او ما يسمونه باللغة العسكرية بعدم التعرض.. وعندما لا اجد هذه الورقة اللعينة الحقيرة اسحل كالكلب الى سيارة السجن التي يجمعون فيها الجنود الهاربين او ما يسمى بالإفرارية.. كل ليلة على نفس الحال والمنوال، مع ان قادسية صدام المشؤومة توقفت منذ ستة عشر عاما الا ان نيران هذه الحرب التي كنت احد جنودها.. ما تزال تطاردني وتحرقني في كل ليلة.. ارجوكم ساعدوني كي احلم بالهولندي.. او ادعو لي بالتوفيق وان ربي يوفقني ولو لمرة واحدة ان احلم حلماً هولندياً واحداً.

* الجمال عالم افتتان للانسان وخاصة للفنان باعتباره عناوين للفنون.. فما هو افضل شيء جذبك من تلك العناوين؟

ـ لا مكان للجمال في حياتنا وان وجد فهو جمال مصطنع.. حياتنا مليئة بالبشاعات والحروب والدماء والقتل والمفخخات والتفجير.. ومع انني اعيش في اوروبا، لكني اعاني من هذا الخراب كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة بل وكل ثانية.. احاول في بعض الاحيان ان اخرج بدراجتي نحو المحميات الطبيعية في شمال مدينة امستردام.. لكنني وبدلا من ان اشاهد هذه الطبيعة الباهرة، واستمتع بزقزقة العصافير.. تبدأ المفخخات والعبوات الناسفة تتفجر امامي وتصير الاشلاء تتطاير.. والدماء تسيل.. وفجأة يتلون الفضاء الاخضر امامي بلون الدم.. فاضطر للهرب مرة اخرى من هذه الطبيعة القبيحة المبللة بلون الدم الى شاشة التلفاز الأشد قبحا من سابقتها.. ولذلك فأنا مضطر للبحث عن المفارقة الكاريكاتيرية وسط الاشلاء البشرية والرؤوس المتطايرة.. اما الورد الجوري فقد كانت والدتي تغليه بالماء الساخن لتصنع منه الشربت ولم تفكر لمرة واحدة في حياتها ان تتأمل جماله او تشم رائحته..

نبذة عن الفنان

ـ ولد في قضاء الزبير / البصرة عام 1962.

ـ خريج كلية الفنون الجميلة / 1985.

ـ عمل رساما كاريكاتيراً في الصحف والمجلات العراقية / مجلة الف باء، المرأة، وعي العمال، جريدة الجمهورية، القادسية.

ـ عمل في جريدة المحرر ـ باريس 1989 / 1992 كرسام كاريكتير.

ـ عمل في الاردن في الصحف / الدستور ـ شيحان الاسبوعية ـ الأهالي الاسبوعية.

ـ يقيم في هولندا ينشر اعماله منذ 1994 في الصحف الهولندية والصحف العربية التي تصدر من لندن مثل الزمان الهولندية ـ مجلة الزمان الجديد وغيرها.

 

Lebron Soldiers X 10

معرض الصور